هــل للفــرس المجوس أطمــــــاع فـي العـــــــــراق ؟

﴿ الجزء الاول ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
نبيل ايراهيم

((اللهـــــــــــم اجـعـــــل بيننــا وبين الفــرس جبــل من نــــار))

الفاروق عمر بن الخطاب (رض)

 

 

 

مقدمــــــــــــــة تأريخيـــــــــــــــــــــــــة

 

يدعي البعض من مروجي الفكر الخميني الصفوي أن لا أطماع لإيران سواء في العراق أو في باقي الدول العربية , بل ذهبوا ابعد من هذا فالقوا باللائمة على القوميين العرب من المؤمنين بنظرية المؤامرة, على  انهم هم من يدعون ويتهمون إيران بالتدخل في شؤون العرب والعراق بصورة خاصة , عليه كان لابد لنا أن نحاول أن نبحث ونكتشف شيئا نثبت من خلاله أن كانت الأطماع الإيرانية حقيقة أم وهم , وحتى لا يكون هذا الموقف أقرب إلى الحكم  المسبق، كان لا بد لنا من الرجوع الى الماضي والبدء من زمن فجر التاريخ والى يومنا هذا لمعرفة العلاقة بين بلاد الرافدين وبلاد فارس، لنتمكن من الاجابة على هذا السؤال ولتسليط أكثر ما يمكن من الضوء على ما يجري الآن.

 

من يقرأ تاريخ الفرس ويتصفح أحداثه لا يجد غير الغدر والخيانة ونقض العهود، وإشعال نيران الحروب ضد جيرانهم من الشعوب المسالمة الأخرى. وكل مؤرخ او مطالع او باحث لهذا للتاريخ الفارسي لا يجد أبدا صفحة نقية بيضاء بين طياته. إن هذا التاريخ الذي سطره الفرس عبر تاريخهم الطويل قائم في حب السيطرة على أراضي الغير، وشعوب المنطقة.

 

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة، هل اصبح الفرس ألان بعد دخولهم الإسلام اكثر تقوى أم اكثر تقية؟ , فالفرق واسعا بين التقوى والتقية، وسأقدم هنا للقارى الكريم لمحات عن هذا التاريخ القذر لهؤلاء الفرس الذين ابتلى بهم العرب والمسلمين على مر التاريخ.  انهم مشهورين بالخيانة والغدر حتى لأقرب أصدقائهم وحلفائهم المقربين والمرتبطين معهم بمواثيق وعهود.

 

تأريخيا فإن المواقف الإيرانية من العراق منذ عهود فارس و الساسانيين مرورا بالصفويين والشاهنشاهية وصولا إلى عهد العمامة الخمينية تحكمها  مصالح ذاتية تتسم بالعداء والشك والرغبة الشديدة في إبقاء ألعراق واهنا ضعيفا يكون فيه وجود مؤثر للقوى التابعة لإيران، وإن سجل إيران في إيذاء العراق، والتدخل في شؤونه الداخلية سجل معروف وموثق تأريخيا ، فلم تكن إيران عبر تأريخها الطويل صاحبة علاقة حميمة وطيدة مع العراق سواء في عهود ما قبل الإسلام أو عهد الخلافة الراشدية والعهود التي تلتها وحتى العهد العثماني مرورا بالعهد الملكي أو العهد القاسمي أو العهد العارفي أو العهد البعثي, ومثالا على ما اوردناه وبعيدا عن العواطف والتحيز، فإن إيران لم تكن بريئة من جر العراق نحو حرب الثمان سنوات ما بين الاعوام 1980-1988 ، ومن إطالة أمدها، وحتى بعد أحداث حرب عاصفة الصحراء انتهاءا بغزو العراق من قبل أمريكا والتي قال فيها اكثر من مسؤول إيراني انه لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال العراق.

 

ما من حضارة  قامت في العراق في التاريخ القديم أو الحديث إلا وتعرضت إلى عدوان اصفر حاقد قادم من الشرق خصوصا عندما كان العراق يمر بمراحل ضعف ونكوص, وقد حدث هذا في العصور السومرية والاكدية والبابلية والآشورية من دون استثناء وانتهت ولم تنته حينما احتل (كورش الإخميني) مدينة  بابل عام 539 ق.م واتخذها عاصمة ملكه، واستمر  الفرس الاخمينيون يسيطرون على العراق حتى هزمهم (الإسكندر المقدوني) سنة 321 ق.م . و حينها مر العراق في طور من الضعف والسبات الحضاري وانحصرت القوى العسكرية المهيمنة في العالم القديم للفرس والرومان فقط, كان الطرفان في صراع دائم من اجل الاستيلاء على بلاد الرافدين , الذي تعرض لموجات الإحتلال إبتداءً من فجر تاريخه وبالتحديد من أواخر الألف الثالث قبل الميلاد عندما قام الكوتيون القادمين من جبال إيران بأحتلال بلاد الرافدين وعاثوا فيها فساداً ، وقاموا بتدمير مدينة أكد ومحوا معالمها إلى درجة جعلت المؤرخين يعجزون عن تحديد موقعها حتى الآن. وقد تميزت فترة سيطرتهم على بلاد الرافدين بالذل والقهر الذي فرضوه على أبناءه ونظرتهم بعنجهية إلى تفوقهم الحضاري ، وهو ما جعلنا نجعلهم في مقدمة موجات الاحتلال التي تعرض لها الوطن العربي رغم أن بعض الموجات قد سبقتهم في استيطانه؛ ولكن في هجرات سلمية اندمجت بسكانه وأثرت وتأثرت بحضارته.

 

كان (سرجون الاكدي) قد تمكن من دحر تحالف اربع ملوك ايرانيين، واستولى على بلاد عيلام , واستطاع الملك الاكدي (نرام  سن) هزيمة الملك  (سنتون  ملك  لولوبو) هزيمة ساحقة.  

 

وفي حدود عام 2120 ق. م  حرر جيش العراق بقيادة (اوتو حيكال) ملك الوركاء البلاد من سيطرة الكوتيين، ودحر قوات الملك الكوتي( تريكان), فيما شن القائد الكلداني العظيم (نبوخذ نصّرالاول) هجوما على القوات العيلامية الغازية ودحرهم ، وسيطر بشكل مطلق على منطقة بلاد عيلام، محققا نصرا ساحقا  دونت تفاصيله الوثيقة المعروفة بـ ( وثيقة النصر).  كما شهد العراق في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد اكتساح استعماري آخر تمثل بتلك الأقوام القادمة من وسط آسيا على أرجح الآراء التي اجتاحت العديد من الأراضي العربية حيث عرفوا بمسميات مختلفة في المناطق التي سيطروا عليها؛ ففي العراق عرفوا بالكاشيين وفي سوريا بالحوريين وفي مصربالهكسوس، وقد واجهتهم شعوب المنطقة بالمقاومة التي اشتركت فيها كل فئات المجتمع بما فيهم النساء حيث نجد في مصر مثلاً أن (أعح حتب زوجة الملك المصري سقنن رع) قد تولت عملية  قيادة المقاومة المصرية ضد الهكسوس بالإشتراك مع ولديها (كامس وأحمس) وذلك بعد سقوط زوجها صريعاً في ميدان المعركة.

 

اما الكيشيون 1157 ـ 1680ق.م فقد نزحوا من الجبال الشمالية من منطقة لورستان، تيسر لملكهم( آكوم الثاني) في نحو عام  1580 ق م النزول من خلوان في إيران على طريق خانقين ثم إلى أواسط وجنوبي بلاد الرافدين واحتل مدينة بابل بعد تراجع الحثيين عنها فأسس فيها سلالة كيشية ورثت جميع ممتلكات الدولة البابلية القديمة، ولقب نفسه ملك أكد وبابل اضافة إلى ألقاب اخرى كثيرة . كما أنه وجدت مدونة على رقم الطين حول العلاقات الدولية بين الكشيين والآشوريين وكانت حينذاك منازعات ومصادمات مستمرة بين الميتانيين والآشوريين والكيشيين حول رقعة الارض في القسم الوسطي من العراق من الجبال الشرقية حتى الفرات الأعلى استمرت هذه المنازعات زمنا طويلا إلى أن تفوقت المملكة الآشورية وتمكنت من ايقاف زحف الآراميين من الغرب وقضت على الميتانيين في الجنوب وحاربت الكيشيين في بلاد بابل . وكان الكيشيون حينذاك ضعفاء يحكمون بابل والاطراف المجاورة لها فقط . وفي زمن(  انليل نادون آخي ) آخر الملوك الكشيين وفي عام  1157 ق م  ضعفت المملكة الكشية كثيرا فهجم القائد العيلامي (شوترك ناخنتي) على بلاد بابل وفتح المدن وخربها وقضى على آخر ملوك الكشيين فنقل العيلاميون من بابل والمدن الاخرى غنائم لاتحصى وأسلابا كثيرة جدا من تماثيل الالهة والمسلات وكنوز المعابد وكثير من هذه الغنائم عثرت عليه بعثة التنقيب الفرنسية التي كانت تشتغل في سوسا عاصمة العيلاميين في إيران عام 1902 ومن جملة ما وجدت مسلة حمورابي الشهيرة ومسلة نرامسن ومئات من حجارات الحدود المنقوشة برموز الالهة.

 

في عام 141 ق.م تمكن   الفرثيون وهم من الشعوب الايرانية القديمة ويعتبرون ورثة العهد الاخميني من احتلال بلاد بابل وتأسيس حكم اقطاعي بقيادة (ارشاق) واستطاع تاسيس سلالة عرفت باسمه (الارشاقيون) واستمروا يحكمون بابل حتى تمكن الفرس الساسانيون عام 224 ميلادي من انهاء حكمهم وكان اخر ملوك الفرثيين يدعى (ارتبانوس الرابع) .

 

 الساسانيون هم سلالة فارسية من الساسان وهم جماعة تنتسب الى الكاهن (ساسان) وهو أحد الكهنة الذين عرفوا بالشعوذة   أسس السلالة الملكية (اردشير الأول) ، وحكمت من 226 - 651 م . حكم اردشير الأول في الفترة 226 م - 241 م , احتل بلاد بابل بعد القضاء على الفرثيين، وجعل المزدكية (وهي ديانة فارسية قديمة أسسها الداعية الفارسي مزدك وإليه نسبت) دين الدولة, وانتهتْ السلالة الساسانية عندما حاول ملك الدولة الساسانية الأخير (يزدجرد الثالث), 632م ـ 651م مكافحة الخلافة الإسلامية المبكرة أوّل الإمبراطوريات الإسلامية لمدة 14 سنة.

 

الصراع الفارسي البيزنطي على بلاد الرافدين

 

في هذا الخضم ظهر في المنطقة العربية الفرس الساسانيين حيث تمكنوا من السيطرة على دولة الحضر العربية شمال بلاد الرافدين وضموها إلى دولتهم بعد أن أخذوا منها كل ما يمكن نقله وقاموا بأسر جميع سكانها ونقلوهم إلى العاصمة الفارسية ليكونوا عبيداً للفرس إنتقاماً منهم لعدم قبولهم الخضوع لسيطرتهم والحكم في ظل التبعية لهم، وكما سجل التاريخ لنا بطولة الملكة ( الزباء) وشجاعتها واستبسالها في رفع الضيم الروماني عن شعبها ورفضها لعروضهم بأن تستمر حاكمة في ظل تقديم الولاء لهم، فقد سجل لنا موقفاً آخر مغايرلإمرأة أخرى هي الأميرة الحضرية (النضيرة بنت الضيزن) حيث ذكرت لنا كتب المصادر العربية أنها سهلت للملك الساساني (سابور) دخول مدينة الحضر والقضاء على والدها الملك مقابل أن يتزوجها الملك الساساني، وقد انتهى بها المطاف حسب ماذكرت تلك المصادر بالقتل على يد زوجها الذي خضبت يداه بدماء أبيها وقومها, خوفاً من أن تخونه كما خانت أبوها خصوصاً عندما علم منها مستوى الرفاهية والنعيم والعيش الرغيد الذي كان أبوها يوفره لها.

 

وفي هذه الأثناء قامت دولة المناذرة في الحيرة حيث احتضنها الفرس الساسانيين عندما قبلت أن تكون مجرد دولة تابعة لهم، وبالمقابل دعم الرومان البيزنطين قيام دولة مماثلة في بلاد الشام هي دولة الغساسنة لتقوم معهم بنفس دور المناذرة للفرس، حيث دخلت الدولتان العربيتان في صراع مرير خدمة لاسيادهم الفرس والبيزنطيين الذين ما فتئوا يدعمونهم طالما وهم يبدون خضوعهم لهم، ولكنهم عملوا على القضاء على الدولتين في نهاية المطاف عندما لاحظوا أن بعض ملوكها بدأو يتصرفون كأنداد لهم وليس كأتباع كماحدث مع الملكين الغسانيين (الحارث بن جبلة وابنه المنذر) في مواجهة البيزنطيين، وكذلك مع ملكي الحيرة ( المنذر بن ماء السماء والنعمان بن المنذر), في مواجهة الفرس، حيث أنتهى الأمر بالأخيرموتاً في البلاط الكسروي تحت أقدام الفيلة، ولم يكتف كسرى الفرس بذلك بل طلب من قبيلة شيبان العربية تسليمه نساء وأموال النعمان التي كان قد استودعها لديهم عندما علم بنية الملك الفارسي بالغدر به فما كان من هذه القبيلة الا أن رفضت ذلك , وكان هذا سببا في قيام اول حرب بين الفرس المجوس وبين قبائل العرب وسميت معركة ذي قار التي دارت رحاها في أرض ذي قار عام  609 م  وهي معركة انتصر فيها العرب بقيادة (هاني بن مسعود الشيباني) على الفرس قبيل ظهور الإسلام بسبب العنجهية التي تعامل بها الفرس مع العرب والتي اظهر فيها الفرس احتقاراً للعرب وعدم مبالاة بهم إلى ظهور دعوة لالتفاف القبائل العربية وتوحدها لمقاومة عنجهية واستهتار الفرس فكان النصر الذي حققته مجموعة من القبائل العربية بزعامة قبيلة شيبان ضد الفرس في يوم ذي قار وكان كما قال عنه الرسول العربي, ( أول يوم أستنصفت فيه العرب من الفرس ).

 

وفي هذا الانتصار حارب العرب لاول مرة مجتمعين حول راية واحدة بأربعة ألوان هي الأبيض والأخضر والأحمر والأسود واشتركت فيها كثير من القبائل العربية كقبائل بني شيبان وبكر بن وائل , ومع ذلك استمر الفرس في احتلال أجزاء من ارض العراق حتى تم كسر انف الفرس مرة أخرى واطفاء النار المجوسية والى الأبد وتحرير العراق كليا في أوج وفي عظمة الخلافة الراشدية وزمن الفتح العربي الإسلامي, بمعركة القادسية الأولى عام 636 ميلادي وبقيادة سعد بن أبي وقاص عندما كان عمر بن الخطاب (رض) خليفة للمسلمين.

 

بالرغم من انتصار العرب الحاسم على الفرس المجوس وقيام الخلافة العربية الإسلامية واعتناق الفرس الإسلام لم تنتنهي أحلامهم القديمة الجديدة والمستمرة على الدوام, فقد قاموا بأدوار خبيثة غايتها تحطيم الدولة الإسلامية العربية واستعادة أمجادهم القديمة الزائلة, فكان مقتل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه على  يد أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة وهو يؤم الناس في صلاة الفجر، حيث حمله الحنق والحقد على ذلك، لأن عمر هو الذي أزال دولة الفرس و أطفأ نارهم المجوسية والى الأبد , فيما استمر الحقد الفارسي و زرع الفتن والكراهية بين العرب والتحريض ضد الدولة الإسلامية العربية والتمرد عليها و التسلل إلى مواقعها العليا ونشر الفساد والتحلل فيها وخاصة في عصر الدولة العباسية وكلنا يعلم بقصة ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم الذي كاتب التتار وحث زعيمهم هولاكو على غزو بلاد المسلمين, وغدر بالخليفة, وتسبب في تدمير بغداد و قتل مئات الآلاف من أهلها السنة , حيث كان يحلم هذا الوزير الرافضي بإنهاء الخلافة الإسلامية, وإقامة دولة شيعية على أنقاضها.

 

وفي هذا يذكر ابن كثير في أخبار سنة 656هـ ، دور الوزير مؤيد الدين أبي طالب محمد بن أحمد العلقمي في استيلاء التتار على بغداد، فيقول :

 

(وجيوش بغداد في غاية الضعف ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم بقية الجيش، فكلهم كانوا قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله، وذلك كله من آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي ، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة ، حتى نهبت دور قرابات الوزير، فاشتد حنقه على ذلك، فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات، ولهذا كان أول من برز إلى التتار -أي : ابن العلقمي - فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع به السلطان هولاكو خان لعنه الله، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجة نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فأحضر من دار الخلافة شيئًا كثيرًا من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال الوزير : متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة, فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله، ويقال : إن الذي أشار بقتله هو الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي ، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية ، وكان النصير وزيرًا لشمس الشموس ولأبيه قبله علاء الدين بن جلال الدين ، وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك، فقتلوه رفسًا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه.... ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ، والكهول والشبان.... ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانًا بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر والأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وطمعهم في البلاد وسهل عليهم ذلك وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعًا منه أن يزيل السنة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضة ، وأن يقيم خليفة من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمفتين والله غالب على أمره).

 

سبحان الله فما اشبه اليوم بالبارحة , حيث كان أصغر جندى فى التتار يهين ابن العلقمي ويلطمه على خده ولا يستطيع ان يرفع حتى بصره اليه , ومن يهون يسهل الهوان عليه حتى أنه يُروى ان ابن العلقمى كان يمشى يوما فى أحد شوارع بغداد , فجاء جندى من التتار فلطمه على خده , فجاءت امرأة من المسلمين وصرخت فى وجه ابن العلقمى وقالت له : أهكذا كان يعاملك خلفاء بنى العباس , واليوم فأن أصغر جندي امريكي يبصق في وجه خونة العراق ويدوس على رؤوسهم بحذائه وهم صاغرون لا يفعلون شيئا.

 

والجدير بالذكر أن ملالي قم و طهران اليوم ينظرون بعين التعظيم والإجلال لهذا الوزير الخائن وزميله الطوسي ! يقول الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية ص 128) : (ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام) وهنا نتساءل : هل كان الخميني يجهل دوره في تدمير بغداد؟ ويقول الخميني أيضاً (ص 142) : (وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحدًا منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله).

 

وجدير بالذكر أن البويهيون قد احتلوا العراق وحكموا من الفترة سنوات 932-945م  وكذلك  1056-1062 م و ينحدر بنو بويه من أعالي جبال الديلم و يرجعون في نسبهم إلى ملوك الفرس الساسانية (حسب ادعائهم). استمدوا اسمهم من (أبو شجاع بويه)، والذي لمع اسمه أثناء عهد الدولتين السامانية ثم الزيارية. استطاع ثلاثة من أبنائه الاستيلاء على السلطة في العراق و فارس. خلع عليهم الخليفة العباسي ألقاب السلطنة

 

استولى علي عماد الدولة (932-949 م) على فارس و أسس فرعا دام إلى حدود سنة 1055 م. الابن الثاني حسن ركن الدولة (932-976 م) استولى على الري و همذان و أصفهان. دام فرعه حتى سنة 1023 م.

 

وأخيرا، استولى أحمد معز الدولة (932-967 م) بدوره على العراق، الأهواز (الأحواز) وكرمان. دام فرعه حتى 1012 م. قام الأخير بالاستيلاء على بغداد سنة 945 م وأعلن نفسه حاميا على الخلافة (حتى 1055 م). من أهم حكام هذه الأسرة علي بن خسرو عضد الدولة (949-983 م) والذي استطاع أن يتملك دولة واسعة الأطراف شملت كل العراق المعروف اليوم و مناطق أخرى. شجع البويهيون المظاهر الإيرانية في دولتهم، كما حاولوا نشر المذهب الشيعي. تصارعت فروع الأسرة فيما بينها فعمت الاضطرابات أرجاء الدولة. انتهى الأمر بأن قسمت دولة إلى فرعين، أولهما في العراق (1020-1055 م) و الآخر في كرمان (1012-1056 م).

 

قضى الغزنويون سنة 1023 م على فرع البويهيين في الري، ثم أنهى السلاجقة ما تبقى من دولتهم وحلوا محلهم في بغداد. آخر فرع لهم حكم في كرمان حتى سنة 1062 م.

 

في العهد العثماني غص العراق مرة أخرى في سبات وتعرض الى حملات عسكرية كثيرة و كان الصراع بين الفرس والعثمانيين على أشده من أجل الاستحواذ على العراق وقد حدثت حروب ومعارك طاحنة بينهما كانت ارض العراق مسرحا وهدفا لهما وكان العراقيون هم ضحاياها خصوصا في الفترة ما بين القرنين 16و18 شهد العراق خلالها صراعاً كبيراً بين الإمبراطوريتين وكلتاهما ليستا عربيتان.

 

 فكان كلما عظم شأن أحد الحكام الصفويين إلا وسعى إلى انتزاع العراق من سيطرة العثمانيين، وهكذا رأينا احتلال العراق سنة1623 م بقيادة الشاه عباس الصفوي، ورأينا كذلك الشاه نادر الذي قام هو الآخر بغزو العراق، وكان العثمانيون في كل مرة يبذلون قصار جهدهم لاسترجاع ولاية بغداد.

 

ينسب الصفويون على صفي الدين الإردبيلي، المولود سنة 650هـ (1334م)، والمتوفى سنة (753هـ)، وهو الجد الخامس للشاة إسماعيل، وقد نشأ نشأة صوفية، وكان صاحب طريقة، مما ساعد على التفاف الكثير من المريدين حوله، وانتشار دعوته وأنصاره.

 

وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه، ابنه صدر الدين موسى، الذي سار على طريقة أبيه، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش، وهو أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية، ودعا إليه، الأمر الذي يعد نقطة تحول في مسيرة هذه الأسرة التي ادعت انتسابها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسين بن علي رضي الله عنهما، كما جرت العادة عند الشيعة والصوفية.

 

وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش، خلفه ابنه شيخ شاه، وسار على خطاه، وبعد وفاته، خلفه ابنه السلطان جنيد، الذي كثر أتباعه، وبدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً، وهذا ثاني أخطر تحول في مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع.

 

وبعد مقتل جنيد، انتقلت الرئاسة إلى ابنه حيدر، الذي أخذ يعد العدة لمقتل والده، وأعد جيشاً يرتدي أفراده القبعات الحمر، ويعرفون باسم  القزلباش إلا أن حاكم  شروان استعان بأسرة آق قويونلو ، واستطاعا هزيمة حيدر وقتله، فانتقلت الزعامة إلى ابنه علي، الذي ما لبث أن قتل، فآلت الأمور إلى إسماعيل الصفوي ابن حيدر.

 

الشاة إسماعيل يؤسس دولة الصفويين

 

حظي إسماعيل برعاية من حاكم لاهيجان، مدة خمس سنوات، وفترة إعداد ثقافية وعسكرية، وفي الوقت نفسه كان الخلافات تعصف بأسرة آق قويونلو، فتمكن من الانتصار عليها واحتلال عاصمتها تبريز، ودخلها دخول الفاتحين، وأعلنها عاصمة لدولته الفتية، ثم إعلان المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة سنة  1501ميلادي، رغم أن ثلاثة أرباع إيران كانوا على مذهب أهل السنة.

 

نشط دعاة الشيعة وانتشروا بين القبائل، وخاصة في مدن كاشان وقم والري، بل إن النشاط التبشيري الشيعي انتقل إلى أراضي الدولة العثمانية، وفرض التشيع على إيران، وكان ثلاثة أرباع سكان إيران والعاصمة الجديدة تبريز على مذهب أهل السنة وأصر على موقفه وقتل من أهل تبريز وحدها (20) ألف رفضوا التشيع، والذي بقوا أحياء، فرض عليه التشيع بحد السيف.

 

يقول المفكر الإيراني الشيعي د. علي شريعتي: الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي، حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الكاسرة.

 

قيام الدولة الصفوية أدت إلى انقسام العالم الإسلامي إلى معسكرين, معسكر سني بزعامة الدولة العثمانية، ومعسكر شيعي يتبع الصفويين، وزاد من حدة الانقسامات تلك المؤامرات التي حاكها الصفويون ضد العثمانيين.

وبلغ تعصب الصفويين لمذهبه حداً جعل الشاه عباس يحج من عاصمته أصفهان إلى مدينة مشهد (حيث يوجد مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة عند الشيعة)، سيراً على الأقدام ودعا الشيعة إلى الاقتداء به، والحج إلى مشهد، وجعل علماء الشيعة ومراجعهم يعلنون أن الحج إلى مدينة مشهد يكفي ويغني عن الحج على الكعبة وزيارة بيت الله الحرام.

 

كما تميز العصر الصفوي بالمبالغة لما يسمى الشعائر الحسينية وإظهار الحزن على استشهاد الحسين وبعض الأئمة

 

الصفويون والدولة العثمانية

وبدأ اسماعيل الصفوي يتطلع إلى توسيع مساحة دولته، فاستولى على العراق، وأرسل دعاته لنشر المذهب الشيعي في الأناضول، مما أثار حفيظة الدولة العثمانية المجاورة لها، وبدأت المناوشات العسكرية بينهما في أواخر عهد السلطان بايزيد خان، ثم تحولت إلى صدام هائل بين الامبراطوريتين في عهد سليم الأول, ألذي بدوره اعلن الحرب على الصفويين، وسار بجيوشه من أدرنة متجها إلى تبريز في (14 مارس 1514م) فتقهقرت الجيوش الفارسية أمامه بقصد إنهاك قواها حتى تسنح لها الفرصة للانقضاض عليها، والتقى الجيشان في وادي جالديران في  24 أغسطس 1514م) وكانت معركة هائلة حسمت فيها المدفعية العثمانية النصر للسلطان سليم الأول، وفر الشاه إسماعيل الصفوي، وتمزق جيشه، ودخل السلطان سليم تبريز حاضرة الصفويين، يحمل على رأسه أكاليل النصر في الرابع عشر من رجب، وأثمر هذا النصر عن ضم السلطان سليم كثيرا من بلاد أرمينية الغربية، وما بين النهرين، وتبليس، وديار بكر، والرقة والموصل، ثم عاد إلى بلاده.

 

وبعد وفاة الشاه إسماعيل خلفه ابنه طهماسب, واستمر على نهج أبيه, واتصل بملك المجر (هنغاريا) ليعاونه على العثمانيين العدو المشترك, فصمم الخليفة العثماني آنذاك سليمان القانوني على توجيه حملة إلى إيران لقتال الصفويين, لكنه حول قواته ضد المجر نظراً لحيوية هذه الجبهة وأهميتها في مواجهة الصليبيين, وفي هذه الأثناء يقوم طهماسب الصفوي بغزو بغداد واحتلالها و بدأت المحاولات لفرض المذهب الشيعي على أهل العراق الأوسط والجنوبي, فاستغاث أهل السنة هناك بالسلطان سليمان.

 

لقد كانت التحالفات مع القوى الصليبية سمة مميزة للدولة الصفوية الرافضية التي ترى أن التقارب مع الصليبيين وأهل الكفر أفضل من تقاربهم مع المسلمين, و كانت الدولة الصفوية تحيك المؤامرات ضد العثمانيين وتدخل في اتفاقيات مع دول أوربا الصليبية للقضاء على القوة العثمانية الإسلامية, وبشهادة الجميع كان عهد الصفوية هو عهد إدخال قوى الاستعمار في منطقة الخليج حيث مهدت له الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز.

 

انتهت دولة الصفويين سنة 1148هـ ، على يد نادر خان الذي كان في أول أمره من قطاع الطرق، وكان يتمتع بالطموح والذكاء، وقد تمكن بجيش من أفراد قبيلته (الأفشار) من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور في هذا الإقليم، وظهرت قوته، مما جعل الشاه طهماسب الثاني يستعين به، ويعينه قائداً لجيشه، واستطاع أن يصبح أقوى شخصية في إيران بعد تحقيقه لعدة انتصارات ضد منافسي الدولة.

 

ثم أصبح نادر شاه في منزلة هيأت له عزل طهماسب الثاني، وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث ملكاً على الصفويين، وصار نادر وصياً على العرش، ولكن هذا الوضع لم يستمر سوى ثلاث سنوات، إذ بادر نادر شاه إلى عزل عباس الثالث، وتنصيب نفسه ملكاً على إيران، واتخذ لقب الشاه، كما أعلن سقوط الدولة الصفوية وقيام دولة شيعية محلها هي الدولة الأفشارية، التي كان نادر شاه أول ملوكها، واستمرت حتى القضاء عليها من قبل الزنديين سنة 1210هـ.


ومع حلول عام 1639ميلادي وقعت اتفاقية لتخطيط الحدود بينهما، وذلك في محاولة لتهدئة الأوضاع، رغم إعطاء هذه الاتفاقية بعض المناطق للعثمانيين فقد استمرت السيطرة الفارسية.

 

برز القائد الفارسى نادر وسيطر على الحكم فى ايران، واعلن نفسه ملكا بأسم نادر شاه، وقضى على ملوك الصفوية، ولنادر شاه تاريخ اسود فى العراق، فقد اشتهر بقسوته وطغيانه ومجازره الدموية ضد الشعب العراقى ، حيث كان يقوم بزرع الفتنة الطائفية (كما يفعل احفاده الان فى عراقنا الجريح) ويمارس سياسة الارغام والقهر الدينى والطائفى، والشعب العراقى لاينسى مجزرته المذهلة والمؤلمة التى احدثها فى مدينة كركوك، عندما جمع رجال المدينة وخيرهم بين الموت وبين تغيير مذهبهم، وعندما رفض اهل المدينة عرضه اقدم على قتل عشرات الالاف دفعة واحدة فى مجزرة رهيبة، وثم احتل مدينة اربيل واحدث فيها مااحدث فى كركوك، ثم واصل تقدمه صوب مدينة الموصل وحاصرها عام 1743، وارسل انذاره الى والى المدينة (حسين الجليلى) والى مفتى المدينة (يحيى الفخرى) وقد جاء فى انذاره مايلى (اعلموا انا جند الله خلقنا من رحمته وغضبه، فالبشرى ثم البشرى لمن امن اتبعنا، والنذرى ثم النذرى لكل من خالفنا وعصانا. او ليس فى اثار الماضيين معتبر. افلا تذكرون اخبار الهند والسند والترك فى ماوصل اليكم من وقائعهم وملاحمهم، وحقائق جيرانكم من اهل كركوك ومن والاها وكيف تعنتوا فأطاعوا ونجوا، فهم ذوو الحظ من جلباب امن امان وشفقة فلا تلقوا بأيديكم الى التهلكة، لاتقدرون الدفاع فلا تعرضوا اعماركم للضياع فليبلغ الشاهد منكم المستمع لكتابنا الغائب. والسلام على من اتبع الهدى).

 

 اما اهالى مدينة الموصل بعد ان اجتمعوا مع والى المدينة والمفتى قرروا ان يردوا على رسالة الطاغية المتعجرف الفارسى بجواب شديد اللهجة جاء فيه مايلى , (...وصل كتابكم المرسل للعامة والمشتمل زعمكم على الطاعة، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولاتغرنكم بالله الغرور تفخرون بأنكم جند الله مخلوقين من الغضب، تبت يدا ابى لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب، فما وعيدكم عندنا الا كصرير باب او كما يطن فى لوح الهجير الذباب، افرأيتم ان القصاب تهوله كثرة الغنم او السد الغشمشم يدهشه تراكم النعم؟. تذكرونا بأفعالكم بالسند والهند مع اولئك العلوج، وماسطوتكم على الترك، وتدهشونا بما فتحتم من قلعتى كركوك واربيل وترعبونا بأفعال هاتيك الاباطيل، كلا ستعلمون ثم كلا ستعلمون، الرقاع بالرقاع، ونحن الاسود الضارية والسباع الكواسر العادية، اسيافنا صقيلة وسطوتنا ثقيلة، وحلومنا رزينة، وقلوبنا كالحديد متينة، وبلدتنا بحمد الله حصينة ...) .

 

واستمر نادر شاه فى حصاره لمدينة الموصل وارسل انذار اخر الى والى المدينة، ورد عليه اهل الموصل مانصه , (...ليس بيننا وبينك الا السيف والرماح، فلا تعاودنا بالرسل والتهديدات، وان اتانا منكم رسول سنعيده اليكم جثة بلا رأس. فتقدم ولاتبطىء ولايفلح الساحر حيث اتى...) , وعندما ايقن نادر شاه فى نهاية المطاف انه غير قادر على اقتحام المدينة وكسر دفاعاتها الشديدة، وصمود اهالى الموصل الشجعان، فأبتدأت قواته بالانسحاب. وكان صمود الموصل فاتحة لصمود العراق بأسرة، فما اشبه اليوم بالبارحة. اما نادر شاه فقد انقض عليه جنده فقتلوه شر قتلة عام 1750.

 

وكانت معظم المناوشات بين العمانيين وبين الفرس تتم على المناطق الحدودية، مما أستدعى عقد عدد من الأتفاقيات لرسم الحدود، وكانت معاهدة (اماسيية) عام 1555 ومعاهدة عام 1590 وتلتها ومعاهدة سراد عام 1618 ومعاهدة زهاب عام 1639، وتعتبر هذه الأخيرة من أهم المعاهدات الحدودية بين الطرفين إذ أنها حددت المنطقة الممتدة من مدينة القرنة في جنوب العراق شمالاً حتى مصب شط العرب جنوباً للدولة العثمانية، بما معناه أن شط العرب ينتمي للعراق وليس لبلاد فارس.

 

وجاءت معاهدة كردن عام 1746 التي اعترفت بالنصوص التي تضمنتها إتفاقية زهاب، تلتها معاهدة ارضروم الأولى عام 1823 التي أعترفت بدورها بأتفاقية كردن، وبضغط كبير من بريطانيا وروسيا وبسبب ضعف الأمبراطورية العثمانية التي أنهكتها الحروب لترامي أطرافها البعيدة، إضافة الى حروبها المستمرة مع محمد علي فقد عقدت إتفاقية ارضروم الثالثة عام 1847، وقد تنازل العثمانيون بموجبها عن مدينة المحمرة وعبادان والضفة اليسرى من شط العرب الى السيادة الفارسية، لكن الأتفاقية ألزمت الأطراف على إعتبار الضفة الشرقية لشط العرب كخط حدودي بين الدولتين وأنه نهر عراقي أقليمي، وبالطبع كان التقسيم قد أعتمد على توزيع وإنتشار العشائر العربية والفارسية على المناطق الحدودية، وقد رفض الشعب العربستاني الاعتراف بهذه الأتفاقية ففي عام 1857 أستقل الشيخ جابر بالأمارة وقد أعترف شاه أيران رسمياً بذلك الأستقلال، كما اعترفت بريطانيا عام 1902 بأستقلال المحمرة ووقعت إتفاقية اقتصادية مع شيخها خزعل، وعام 1914 عقدت اتفاقية أخرى مع الشيخ خزعل تضمنت عدم تجاوز الحكومة الفارسية على سيادة الأمارة.

 

 وفي عام 1818ميلادي تفجرت النزاعات مرة أخرى حول الحدود بين الفرس والعثمانيين ، مرتكزة حول شط العرب، وتم إبرام معاهدة أرضروم الأولى عام 1823 ميلادي التي آلت إلى الفشل، الشيء الذي استدعى تدخل دولتين عظيمتين آنذاك وهما بريطانيا و روسيا القيصرية ووقعت معاهدة أرضروم الثانية عام 1847ميلادي، التي منحت الفرس إقليم عربستان كله تقريباً. واستمر النزاع رغم ذلك لاختلاف الطرفين حول تفسير المعاهدة، وتم توقيع اتفاقية طهران بوساطة من بريطانيا وروسيا.

 

بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكك الإمبراطورية العثمانية، حاول رجال الدين الشيعة في ايران  إقناع  قاجار شاه في طهران لضم المدن ( ( المقدسة ) ) في العراق, لكن القاجاريين، الذين كانوا في طريقهم إلى مقبرة التاريخ، لم يكونوا في موقف يمكنهم من الحلم بغزو جديد , ولم تكن مطالبة الملوك القاجاريين الذين حكموا إيران مابين ( 1794 – 1925 ) ، عندما اجبر الجنرال رضا خان آخر سلالة ملوكهم بالتنازل عن العرش وترك إيران ( أحمد شاه ) العام 1925 ، وإعلان نفسه ملكا على إيران ، وتسميته نفسه بـ ( الشاه رضا بهلوي ) ومطالبته هو وابنه من بعده بنفس مطالب الملوك القاجاريين بالوصاية على شيعة العراق مجردة من منفعة معينة , فهناك اطماع سياسية مادية تتحكم في أهواء الحكام الفرس وتدفعهم للمغامرة في أحيان كثيرة ، والتي قاسى منها العراق حتى إقامة النظام الملكي العام 1921 ، يوم توقف عندها النزاع التركي – الإيراني للسيطرة على العراق ، وحجة إيران الظاهرة في ذلك هي حماية العتبات المقدسة في كل من مدن كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء.

 

وفي عام ١٩٢١ عندما تأسست الدولة العراقية لم تعترف بها ايران إلا بعد ثماني سنوات من اعلانها ولم تطبع العلاقات رغم زيارة الملك فيصل الاول  الى ايران عام ١٩٣٢وفي عام ١٩٣٧ وافقت الحكومة العراقية تحت الضغط الايراني على تقديم تنازل جديد بالموافقة على جعل منتصف شط العرب خط حدود بين البلدين.

 

وظل الشاه رضا وابنه من بعده ينظرون الى العراق بعيني الطمع والرغبة في الاستحواذ حتى سقوط الأخير وزوال نظامه, وبحلول أربعينات القرن الماضي، وجدت النخبة الإيرانية نفسها مضطرة لتقبل حقيقة استقلال العراق , وفي الخمسينات، فشلت محاولة للربط بين الدولتين عبر زواج ملكي، عندما أخفقت الأميرة شاهيناز، ابنة الشاه، والملك العراقي فيصل، في تنمية ود كاف بينهما للمضي قدما في تنفيذ الخطة.

 

ظلت ايران الشاه تجدد  مطالبها في شط العرب، وذلك استناداً إلى القاعدة المتعارف عليها في القانون الدولي التي تقضي بأنه في حالة وقوع نهر بين دولتين يكون تقسيم الحدود موازياُ لخط وهمي يقع في منتصف النهر، وبناءاً عليه رفعت إيران شكوى بهذا المعنى إلى عصبة الأمم المتحدة، التي لم تبت في هذا النزاع وتركت حله للدولتين عن طريق المفاوضات، واستمرت هذه المحادثات إلى أن حدث انقلاب بكر صدقي في العراق سنة 1936م، وفي الشهر التالي قدم حكمت سليمان رئيس وزراء الحكومة الجديدة تنازلين مهمين لإيران أولهما تبني فكرة اعتماد خط التالوك (في منتصف النهر) كخط للحدود بين البلدين، أما الثاني فهو السماح للسفن الحربية من أية دولة بالدخول للموانئ الإيرانية عبر مصب النهر، وفي المقابل وافقت إيران على الاعتراف ببروتوكول الحدود لعام 1910م  وعلى إعمال لجان تخطيط الحدود لعام1914م باعتبارهما أسساً لحل النزاع بينهما .

 

وكان المخطط الفارسي التوسعي قد بدأ عام 1925 بالأتفاق بين الحكومتين الفارسية والبريطانية بأحتلال عربستان ودمجها ضمن الدولة الفارسية ونفي شيخها بسبب إكتشاف النفط وبكميات كبيرة فيها.

 

وبعد إستقلال العراق وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 إلتزم العراق بكافة المعاهدات التي ورثها من الدولة العثمانية والتتي عقدتها مع الحكومة الفارسية وذلك حسب إتفاقية لوزان عام 1923 ورغم أن بعض المعاهدات كانت مجحفة بحق العراق لكن بسبب ضعفة آنذاك واستقلاله الجديد فأنه رضا بها على مضض ولم يتمكن من معارضتها أو الأعتراض عليها، ولكن الأطماع الفارسية لم تتوقف رغم الأمتيازات المغالى بها التي حصلت عليها الحكومة الفارسية بدون وجه حق، ففي عام 1935 تجلى الغدر الفارسي في أبشع صوره، عندما ألغت الحكومة الفارسية إتفاقية أرضروم الثانية عام 1847 ومعاهدات عام 1911 وعام 1913 وعام 1914 وأضطر العراق الى رفع شكوى الى عصبة الأم المتحدة التي اوصت بدورها بحل الخلاف بشكل سلمي عبر التفاوض بين الطرفين، مما ادى الى التوقيع على معاهدة عام 1937 والتي أجرت تغييراً في خط الحدود بين البلدين، فقد حصلت الحكومة الفارسية على مساحات جديدة من أرض العراق مقابل عبادان بسبب ضغط الأنكليز على حكومة بغداد.

 

بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ انسحب العراق من حلف بغداد فانتهجت ايران أسلوب إثارة الفتن والاضطرابات داخل العراق فمدت حركة العصيان الكردي المسلح في الشمال بالمال والسلاح وأعلنت أن اتفاقية عام ١٩٣٧ غير مقبولة وبالمثل طالب العراق بإعادة عربستان للعراق

 

استمر نظام الشاه يساعد ويدعم المرتزقة من العصابات الكردية المتمثلة بعصابات مصطفى البرزاني وجلال الطلي باني بالمال والسلاح منذ أربعينيات القرن الماضي حيث شهد العراق عمليات تمرد عسكرية من قبل هذه العصابات البرزانية الطالبانية والمدعومة من قبل شاه ايران ادت بالنتيجة الى استنزاف ثروات العراق المادية والبشرية .

 

لكن الجشع الفارسي ليست له حدود فما لبث أن ألغى شاه ايران معاهدة عام 1969 من طرف واحد منتهكاً نصوص المعاهدة نفسها والقانون الدولي وكان ذلك كرّد فعل أيراني تجاه ثورة عام1969 الفتيه في العراق ووجود معظم قوات الجيش العراقي على الحدود العربية بعد عدوان إسرايل عام 1967، وكان ذلك دليل واضح على التعاون بين ايران وإسرئيل تجاه إستغلال ظروف الحرب، حيث ينفذ كل منهما مخططه التوسعي بعد أن يشغل الآخر المنطقة بأعتداء ؟ وكان المثلث الأيراني الصهيوني الكردي يسير في أتجاه واحد، فكل منهم كان في وضع تربص لتحقيق المكاسب على حساب العراق، وكان شاه ايران المحرض الأكبر للتمرد الكردي في شمال العراق، كما أن إنشغال الجيش العراقي بمعالجة هذا التمرد وفر الفرصة الذهبية للشاه للتفرد بسياسته كشرطي للخليج ونقض إتفاقات بلاده مع العراق، وبالفعل قدمت العصابات البرزانية الطالبانية للشاه ما كان يحلم به لتحقيق حلمه الكبير في التوسع على حساب العراق، ولم يكن الأكراد يراعون المفهوم القومي لحركتهم أو يجرؤن على التحدث بموضوع كوردستان الكبرى، فقد كانوا يغضون النظر عن الأنتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الشاه تجاه أخوانهم في القومية والعرق  , فقد قدم الشاه للعميل مصطفى البرزاني مبلغ 300 مليون دولار كما تقول المصادر الكردية , والمبلغ المقدم من شاه ايران على تجهيز افراد البيشمركة وشراء الأسلحه والذخائر , وتدبـير رواتبهم وكافه احتياجات الحمله العسكريه . كما رتب الشاه لقاء بين البرزاني والمخابرات المركزيه وقد تم هذا اللقاء في واشنطن عام 1973 وحصل البرزاني على 12  مليون دولار من المخابرات المركزيه الأمريكيه (c.i.a) كما تعهدها بتزويده بالمعلومات العسكريه , والأمدادات والمعونه المطلوبه كما تعاون معه الكيان الصهيوني ايضا وعاد البرزاني ليقود اعمال عصيان مسلح وتخريب من جديد, واشتعلت حرب العصابات وشكلت حرب استنزاف طويله المدى ضد الجيش العراقي الحقت به خسائر فادحه.

 

وبحلول اب 1974م بلغت الحرب البرزانية الطالبانية ضد الحكومة العراقية مستوى لم تبلغه من قبل من جهة اتساع المسرح الحربي او ضراوة القتال وكان لشاه ايران الدور الرئيسي والكبير في امداد العصابات البرزانية الطالبانية بكل ما يحتاجونه من اسلحة , كذلك استقبال الفارين من القتال  الضاري في شمال العراق اذ  بلغ عددهم حوالي 130الف واصبح القتال عبئا ثقيلا على الشعب الكردي وعلى العراق حكومة و شعبا  , وفي 6 اذار عام 1975م خلال انعقاد مؤتمر دول الاوبك في العاصمة الجزائرية وقعت اتفاقيية بين بغداد  و طهران وقعها عن الجانب العراقي الشهيد صدام  حسين رحمه الله فيما وقع شاه ايران عن الجانب الايراني, بموجبه اجبر العراق عن تقديم تنازلات من اجل حل مسألة القتال في شمال العراق واستطاعت ايران بمقتضاها السيطرة الكاملة على الجانب الايسر من شط العرب مقابل تعهد ايران بغلق حدودها في وجه المتمردين الاكراد وتضمنت الاتفاقية ثماني مواد وثلاث بروتوكولات ملحقة ابرزها اربعة بنود وهي...

 

ـالبند الاول اجراء تخطيط نهائي للحدود البرية بين البلدين بناء على بروتوكول القسطنطينية ومحاضر لجنة الحدود لسنة 1941م ـالبند الثاني تحديد الحدود النهرية حسب خط التالوك.

 

ـالبند الثالث بناءا على كل هذا سيعيد الطرفان الامن والثقة المتبادلة على طول حدودهما المشتركة وذلك من

اجل وضع حد نهائي لكل التسللات ذات الطابع التخريبي من حيث اتت.

 

ـالبند الرابع اتفق الطرفان على اعتبار الترتيبات المشار اليها اعلاه عناصر لا تتجزأ لحل شامل ومن ثم فان

اي مساس بأحد مقوماتها يتنافى بطبيعة الحال مع روح اتفق الجزائر.

 

نتيجة لهذا الاتفاق بدأ العصيان الكردي المسلح بالأفول حيث كانت هذه االاتفاقية هي النهاية الحقيقية للعصيان المسلح في شمال العراق وفي 18 اذار 1975م اعلن البرزاني القاء السلاح  وفر هاربا الى طهران ومنها انتقل الى امريكا حيث عاش لاجئا سياسيا حتى توفي هناك في 2 اذار 1979م بمستشفى البحرية الامريكية بالولايات المتحدة الامريكية.

 

في أعقاب إبرام اتفاقيات عام 1975 التي أدت إلى استعادة العلاقات بين العراق وايران الشاهنشاهية ، حاول الشاه إحياء الوجود الإيراني في العراق عبر التجارة والحج والتواصل الثقافي وتمثلت الفكرة التي حاول الشاه تحقيقها إغراق المدن العراقية بالحجاج والسائحين الإيرانيين مع ضمان اضطلاع إيران بدور كبير في الاقتصاد العراقي.

 

قبل أن اختتم الجزء الاول  لابد من ذكر أنه كانت وصية الشاه رضا بهلوي في آخر لحظاته الى ابنه الشاه محمد رضا ، هي ( اني قد امنت لك الضفة الشرقية من - الخليج الفارسي - وعليك تامين الضفة الغربية ) ,  ويقال ان بهلوي الاب وضع اصبعه على موقع مدينة البصرة في الخارطة باعتبارها الجسر الذي على ايران ان تعبره الى العالم العربي , واول العالم العربي هى دول الخليج , لكن التوازنات الاقليمية وحتى الدولية وقتها ولا قدرات الشاه العسكرية والمادية والستراتيجية تسمح له بجعل البصرة فعلا جسر عبور ،الا انه  بذل اقصى جهوده لتحقيق تلك الغاية ، من خلال تاسيسه لاقوى جيش في المنطقة، فقد كان الجيش الايراني يعد في وقته  خامس جيش في العالم من حيث العدة والعدد والخبرة والمهارة والقدرة.

 

 

ـ يتبع ـ

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٧ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٤ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور