استفاقة غير مبكرة على ترسيم الحدود

 
 
 
شبكة المنصور
حمدان حمدان
استفاقت ايران على ترسيم حدودها مع العراق ، وكأن ألوف السنين من فارسية واسلامية وعباسية وصفوية وقاجارية ، لم تكن موجودة مع كيانَيْن هما الأقدم في التاريخ ، ولا كأن الحربين العالميتين قد غيّرتا خرائط العالم المنسي ، فأقامت حدوداً وسدوداً بقصد توزيع الغنائم إثر وفاة الرجل المريض ،ولا كأن معاهدات واتفاقات دولية ، كانت قد رسمت الحدود للشعوب المغلوبة ، بحسب القسمة ذات العائد الثرواتي لدول العالم المنتصرة ..


فمنذ أيام الشاه الأكبر ، كان ثمة ترسيم بريطاني للحدود بين العراق وايران ، وفي اتفاقية الجزائر مع الشاه الأصغر ، كان ثمة إعادة ترسيم للحدود بين البلَدين ، تَبَعاً لمؤازرة ايران للتمرد الكردي مما حدا بالعراق للتنازل عن نصف شط العرب حيث بات الترسيم مع أعمق قاع للشط الذي يبلغ طول جريانه المائي زهاء تسعين كيلومتراً طولياً .. مقابل وقف تسليح الشاه لجماعة التمرد في الشمال ، وسحب بطاريات مدفعيته الثقيلة من كردستان العراق .


وهكذا يدفع الايرانيون الحدود خلف كل منطقة عراقية دسمة ، يكتشفون فيها ثروة نفطية مخبوءة ، أو موقعاً استراتيجياً يمسك بعقدة مواصلات أو طريق استراتيجية نحو أهم المدن العراقية ..


حقل الفكة النفطي ، لم يكن مَعلماًً نفطياً جديداً اكتشفته ايران لتوها ، بل هو قائم وعامل منذ بداية السبعينات ، فلماذا لم يقع منذ ذلك الحين في المرتسم الحدودي الايراني ، بل لماذا نسمع أي خلاف حوله حتى مع النظام الوطني العراقي المتهم بعداوته الشوفينيّة لايران..


الجواب على هذا السؤال يكمن في تقدم التقنيات النفطية ، وما باتت تحسبه حتى برميل الاحتياطي من النفط في هذا العالم ، وفي منطقة مثل منطقتنا فإنه ليس كل ما يُعلم ( تكنولوجياً ) يُقال ، فبالنسبة للعراق مثلاً ، أعطت وكالة الطاقة الأمريكية رقماً احتياطياً للنفط يصل إلى مئة واثني عشر مليار برميل ، إلا أن مؤسسة سترات فور النفطية الأهلية الأمريكية ، أذاعت نبأً مخبوءاً عن احتياطات نفطية دفينة في الصحارى الغربية للعراق ( منطقة الأنبار ) تحتوي على خمسين مليار برميل لم يعلن عنها .


وتنتهي المؤسسة إلى القول في تقريرها ( أواخر شهر أيار 1995 ) : ( إن استراتيجية النفط العراقي ، تحدد على الدوام ، بقرار من نظام الحكم في بغداد وهو ما لا يرضي مصالح الشركات الأمريكية ) .


ونعود إلى السؤال ، لماذا استفاقت حكومة طهران ، على حقل الفكة العراقي الآن ؟!
وبجواب مباشر ، فإن تقنيات النفط الحديثة ، تقول أن احتياط هذا الحقل وحده ، يطوف على مليار ومئتي مليون برميل من النفط ، وهي غنيمة تستأهل المغامرة في التفتيش عن الحدود الضائعة ..!


في مماثلات هذا المشهد – مما سنذكره لاحقاً – ما أدى إلى نشوب الحرب الايرانية – العراقية ، وهو سبب إضافي فوق مقولة تصدير الثورة ، فيما هي اليوم تصدير للمشكلات الوبيلة خارج ايران .


في تصدير الثورة ، كانت مدافع الآيات تقصف العراق بعقائد التفكير من كل صوب وحدب ، فهذا آية الله الخميني يحرض جيش العراق ( في نيسان 1980 ) بقوله: ( اتركوا الثكنات وانفروا ضد الموقف الكافر لنظام بغداد .. تخلصوا من صدام كما تخلصنا من الشاه) .


وفي تصدير الثورة السياسي سيقول رئيس جمهورية الثورة في حينه ( أبو الحسن بني صدر ) بذات التوقيت مع تحريض الخميني ( نحن لا نستطيع منع جيشنا إذا رغب بالتوجه إلى بغداد ) ، وفي تصدير تاريخي مواز ( نيسان 1980 ) سيصدح وزير خارجية ايران صادق قطب زاده ومن الكويت : ( إن الجزر التي يسمونها إماراتية هي جزر ايرانية .. بل إن العراق نفسه هو فارسي ).


وبعيداً عن صراخ التعبئة في العقائد والسياسة والتاريخ ، فإن اذاعات ايرانية محلية في الولايات ، شرعت في تعليم دروس في كيفية صنع قنابل حارقة وبسيطة ( مولوتوف ) لاستخدامها ضد ( الحزب الكافر ) في العراق ، وقد وجّه العراق ما يربو على مئتين وخمسين مذكرة ( مؤرشفة ) في وزارة الخارجية ، إلى جامعة الدول العربية والمنظمات الاسلامية والمؤسسات الدولية ( هيئة الأمم ومجلس الأمن ) ثم إلى دول عدم الانحياز وشخصيات عالمية لها وزنها .. وهي تنذر بمستقبل قاتم إذا ما واظبت ايران على سياسة التدخل العدائية ضد العراق ، لكن أياً من هذه الجهات والشخصيات لم يتدخل لرأب الصدع ، وفهمت طهران من خلال صمت العالم المريب ، أنها يمكن أن تستفرد بالعراق وحده ، فجعلت الكلام للمدفعية الثقيلة على الحدود ، حيث قصفت المدن الحدودية العراقية مثل خانقين ومندلي والفاو والزرباطية .. وفي السابع من أيلول 1980 تجاوز القصف باتجاه العمق ليشمل مناطق نفط خانه ونفط زين سعد وزين القوس وفيمك .. ورغم المذكرة المباشرة من بغداد إلى طهرن يوم ( 8 أيلول 1980 ) تناشدها التوقف عن سياسة الاحتكام إلى المدافع والدعوة إلى الحكمة والتفاوض بالموعظة الحسنة ، إلا أن رد طهران جاء حاسماً ( نحن لا نعترف باتفاقية الجزائر ، والمناطق المقصوفة لديكم هي مناطق ايرانية ، وقد قبرت ايران إلى الأبد ، اتفاقية الجزائر بينكم وبين الشاه العميل ) .


إن مذكرة الرد هذه ، كانت تبطن معالم استراتيجية كبرى تجاه العراق ، فالادعاء بأنها مناطق ايرانية ، كان له أن يصل إلى بغداد ، ومع ذلك فإن وزير الخارجية يومها ، كان قد اختصر التاريخ بجملة واحدة ( إن العراق نفسه هو فارسي ) ..


لقد تناولَتْ مقولة حرب العراق ضد ايران ، كل الوقائع من آخرها ، فيما أن التصدير العقائدي والاعلامي والمدفعي .. كله كان من تاريخ سابق على الحرب ، ولم تكن ساعة الصفر العراقية بإيذان الحرب ، هي الحرب ، فقد كان ثمة حرب ايرانية باطنية وظاهرية ضد العراق ، قبل نشوب الحرب عملياً بسنة وتسعة أشهر من التهويش والتحريض والتكفير واستخدام المدافع ، فنحن نعلم أن ساعة الصفر العراقية ، بعد أن عيل الصبر وفاض الماء فوق السد ، كانت في 22 من أيلول 1980 ، وبعد أسبوع من نشوب الحرب ، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 479 تاريخ 28 أيلول 1980 ، ويدعو القرار إلى ( الوقف الفوري لاستخدام القوة ، والعودة إلى حل الخلافات بالطرق السلمية والتفاوضية).


وهرع السيد ممثل العراق في الأمم المتحدة عبد الأمير الأنباري ليُبلّغ مجلس الأمن بموافقة بغداد على القرار ، إلا أن سفير ايران في الأمم المتحدة كمال خرازي ، قدّم رفضاً عنيداً من طهران ، وهكذا ظلت طهران ترفض فيما تقبل بغداد وقف الحرب ، سبعة قرارات مشابهة بأرقام وتواريخ هي :


القرار رقم 514 تاريخ 12-7 -1982
القرار رقم 522 تاريخ 4-10 – 1982
القرار رقم 552 تاريخ 1-6 – 1984
القرار رقم 582 تاريخ 24- 2 – 1986
القرار رقم 588 تاريخ 8-10 – 1986
القرار رقم 598 تاريخ 20 -7 – 1987


وهذا القرار الأخير ، هو الذي تجرّع آية الله الخميني معه كأس السم ، حيث الحقد موجّه أعمى في السياسة .


حقل الفكّة النفطي ، من متماثلات ما أنشأ الحرب في عهد الشهيد صدام ، فعلّة صدام أنه كان لا يقبل الضيم والجور على شعبه ولا أمته ، لم يكن طائشاً متهوراً ، يتلذذ بشن الحروب هنا وهناك ، كان صابراً مع مُسبقات عدوانات ايرانية على العراق ، صبَر على تحريض التكفير والعقائد ، ثم صبر على تزوير التاريخ ، كما صبر على لغة المدافع شهراً بعد شهر ، فما أن لاحت بارقة السلام – مع ايران – حتى سارع بعد اسبوع من نشوب الحرب إلى قبولها والاعلان عنها ..


كان صدام شيئاً آخر غير ما وصفوه في الميديا الأمريكية بل وغير ما وصفه لصوص بغداد مع الاحتلال .


إيران تحلم باسترداد أمجاد قورش بدءاً من العراق وهي تتكئ في سعيها هذا على الواقع العربي المتناحر و الغارق في الفوات والتخلف ..


فارسية إيران تدفع بشوفينية قومية موشاة برداء إسلامي يعمل رافعة من أجل إجتذاب شعوب المنطقة وفي مقدمتها قضية فلسطين التي إزدادت في تراجعها إلى درجة أننا لا نسمع إلا الصراخ وربما العنتريات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فيما قدس الإسلام تتعرض للتهويد ولم يبق على إستكمال تهويدها إلا اللمسات الأخيرة دون ألم الإحتضار.

 
hamdanmoaz@yahoo.co.uk
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٠٧ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور