عزف منفرد - طعام أهل بغداد عمره آلاف السنين

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع - عن البلاد البحرينية

(البغادة)، أو (البغاددة)، أو (البغداديون)، هم أهل بغداد، وهم يتميزون، من بين ما يتميزون به، بالذوق الرفيع في الطعام وطبخه وإعداده، ومن يحاول أن يجاريهم في ذلك يقال عنه إنه (يتبغدد).


وقد وجدت الذوق البغدادي منتشراً في بعض بيوت البحرين، ولا عجب فالبحرين والعراق يكادان أن يكونا بلداً واحداً لشدة تشابه عادات شعبيهما وتقاليدهما، ولا عجب أيضاً فهناك مصاهرات كثيرة بين الشعبين ولم أجد حباً متبادلا كالحب بين العراقيين والبحرينيين.


وفي البحرين تنتشر مطاعم عراقية كثيرة، ولكنها لا تقدم إليك الطعام العراقي على أصوله، مع الأسف الشديد، بل ما يشبه الطعام العراقي، والسبب ربما هو أن الطباخين والعمال الذين يعملون في هذه المطاعم هم من الجالية الهندية أو غيرها، والطعام ذوق ونفس طيبة، أو كما يقول العراقيون (الأكل نَفَس).


قبل شهور، تمنيت أن أتناول فطورا كالفطور الموجود في بغداد فأعلنت أمنيتي أمام أحد الأصدقاء، فأخذني إلى مطعم شعبي في المنامة تناولنا فيه (بيض ولحم) ومقبلاته وارتشفنا بعد الطعام، الشاي، فكنت كأني أتناول فطوري في بغداد، فجزى الله هذا الصديق ألف خير، ولكني لا أدري لماذا لم يكرر كرمه الحاتمي معي مرة أخرى؟
والمطبخ البغدادي الذي ترك آثاره على مطابخ المنطقة يرقى عمره إلى آلاف السنوات قبل الميلاد، وإذا لم يكن للمطبخ السومري تلك الصلة القوية بمطابخ الشرق الأوسط، فإن نوال نصر الله، الخبيرة بالمطبخ العراقي، ترى ان المطبخ البغدادي يعود في جذوره الى سومر، وهو ما قرأته في كلمة (بي ولسون) عن الكتاب الفرنسي الذي سنشير اليه بعد قليل، فهي تجد أصداء رافدينية في حبنا للخبز وفي الباجة pacha، التقليدية مئة في المئة، و(الباجة) وجبة تُعد من رأس الخروف وكرشته وقوادمه بعد سلقها، فهذه الباجة تذكرنا بالطبخات السومرية التي تُعد من لحم الضأن، بالإضافة الى ذلك فإن وجبة التشريب، أو ماء اللحم (بالفارسية آب غوشتا)، لا تكاد تكون معروفة خارج العراق وإيران. ولعل أصولها سومرية.


وقد وجدت السوريين (بلاد الشام عموماً) يسمون الباجة (نيفا راس)، ولم أقف على أصل هذه التسمية، وفي السودان يسمونها (مرقة الكوارع)، وفي مصر (كراعين)، وهي الأطراف.


والمطبخ السومري، الذي يشبه المطبخ الفرنسي اليوم، كان قائماً على الخبز، فالرمز المسماري للأكل، هو علامة (الفم) مع علامة (الخبز) في داخله. وكلمة أكالو الأكدية تعني يأكل، وكلمة أكلو تعني خبزا.


وتفيدنا السجلات الآثارية بأن سكان وادي الرافدين القدامى كانوا يصنعون أكثر من ثلاثمئة نوع من الخبز، الفطير وغير الفطير، والبحرين (دلمون) كانت جنة السومريين ودارهم الآخرة التي فيها مدافنهم.


وكان الطعام العراقي الى وقت قريب سومرياً، وبابلياً، وفارسياً، وعباسياً، وتركياً. لكن ذلك كله له جذور سومرية وبابلية، فمأدبة آشور ناصر بال الباذخة لم تكد تستثني صنفاً ولوناً من ألوان الطعام، وإذا كانت الموسيقى في عهد نبوخذ نصر تتألف من أوركسترا من عدد متنوع من الآلات، كما يقول أحد الباحثين، فلا بد من أن مطبخه كان باذخاً في تنوعه أيضاً.


ويقول هذا الباحث: لا بد أن الأخمينيين الفرس استعاروا المطبخ البابلي بعد احتلال هذه المدينة العظيمة، مثلما تعلم ملكهم اللغة البابلية. وهذا انتقل في ما بعد الى الساسانيين، ثم الى العباسيين، الذين كان مطبخهم باذخاً جداً، مشيراً إلى أن رغيف الخبز العراقي الذي يخبز في التنور (وهي كلمة بابلية) كان سومرياً، وإلى أن خبز العروق المعاصر (وهو خبز بلحم وبصل وتوابل) جذوره بابلية أيضاً، وأن الكليجة (المعمولة) كانت بابلية وآشورية، إن لم تكن سومرية أيضاً. ولعل وجبة التشريب (حيث يقطع الرغيف ويُثرد في صحن ليتشرب بمرق اللحم، ويوضع فوقه اللحم والبصل والحمص المسلوق) كانت سومرية. ففي وادي الرافدين (شمال سورية) دجنت الحنطة للمرة الأولى، وفي هذه المنطقة دجنت الخراف أيضاً. والمريس: ما مرسته في الماء من التمر ونحوه. لكن كلمة مرسو الأكدية تقال لضرب من الكعك (الكيك) كان يصنع من مزج نوع من الأشربة مع الطحين. بل إن كلمة كعك، التي نظن انها أصل كلمة cake يقال لها بالأكدية كعاتو.


والحديث عن الطعام طويل وهو يثير الشهية، فلنواصله في الموضوع القابل.

 


وللحديث صلة

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٢ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٩ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور