تحية إكبار وإجلال إلى صدام ورفاقه صانعي عهد البطولة

 
 
 
شبكة المنصور
د. صديق تاور كافي – أستاذ جامعي ومحلل سياسي
في عرضه لكتاب (الخروج من العراق: خطة عملية للانسحاب الآن) للكاتبين الامريكيين جورج ماكغفرن ووليام بولك، يورد هادي حسن الباحث في مركز دراسات الوحدة العربية الفقرة التالية من فقرات هذا الكتاب الاعترافي الخطير (إن غزو العراق واحتلاله كان خطأً كارثياً: جرى قتل وجرح عشرات الآلاف من الشباب الامريكي، واصابة أكثر من أربعين ألفاً منهم بعاهات سيتطلب شفاؤهم منها عقوداً من الزمن، أما في العراق فكل فرد من المجتمع له قريب أو جار أو صديق يلوم الامريكيين على وفاته. جرى كل ذلك بحثاً عن سلاح دمار شامل يمثل خطراً وشيكاً، ولما لم يُعثر عليه قيل ان الغزو يستهدف تحقيق الديمقراطية، وحين جرى ادراك ان القوة العسكرية قد تغير نظاماً للحكم، لكنها لا تنشئ ديمقراطية قيل ان الاحتلال سيقضي على الارهاب، وبعد التأكد من انعدام صلة العراق بذلك، تصبح المسألة كلها مجرد تضليل لا يستحق البقاء في العراق الذي يبدد ارواح الجنود الامريكيين والمدنيين العراقيين). المستقبل العربي - يناير 2007 - العدد 335، ص117 وفعلاً قد تطلب الاحتلال العسكري الامريكي للعراق جولات متكررة من المغازلات المتنوعة قبل ان تنتهي بما انتهى إليه الحال في مارس 2003م بمآلاته الكارثية التي شهدناها ونشاهدها رغم التعتيم الاعلامي المطبق على حقيقة ما يجري داخل المسرح العراقي بين الشعب العراقي ومقاومته الوطنية من جهة، وبين حلف الامريكان والصهاينة والايرانيين ووكلاء الاحتلال من جهة مقابلة. فقد لازمت كل محاولات الاجهاز على العراق تغطية اعلامية مضللة كثيفة ونشاط تجسس مسنود ببعض الخونة والعملاء.

 

فبإنتهاء حرب الثماني سنوات بين ايران والعراق 1980 - 1988م والتي خرج منها العراق منتصراً ومتماسكاً وقوياً، بدأت حرب الجواسيس (فرزات بازوفت وزميلته الممرضة البريطانية) ودعاوى اتجاه العراق لتصنيع ما عُرف بالمدفع العملاق، ثم قصة المكثفات التي تُستخدم في تشغيل المفاعل النووي والتي قيل ان العراق حصل عليها بطريقة غير مشروعة، ثم مضايقة العراق من خاصرته. وعمليات سحب النفط بأنابيب تحت الارض من الآبار العراقية الجنوبية بالمستوى الذي جعل الرئيس صدام حسين - رحمه الله - يطلق صيحته المشهورة (قطع الاعناق ولا قطع الارزاق) وغير ذلك مما مهد للمواجهة العسكرية في الكويت ضمن ما عُرف بحرب الخليج الثانية 1991م، ويبقى السؤال هو لماذا هذا الاستهداف المستمر والاصرار العنيد من قبل الولايات المتحدة والدولة الصهيونية ضد العراق بالذات؟! هناك جملة من الحقائق والحيثيات لا بد من استصحابها أو الوقوف عليها قبل الخلوص إلى اجابات عن هذا السؤال المركزي.

 

أولاً: ان المصالح الامبريالية الامريكية والصهيونية في المنطقة العربية على وجه الخصوص هي مصالح حيوية وجدية تمثل بالنسبة لهذه الدوائر روحها ونفسها، وبالتالي فهي لا تقبل المساس بأية درجة من الدرجات؛ لأن ذلك بالنسبة لها مسألة حياة أو موت. واستمرار هذه المصالح يتطلب انظمة من طراز معين أهم مواصفاته الاستعداد للتسليم بهذه المصالح وحراستها ولو على حساب حرية الشعب وعيشه وكرامته. انظمة ضعيفة في ولاءاتها لاوطانها وشعوبها، قوية في حماستها للدفاع عن مصالح الدوائر الامبريالية والصهيونية في بلدانها. وبالنظر الى الانظمة العربية القائمة فكلها تقريباً ينطبق عليها هذا الوصف بما يجعل عراق صدام حسين نشازاً ضمن الجوقة الرسمية العربية بدرجة يصعب معها احتماله أو تجاهله امريكيا.

 

ثانياً: لم يكن عراق صدام حسين بلداً ثانوي الدور في المنطقة، بل مثل رقماً اساسياً مؤثراً في موازين الامور اقليمياً ودولياً منذ عقد السبعينات وحتى لحظة احتلاله. فعسكرياً كان العراق القوى لجاماً على الدولة الصهيونية لا تستطيع ان تلحق أي اذى بأية دولة عربية مجاورة في وجوده. فالجيش العراقي الوطني هو الجيش السادس في العالم من حيث الاعداد والتأهيل والقوة بعد الجيش الامريكي والصيني والفرنسي والروسي. وهو الجيش الاقوى في المنطقة ولديه من الخبرة والتجربة ما يجعله يشكل خطراً حقيقياً على وجود الدولة الصهيونية في فلسطين.

 

أكثر من ذلك انه معبأ عقائدياً لذلك الهدف حيث يستوعب ان معركته الاساسية هي في فلسطين. بالاضافة الى التعبئة المماثلة للشارع العراقي نفسه. ومن ناحية ثانية فعراق صدام حسين تقوده حركة ثورية تمكنت من بناء جسور متينة مع كل حركات التحرر الثورية في آسيا وامريكا اللاتينية وافريقيا بالمستوى الذي اوجد مكاتب دائمة لحركات التحرر الافريقية بالذات في بغداد تهيئ لها التدريب والدعم والحماية، خاصة أيام النضال ضد نظام الفصل العنصري في بريتوريا الذي كانت تسنده امريكا وبريطانيا واسرائيل دون سائر بلدان العالم. وهذا هو السر في مساندة المناضل نلسون مانديلا لهيئة الدفاع عن الرئيس صدام حسين أيام محاكمته المهزلة تلك.

 

ثالثاً: استطاع عراق صدام حسين أن يحقق أرجحية لتيار المقاومة والتحرير بالنسبة للقضية الفلسطينية قومياً في مواجهة تيار التطبيع والاستسلام، وشكلت مواقفه الواضحة والجريئة احراجاً للكثير من الانظمة العربية. فقد شكل العراق عنصر الدعم السخي للمقاومة الفلسطينية وللانتفاضة دون تمييز بين فصائلها الوطنية المختلفة، وتبنى أسر شهداء النضال الفلسطيني واستضاف ما يقرب من الثلاثة ملايين مواطن فلسطيني شملهم برعايته وحمايته. هذه المواقف كانت تمثل كما اشرنا مصدر احراج لتيار التطبيع والتسليم الذي في أحسن الاحوال يمارس اضعف الايمان في مواقفه العملية تجاه القضية العربية المركزية، هذا اذا لم يتحول الى اعين وسمع للاستخبارات الامريكية في المنطقة كما يصرح بذلك البعض.

 

رابعاً فضلاً عن أن العراق يسبح فوق بركة من النفط هي الاكبر بين بلدان العالم، فإن القيادة الوطنية فيه قد بدأت عهدها بالسيطرة على الثروة النفطية بقرار التأميم الشهير، ووظفت هذه الثروة في مشروعات بنية تحتية ومشروعات تنموية كبيرة نقلت العراق في عقدين من الزمان خارج قائمة البلدان النامية، بعد تمكنه من امتلاك القدرة على انتاج صناعات متقدمة كثيرة ذاتياً والاكتفاء منها، وتأهيل كوادر علمية ذات مستوى لا يقل عن رصفائهم في البلدان المتقدمة، وبعد القضاء على الامية بنسبة تجاوزت الثمانين بالمئة، وبعد توفيره لرعاية صحية متقدمة في المدن والارياف مجاناً لكافة المواطنين، وابتداعه لنظام تعليمي متطور باعتراف الولايات المتحدة نفسها، وتأمينه لقوت الشعب بدعم البطاقة التموينية بنسبة وصلت إلى 95% من قيمتها لم تتأثر حتى بظروف الحصار.

 

وصار العراق جاذباً للعمالة من مختلف بلدان المنطقة مصر، المغرب، السودان، سوريا، اليمن .......الخ.

 

خامساً: مع الموقف الاقتصادي القوي للعراق ومع سياسته الدولية القائمة على الندية في تبادل المصالح والاستقلالية في القرار، استطاع العراق أن يلعب دوراً مهماً لصالح البلدان المنتجة للنفط في مقابل البلدان المستهلكة له من خلال وجوده الفاعل في منظمة الأوبك، وتمكين المنظمة من حماية أسعار النفط من الانخفاض لصالح الدول الصناعية الكبرى.

 

سادساً: تهيأت للعراق قيادة وطنية مبرأة من امراض الانظمة التي درجت الاستخبارات الدولية على اختراقها وترويضها. فلم يُعرف عن القيادة العراقية طيلة عهدها أي نوع من انواع الفساد أو الرشوة أو المحسوبية أو اكتناز الثروة أو القبلية أو الجهوية أو الطائفية أو استغلال النفوذ لمصالح ضيقة. ابتداءاً من صدام حسين نفسه واعضاء مجلس قيادة الثورة الآخرين والقيادات الحزبية وقيادات الدولة الرسمية.

 

لم تُسجل أية حالات من نوع الثراء الفاحش أو الاختلاسات أو التزوير من نوع ما يرد في تقارير المراجع العام عندنا. لم يوجد رصيد باسم صدام حسين أو أي من رفاقه في أي من البنوك المحلية أو الخارجية، كما لم توجد لدى أي منهم قطعة أرض في الشهر العقاري أو غير ذلك من نماذج الفساد السلطوي. لقد ضخ الاعلام التضليلي أكاذيب كثيرة عن قصور صدام وخيول عدي وليالي بغداد دون أن يوجد ما يثبتها ولو جزئياً. الميزة الأهم لدى القيادة الوطنية في العراق انها كانت متماسكة ولم يُعرف عنها وجود مراكز قوى أو صراعات سلطة لأنها كمنظومة كانت متوحدة نحو أهداف مركزية وتتمتع بتربية عقائدية وتنظيمية، تسمو بها فوق صراعات المناصب وتحصنها من الاختراق. لكل ذلك فشلت محاولات خلخلة السلطة الوطنية في العراق التي كان رأس رمحها الرئيس صدام حسين ورفاقه.

 

وفشلت محاولات تليين المواقف بربط فك الحصار مقابل الاعتراف بإسرائيل، وهو العرض الذي ذهب به بابا الفاتيكان الى العراق منتصف التسعينات ورفضته القيادة الوطنية في حينه، مثلما رفضت عروض ان يستقيل صدام حسين بينما يستمر بقية الطاقم كما هو، كذلك العرض الروسي بمنح صدام حسين وأسرته الوضع الذي يريدونه في روسيا مقابل مغادرة العراق وهكذا.

 

اختارت القيادة العراقية خيار المواجهة والمقاومة والمواقف الصادقة. هكذا انتقلت قيادة صدام حسين من موقع السلطة الى قيادة المقاومة في اقل من اربع وعشرين ساعة جعلتها اسرع مقاومة في التاريخ تواجه جيوشا هي الاقوى في العالم اليوم، استطاعت ان تتصدى لها بوسائل معدة سلفا تعتمد على الشعب العراقي نفسه كحاضنة أمينة للذين يدافعون عن حريته ويردون له كرامته من براثن الاحتلال وعملائه.

 

من هنا نفهم العسف الزائد الذي تعاملت به قوات الاحتلال وحكومة العملاء مع القيادة العراقية ومع اهل العراق عموما تخطياً للقانون الدولي والاعراف الانسانية وكل الرصيد الانساني الموروث في التعامل مع مثل هذه الظروف. فقد أسرفت هذه المجموعات وقوات الاحتلال، عملاء، بلاك ووتر، موساد، حرس ثورة ايراني، مخابرات امريكية،...الخ) في القتل والتنكيل بكل من وقع عليه بصرها او طالته يدها. فأحداث سجن ابو غريب، ومجازر الفلوجة، وتصفية العلماء والكوادر، وعمليات لجان الصحوة، وعمليات البشمركة ومداهمات قوات الاحتلال كلها تعبير عن الحقد على هذا النموذج الذي استعصى على الترويض والتركيع، وقد وصل الحقد مستوى أن استهدفت الجرافات الأمريكية قبر الراحل ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي في ضواحي بغداد وسوته بالارض، ومنعت قوات الاحتلال المواطنين العراقيين من زيارة قبر الشهيد صدام في مسقط رأسه. لقد تواصل التضليل الاعلامي حتى بعد احتلال العراق وتنصيب حكومة عميلة مكان السلطة الوطنية فيه، من مسرحية (الحفرة) الساذجة وحتى محاكم الانتقام المعدة لتقنين التصفية والاغتيالات السياسية.

 

وتواصلت الحرب الاعلامية والنفسية على الشعب العربي والضمير الانساني بتنفيذ جريمة الاغتيال بحق الشهيد في صبيحة يوم العيد بدم بارد وحقد دفين. لقد صمت الاعلام العربي وغير العربي كما صمتت الحكومات عن حقيقة ما يحدث بحق ابناء العراق من مقاومين للاحتلال واسرى في سجونه مع ان ما يحدث هناك من بشاعات يفوق التصور ويصعب على التصوير.

 

لايزال هناك من القيادات الوطنية العراقية اسرى ومعتقلين يواجهون صنوفاً من انتهاكات ادميتهم وامتهان كرامتهم، ولا ذنب لهم سوى انهم يدافعون عن حرية بلدهم وشعبهم. هناك من اعضاء القيادة طارق عزيز عيسى عضو القيادة القومية، عضو مجلس قيادة الثورة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وهناك علي حسن المجيد قائد المنطقة الجنوبية، ومزبان خضر هادي قائد منطقة الفرات الاوسط وعزيز صالح الخفاجي، ومحمد زمام السعدون، ولطيف نصيف جاسم، وسمير عبد العزيز النجم، ومحسن خضر خفاجي، ود.سيف الدين محمود المشهداني، وعكله عبد صقر الكبيسي، وخميس سرحان بشير، وحكمة ابراهيم العزاوي، وسلطان هاشم الطائي، ود.مهدي صالح الراوي، وحامد يوسف حمادي، ومحمود ذياب المشهداني، واحمد خضير السامرائي، وعبد حميد محمود، ود.عامر رشيد محمد، ووطبان ابراهيم الحسن، وعصام رشيد حويش، وسعدون شاكر، ود.سبعاوي ابراهيم حسن، وعبد الحسين حيدر، واياد فتيح خليفة، وحسين رشيد محمد، وابراهيم عبد الستار محمد، وكمال مصطفى عبد الله، وحامد رجا شلاح، وزهير طالب عز الدين، ومزاحم صعب حسن، وبرزان عبد الغفور، وعبد الكريم جاسم نفوس، ومحافظ بغداد عبد العزيز الدوري، ومحافظ النجف حسين العوادي، ومحافظ التأميم قيس عبد الرزاق، ومحافظ البصرة وليد حميد توفيق، وسفير العراق في تونس فاروق عبد الله يحيى، وسفير العراق في روسيا مزهر نعمان الدوري، ومحافظ كربلاء لطيف محل ود.هدى مهدي عماش عميدة كلية العلوم بجامعة بغداد، ود.حسن عزبه ثلج، وأياد طه شهاب، ومحمد برزان ابراهيم، ولؤي خير الله طلفاح.. الخ الخ.. فالقائمة تطول ولا تنتهي بالذين ظلوا يقبعون منذ خمس سنوات في سجون الاحتلال الامريكي او سجون حكومته العميلة.

 

ان ما حدث ويحدث في العراق هو بكل المعاني جريمة العصر التي لا تضاهيها جريمة في التاريخ. فقد جرى احتلال بلد ذي سيادة، بلد عضوفي الامم المتحدة، وتم اقتلاع حكومة وطنية عن طريق اجتياح عسكري اجنبي اشتركت فيه مجموعة من الدول التي تتمشدق باحترام القانون والمواثيق الدولية وتدعي الرقي الانساني. جريمة اقبح ما فيها تلفيق الاكاذيب والتضليل وخلط الاوراق وذر الرماد على العيون. وابشع ما فيها وحشية التدمير والتقتيل واستباحة الاعراض واستخدام الاسلحة المحرمة وكثافة المتفجرات، التي بلغت ثمانية آلاف طن، واستخدام المواد المشعة وغير ذلك في المواقع المدنية. واسوأ ما فيها تدمير المؤسسات الراسخة المناط بها المحافظة على البلد وتطبيق القانون. لقد جرى حل الجيش الوطني العراقي وتدمير بنيته التحتية، وجرى حل جهاز الشرطة وجرى تخريب كل المؤسسات لتعم الفوضى الأمنية والطائفية والعشائرية.

 

مع كل ذلك فقد انكشفت حقيقة ادعياء حقوق الانسان والحرية والديمقراطية الدوليين، وتمترس شعب العراق خلف مقاومته الوطنية. في الذكرى الثالثة لاستشهاد البطل القومي صدام حسين، تستعيد الذاكرة سيرة عمر المختار واحمد عرابي ومحمد احمد المهدي، واحمد يس وجمال عبد الناصر وكل صانعي المجد والتاريخ.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ١٥ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور