هــل للفــرس المجوس أطمــــــاع فـي العـــــــــراق ؟

﴿ الجزء الثاني ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
نبيل ابراهيم

(( اللهـــــــــــم اجـعـــــل بيننــا وبين الفــرس جبــل من نــــار ))

الفاروق عمر بن الخطاب (رض)

 

 

عهــد العمـــامة الصفــــوية الخمينيــــــــة

 

بعد سقوط حكم الشاه ومجئ العمامة  الصفوية الفارسية وتسلمها سدة الحكم في طهران فانه لا شيء قد تغير من جهة تهديد الفرس للعراق، فمنذ عهد النظام الصفوي  في إيران، ثم الغاجاري، ثم البهلوي، ثم الخميني، منذ ذلك الحين إلى اليوم، بقيت الروح العدائية التوسعية بحالها، تتوارد على النظم الحاكمة في إيران.

 

لايخفى على احد أن في تسلم نظام الملالي الحاكم في ايران زمام الامور عام 1979 كان للاميركيين دور كبير من خلال الوسيط الفرنسي في تلك الفترة, وقد كان للصهاينة دور سياسي في إيران الخميني عبر بعض منظماتهم مثل  منظمة المثقفين اليهود التقدميين و جمعية يهود طهران و الرابطة الثقافية و الاجتماعية اليهودية وكان يهود طهران جسر للتواصل مابين إيران الخمينى والكيان الصهيوني في تل أبيب , والخميني هو الذي منح اليهود في طهران وعداً بأن اليهود لن يكونوا عرضة للأعمال المعادية في استقباله لخمسة من كبار الحاخامات في أيلول من عام 1979.

 

يقول الصحافي الفرنسي إيريك رولو الذي كان يعمل صحافيا في صحيفة لوموند الفرنسية , ( إنه في إحدى المقابلات مع شاه إيران سأله عن البيان الذي أصدره آية الله الخميني لانتقاد البذخ في احتفالات مرور 2500 عام على حكم الشاهنشاهية، فرد الشاه غاضبا: من هو الخميني حتى أرد على السؤال. فقال له رولو: هذا مجرد سؤال صحافي.. وهناك بيان نشر من الخميني وأنا فقط أسألك رأيك. فقال له الشاه: أنا لن أرد على السؤال لأن الخميني ليس إيرانيا ولا فارسيا, هذا هنديا, وأنا لا أرد على الهنود).

 

لقب عائلة  الخميني كان  (الهندي). استمر نسل العائلة إلى مير حامد حسين الهندي الذي يعتبر الجد الثالث للخميني، أي قبل ولادة الخميني بـ 250 عاماً. سافر جد الخميني أحمد الهندي إلى النجف في العراق لإكمال علومه الدينية، ومنها عاد إلى خمين وهى قرية صغيرة وسط إيران حيث عمل قاضياً لخمين بناء على طلب من آية الله ميزرا شيرازي زعيم حوزة قم آنذاك، وهناك أنجب أحمد الهندي، مصطفي والد الخميني عام 1864، حيث أصبح (الخميني) لقب العائلة, ويذكر انه في يوم ولادة الخميني في 24 أيلول عام 1902، قتل والده مصطفى على يد جماعات إقطاعية.

 

أطلق الخميني مبدأ تصدير الثورة، فتحوّل إلى جوهر العمل السياسي، والمخابراتي، والاقتصادي، والديني، للنظام الحاكم في إيران، وبدأ بالتأكيد على فارسية الخليج، في عنصرية مقيتة , وبالرغم من إن العمامة الفارسية كانت وما تزال تتبجح بالإسلام إلا إنها استمرت بعدائها وبكرهها وبأطماعها في العراق وهذه المرة أرادت تصدير ثورة العمامة الصفوية إلى العراق فكان العدوان الإيراني على العراق في 4/9/1980 حلقة من حلقات هذا المسلسل العدواني الطويل.

 

فقد أعلن خميني في بيان الذكرى السنوية لانتصار الثورة في 11/2/1980 (...إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم...) وهذه الثورية هي مبدأ حزب خميني كما قال علي خامنئي حينما سئل عن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فقال: (أول أهداف حزبنا هو بث التوعية الإسلامية السياسية والتربية الثورية بين صفوف الشعب الإيراني والانطلاق إلى الدول الإسلامية الأخرى لتعميم تجربة الثورة)، وبسبب هذا الهدف والغاية أنشئت التنظيمات الداخلية والخارجية لتصدير الثورة على أسلوب العمل الثوري الانقلابي وقامت بالعديد من الأعمال في العراق ولبنان والكويت والسعودية وأقامت علاقات مع أغلب الحركات الإسلامية التي في حالة صراع مع الأنظمة القائمة.

 

بعد أن استقرت امور الحكم لصلاح العمامة المصفوية في طهران تم تأسيس قوة تسمى الحرس الثوري الايراني مهمتها حماية المكاسب السياسية والاقتصادية والامنية لما تسمى (الثورة الايرانية) والعمل على تصدير هذه الثورة الى العراق ودول الخليج العربية من خلال قلب الأنظمة الحاكمة وتشكيل أنظمة تدور في الفلك الإيراني وتدين بالطاعة و الولاء للسلطة الخمينية , وفي تلك الفترة شكل ما يسمى (فيلق بدر) والهدف من تشكيل هذا الفيلق ديمومة العمل لما يخدم مصالح هذه الثورة وليكون جزءا من قوة الحرس الثوري ويقوم بعمليات مستقبلية للإطاحة بالنظام العروبي في العراق وتأسيس دويلة صفوية تابعة لإيران أو ملحقة بها وهذا ما حصل اليوم.

 

لم يتمكّن المعممون الحاقدون من تحقيق أغراضهم وإنجاز أهدافهم رغم تخفّيهم بقميص الأئمة الشهداء من آل البيت وادعائهم نصرة المستضعفين في الأرض ورفع راية الحق والعدل والحرية والظهور بمظهر المدافع عن المقدسات الإسلامية إذ اصطدم مكرهم وخداعهم وتآمرهم بجدار صلب أسمه عراق البعث وعراق صدام حسين الذي وقف بالمرصاد أمام الهجمة الفارسية الصفراء ورياح الدجل والشعوذة القادمة من بلاد فارس في حرب القادسية الثانية التي امتدت لثماني سنوات كاملة وانتهت بتجرّع آية النفاق الأعظم الخميني الدجال لكأس سمّ الهزيمة النكراء في قادسية صدام المجيدة وقد أثبت التاريخ أن الطموحات التوسعية لإيران المغلفة بغلاف طائفي مذهبي وشعارات إسلامية لم تكن إلاّ مجرّد شعارات للاستهلاك وضحك على الذقون لا صلة لها بالإسلام والمسلمين تماما كما كانت شعارات الدولة الصفوية أيام الشاه عباس الصفوي الذي كان بدوره يدعي الحرص على الإسلام والمسلمين ولكنه في الحقيقة يدعم بكلّ قوّة الجهود الرامية إلى تقويض وحدة العرب والتنكيل بالمسلمين إلى حد تفضيل الصليبي المحتلّ على المسلم إذ نقل أحد أهمّ رموز النظام الصفوي المجوسي الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني في كتابه الصادر عن مؤسسة إنتشارات فراهاني تحت عنوان ( أمير كبير: سيرة مناضل ضد الاستعمار) عن الشاه عباس الصفوي قوله : (( إن نعال واحد من النصارى لهي عندي أغلى من رؤوس كبار رجال الدولة العثمانية )) .

 

وقد بلغت استهانة الخميني بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضّل شعب إيران على العرب كما جاء في وصيته قائلاً: وأنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله ( الوصية السياسية ، الخميني/ ص23).

 

منذ عام 1979، بعد أن تحولت إيران إلى دولة  ثيوقراطية  (أي إن سلطة الحاكم مستمده من الخالق .. فالله مصدرها .. وليس الشعب .. والحاكم وحده هو المسؤول أمام الله عن كيفية إستخدامها ) يحكمها رجال الدين، بدأت الصفوية التي كانت تجنح للسلم والباطنية والعمل في الخفاء، بدأت تأخذ منحى أكثر ميلاً للحدية والعلانية، تدريجياً.. حتى بدأت تظهر عنفها ضد دول مثل العراق والبحرين  ولبنان والكويت واليمن، وتتسلل كثقافة تجمع حولها المريدين في مجتمعات عربية أخرى مثل السودان والجزائر وتونس ومصر وغيرها.

 

 بدأت هذه المعتقدات، بما تنشره من غل طائفي يرمي بظلاله السياسية على كراهية العرب والعروبة ، بدأت بسلخ قطاع كبير من الشباب العربي في الضفة الغربية للخليج عن أوطانهم ووطنيتهم، ومن ينكر، بإدراك منه أو بعدمه، هذه المعتقدات السلبية المسمومة، التي لا تسمية لها سوى الصفوية، القادمة بغبارها الملوث من الضفة الشرقية للوطن العربي، فهو جزء من هذا المشروع الصفوي الذي أعطاه الخميني، بعد تسلمه مقاليد الحكم في العراق، اسم ((مشروع تصدير الثورة)) وهو مشروع مرسوم ومفصّل على مجتمعاتنا التي يرى فيها المعممون في إيران إنها سهلة الاقتناص، ونجحت إلى حد كبير في اقتناصها إلى الآن.. وفي النهاية فهي ليست بثورة بقدر ما هي أطماع واحتلال وهيمنة تستهدف بلداننا..

 

الخميني ورث واستوعب وتمثل وصية الشاه بهلوي الأول، وسعى جهده لتنفيذها، فكانت البصرة طوال سنوات الحرب الإيرانية العراقية، هي الهدف الأول، لموجات الانتحاريين الإيرانيين وحين تمكنوا من احتلال الفاو، وصلت رسائلهم إلى السعودية وعموم دول الخليج العربي تقول ( رحبوا بنا ..ستصلكم فرقنا الرياضية! ووفودنا!! ومواطنونا للحج والعمرة والعمل والنزهة، بالسيارات عن طريق البر فقد صرنا جيرانا بريا!!!)

 

أبو الحسن بني الصدر أول رئيس إيراني عقب ثورة الخميني أجاب عن سؤال وجه له في برنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة منذ عدة سنوات وكان السؤال: هل كان الإمام الخميني يحدثك عن علاقة مع الجوار العربي، مع دول الخليج؟ وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكرياً تجاه هذه الدول من أجل تصدير الثورة مثلاً؟  قكان جوابه الآتي ..( كان الخميني يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي،و كان مقتنعاً بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك) .

 

يمثل العراق بالنسبة لإيران أهمية كبيرة وذلك لان العراق هو مفتاحهم للسيطرة على بقية دول الخليج ومن ثم بقية العالم العربي، ولعل تصريح بني صدر الذي ورد أعلاه يعتبر تجسيدًا واضحًا لتلك الغاية، كما أن خروج العراق عن سيطرتهم يجعل منه عازلا يعزل أهل إيران عن النصيريين في سوريا، وعن الشيعة في جنوب لبنان .

أكاسرة الفرس الذين ينحدر منهم الإيرانيون كانوا يعتقدون بأن العراق امتداد طبيعي لبلادهم ويرون أن العرب ضعاف أذلة لم يخلقهم الله إلا لخدمة الفرس، لذلك فإن إيران ترى أن العراق يجب أن يكون إقليم من أقاليمها، ويشار إلى أن الخميني رفض بحسب شهادة  أبو الحسن بني الصدر  كل الوساطات والعروض التي قدمها الشهيد صدام حسين لإيقاف الحرب الإيرانية- العراقية، كما أن الدور الإيراني في احتلال العراق لا يخفى على أحد وسنتطرق إليه في الأجزاء القادمة .

 

الحوزة الدينية في قم والنجف وتأثيرها المباشر لصالح الأطماع الفارسية

 

إن الحديث عن تاريخ ونشوء وتطور الحوزة الدينية تعد من الأمور العسيرة لما لها من السعة والعمق, أصبحت مرجعية التقليد قوة سياسية واجتماعية واقتصادية ذات حضور ملموس، حتى أصبح كل فرد من عوام الشيعة مقلدًا لأحد الفقهاء الكبار (المراجع)، وساد اعتقاد بين العوام أن تدين الفرد لا قيمة له ما لم يكن مقلدًا لمرجع ما، وبذلك تمكن الفقهاء من إيجاد رباط  قوي بين القيادة الدينية وجمهور الشيعة، واتضحت هذه الرابطة من خلال قيام جمهور الشيعة طواعية بدفع الزكاة والخمس للفقهاء باعتبارهم وكلاء الإمام خلال غيبته .

 

لقد كان علماء الدين طبقة مميزة في العصر الصفوي، وكانت أقوى طبقات المجتمع وأكثرها ثراء، وشهد العصر القاجاري (1795-1925م) ميلاد الدور السياسي الفعال للمؤسسة الدينية، حيث أظهر الشيخ مرتضى الأنصاري (1800-1791م) الحوزة كمؤسسة قائمة بذاتها، وكان له الفضل في التكثيف الفعلي للحوزة الدينية فكريًا وتنظيميًا، ولهذا فإنه يعتبر المرجع الأول للحوزة العلمية بصورتها الحالية، وهو الذي أفتى بعد أن أصبح مرجعًا أعظم بأن يوجه سهم الإمام في الزكاة وهو الخمس إلى إنشاء مراكز علمية محلية تتبع المركز الرئيسي في النجف . وبعد وفاة الشيخ الأنصاري خلفه الميرزا محمد حسن الشيرازي عام 1864م، والشيرازي يعد المرجع السياسي الأول في الحوزة، وهو صاحب أول انتصار سياسي للفقهاء، وهو الانتصار الذي تحقق بعد أن أصدر فتوى تحريم الدخان، وبأن امتياز الدخان في إيران الذي منحه ناصر الدين شاه لشركة بريطانية عام 1890م  يخالف الشريعة، فألغى الشاه الامتياز في 15/5/1890م.

 

والدارس في كل مرحلة يعطى لقبًا علميًا، يرفع كلما تدرج في السلم التعليمي، حتى يبلغ ذروته, فطالب المرحلة الأولى يطلق عليه لقب طالب أو مبتدئ،  فإذا ما انتقل إلى المرحلة الثانية،  يمنح لقب (ثقة الإسلام)،  وإذا اجتاز المرحلة الثالثة،  يصبح (حجة الإسلام),  وإذا أجيز للاجتهاد، فإنه يحمل لقب (آية اللَّـه)،  وإذا بدأ يمارس عملية الاجتهاد في حلقات الدرس، ويؤسس قاعدة شعبية له في الحوزة، أي قبل أن يقبل عليه المقلدون. فإنه يصبح (آية اللَّـه العظمى). أما إذا اتسعت دائرة مقلديه، وثبت قواعده، بسلوكه وعلمه، بين جماهير الشيعة، فإنه يصبح (مرجعًا للتقليد)  و يظل محتفظًا بلقب آية اللَّـه العظمى.

 

وكانت النجف في القرن التاسع والنصف الأول من القرن العاشر تمثل المركزية العلمية للشيعة في هذا الوقت كان العلماء الشيعة العرب الأغلبية وكان الطلاب العجم هم الأقلية .وكان أبرز العلماء الشيعة في العصر الصفوي هو محقق الكركي 1034م وقد استقر في النجف ولكن بسبب المشاكل التي ظهرت بين الصفويين والعثمانيين سرعان ما أصبح العراق مكانًا غير آمن لعلماء الشيعة وبالتدريج انتقلت هذه المركزية لإيران وكان لانتشار التشيع بين عشائر الجنوب العراقي الذين كانوا يعيشون على أطراف دجلة والفرات أسباب خاصة داخلية وخارجية في القرنين الثامن عشر والعشرين .

 

ـالعلاقة الوطيدة مع دولة المشعشعين التي كانت تهيمن على خوزستان الإيرانية ومناطق واسعة في العراق فكان سيد محمد فلاح 1465 – 1466م  تلميذ ابن فهد الحلي 1437م  مؤسس تلك الدولة شيعيًّا متطرفًا من مدرسة الحلة وقد استطاع أن يجمع حوله اتحادًا كبيرًا من القبائل واستولى على خوزستان واعتنق كثير من القبائل العربية في هذه الناحية مثل كعب وآل كثير وبني طرف التشيع في هذا العصر . كانت هذه القبائل تروح وتغدو داخل العراق بسهولة ، وأقام الكثيرون منهم في تلك النواحي بهذا الشكل ، يعتبر هذا الأمر السبب الأول في انتشار التشيع

 

1ـ عدد كبير من العشائر الموطنة في جنوب العراق والتي جاءت إما من نجد أو إيران قد قام تدريجيًّا بالزراعة والتشجير ، وكانت مدن النجف أو الحلة مركزًا بالنسبة لهم لتبادل البضائع ، وكان هؤلاء غير ملمين بالمذهب السني جيدًا ، ومن ثم كان ترددهم على هذه المدن التي تعتبر مراكز للتشيع سببًا في اعتناقهم التشيع .

 

2ـ في العصر الصفوي كان كثير من الزائرين الإيرانيين يتوجهون إلى النجف وكربلاء عن طريق العشائر المقيمة جنوب العراق وكان هذا التردد يتم بهدف الزيارة للأماكن المقدسة وأحيانًا للبحث عن أراضي زراعية فكانوا يتركون آثارهم المذهبية على العشائر وكانوا يعقدون تحالفات مع هذه العشائر في تلك النواحي وواضح أن حب آل البيت والإمام الحسين كان يجذب العشائر نحو التشيع .

 

مع ظهور الوهابية في نجد وطرد كثير من القبائل المعارضة ومواجهة الوهابيين مع المذاهب الأخرى وخاصة التشيع الذي تبلور في الهجوم على النجف وكربلاء كل هذا جعل كثيرًا من هذه القبائل يعترضون وجعلهم يعتنقون التشيع . وهذا الأمر ينطبق خاصة على العلاقة مع خزاعة .

 

مع استمرار انتشار التشيع في جنوب العراق طرحت مرة ثانية العتبات المقدسة كمراكز علمية للشيعة وقد حدث هذا الصعود أثناء فترة مرجعية وحيد بهبهاني  1791م  وثمة عوامل لظهور النجف كمركز علمي أهمها :

 

أـ  توقف المراكز العلمية الإيرانية أثناء اضطرابات النصف الثاني من القرن الثاني عشر والثامن عشر .

ب ـ قدسية هذه المدينة من وجهة نظر الشيعة حيث دفن فيها إمامهم الأول ويجب الأخذ في الاعتبار أن كون هذه المدينة مركزًا علميًّا للشيعة له تاريخ يرجع إلى عدة قرون ، وتراجع هذا التاريخ أثناء العصر الصفوي ثم عاد ثانية .

 

ج ـ الأمن النسبي الذي كانت تتمتع به العراق وخاصة اتجاه عشائر كربلاء والنجف حتى الحلة في الجنوب نحو التشيع وتوحيد هذه المنطقة ، كما أن الدولة العثمانية في هذه الفترة لم تقدم على تسخين الأوضاع وتوترها ولم تفرض أي قيود على الشيعة حتى وهي تقوم بحشد السنة

 

د ـ التردد الكبير للشيعة الإيرانيين الذين كانوا يتوجهون لزيارة العتبات المقدسة وإقامتهم في تلك المناطق ، الأمر الذي جعل ارتباط الشيعة بهذا المركز أمرًا طبيعيًّا ، وهذا الأمر من الممكن أن يكون مهمًّا لظهور مركز علمي لمذهب ما .

 

هـ ـ وبخصوص القضايا المذهبية وبشكل خاص اختلافات الشيعة والسنة ربما يكون العراق واحدًا من أكثر الدول ضجة في هذا الأمر ، وهذه المسألة لا ترتبط بأي حال من الأحوال بالفترة الأخيرة بل إن الخلافات المذهبية في القرن الرابع والخامس والعاشر والحادي عشر في بغداد هي دليل واضح على هذا الادعاء وقد جاء تفصيل ذلك في المصادر التاريخية مثل  المنتظم لابن الجوزي 1201 م ، ففي القرن العاشر والحادي عشر أدت الحروب الصفوية – العثمانية والدعايا العثمانية ضد الشيعة في القرون العاشر والحادي عشر علاوة على الإرث القديم من الخلافات بين الشيعة والسنة إلى أن يظهر في العراق نزاع طائفي بشكل عميق أن التعاطي القائم بين إيران والعراق على مدى القرون الطويلة منذ توطين الجماعات الأولى من الإيرانيين في الكوفة في العقد الثالث من القرن الأول الهجري والذين بلغ عددهم حوالي أربعين نسمة وحتى الفترة الأخيرة حدث نوع من الاختلاط العرقي بين العرب والعجم وخاصة في الجزء الشرقي والجنوبي من العراق .

 

وـ تردد الزائرين الإيرانيين على العتبات وإقامتهم في تلك المدن للزيارة وفي بعض الأحيان يقضي بعض الأشخاص السنوات الأخيرة من حياتهم في تلك الأماكن إلى أن يموتوا فيها . وفي هذا الصدد لا يجب إغفال مقبرة وادي السلام التي يتمنى أي شيعي أن يدفن فيها ، وهذا الأمر أضفى تأثيرًا خاصا على الهجرة إلى النجف .

 

ح ـ زيادة تردد التجار وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وكانت هذه الجماعة تقيم في الغالب في بغداد وكربلاء وكانت تسيطر على جزء كبير من التجارة .

 

ط ـ هجرة عدد كبير من طلبة العلم للدراسة في النجف وعدم عودتهم مرة ثانية ، وبعض الأسر أقام هناك حتى قبل تشكيل العراق الحديث منذ أكثر من قرن ونصف القرن وأصبحت ثقافتهم عربية تمامًا . ويقال: إن تعداد المهاجرين الإيرانيين في أوائل القرن العشرين يتراوح ما بين خمسين ألفًا إلى ثلاثمائة ألف ، لكن لا توجد إحصائية دقيقة في هذا الصدد ، والسبب في ذلك عدم وجود وثائق صحيحة وكثرة التردد والاختلاط ، وكانت نتيجة هذا الاختلاط ارتفاع مظاهر التنافس بين العرب والعجم في أجزاء من العراق ، هذه المسألة ألقت فيما بعد بظلال كثيفة على العلاقات السياسية بين إيران والعراق .

 

إن الإقامة على مدى مائتي عام لكثير من الأسر الإيرانية في بيئة عربية وأيضًا نتيجة للوضع الاجتماعي والسياسي تحول كثير منهم إلى أسر عراقية أو على الأقل أصحبت ثقافتهم ثقافة عربية بالكامل ، ونسي كثيرون اللغة الفارسية وكانوا يتحدثون العربية ويكتبون بها حتى إن بعضهم عرف في الفترة الأخيرة بأنه أحد شعراء العرب .

 

وهناك عدد من الأسرة انقسم إلى قسمين أحدهما عربي والآخر فارسي ، هذه الأسر عندما أجبرت على تحديد هويتها اتخذ البعض الهوية العراقية بينما ظل البعض الآخر على فارسيته .

 

في عام 1914 كانت مرجعية الشيعة لسيد محمد كاظم يزدي ، وقد توفي بعد ذلك بقليل في عام 1919 وأصبحت مرجعية الشيعة المطلقة لميرذا محمد تقي شيرازي " 1339 / 1920" ، وكان الشيعة قد قاموا بثورة في فترتين ، إحداهما في عام 1914 والأخرى في عام 1920 التي عرفت باسم ثورة العشرين . ففي الأول ، وبناء على طلب شيخ الإسلام العثماني ، قبل مراجع الشيعة الأوضاع الجديدة على الرغم من الصعوبات التي خلقتها لهم الحكومة العثمانية وأصدروا بيانًا أعلنوا فيه تأييد الدولة العثمانية . مع هجوم بريطانيا على البصرة في عام 1914 قام الشيعة بانتفاضة لكنها لم تصل إلى نتيجة . وفي عام 1920 بدأت ثورة الشيعة على بريطانيا الذين كانوا بصدد تطبيق الحالة الهندية على العراق وحكم العراق بشكل مباشر ، ومع أن هذه الثورة فشلت وتم قمعها ، لكن بات واضحا أن بريطانيا لا يجب أن تحكم هذه الدولة بشكل مباشر ، وبعد ذلك أسسوا النظام الملكي بزعامة الملك فيصل في العراق .

 

ظهر الخميني في بداية الستينيات. وبدأ معارضته للشاه محمد رضا بهلوي من داخل حوزة قم الدينية التي أحالها الخميني إلى خلية ثورية ملتهبة, ولما وجد الشاه أن الخميني نجح في تفجير سخط الجماهير على نظامه، سجنه ثم اصدر بحقه حكما بالإعدام وكان وقتها مازال الخميني لا يحمل لقب آية الله, ولغرض منع الشاه من تنفيذ حكم الإعدام بحقه , عمدت الحوزة الدينية في قم إلى منح الخميني لقب آية الله ( حيث تمنع القوانين هناك من تنفيذ عقوبة الموت بحق من يحمل لقب آية الله ) وبهذا أفرج عن الخميني  ونفي إلى تركيا في نوفمبر عام 1964م , وفي أكتوبر عام 1965م غادر الخميني تركيا وتوجه إلى العراق، وفي العراق طرح قضية ولاية الفقيه من خلال محاضراته في حوزة النجف ، وكان حديثه يدور حول اضطلاع الفقهاء بتشكيل الحكومة الإسلامية، وفي أكتوبر عام 1978م غادر العراق وتوجه إلى فرنسا.

 

كانت البيانات التي يرسلها الخميني من منفاه تشتمل على موضوعات يدعو فيها إلى إسقاط نظام الشاه, وكان يؤكد في بياناته دائمًا على أن حوزة قم الدينية هي التي ستحيي الإسلامي وإيران, وكان طلاب الحوزة يستمعون طوال خمسة عشر عامًا إلى خطبه وتعليماته التي كانت تصل إليهم تباعًا خلال شرائط (الكاسيت).

 

فالمرجع الذي صار تقليده وجوبيًا عند الشيعة الإثنى عشرية، أصبح دولة داخل الدولة، فعنده تصب أموال الزكاة والخمس التي يخرجها المقلد عن ماله كل عام، مما جعله يشكل كيانًا ماديًا ومعنويًا مستقلا، بل يسميه البعض مركزية أو سلطة روحية ومالية. وهذا الاستقلال هو الذي ساعد على قيام الثورة الإسلامية في إيران، وقد حافظت الحوزات على استقلالها سنوات طويلة، وكانت أشبه بقلاع حصينة قاومت العديد من الضغوط التي مارستها الحكومات المتعاقبة عليها, ودافعت عن هذا الاستقلال, حيث لم يكن للحوزات الدينية  أية صلة اقتصادية بالحكومات قبل الثورة، مما جعلها بعيدة عن سيطرة الحكومات وهيمنتها، وأدى إلى إطلاق يدها وتحريرها من قيود هذه الحكومات، على الرغم من أن هذه الحكومات حاولت مد هذه الحوزات بالأموال لربطها بها، لكنها فشلت،

 

وبالإمكانيات الاقتصادية الضخمة، وبالأموال الطائلة التي كانت تقدم إلى مراجع التقليد في شكل خمس أو زكاة، استطاع علماء الدين في إيران إدارة الحوزات التي كانت ولازالت تضم عشرات الآلاف من الطلبة والوعاظ والخطباء وأئمة الجماعة والمدرسين والفقهاء، وكان طلاب هذه الحوزات يحصلون على رواتب شهرية من الأموال التي تقدم للمراجع, وكانت المساجد في إيران مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بقمة المؤسسة الدينية ماديًا ومعنويًا.

 

هذا فضلاً عن العلاقة الوثيقة بين التجار وبين المؤسسة الدينية, إذ ظل هذا القطاع العريض من التجار الكبار والصغار والحرفيين هو الممول الأساسي للمؤسسة الدينية.  أي أن البازار (السوق) ألقى بثقله في كفة المؤسسة الدينية, مما كان أحد الأسباب التي أدت إلى تقوية معسكر الثورة، وزلزلة النظام الملكي، ثم  إلى نجاح  الملالي  في الإطاحة  بحكم الشاه وتسلقهم لسدة الحكم في طهران. ويضيف البعض عاملاً آخر وهو أن رجال الدين كانوا ينتمون طوال القرون الأخيرة إلى الطبقة الإقطاعية وكبار ملاك الأراضي، وكان معظمهم على اتصال وثيق بالسوق وبالرأسماليين الفرس، منذ ظهورهم .

 

أما الحوزة الدينية في النجف  ومرجعياتها المتعددة فتمتلك خطابين أحدهما عام يمارس على مستوى الشعب عامة, وهو خطاب يدعى فيه الاعتدال, والآخر خاص يتميز بالتطرف ويمارس وينفذ عبر القوى والأحزاب السياسية الشيعية المرتبطة بالحوزة الدينية الرئيسية التي يتربع على عرشها السيد علي السيستاني , كما أن تشريع تشريع الاحتلال ومؤسسات الاحتلال تم عن طريق الحوزة النجفية عن طريق إصدار فتاوى بعدم استعمال القوة لطرد المحتل الأمريكي الذي كان في يوم ما يعتبر الشيطان الأكبر, من جهة ومن جهة ثانية إصدار فتاوى بوجوب المشاركة في مسرحية الانتخابات والتصويت على الدستور الذي وضعه الصهيوني نوح فيلدمان بل بوجوب انتخاب القائمة الشيعية دون غيرها .

 

أما الخطاب الخاص للحوزة النجفية فهو داخلي ولا يكشف عنه إلا في الملمات, وحين تكون هناك أزمة في الصف السياسي الشيعي, وحين يكون هناك تراجع في القدرة على فرض الإرادة بطرق عادية, وحين يلاحظ بأن قوى سياسية أخرى من غير الطائفيين بدأت تنتعش وتستعد لجولات نضالية من أجل الهوية الوطنية وليس من أجل الهوية الطائفية الضيقة والمثيرة للفرقة والصراع والنزاع ونزيف الدم, وحين تكون البلاد على وشك إجراء انتخابات عامة يراد منه توحيد الصف الشيعي السياسي الطائفي, وحين يتزايد الضغط الإيراني على الحوزة الدينية بصيغ شتى لصالح تكريس الطائفية السياسية اللعينة في العراق .

 

فلم يكن مقتدى الصدر في تطرفه العسكري, والجعفري في تطرفه الطائفي وفسح المجال للطائفية الصفوية أن تسيطر على أجهزة الدولة العسكرية والسياسية, والمجلس الأعلى في سلوكه المزدوج بين بدر والسياسة ولكن بتوجه طائفي مقيت, و نهب المزيد من الثروات والأراضي وقوة النفوذ والتسلط , سوى توزيع أدوار معينة لا يخلوا من صراعات ذاتية وشخصية حول المناصب والزعامة والرغبة في فرض القوة والحصول على التأييد المطلق من المرجعية, رغم أن المرجعية لا تمنح الدعم المطلق لجهة واحدة  بل لأكثر من واحدة وهي أشبه بسياسة شد وحل بين هذه القوى والأحزاب السياسية .

 

إن المعممين الصفويين قد ضربوا كل القيم الأخلاقية و الإسلامية بعرض الحائط وذلك من خلال تمسكهم بعنصريتهم المقيتة وجاهليتهم الرعناء التي كانت و لا تزال معششة في رؤوسهم وصدورهم والتي ما انفكت تقطر حقدا على الآخرين‘ ومنهم العرب تحديدا. حيث يجد المتتبع للشأن الإيراني أن طليعة هذا المجتمع هي الأكثر شعوبية من غيرها تجاه العرب‘ فالعنصرية تملأ كتبهم الفكرية و الأدبية و الدينية. وأن ثقافة العنصرية التي يحملها كبار مثقفيهم لهي أعظم بمرات من تلك التي يحمله جهالهم . فكل ما تدّرج أحدهم في منصب سياسي أو ثقافي أو ديني, ازدادت معه روح العنصرية والحقد على كل ما هو عربي وإسلامي و ما على من يريد التأكد من ذلك إلا أن يراجع كتب مشاهيرهم في مجال الشعر و الأدب والفقه والسياسة و الإعلام وغيرها حتى يكتشف بنفسه مدى صحة هذا الأمر. وهنا سوف نضع بعض الشواهد علها تغني عن الكثير من الكلام في هذا الموضوع,  فعلى سبيل المثال نجد أحد كبار أستاذة حوزة قم الدينية والأب الروحي للرئيس الإيراني الحالي احمدي نجاد , يضع كتابا باسم  سيد المرسلين يفرد فيه أكثر من مائة صفحة لسب العرب ويدعي إن ما حمله القرآن من تحذير ونذير إنما هو موجه للعرب على وجه الخصوص، وأن الأقوام التي انزل الله عليها الغضب وأبادها كانت أقواما عربية وقد سميت بالعرب البائدة، وان المعنيين بالجاهلية هم العرب تحديدا.

 

الفردوسي الذي وصفه خاتمي بحكيم الشعراء وتباهى بإنجازه ملحمته الأسطورية الشاهنامة  والتي تخلوا من الشاعرية، كان قد قال ما قال بالعرب والمسلمين لا سيما الصحابة منهم ‘ ومن ذلك مدحه قتل الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي سفير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كسرى ملك الفرس حيث امتدح الفردوسي تلك العملية الجبانة في قصيدة.

 

لقد وصف المؤرخ الإيراني المنصف  ناصر بور بيرارالفردوسي بما يلي : ان الفردوسي كان يتلقى راتبه من الشعوبيين لينشد شعرا يلبي ميولهم ونزعاتهم وقصصهم وأمالهم وأهدافهم . فهو ليس إلا منشدا للشاهنامة وان فكرتها تتعلق بمجموعة سياسية هي الحركة الشعوبية ‘ و انه كان يرتزق من إنشاد الشعر وعندما انتهي من إنشاد الشاهنامة تزامن ذلك مع سحق الحركة الشعوبية وقمعها حيث لم يبقى احد ليدفع له أجرة كتابة الشاهنامة لذلك فقد وجه السب والشتم للذين كلفوه بإنشادها لأنه اخذ يعاني من ضيق العيش، وهو يتحدث بصراحة عن النقود التي لم تدفع له إزاء كتابة الشاهنامة . وقد تمكنت الحركة الشعوبية التي ما تزال تعمل جاهدة لإبقاء فكرها وعقيدتها حية في إيران من تحقيق إنجاز جديد لها في هذا الشأن حيث استطاعت إقناع المؤسسة الدينية الإيرانية المسماة  بالحوزة الدينية  بتبني طباعة ديوان الشاهنامة  لتضفي عليه القدسية مثلما سبق واستطاعت أن تلبس عيد  النوروز  المجوسي لباسا إسلاميا من خلال خلق روايات وأحاديث منسوبة للنبي (صلى الله عليه وسلم ) وأئمة أهل البيت تمجد النوروز وتعده من أفضل أيام الدنيا وذلك تمهيدا لضم الشاهنامة لمجموعة الكتب العقائدية التي تدرس في الحوزة الدينية أو ما بات يطلق عليه فاتيكانية قم .

 

عوامل سيطرة حوزة قم على حوزة النجف

 

وجود رعايا إيرانيين من زوار وساكني العتبات المقدسة ، خاصة إن العلماء وطلبة العلم من الإيرانيين أخذوا بالوصول إلى العراق بأعداد كبيرة ابتداء من القرن الثامن عشر الميلادي اثر الاحتلال الأفغاني السني لأصفهان في عام 1722 م , كذلك دعوة نادر شاه بتقارب سني – شيعي ، وتضييقه على العلماء الشيعة ومصادرة الكثير من الأوقاف الشيعية ، فكانت فترة السنوات ما بين 1722 – 1763 قد سجلت هجرة واسعة نحو العراق والأماكن المقدسة فيها عموما ، خصوصا بعد نجاح العلماء ( الأصوليين ) العقلانيين ، على العلماء ( الإخباريين) التقليديين ، وجلهم من العلماء القادمين من إيران في غضون تلك الفترة .

 

وبدأ عهد مزدهر جديد للحوزة الدينية في النجف منذ تأسيسها على يد أول مدرس فيها شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الشهير بـ الطوسي المتوفى سنة 460 هجرية ، والذي هاجر إليها من بغداد اثر تعرضه للمضايقات من الحكام السلاجقة العام 449 هجرية ، بعد حرق أشهر مكتبة للشيعة ، ونهب داره ، والشيخ الطوسي هو تلميذ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المتوفى سنة 413 هجرية . وقد نما دور المرجعية الشيعية منذ القرن التاسع عشر بتدخلها المباشر في الحياة السياسية في كل من إيران والعراق , ( الثورة الدستورية ) أو ( الثورة المشروطية ) في إيران بين أعوام 1905 – 1909 ، ومن قبلها ، حركة الاحتجاج الشعبي التي قادها الميرزا محمد حسن الشيرازي من سامراء ، والتي سميت بـ ( انتفاضة التنباك) احتجاجا على منح امتياز التبغ للشركة البريطانية ، ومقاومتهم بين أعوام 1914 – 1917 للاستعمار البريطاني  . ودورهم القيادي في قيادة ثورة 1920 في العراق وصاحب هذا الدور القيادي السياسي قدرة مالية عالية لكثير من المراجع الشيعية ، نتيجة تدفق أموال المقلدين الشيعة لـ ( خمس السادة ) لأولئك المراجع ، وساهمت تلك الأموال في تطوير المدن الشيعية الدينية ، وخاصة حاضرة الشيعة مدينة النجف ، إضافة لوجود ضريح صاحب المذهب الشيعي ، وأبو أئمة الشيعة على بن أبي طالب في النجف ، والتي جذبت أنظار المريدين وأموالهم مما دفع الشاه رضا بهلوي إلى منع إرسال ( الخمس ) - وهو ما يفعله أبناء الطائفة الشيعية لمراجعهم من خمس أموالهم -  خارج إيران لتطوير وتأهيل الحوزة الدينية الناشئة آنذاك في مدينتي قم ومشهد الإيرانيتين بعد هجرة الشيخ عبد الكريم الحائري لمدينة قم وتأسيس الحوزة الدينية فيها ، مع وجود أوقاف كبيرة عائدة للأضرحة مما أوقفه الصفويون والقاجاريون لدعم المزارات المقدسة ، حيث توجد إدارة خاصة لإدارة أوقاف وأموال مرقد الرضا – علي بن موسى الرضا – ثامن أئمة أهل البيت في مدينة مشهد حيث مزاره المشهور .

 

وقيل إن ما وصل من أموال لأشهر مجتهد شيعي في منتصف أربعينيات القرن الماضي ( السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني ) المتوفى في عام 1946  مابين 550 – 600 ألف دينار عراقي ، رغم إجراءات الشاه رضا بهلوي ، والطلب من اكبر مصدر لضخ أموال الخمس للمجتهدين وهم تجار البازار الإيراني بتحويل أموالهم إلى قم ومشهد . ولكن موقف النجف المالي قد ضعف كلية بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني وتحول المرجعية الدينية لمدينة قم على يد المجتهد (السيد حسين البروجردي ) المتوفى في 1961 ميلادية . ولم تصل في تلك الفترة لأكبر مجتهدين في النجف الأشر ف آنذاك وهما ( السيد محسن الطباطبائي الحكيم ) توفي في 1970 ، و( السيد أبو القاسم الخوئي ) توفي في 1992 إلا أموال قليلة قياسا لعهد مرجعية السيد الاصفهاني . وبدا دور المرجعية وحوزتها الدينية يتعاظم في قم ومشهد ، وخاصة في مدينة قم التي رحل إليها الشيخ ( عبد الكريم الحائري ) في عام 1920 من مدينة أراك القريبة منها ، وأسس حوزتها الدينية . والسبب الرئيسي لعدم ضخ العرب الشيعة أموالا طائلة في ذلك الوقت للمرجعية الشيعية في النجف ، هو قلة أصحاب المال الكبار في السوق العراقي ، واهتمام الطبقة العظمى الفقيرة من أبناء الطائفة الشيعية لصرف الخمس الذي يخرجونه من أموالهم لرعاية السادة و ( الموامنة ) المتواجدين بين ظهرانيهم في المدن والقرى ، والأرياف الشيعية .

 

مع بزوغ ثورة الخميني في إيران وشيوع مبدأ تصدير الثورة إلى دول الجوار سيما دول الخليج العربي والعراق بشكل خاص , ومع تزايد الانشطة المعادية للاحزاب الموالية للعمامة الخمينية , ضد وحدة وامن العراق , ترتب على الحكومة العراقية ولغرض صيانة وحفظ أمن العراق الخارجي والداخلي بمراقبة هذه الأحزاب المدعومة والموجهة من قبل العمامة الخمينية التي كانت تمارس نشاطاتها بسرية تامة ودعم مالي ومعنوي من إيران بشكل مباشر و من بعض الجهات الغربية، لكن ايران لم تلبث فترة قصيرة قامت بعدها بفضح هذه التنظيمات من خلال التوجيهات التي أصدرتها عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لهذه الأحزاب بحثها على إسقاط النظام الشرعي بقيادة حزب البعث تحت ذريعة انه حزب كافر وبدت تسبغ على السيد محمد باقر الصدر صفة قائد الثورة الإسلامية في العراق مما جعل القيادة الشرعية في بغداد ان  تتعامل بجد مع نشاطاته الموهومة والتي روجت لها الأحزاب الشيعية فيما بعد ومنها حزب الدعوة الذي اعتبره مؤسس الحزب وصائغ عقيدته رغم أن الصدر لم يتفوه بعبارة حزب الدعوة قبل أو بعد إلقاء القبض عليه بتهمة التآمر ضد الدولة ولم توجه إليه تهمة تأسيس أو الانتماء إلى حزب الدعوة، لذا فان الجارة المسلمة إيران تعتبر السبب الرئيسي والمحرض الأول في إعدام الصدر ويمكن الرجوع إلى البيانات التي أصدرتها القيادة الإيرانية في تلك الحقبة لتثبيت هذه الحقائق.

 

 

ـ يتبع ـ

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور