كل أيام العراق دامية ... فهل من مغيث ؟؟

 
 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
عجبا أن تستباح دماء الابرياء في شوارع وأحياء العراق كل يوم , وأن تتطاير أجساد أمهاتنا وأخواتنا من دون ستر,وتتفحم أشلاء أطفالنا المبكرين بالذهاب الى مدارسهم ,وتقفر شوارعنا من المارة المرعوبين من الموت المتجول في الطرقات , ويهرع شيوخنا الى المستشفيات ودوائر الطب العدلي , للبحث عن أبن أو بنت قضوا في التفجيرات ,علهم يجدون قطعة من أجسادهم يوارونها الثرى , ويبقى الفاعل مجهول أو مجرد شبح أو فاعل موهوم , يداري به الراعي عجزه وفشله وخيباته , بينما تعرف الرعية جيدا من هو القاتل الحقيقي .


وبينما تكتب الف ليلة حزن وليلة , دون بارقة أمل لانبلاج الصباح في بلاد الرافدين , الذي به يتوقف سفك الدماء , تستمر ترانيم الفجر الكاذب للديمقراطية والتحرير على السنة المسؤولين فيرقصون طربا على أنغامها في برلمانهم العتيد , وهم يستمعون الى محاضرة مايسمى (رئيس الوزراء) أثناء أستدعائه على خلفية التفجيرات الاخيرة ,أنه صاحب دولة القانون , الذي سمعنا منه من قبل بأنه قد أرسى دولة المؤسسات ,وحارب الارهاب في صولاته المعروفه, وأنفق أكثر من 12 مليار دولار على بناء المؤسسة الامنية , ثم يأتي اليوم ليدعي بأننا ( بحاجه الى جهاز أستخباراتي للوصول الى المعلومة الامنية ), وهو الذي يتربع على عرش أكثر من عشرة أجهزة أمنية ,وغرفة تنسيق أمني مع قوات الاحتلال , واكبر وكر تجسسي للمخابرات الامريكية في العالم في سفارتهم , على مرمى حجر من مكتبه في المنطقة الخضراء , بل أنه تمادى في أعلان خصائص دولته القانونية جدا , ليقول بان (هناك حساسية بين الجيش والشرطة ) فيها وهو القائد العام للقوات المسلحة كما يسمى , وان(القضاء لاياخذ دوره في تنفيذ أحكام الاعدام) دون أن ينورنا بمن يجب أن تنفذ الاحكام ,وما علاقة قادة العراق الشرعيين الموجودين خلف القضبان ,الذين يقصدهم في مطالبته هذه بالاحداث التفجيرية, بينما يستقبل في مكتبه قادة المليشيات وفرق الموت , ويتفاوض معهم بحجة تخليهم عن العنف وأنتقالهم الى العملية السياسية , كما أنه يحمل البرلمان مسؤولية عدم تطهير اجهزة الدولة الحساسه من التدخلات السياسية , بينما ترتبط بعض القوات به مباشرة وهو زعيم حزب سياسي , وينسى أن بعض الوحدات العسكرية تخضع لحزبه في أطار المحاصصة السياسية الجارية في البلاد , وان جهاز مكافحة الاهاب هو ذراعه الذي يضرب به منافسيه السياسيين , وبذلك فأن أستدعائه الى البرلمان لم يكن سوى ذر للرماد في العيون , وليست سوى محاولة لاضاعة دماء الابرياء بين الكتل السياسية , التي أعتبر في كلمته أمامهم أن خلافاتهم السياسية والطائفية هي السبب متناسيا دوره المسؤول عن كل الذي يجري , متباكيا من أضطهاد حلفائه له من أجل الكسب الاعلامي , مستعرضا نظرياته الفارغة من أي حل من أجل أيهام العراقيين بأنه حريص على مصالحهم أكثر من غيره , عله يأكل من جرف الاخرين مع أقتراب موعد الانتخابات .


أننا لاناتي بشيء جديد عندما نقول بأن الشعب العراقي قد تعرف جيدا على قاتليه والمتاجرين بدمائه, قبل أن يقولها من يسمى رئيس السلطة التنفيذية الشريك الفعلي معهم , الذي أثبت بأنه أبعد مايكون عن تحمل شرف المسؤولية , وأنه يفتقر الى أبسط مؤهلاتها , وقبله أثبتوا من يسمون أنفسهم ( نواب ) الشعب بأنهم ليسوا سوى حفنة من اللصوص والقتلة والموتورين , الذين لم تهز أيا منهم تصريحات المواطنين على الفضائيات , وهم يعيبون عليهم نزاعاتهم السلطوية , وأنشغالهم بجمع الثروات والتمتع بالحصانات والعيش في البلاد الاوربية بجوازات سفر دبلوماسية , فلقد أستذاقوا المهانة والذل , وأستكانوا الى أهوائهم الذاتية , فرانت على عقولهم غيبوبة الموت , لذلك تقدم الشعب بوعيه عليهم , وتخلى عنهم حتى من كان مغررا به, بينما لازالوا يدعون أنفسهم بأنهم نخبته ووممثليه الحقيقيين في محاولة يائسة لاستمرار التشبث بالسلطة .


أن أنطلاق ملايين الصرخات المستغيثة (وامعتصماه..) , من جور السلطات ومن القتل الاعمى والجوع والعوز والفقر والحرمان والتهجير في بلاد الغربة , أصبح لايرددها سوى الصدى في بلاد الرافدين , فبعد أن سقط السياسيون المتسلطون بأمر المحتل وعمليته السياسية , في وحل الخيانة والعمالة,ولم يعد يوجد من يعتد به لانقاذ البلاد والعباد ,تبين أن وجهاء القوم من شيوخ القبائل والعشائر, هم ايضا فقدوا دورهم النخوي في نصرة المظلومين من أبناءهم وأخوانهم , بعد أن تلوثت أيادي بعضهم بدولارات المحتل وصفقاته التي أسبغها عليهم , فجلسوا في دول الجوار يتابعونها ويقضون الليالي الملاح في فنادق الدرجة الممتازة , ويعاضدون هذا الحزب على الاخر في لعبة الولاءات السياسية الجارية اليوم في البلاد , متناسين القيمة المعنوية لما يضعونه فوق رؤسهم ,ولما يمثله من قيم الرجولة, كما فقد رجال الدين سلطتهم الروحية النقية التي كانت ترفرف على رؤوس العراقيين بأفراحهم وأتراحهم ,وهم يمارسون دورهم التوجيهي والوعظي والنصح والدفع بالتي هي أحسن ,بعد أن أحاطو أنفسهم بالحمايات المسلحة, ومكاتب السكرتارية, والناطقين الرسميين ,والممثلين المخولين في كل محافظات البلاد ,والمنصات التي تزدحم عليها المايكرفونات المخصصة لزوارهم , كما أن البعض منهم ممن كنا نسمع خطبهم السياسية المحرضة على الجهاد قبل الغزو , ونصلي خلفهم , أصبحوا اليوم يتخذون من دور العبادة التي طردوا هيئة علماء المسلمين منها , أماكن للاحتفال بأعلان قوائمهم الانتخابية , على أنغام رقصة (الجوبي) التي شاركت بها نساء القائمة,بينما يقف زعيم القائمة (رجل الدين) مع نساء قائمته أمام عدسات المصورين لالتقاط الصور التذكارية , وأصبح لاهم لهم سوى مغازلة زعيم هذه الكتلة أو تلك , لمعرفة من الذي سيدفع لهم أكثر في مزاد المصالح المفتوح ماقبل الانتخابات القادمة ,كي ينظموا اليه , بعد أن تناسوا سلطة الدين , وأختاروا دين السلطة .


أما الصوت العربي الرسمي فهو الاخر اصبح في عداد الاموات , حتى عاد وصف الشاعر القائل ( لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي) ينطبق عليهم تماما,فلقد تناسوا في غمرة الخوف على كراسيهم وعروشهم وثرواتهم من الغضب الامريكي , دماء العراقيين التي سالت بغزارة على أراضي بلدانهم في كل معارك العرب بكرم عراقي , بل تجاهلوا حتى قبور الجنود العراقيين التي لازال ثراهم يحتضنها , وأموال العراقيين التي بنيت منها مطارات ومحطات تلفزيونية ومدارس وجامعات وطرق مواصلات ومستشفيات , في بعض بلدانهم وبدون منة من أهل الرافدين , وراحوا يجاملون سلطة الاحتلال طمعا بالرضى الامريكي , أو رغبة في الحصول على عقود تجارية ,ويفتحون سفاراتهم في بغداد المحتلة , ويستقبلون لصوص السلطة بالاحظان , ويحاصرون الاصوات المقاومة , ويمنعون التبرعات الموجهة للمقاومين التي تعين عوائلهم على الحياة , ويتفرجون على الدمار والخراب الذي يعصف بأخوانهم وأبناء عمومتهم في مدن العراق , وهم يعلمون جيدا بأن السلطة شريك فعلي في كل الذي يحصل , وان الدماء التي تسيل في العراق ,كان يمكن أن تدخر دفاعا عن أوطانهم أذا ماتعرضت للتهديد لو صانوها .


أن رهان العراقيين الوحيد اليوم , بعد أن سقطت كل رهاناتهم , وخذلهم الاشقاء قبل الاصدقاء في محنتهم,هي قواهم الوطنية الحية, قومية وأسلامية ويسارية,وأن أداتهم الوحيدة في التغيير هي فصائل المقاومة , التي غيرت توجهات المشروع الامريكي بجهد ذاتي , وبدون مظلة دولية أو أقليمية , فلامناص اليوم من وحدة الجهد المقاوم على أختلاف التوجهات الفكرية , والاتجاه نحو العمل الموحد تحت قيادة ميدانية واحدة , فالمرحلة الراهنة تشهد بأن المحتل يلهث خلف الرافضين الحقيقيين لمشروعه بغية الحفاظ على ماء وجهه , ولابد من مواجهته بصوت واحد وفوهة بندقية واحدة , وحسب العراقيين مجدا أنهم حتى في مأساتهم هذه , فانه درأوا خطر المشروع الامريكي عن أشقائهم .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٣٠ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٧ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور