ملح الطعام الاسرائيلي – دينيس روس

 
 
 
شبكة المنصور
حمدان حمدان
هل تعرف هذه الشخصية الأمريكية الرسمية الفاعلة في ادارات الديمقراطيين ، بل كلينتون من قبل ، وباراك أوباما اليوم ؟!


إنه السيد دينيس روس مستشار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ، وربما بصورة أدق ، مستشار وزارة الخارجية الاسرائيلية منذ مفاوضات كامب ديفيد الشهيرة ، تلك التي جَمعت الثلاثي ، بل كلينتون والشهيد عرفات وايهود باراك( رئيس وزراء اسرائيل آنذاك ).


السيد روس أو شخصية الاجتماعات الثنائية أو الثلاثية المغلقة ، كان هنا مثل ما كان هناك ، أي أنه كان حاضراً في الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ أوباما وعباس ونتنياهوفي أيامنا هذه ، بذات الصفة التي جعلته حاضراً في اجتماعات كامب ديفيد قبل تسع سنوات في العام2000 .


غير أن ذاكرة السيد روس مازالت صافية كي تحمل اقتراحاً مماثلاً في قوة التضليل ، حين يتم اتهام الشهيد عرفات ، بأنه كان وراء احباط سخاء اسرائيلي غير مسبوق ، حين يقدم رئيس وزراء الدولة العبرية يومها : ( تأسيس دولة فلسطينية والسيادة على خمس وتسعين بالمئة من الضفة وغزة ، والاشراف على قسم لا بأس به من القدس الشرقية ..) وكله حسب صحيفة أوروبية هامة هي لوموند الفرنسية ، ثم ما عتمت صحيفة ليبراسيون التي لا تقل أهمية أن رصّعت ( كليشتها الرئيسية ) بعنوان صادم ( عرفات ينسف مفاوضات السلام في طايا وكامب ديفيد ) : ( تاريخ 4 كانون ثاني 2002 ) .


فمن أين جاء هذا السخاء دفعة واحدة ، وهل حقاً أن عرض السلام السخي ، كان يتفق مع المشهد الواقعي الدموي في فلسطين ؟!


إن كشّاف التضليل يركض في كل مكان ، إذ من أين جاء هذا الرقم بين 95 و 97 بالمئة من أراضي غزة والضفة ، وما هو مضمون السخاء ( وليس وصفه ) ، في ما اعتبر ( تقاسم القدس ) من حيث هي ( ثلاث مدن في مدينة واحدة – حسب روس ) وأن الأهم ليس الاشراف على مقدسات المدينة القديمة ، بل ( الاشراف علىطرق الوصول إليها – روس ) فيما يجعل هذا الحق لإسرائيل ، باعتبارها القوة القادرة على تأمين الوصول دون عرقلة أو اعتراض.. فكيف يوافق عرفات على هذه ( المغانم ) التي سقطت عليه فجأة من السماء ؟!.


كان هدف اسرائيل من وصف اللاشيء بالسخاء ، يرمي إلى تفعيل تلاعبات اعلامية رهيبة ، تذهب إلى توكيد التهمة بأن ( عرفات رجل ارهاب لا رجل سلام ) وأن اطاحته باتت أمراً مقبولاً من ثلاثة اتجاهات ، من شعبه الذي يضحي به مجاناً ، ومن منطقته الساعية لسلام مع اسرائيل ، ومن الرأي العام العالمي ، الذي كان قد أعجب بحامل غصن الزيتون والبندقية بآن .


أما شعب فلسطين فسوف يكون مكشوفاً أمام ما يحلّ لاسرائيل ويبرره .
ما هو هذا العرض الذي رفضه عرفات وعاد دينيس روس يعيده أمام عباس ، ففي قمة كامب ديفيد المنعقدة بين 11 تموز و25 منه ، هدد عرفات بالانسحاب ، وكان كلينتون قد أجّل التحاقه بمؤتمر الدول الصناعية السبع في اليابان مدة أربع وعشرين ساعة ، عله يحصل على نصيب من نجاحٍ فَشِلَ فيه رؤساء قبله ، ومع تهديد عرفات بالإنسحاب ، اعترف البيت الأبيض بتوتر في المفاوضات شديد ، وبعد عودة كلينتون في الثالث والعشرين من تموز ، يعرض اقتراحاً أمريكياً لتقاسم السيادة على القدس ، ومع مساء اليوم ذاته ، يعلن المتحدث باسم البيت الأبيض انتهاء أعمال القمة دون اتفاق .


لم يرشح من دواخل الأبواب المغلقة ، غير عموميات دبلوماسية وفصاحات بلاغية أميركية وأوروبية واسرائيلية ، تتحدث عن جرأة ايهود باراك وسخائه ، دون الدخول بتفاصيل مفهومة كمن يقدم الصفة على الموصوف الذي لا علم لنا بما قدّم غير نعوت الجرأة والسخاء والاقدام والسابقة غير المسبوقة !..


قد يكون المراسل الدائم للقناة الفرنسية الثانية في اسرائيل السيد شارل آندرلان ، هو الذي عقّب على المفاوضات يوم الرابع والعشرين من تموز ( إن باراك لا يخرج عما يريده الرأي العام الاسرائيلي ) وبعد يومين يعود معلق آخر في القناة الفرنسية الثانية اسمه بينوا دوكين ، ليقول في جو ساخر ( لم يتنازل عرفات عن شيء لكنه حصل على لا شيء ) ، فيما هو لا يفصح عما لم يتنازل عنه أو يقبله ، وفي قناة آرتي الفرنسية الألمانية يخلص المعلق الرئيسي يوم السادس والعشرين من تموز عام 2000 ، إلى القول ( لقد تابعنا مسيرة التقارب .. نحن هنا يعيدون عما قيل في الرفض الفلسطيني الفظ لحظة عرض تقسيم القدس ، والحقيقة أنه لايوجد رفض فلسطيني ولا عرض اسرائيلي ، أما فكرة الدولة الفلسطينية فقد تبلورت في محادثات طابا بعد خمسة أشهر من كامب ديفيد وهي مازالت في حدود الفكرة ، إن الأمر الأشد ادهاشاً ، هو ما قاله رجل لاهو فلسطيني ولا هو اسرائيلي ، فقد صمت السيد روبرت ماليه مستشار الرئيس كلينتون للقضايا العربية – الاسرائيلية مدة سنة كي يبيض بيضة الأوزة الذهبية حين كشف النقاب في التاسع من آب عام 2001 لصحيفة ( نيويورك ريفيو أف بوكس ) وتحت عنوان مثير ( اسطورة رفض عرفات ) بما يتناقض كلياً مع ( أطروحة العروض الاسرائيلية السخية ) في الكامب ، وفيما يلي نص اعادة الرواية :


كان باراك يأمل في ترسيخ سلام مع الفلسطينيين ولكن حسب شروطه هو ، لا كما تمليه طبيعة التفاوض ، فهو يقبل باعادة قرى فلسطينية سبق ضمها في ضواحي القدس ومركزها بلدة أبوديس ، بامكان الفلسطنيين اطلاق اسم القدس عليها ، غير أنه رفض نهائياً أية سيادة فلسطينية على القدس القديمة ، وقد علق أحد الفلسطينيين ساخراً ، نحن نتناقش حول باريس المحتلة ، فإذا بالنازي يعيد إليك ضاحية كريتي ( إلى الجنوب الشرقي من باريس بحدود ثلاثين ميلاً !..) ، وما عليك سوى أن تسميها باريس . أما مساحة 97 بالمئة من الضفة والقطاع ، فتقدم على منوال المقبّلات الباريسية في تناول الطعام ، فبعد سنة يمكن إعادة سبعة وستين بالمئة من مساحة الضفة ( غير المستوطنات ) ثم واحد وثمانين بالمئة ( بعد فترة لم يحددها المفاوض الاسرائيلي ) ثم نسبة الباقي فيما بعد وبالتدرّج ، ويقضي الاقتراح بتطبيق نظرية أمنية اسرائيلية تقول بتقسيم الضفّة إلى ثلاث وحدات مساحيّة – سكانية ( بانتوستانات ) ، موصلة بمعابر طُرقية تحت الاشراف الاسرائيلي ، دون امكانية وصول الفلسطينيين إلى نهر الأردن ، أما حدود الدولة فلا ترسيم لحدودها .


كان على عرفات أن يقبل بلدة أبوديس بديلاً عن القدس ، وكان عليه أن يقبل دولة مقطعة الأوصال بين طرق ومعابر ومستوطنات تحت سيادة اسرائيل ، وكان عليه أن يعتبر عودة اللاجئين قضية مؤجلة ، وكان عليه أن يستمر في قبول السخط الشعبي في خداعه بأوسلو ، كان عليه أن يقبل بكل هذا وماهو أكثر منه ، كي يتفادى ( وصف الارهابي ) .. مع ذلك فقد استشهد وعينه على القدس ، مات وهو يصرخ حتى القدس ...


لكن دينيس روس مازال في راحة مع نفسه ، يقترح متماثلاته نفسها ، مع عرفات في الكامب ومع عباس في واشنطن ..


ثمة أقلام عربية على درجة من الوعي والحداثة ، تقول بوجاهة اقتراحات الرجل ، حيث علينا أن نستمع إليها بعقلانية وتبصُّر, علماً أن المثل الإسلامي يقول لا يلدغ المؤمنُ من جحر مرتين.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٥ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور