ابو عبده ... وداعاً

 
 
 
شبكة المنصور
مصطفى كامل
كما يترجل الفارس بعد طول عناء غادرنا الرئيس السوري الاسبق امين الحافظ، ليرحل الى عالم الخلود، بعد رحلة نضال طويلة وممضة.


فور سماعي النبأ استعرضت شريطا من الذكريات، كان الراحل الكبير جزءا اساسيا منها وعنصرا فاعلا فيها.


استعدت وانا اسمع نبأ رحيل ابو عبده سلسلة من اللقاءات في بيته بمجمع المأمون الرئاسي، امتدت ساعات طويلة وأثمرت عن حوار ذكريات مطول استعاد فيه الرئيس الحافظ ملامح مهمة من مرحلة الستينات واشخاصها، ونشر في صحيفة الرأي الاردنية في نهايات العام ١٩٩٤.


لكن اهم ما استعادته الذاكرة عن ابو عبده هو تلك الروح الوثابة التي تتحدث عن الوحدة العربية ليس باعتبارها هدفا سياسيا يجسد اولى اهداف حزب عظيم آمن ابو عبده به لأكثر من ستين عاما، بل باعتبارها ايمانا حقيقيا، حيث كان حديثه عن الوحدة نوعا من العشق الصوفي، وليس هذا بغريب على الفريق امين الحافظ الذي كان رحمه الله واحدا من الضباط السوريين الذين التقوا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام ١٩٥٧ في القاهرة وطالبوه حينها باعلان الوحدة مع سوريا، في خطوة تاريخية فريدة من نوعها في عالمنا العربي، بصرف النظر عن كل ما رافق اجراءات قيام الوحدة من اخطاء أدت في مجملها الى جريمة الانفصال في ٢٨ ايلول ١٩٦١
طيلة حياته ظل ابو عبده مؤمنا بالوحدة العربية، هدفا اسمى معتبرا اياها اول المهام القومية ومتقدمة على ما سواها من اهداف مهما كانت ملحة او ضرورية، ومؤكدا علي ان هدف الوحدة لم يكن - ولن يكون - هدفا مرحليا تفرضه ضرورات سياسية ملجئة ومناورات من هنا او هناك، بل كان يرى فيها هدف الرساليين الذين يؤمنون بالامة وشعبها والكامن من قدراته.


تذكرت وانا استعيد ملامح من سيرة هذا الرجل النبيل، ضابطا صغيرا كان مكلفا من قبل عبد الكريم قاسم بافشال الوحدة السورية المصرية والاتصال بالضباط السوريين الانفصالين للتآمر علىالوحدة والغدر بها، انه صالح مهدي السامرائي، والد العميل اياد السامرائي رئيس ما يسمى مجلس النواب العراقي في نسخته الاخيرة، والذي لقي جزاءه العادل في كانون الثاني 1970.


ومثلما كان العراق حاضرا في قلبه وروحه، كانت فلسطين وهمها وجرح شعبها كذلك، فقد كان ابو عبده رحمه الله يعتبر فلسطين محور نضال العرب والانسانية، باعتبار الانتصار لقضية شعبها العربي مهمة ملحة لتحرير الانسانية من الهيمنة والابتزاز الصهيونيين.


وكانت العلاقة بين الرئيسين الشهيد صدام حسين والراحل امين الحافظ، علاقة محبة واحترام، وأمل. محبة واحترام من القائد صدام حسين ازاء واحد من الرموز العربية التاريخية، وامل من الراحل ابو عبده، الذي كان يرى في البطل التاريخي ابو عدي ، قائدا عروبيا فذا يجسد الصور المشرقة من تاريخ العرب المجيد، شجاعة وفروسية ونخوة ومروءة، وقوة وثباتاً في مواجهة المعتدين.


وفي كل مرة كنا نلتقي فيها، كان ابو عبده كما العهد به مناضلا عربيا صلبا لم يعرف المهادنة والسكوت عن الحق والركون الى انصاف الحلول، كان صوتا صائحا اصيلا في مواجهة ما يمر بالامة من احداث جسام، وخاصة في العراق وفلسطين.


استمرت لقاءاتي مع الرئيس الراحل امين الحافظ في مناسبات عدة، سواء في بيته ببغداد العروبة او في منتديات وملتقيات ومؤتمرات شعبية قومية كان رحمه الله يحرص تماما على حضورها، والمشاركة الفعالة فيها، حتى رحيله الى حلب الشهباء بعد احتلال العراق بأشهر عدة.


غادر ابو عبده الدنيا تاركا وراءه امة عربية ممزقة واقطارا عربية محتلة، وشعباً حائرا لا يدري كيف يصنع مستقبله!

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٤ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢١ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور