الثلاثاء الدامي وحرب الضرورة في البرلمان العراقي

 
 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
ها قد أرتفع الدخان الابيض من قبة البرلمان العراقي, أيذانا بان الاتفاق على قانون الانتخابات
قد تم بعد نقض وتعديل مضاد وتهديد بنقض أخر , وقد تفائل البعض , وصفق أخرون لما سمي بالممارسة الديمقراطية الوليدة , بل أن قسم أخر تطرف في وصف الذي جرى معتبرا بان الديمقراطية كانت طفلا يحبوا في العراق, لكنها بعد الممارسة الاخيرة نمت وترعرعت وأمتلات صحة , ولاضير أن نوازيها بالديمقراطية الاوربية , أو النموذج الديمقراطي الاسيوي في الهند على الاقل . ومع رغبتنا الشديدة بان نكون من المتفائلين , كما هي رغبة عامة الشعب العراقي وأن نتسلح بالامل لمواجهة ضيق العيش, كما قال الشاعر العربي ( ما أضيق العيش لولا فسحة الامل ), لكن الواقع الحياتي اليومي , والممارسة السياسية الجارية , والفرقاء السياسيين الذين يسيطرون على المشهد العراقي ,والاحتلال ونتائجه الكارثية, كلها عوامل أحباط وسيوف تنتزع اي بارقة أمل من العقول والبصائر , وهي حقائق بارزة السطوع لامفر من التذكير بها ومواجهتها ,لان مجانبة الحقيقة والتغاضي عنها ,والقفز فوق مسلماتها ,وممارسة دور النعامة وغرز الرؤوس برمال المحتل وعمليته السياسية , والتبشير الكاذب بولادات سليمة من رحم الاحتلال , أنما هو ضرر يفوق المضار التي جناها شعب العراق خلال السنوات السبع العجاف من عمر الاحتلال , والتي أكلت أكثر من ثمانين عام من عمر الدولة العراقية الحديثة .


أن التمعن بالمشهد السياسي الذي واكب عملية أقرار قانون الانتخابات , ونقضه ثم تعديله والتهديد بنقض التعديل ,وأستذكار التصريحات والتصريحات المضادة ,وسيل الشتائم والتشكيك والتخوين الذي أنطلق على مصراعيه من كل أتجاه وفي كل الاتجاهات ,أنما هو دليل محسوس وملموس على أن الذي يجري في العراق , ليس تنافس سياسي شريف بالمعنى المتعارف عليه في التجارب الاخرى , وهو أبعد مايكون عن مسميات (الحراك السياسي) , و(المماحكات السياسية ) , و(التنافس الديمقراطي) , فحزمة الحقد التي تعمي البصر والبصيرة , ورائحة الكراهية التي تزكم الانوف , يستحيل أن يكون هدفها بناء وطن مدمر , وشعب مذبوح أو مشرد بل هي تصفية حسابات , ودفاع عن مكتسبات حصدها من يسكنون قبة البرلمان , في غفلة من الزمن بأسم الطائفة التي هي براء منهم , وبأسم الدين الذي جعلوه مطية أهوائهم , وبأسم العشيرة التي جعلوا شيخها مصدر معلومات لهم , وقائد ميليشيا بالنيابة عنهم , بعد أن وعدوه بحفنة دولارات , وبأسم الحزب الذي أسسته لهم دول أقليمية ومخابرات دولية , ولايملك من جماهيرية سوى السراق وقطاع الطرق وحفنة الانتهازيين, الذين يمارسون الدعارة السياسية في كل وقت وزمان , وهم أنفسهم الذين كانوا يهرعون في كل أتجاه من العالم شرقه وغربه , ليحرضوا من بيده الحل والعقد من الدول الكبرى , كي يقنعوها بأفشال رفع الحصار عن أهلهم في العراق , كلما أقترب موعد مناقشة الامم المتحدة للعقوبات المفروضة عليه ,متبرعين بالمعلومات الكاذبة , كما أنهم هم أنفسهم الذين كانوا يهرعون الى السفارات العراقية في دول العالم , بعد كل أجتماع لما يسمى ( المعارضة العراقية) , متبرعين بالمعلومات ضد بعضهم البعض, والصور والتقارير التفصيلية ,والتسجيلات الصوتية لكل الذي دار في الاجتماع , أذن وفي ضوء كل ذلك كيف يمكن أن نتصور العلاقة بين بعضهم البعض اليوم وهم يتربعون على خزائن العراق ؟


أن المعادلة الجديدة السائدة اليوم في العراق, هي أن كل من يخسر جزءا من نفوذه تحت سقف البرلمان , أو قد يشعر بأن وجوده قد أصبح في مرمى الاخرين , فان ساحات وشوارع وميادين العراق ستكون ساحته لاثبات الذات , وهي مسرحه لابراز كل عضلاته أمام الشركاء الاخرين في العملية السياسية , وحلبة الصراع التي يحطم فيها مايتعكز عليه بقية الفرقاء , فالصراع هو صراع أجندات , ومصالح أقليمية ودولية , وأن أوراق الضغط التكتيكية والستراتيجية ضد بعضهم البعض , يجب أن تجمع سواء تحت سقف البرلمان , أو في الشارع العراقي أو في أي مكان أخر من أرض الرافدين فكل شيء فيه مباح , ولكل شيء فيه قيمة وحساب , الا دماء الابرياء فهي مشاعة بين كل الاطراف ,وهي التي يتاجر بها يوميا نواب البرلمان , ويسفكونها رخيصة بعد كل نقاش لقانون عام يختلفون عليه, حتى أصبح هذا المشهد جزءا من الطقوس العراقية لفترة مابعد الاحتلال , فما أن تنفض الجلسات الصاخبة بعد ضغط الامريكان ويتم فرض الحل المطلوب , وبعد أن يتبادل الجميع التهاني ويصدح صوت المتحدث بأسم مرجعهم الاعلى في البيت الابيض بالاعراب عن الارتياح , وينطلق مايسمى رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس وزراءه , بزف البشرى الى العراقيين بأن يوما تاريخيا جديدا قد حل , وان منجزا غير مسبوق قد تحقق , وان براءة أختراع جديدة قد سجلت بأسم (ديمقراطية ) العراق , حتى تصطبغ شوارع الوطن وحاراته بدماء أبريائه , وتتهدم المساكن على شاغليها , وتحترق أجساد الاطفال وهم متوجهين الى مدارسهم .


لقد غرق يوم أخر من أيام الاسبوع ببحر الدم , ويبدو بان كل شيء في العراق قد أصبح مختلفا عما هو متعارف عليه , حتى أسماء أيامه أصبحت لها لاحقة أخرى , فالاربعاء أصبح أسمه (الاربعاء الدامي ) و(الاحد الدامي) وها هو(الثلاثاء الدامي) يطل علينا بدماره المهول وشهدائه الذين تجاوز عددهم المئة , بينما لازال من يتصدرون المشهد السياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية , يتمسكون بكراسيهم ويتفاخرون بأجهزتهم الاستخبارية وقواتهم البالغة مايقرب المليون عسكري,مضافا اليها عشرات الاف من قوات الاحتلال , والجهد الاستخباراتي المشترك


الامريكي-العراقي , فهل يعقل أن يذهب هذا الجهد سدى ؟ وأين جهاز مكافحة الارهاب الذي يرتبط بما يسمى (رئيس الوزراء) والذي تحدث المسؤول عنه واصفا أياه بأنه من أقوى الاجهزة الاستخبارية في العالم وان ذراعه قادرة على الوصول الى أية بقعة في العالم ؟ أم أن الكل له ضلع في الجريمة , وان حادثة الثلاثاء وقبلها الاربعاء والاحد هي من فعل (لص بيت) محترف , يستند على جهد أستخباري أقليمي ودولي ؟


أن حرب الضرورة التي يخوضها الفرقاء السياسين فيما بينهم , أصبحت اليوم واضحة المعالم وان تفسير ماحدث في الايام الدامية , لم يعد طلسما لايمكن التكهن به , بل أنها فصول من هذه الحرب الدائرة على الثروة والسلطة , وأستغلال العراق لاهداف أقليمية ودولية , وان الجميع أصبحوا شركاء في الجريمة , ولم يعد أمامهم الا أن يضعوا بصمات غيرهم على ألادوات الجرمية , ويطالبوا بمحاكم دولية , ويشكلون لجان تحقيقية تدعي فصل العشرات من ضباط السيطرات والمسؤولين عنها , ثم يخرجوا علينا بمتهمين تحت الطلب, يفبركوا أعترفات وهمية ويختفون كما أختفى غيرهم من الذين أدعوا القاء القبض عليهم على مدى السنوات الماضية, ثم يوعزون لنوابهم بقيادة حملة قطع للارزاق والاعناق , مدعين بان الذي يجري هو بفعل البعثيين الموجودين في أجهزة الدولة , وكانهم لم يكتفوا بعد بكل الذي فعلوه ضدهم , و تنظيم القاعدة الذي وصلت أعداد قادتهم الذين أعتقلتهم الحكومة كما يدعون الى مئات الاف .


أن المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع الدولي , أزاء الابادة الجماعية التي يتعرض لها العراقيون على أيدي السلطة الحالية , التي عجزت عن حماية أعراضهم وأموالهم ودمائهم والتي شاركت فيما أصابهم , تتطلب أتخاذ قرار بأعتبار الحكومة الحالية قاصرة عن أدارة البلاد وفاقدة للاهلية التي تمكنها من الحفاظ على المصلحة العامة , وأن مسؤولية البلاد يجب أن توضع تحت أشراف دولي مؤقت يضمن سلامة الجميع , ويشرف على تهيئة الاجواء المناسبة لاحداث انتخابات عامة يشترك فيها الجميع .


أن كل العراقيين اليوم هم مشاريع قتل بالمفخخات, أو بالاسلحة الكاتمة , أو بالجوع والامراض
وهي حقا سنة سيئة سنها (القادة ) الجدد , عليهم وزرها ووزر من عمل بها الى يوم الدين .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٥ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور