عزف منفرد - الحسين والضمير الاجتماعي

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع - البلاد البحرينية
أورد العلامة الاجتماعي العراقي الراحل الدكتور علي الوردي في كلمته التي ألقاها في العاشر من محرم أواخر أربعينات القرن الماضي في الصحن الكاظمي قول علماء النفس: “إن في كلّ نفس غريزة في حب الشهرة وكل إنسان يودّ من صميم قلبه أن يكون محترماً بين الناس مهيباً”.


واستند إلى هذا القول في تبرئة الطاغية إذا استهتر بحقوق الناس أو المترف إذا اقترف المنكر أو المحتكر إذا اغتصب الأموال ليلقي باللائمة في ذلك على الناس أنفسهم، معتبراً أنهم ما داموا هم يحترمون المترف ويهابون الظالم ثم يحتقرون كلّ من كان فاضلاً نزيهاً فلا غرو بعد ذلك إذا اندفع أغلب أفراد المجتمع نحو الظلم ينهلون منه ونحو المال يغصبونه في كل سبيل!


وعدّ العلامة الوردي أن هذه الحقيقة الاجتماعية قديمة قدم الإسلام إذ جاء بها النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه إلى قومه، وهو، هنا، أشار إلى قول النبي: “إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك ظالم فقد تودع منها... لا تزال أمتي بخير ما دامت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر...”.


وقال الوردي: “نحن إذا قارنّا بين المجتمع الجاهلي الذي كان سائداً قبل محمد والمجتمع الإسلامي وجدنا أثر هذه الحقيقة واضحاً بليغاً، فلقد كان الضمير الاجتماعي في الجاهلية ضعيفا كلّ الضعف: حيث كان لا يقدر فيه إلا سبيل العنف ولا يعلو في أعين القوم إلا المرابون والأغنياء ثم جاء الإسلام من بعد ذلك فوضع للمجتمع أساساً جديداً يختلف عن ذلك الأساس القديم: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).


ثمّ يأتي الوردي إلى مقتل الحسين، فيقول: “لننظر هل استمرت الأمة على السير في هذا الطريق القويم؟ لقد كان قتلة الحسين يعلمون علم اليقين فضل الحسين ودناءة يزيد ثم رأوهما بعد ذلك يختصمان فانحنوا طاعة ليزيد واحتراما لأمره ثم انثالوا على الحسين يقطعونه بالسيوف ويقتلون أولاده ويسبون نساءه! لم يكن هذا الحادث حادثا طارئاً ذهب أثره مع الزمن حتى يُنسى. إنه والحق يقال امتحان لهذه الأمة ونكبة جرّت وراءها نكبات ونكبات.. إنها لم تكن معركة بين شخصين أو بين جيشين ثم انقشع الغبار عن فوز أحدهما وهزيمة الآخر... كلا... إنما هي معركة بين مبدئين أساسيين في الحياة أحدهما ينظر إلى مصلحة المجتمع إذ يقدم فيها الصالح ويذاد عنها الدنيء. أما الآخر فيتخذ قانون الغابة له سبيلاً!”.


إذن... فالمجتمع الذي يرى منكرا كمنكر يزيد وأتباعه ثم لا يستهجن منهم ذلك لا أظن أنه سيهتدي في دنياه إلى سبيل قويم، كما يرى الوردي.


يقول بعض المؤرخين: انه عندما قتل الحسين هتف هاتف بين السماء والأرض (أيتها الأمة المتحيرة لا وفقتم لفطر ولا أضحى!)... كلمة هائلة دوّت في سماء العراق آنذاك...


ورجح الوردي أن يكون هذا الهاتف هو هاتف النفوس التي أحست بهول الكارثة وكأن الأمة قد شعرت أنها بهذا الحادث فقدت المحافظة على الحياة فلا يرجى لها بعد ذلك فلاح!


يقال إن الحسين عندما أحاط به الأعداء من كل جانب وضيقوا عليه الخناق خطب فيهم قائلا: “ويلكم أيها الناس أتظنون أنكم بعد قتلي تتنعمون في دنياكم وتستظلون في قصوركم هيهات فعن قريب سيحاط بكم وتكونون أذلّ من قوم الأمة وسيسلط عليكم رجل ثقيف ليسقيكم كأسا مصبرة”.


واعتبر الوردي ذلك من الحسين حكمة بالغة وأن الزمن أرانا مبلغ صدقها عياناً، إذ قال: “فلقد تتابعت الفتن على هذه الأمة بعد مقتل الحسين وكلّ امرئ يمسك بالزمام ترى الناس يتبعونه ويخضعون إليه ولا ينظرون إلى هدفه ولا يكترثون بالأخلاق، فتناوب الطغاة والسفاكون جيلا بعد جيل يأخذون من هذه الأمة ضريبة الثأر على شكل غريب! حتى لقد أصبحت هذه الأمة التي كانت أعز أمم الأرض قاطبة أذل أمة في العالم أفليس من الجدير بعد هذا أن نحتفل بالحسين كل عام وكل شهر وكل يوم”.


والسلام عليك سيد الشهداء وعلى المستشهدين بين يديك.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٩ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور