المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟

﴿ الحلقة الرابعة عشر - أ ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
صلاح المختار

الصديق هو الذي يعرف اغنية قلبك ويستطيع ان يغنيها لك عندما تنسى كلماتها

تغييب المشروع القومي العربي

 

9 -  ومن الحيل الخطيرة التي يمارسها الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي حيلة انكار وجود مشروع قومي عربي وفشل العرب في تبني مشروع نهضوي عربي وتشرذمهم وعجزهم عن تحقيق حتى الحد الادنى من النجاح في كل المجالات ، مقابل تأكيد وجود مشروع ( أسلامي ايراني ) – لاحظوا يتعمدون اخفاء الطبيعة القومية للمشروع الايراني ويضفون عليه صفة اسلامية - واظهار نجاحاته السياسية والعلمية والتباهي بها مثلما حصل عند اعلان ايران تصنيع طائرة وصواريخ ، والهدف واضح جدا : تحقير الامة العربية وتعظيم الامة الفارسية طبقا لاهم ركائز الدعاية الايرانية التقليدية ! إن التدقيق في كتابات الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي تؤكد هذه الملاحظة بسهولة ، والتي تعد امتدادا عضويا لصراع ثقافي عبر التاريخ خاضه مثقفو بلاد فارس مع العرب ، خصوصا حينما امتلكوا ادوات السلطة في العهد العباسي وصاروا بطانة الخليفة الاقرب ، حيث كان كتاب الفرس المقيمون في بغداد يكتبون ضد ( الجنس العربي ) بطريقة تحقيرية واضحة جدا مما اجبر العديد من الكتاب العرب على الرد عليهم ودحض نظرياتهم العنصرية حول العرب مثلما فعل الجاحظ .

 

ملاحظة جديدة مضافة : في مقال جديد للاسلاموي المصري ذاته يقدم لنا انموذجا واضحا ومعبرا عن هذه اللعبة الاستخبارية الايرانية ، فقد كتب يقول : ( في ختام السنوات العشر الأولى من القرن الجديد برزت في خريطة العالم العربي المعالم التالية : الغياب التام للمشروع العربي مع تنامي حضور المشروعين التركي والايراني . تراجع أولوية القضية الفلسطينية التي سلم ملفها الى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أطلق يد اسرائيل في الاستيطان والتهويد والاستعلاء. التهوين من شأن الخطر الاسرائيلي والدفع باتجاه ترشيح ايران لتنصيبها عدوا للعرب وخطرا أول يهدده.)

 

وهنا يجب الانتباه إلى ما يلي بدقة :

أ - انه يستخدم مصطلح - العالم العربي - وليس الامة العربية في انسجام واضح جدا مع خطة الغرب والصهيونية بانكار وجود امة عربية . 

 

ب – إن الامة العربية ليس لديها مشروع نهضة قومي وانها لذلك تخلفت عن باقي العالم ، ويؤكد ذلك بعبارة ( الغياب التام للمشروع العربي ) وهو تأكيد سنرى كم هو مضلل .

 

ج – إن العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي و( رشحوا ) ايران لتكون عدو العرب الاول الذي يهددهم !

هل هذا صحيح ؟ هل صحيح إن هناك ( غياب تام للمشروع العربي ) ؟ هل صحيح إن العرب هم من جعلوا ايران العدو الاول لهم ؟ لنتأمل المسالة كما هي في الواقع : ما تجب ملاحظته اولا هو إن استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية من قبل الاسلاموي المصري ، وبأصرار وتكرار ، هو استخدام متعمد لمصطلحات قاموس الاستعمار والصهيونية والصفوية الفارسية التي تنفي وجود امة عربية أو قومية عربية وتريد اثبات وجود عالم عربي وليس امة عربية ، لان هذا المصطلح يظهر العرب كأنهم عالم متعدد الهويات القومية ، وليس فقط عالم مملوء بالتناقضات ، جمعته الصدفة الجغرافية وينفي وجود مقومات الامة فيهم ، كما جمعت الجغرافية امم فرنسا وايطاليا واسبانيا فاصبحت هذه البلدان تمثل عالما متعدد الهويات ! إن التضليل هنا يكمن في انه يتجاهل إن العرب يشكلون امة واحدة حتى لو كانت ممزقة بفعل عمل استعماري متعدد الاطراف وغارقة في الازمات والتناقضات ، والتي تؤكد بحدا ذاتها اننا امة واحدة ، لان عدم التوحد ووجود خلافات عميقة بين الانظمة العربية وتعقدها – بأي درجة ومستوى – لا ينفي الانتماء الواحد لامة واحدة في طور النضال من اجل وحدتها .

 

والدليل على انه يكتب بتنسيق ، مباشر أو غير مباشر ، مع غيره من كتاب عصر الاستعمار الجديد هو انه يكرر في مقاله  هذا غياب الامة العربية وزوالها وانحطاطها ، وهو تصوير نجده بصورة مطابقة وسابقة له في كتابات الصهاينة واعمدة الغرب الاستعماري الذين يتعمدون استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية منذ زمان المرحوم القائد جمال عبدالناصر وحتى الان ، حينما بدأت الحرب ضد الامة العربية ووحدتها تشتد وتتسع وتتشكل الجوانب السايكولوجية والثقافية والاجتماعية وغيرها في تلك الحرب الشاملة . بل لقد تذكرت وانا اقرأ هذا المقال مقال قرأته في بداية الثمانينيات للكاتبة الصهيونية الامريكية المعادية للعرب فلورا لويس والتي بشرت باندثار وزوال الامة العربية واستخدمت نفس المصطلحات والافكار التي استخدمها الاسلاموي المصري حرفيا . فما الذي يجمع هذا الاسلاموي والصهيونية فلورا لويس ؟  إن الاسلاموي المصري بموقفه هذا لا يكتب بعفوية ابدا وهو ليس قارئا بسيطا وعاديا يجهل الفرق بين العالم والامة كي نتجاهل ما يكتب ونتركه يمر ، بل هو احد من اعدوا اعداد ممتازا للتنكيل بالامة العربية والقومية العربية .

 

نأتي الان إلى حيلته الاخرى والتي تتمثل بقوله بان ( العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي ) فمن الواضح انه ، كما هي عادته ، يحاول طمس موقف القوى الوطنية والمقاومة بابراز موقف الانظمة العربية ، والخلط المتعمد بينهما ، مع إن هذا الموقف لا يمثل الامة ولا قواها الوطنية . وربما لا يبرز التضليل إلا اذا تساءلنا : لم يتعمد استخدام مصطلح ( العرب ) ويتجنب استخدام مصطلح ( الانظمة العربية ) عندما يشير للموقف من الكيان الصهيوني ؟ إلا يشير هذا الاستخدام المتعمد والمضلل إلى انه يريد الاساءة للشعب العربي باتهامه بانه يتهاون مع الصهيونية أستنادا إلى مواقف الانظمة فقط ؟ إلا يؤكد ذلك انه يريد متعمدا اخفاء مناهضة القوى الوطنية ومقاومتها المسلحة للكيان الصهيوني ، والتي اشتدت ، ولم تظهر اي تهاون تجاه الكيان الصهيوني ؟ ولم يربط هذا التوصيف للعرب المحط لدورهم وشأنهم بتوصيف لايران يعظمها بعيون العرب بوضعها في موقع المتشدد تجاه الكيان الصهيوني ؟ اليس احد الاهداف هو استقطاب العرب المناهضين للصهيونية حول ايران من اجل دعمها والابتعاد عن القوى الوطنية العربية المقاتلة للصهيونية ؟

 

لقد تجاهل الاسلاموي المصري حقيقة بارزة ، يشكل التعتيم عليها موقفا خبيثا دون ادنى شك ، وهي إن هناك قوى الاغلبية المسحوقة والصامتة من الجماهير العربية التي ترفض تهوين الخطر الاسرائيلي ، بدليل فشل التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني في مصر بشكل خاص رغم مرور عقود من الزمن على الاعتراف به ، كما إن معركة العراق منذ عام 1991 وحتى الان احد اهم محورين وسببين لها هو الدفاع عن فلسطين ورفض اي مساومة بشأنها .

 

وتقدم القضية التي اطلقت عليها تسمية ( خلية حزب الله في مصر ) انموذجا للتكتيك الايراني البالغ الخبث والقائم على افتعال اشتباكات مع انظمة عربية لها علاقات جيدة بالكيان الصهيوني من اجل تسويغ وتسويق ايران وحزب الله في الوطن العربي على اساس انهما  يناهضان الانظمة المعترفة بالكيان الصهيوني ويحارباها في حين إن القوى السياسية العربية نائمة وقاصرة عن القيام بدروها في دعم المقاومة الفلسطينية أو مناهضة النفوذ الصهيوني ! بعد زوال البيئة الاقليمية والدولية التي تسمح بافتعال ازمة مع الكيان الصهيوني عقب حرب عام 2006 لاحظنا اللجوء لهذا التكتيك . فما هي قصة خلية حزب الله هذه ؟ إن الحاجة لابقاء الاستعراض الصاخب لحزب الله تشكل العنصر الاساسي للسياسة الايرانية في المنطقة لذلك امرت ايران حزب الله بالعمل لاجل تفجير ازمة مع النظام المصري الذي تعرض لحملات نقد شعبية قوية نتيجة موقفه من هولوكوست غزة فارادت ايران ان تفجر ازمة معه لاجل استقطاب الراي العام العربي الغاضب من الموقف الرسمي المصري ودفعه دفعا للاصطفاف مع ايران . هذا التكتيك ينفذ في وقت تصل فيه ايران الى قمة معاداتها للامة العربية من خلال الغزل الامريكي – الايراني وتصاعد لغة تقاسم المصالح في العراق وبقية الاقطار العربية ، كما قال علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني وغيره اثناء تفجر خلية حزب الله .

 

وبما ان حزب الله قد استنفذ خيارات التصعيد مع الكيان الصهيوني بعد حرب عام 2006 نتيجة التهديد الامريكي – الصهيوني بان اي ازمة اخرى يفتعلها حزب الله مع الكيان الصهيوني سوف يكون الرد هو ضرب طهران وليس حزب الله ، فان ايجاد طريقة اخرى لتحشيد الناس خلف ايران ، رغم انها تدخل في مساومة واضحة مع امريكا وللتغطية على المساومة او تخفيف اثارها على الشعب العربي ، وهي العراك مع نظام يتعرض لنقد شعبي كبير بسبب موقفه من غزة هو النظام المصري . ان حساب المخابرات الايرانية كان كالاتي : اذا فجرنا ازمة بين حزب الله الداعم للمقاومة في فلسطين والنظام المصري واذا كان سبب الازمة هو دعم المقاومة ومساعدة غزة فان الراي العام العربي سوف يعزز دعمه لحزب الله ، وهو امر سوف يجير تلقائيا الى ايران فتصبح ايران مدافعة عن فلسطين ضد الصهاينة في حين ان مصر وبقية العرب يدعمون امريكا والكيان الصهيوني !

 

هذا هو الاطار الاستخباري لما سمي قضية خلية حزب الله في مصر ومن دون ادراكه سوف نقع في فخ ايران ونخدم هدفها الاستعماري التوأم للهدف الاستعماري الامريكي والصهيوني . ايران بحاجة مستمرة ، بقدر استمرارية جرائمها ضد الامة العربية ، لتجميل صورتها كلما مزقتها الجماهير العربية نتيجة افتضاح الدور الايراني اكثر عن عقد مساومات مع امريكا ، ان تزامن الحديث عن الصفقة وتحسن العلاقات الامريكية الايرانية وتعمق  الغزل الايراني الامريكي مع تفجير قضية خلية حزب الله تزامن خطير ويحدد وظيفة هذه الازمة ويجب الانتباه اليه وعدم اهماله .

 

ايران طفل برئ !!!

 

اما معاداة ايران ، وهي هنا ( قدس اقداس ) هذا الاسلاموي ، فان العرب يرشحونها لمناصبتها العداء ( ! ) كما يقول ، مصورا ايران كطفل برئ مسالم لم يقم باي عمل يدفع العرب للرد عليه وانما العرب يعتدون عليه وهو مسكين يتحمل ولا يرد بصبر وحكمة اسلامية !!! لقد قمنا بتفنيد هذا الادعاء واثبتنا ، بالادلة والوثائق والمواقف ، إن ايران وليس العرب ( حكاما ومحكومين ) هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل ارض العرب ، مثل الاحواز والجزر واراض ومياه عراقية ، ووصل عدوان ايران حد مشاركة امريكا في غزو العراق وتدميره وتعمد نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي . وعلينا إن نتذكر ، اضافة لما تقدم ، إن العرب ، حكاما ومحكومين ، لم يرفعوا شعار نشر  ( الثورة الاسلامية ) في ايران بل ايران هي من فعلت ذلك ، عندما قامت برفع شعار ( تصدير الثروة ) والذي هو ، رسميا وعمليا ، خطة لاسقاط كل الانظمة العربية ، وبلا تمييز ايديولوجي أو سياسي بينها إلا بقد ما يستوجب تكتيك القضم التدريجي للعرب ، وهي السياسة الرسمية الايرانية التي اشعلت الصراع الجديد مع العرب منذ الثمانينيات . ايران وليس العرب ، حكاما ومحكومين ، هي من قامت ، رسميا وعلنيا وعمليا ، بنشر الارهاب في الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة ، وكانت هذه السياسة هي التي فجرت الحرب الايرانية ضد العراق ، وايران وليس العرب ، محكومين فقط ، هي من قامت بدعم غزو أمريكا للعراق وتدميره ونشر الفتن الطائفية . ماذا يريد الاسلاموي المصري اكثر من هذه الحقائق ليكف عن اتهام العرب بانهم من يريدون معاداة ايران أو انهم يعادونها بالفعل ؟

 

ملاحظة جديدة اخرى ربما تحرج الاسلاموي المصري : اخر افعال المسكينة البريئة ايران ، هي احتلال منطقة الفكة في العراق وهي منطقة نفطية عراقية ، رغم إن الحكومة في العراق عميلة لايران ! فهل يستطيع ، المتوافق مع فلورا لويس ، إن يوضح لنا كيف تكون ايران مسالمة والعرب يعتدون عليها بينما هي تدخل الاراضي العراقية علنا وتحتل منطقة نفطية وتدعي انها منطقة إيرانية ؟ وكيف نفهم قيام ايران بهذه الخطوة والعراق تحت الاحتلال الامريكي – لننسى الان انه ايضا تحت الاحتلال الايراني ؟ ما هي القيم والدوافع الي حركت ايران ( الاسلامية ) لتقوم بهذه الخطوة العدوانية على العراق ؟

 

اذن الاسلاموي المصري لا يترك مناسبة إلا ويحاول استغلالها للدفاع عن ايران وتبرئتها من جرائمها وتحميل العرب  مسئولية محاربة ايران مع إن اي قطر عربي لم يحارب ايران ولم يستفزها بأي شكل ، بل إن كل الاقطار تريد حكوماتها تطبيع العلاقات مع ايران التي ترد بوقاحة عنصرية فريدة بالتدخل الفظ في شئونها الداخلية بطريقة خطيرة جدا كما يحصل في اليمن الان مثلا ، بل وصل ( الانفتاح ) على ايران من قبل نظم عربية حد دعوة الرئيس الايراني لحضور قمة خليجية !

 

وماذا عن مصر عبدالناصر وعراق البعث وصدام حسين ؟

 

نأتي الان إلى موضوع ( الغياب التام للمشروع النهضوي العربي ) هل هذا صحيح ؟  إن ما يسقط هذه الكذبة الساذجة هو تذكر تجربتين عظيمتين شهدتهما الامة العربية ، وهما تجربة جمال عبدالناصر في مصر وتجربة البعث وصدام حسين في العراق ، فلا احد حتى الاعمى ضميريا يستطيع انكار إن عبدالناصر حاول بناء تجربة نهضة عربية عظيمة ، ولذلك تمحور العالم حول مصر عبدالناصر ما بين صديق ومعاد ، وانتهت باسقاط التجربة بعد عمليات استنزاف منظمة تعرضت لها من الخارج نفذتها القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية العالمية ، ومن الداخل ، وكان تيار الاسلاموي المصري هذا احد الجهات التي استنزفت مصر الناصرية . يكفي اي انسان شريف إن يتذكر عبدالناصر ليدرك انه كان صاحب مشروع قومي نهضوي اغتيل ولم يفشل .

 

اما تجربة العراق النهضوية فهي اكبر من إن تخفى لان العدو المشترك ( امريكا والصهيونية وايران ) اتحد ضد عراق النهضة القومية ، والذي خرج اكثر من 300 الف حامل شهادة ماجستير ودكتوراه ، ومنهم 40 الف عالم في العلوم الصرفة ، وهم من اطلق عليهم ديفيد كي ، ضابط المخابرات الامريكية الذي كان رئيس فريق التفتيش النووي في العراق اثناء الحصار وبعد الغزو ، تسمية موحية في هذا الصراع المصيري وهي ( جيش العلماء والمهندسين ) ، وقال إن وجود هذا الجيش لدى العراق اخطر من امتلاكه قنابل ذرية .

 

وبسبب هذه النهضة العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية الشاملة أصبح غزو العراق ، وتدمير قدراته البشرية المؤهلة علميا وتكنولوجيا والخادمة للاهداف الوطنية والقومية ، الهدف الستراتيجي الامريكي- الصهيوني الاول والاخطر ، بدليل إن الحرب ضد العراق ابتدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان ، وهي اطول واخطر واعقد واكثر تكلفة ماديا من الحرب العالمية الثانية ومن حرب فيتنام ومن اي حرب في التاريخ الانساني ، وهي التي اوصلت امريكا ، التي كانت تعد نفسها متفائلة وواثقة لاستعمار العالم كله بلا عوائق جدية ، إلى الفشل ، لان عراق البعث وصدام حسين كان لامريكا بالمرصاد فجرها إلى مستنقع مميت خنق مشروعها الاستعماري الكوني واجبرها على الانكماش والتراجع لتجنب تقسيمها ( امريكا ) وانهيارها . فهل تخوض قوى الشر الغربية والصهيونية حربا شاملة ومكلفة ومدمرة من اجل عراق ضعيف بلا مشروع عظيم عدته الصهيونية ، طبقا لاوديد ينون مثلا ، عدوها الاخطر ؟

 

إن عراق البعث وصدام حسين كان عراق النهوض العلمي والتكنولوجي العظيمين ، فحينما كانت ايران تزحف على بطنها تخلفا وتراجعا في ظل نظام الملالي كان العراق يطور ويصنع الصواريخ الستراتيجية ، التي هز بها نظرية وقاعدة الامن القومي الاسرائيلية باطلا ق 43 صاروخا ناشت قلب الكيان الصهيوني ، وليس اطرافه كما فعل حزب الله بصواريخ كاتيوشا التي تعد لعبة اطفال مقارنة بصواريح العراق ، كما إن العراق صنّع قمرا صناعيا كان على  وشك الاطلاق عندما هوجم ، بل إن العراق اخترع طريقة ثالثة لتخصيب اليورانيوم وصنّع القداحة النووية ، ناهيك عن التصنيع المكثف لاسلحة تقليدية كدبابات بابل والاسد والمدفعية الثقيلة والمعدات المدنية ، ووصل الامر إلى حد إن العراق رشح من قبل الامم المتحدة في نهاية السبعينيات ليخرج من فئة الدول النامية ويدخل فئة الدول المتقدمة .

 

هذا المشروع القومي النهضوي العربي في العراق كان السبب الرئيسي لافتعال أزمات مع العراق لم تنتهي ومازالت مستمرة بعد غزوه وتدميره وجعل اغتيال علماءه وخبراءه الهدف الاول بعد الغزو واجتثاث البعث ، وهو واجب قامت به فرق موت اسرائيلية وايرانية وامريكية كما اصبح واضحا الان . وهنا يجب إن نشير بوضوح تام إلى إن فرق الموت الايرانية ، الحبيبة على قلب الاسلاموي المصري ، قامت بالدور الاشد قذارة وقسوة في تصفية العلماء والضباط والطيارين العراقيين . إن مجرد تدمير الدولة والمجتمع في العراق وعدم الاكتفاء باسقاط النظام الوطني يقدم الدليل الحاسم والقاطع على إن العرب كان لديهم مشروع نهضوي عظيم مرة في عهد القائد جمال عبدالناصر واخرى واخيرة في عهد البعث والشهيد صدام حسين والذي كان بحق شهيد المشروع النهضوي القومي العربي .

 

كما يجب التذكير بان صراعات حركة التحرر الوطني العربية في القرن الجديد هي امتداد وتكملة لصراعات القرن العشرين ، لذلك فان مسألة تغييب المشروع العربي هذه تعد احد اهم اعمدة السياسات الغربية الاستعمارية والصهيونية ، بعكس موقف هذه القوى من المشروع النهضوي القومي الايراني المدعوم من الغرب بقوة لانه من وجهة نظرهم الخصم العنيد للمشروع العربي .

 

اذن لم ينفي هذا الاسلاموي وبشكل تام وجود مشروع عربي مع انه موجود وكان تدميره هو اهم اهداف الصراع الجبار   مع الصهيونية والاستعمار الغربي والاستعمار الايراني ؟ من الواضح انه منسجم مع خطة مشتركة إيرانية – امريكية – صهيونية هدفها اخلاء ساحة الاقليم من اي فضيلة أو انجاز أو دور فعال للعرب كي يبقي ايران والكيان الصهيوني وتركيا وحدها صاحبة انجازات ، ومن ثم وضع الجيل العربي الجديد امام خيارات  كلها مدمرة ومنها :

 

أ‌- خيار دعم ايران رغم انها تنفذ مشروعا لا ينجح إلا على جثة الامة العربية ، تماما كالمشروع الصهيوني .

ب‌- أو قبول التطبيع مع اسرائيل والخضوع لها .

ج‌- أو قبول خيار طلب الحماية التركية للعرب ، وهو خيار لا يؤدي إلى تغييبهم فقط بل يحول الصراع إلى صراع طائفي على مستوى اقليمي ، على اعتبار ( إن تركيا السنية تقف بوجه ايران الشيعية ) ، وهو تصوير زائف لان لا ايران شيعية ، لانها دولة قومية ، ولا تركيا دولة سنية ، لانها رسميا دولة علمانية على الطريقة الغربية

 

10 – دعم حزب الله وليس دعم ايران : وثمة حيلة اخرى بارزة وهي التخلي عن الدفاع عن ايران ، عندما يحرج المدافع عن ايران ، ويتمسك بالدفاع عن حزب الله ويقول دعنا الان من ايران نحن ندعم حزب الله لانه ( يحارب اسرائيل ) ونحن مع من يحاربها . وهذه الحيلة تستخدم عندما يجد الطابور الخامس نفسه عاجزا عن الدفاع عن ايران نتيجة بشاعة ووضوح جرائمها ضد العراق والامة العربية ، فيضطر لايجاد فصل مصطنع بين ايران وحزب الله ، ويقول ، بتساذج واضح وليس بسذاجة ، بان من الضروري فصل حزب الله عن ايران لانهما شيئان مختلفان ! لذلك لابد من طرح سؤال جوهري وهو : هل ممكن عمليا فصل حزب الله عن ايران ؟ لنناقش هذا الامر باختصار لاننا ناقشناه بالتفصيل .

 

ان حسن نصرالله اعلن رسميا بانه ( يتشرف بانه حزب ولاية الفقيه ) ، وهو أضافة لذلك الوكيل الرسمي لعلي خامنئي في لبنان ، فما معنى كل هذا عمليا ؟ ان الفهم الصحيح لطبيعة صلة حسن نصرالله بايران لا يمكن الا بالتذكير بجوهر ولاية الفقية ، فهذه النظرية تعد ولي الفقية ، وهو الان علي خامنئي ، اوجب بالطاعة من الانبياء ، وعدم تنفيذ اوامره تقذف بمن يقوم به في النار ، فقاعدة ولاية الفقية هي الطاعة التامة والعمياء لولي الفقيه . من يريد التوسع او التاكد من صحة مفهوم ولاية الفقيه عليه دخول أي شبكة موالية لايران مثل شبكة حزب الله سيجد توضيحا تاما لفكرة الطاعة التامة لولي الفقيه .

 

وثمة دليل اخر على استحالة مزاحمة ولي الفقيه في زعامته الفردية المطلقة هو انه لا يمكن اقالته من منصبه ، رغم وجود نص في الدستور الايراني يسمح نظريا بذلك ، ولكن عمليا هذا غير ممكن . استمعوا لما يقوله احد قادة ايران ردا على من لمح لاقال المرشد الاعلى اثناء الصراع على السلطة في ايران عقب الانتخابات الرئاسية : ( أعلن مسئول مقرب من الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي اليوم الجمعة أنه لا يمكن إقالة هذا الأخير لأن شرعيته تأتي من الله ) واضاف هذا المسئول :


( مجلس الخبراء الذي اختار خامنئي للمنصب لا يستطيع إقالته ) قال مجتبى ذو النور ، وهو ممثل خامنئي في ( الحرس الثوري الإيراني ) أمام حشد لممثلي الزعيم الأعلى في الجامعات الإيرانية . اما لماذا لا يستطيع من يعين خامنئي اقالته فقد وضحه ذو النور في شبكة موجكامب على الإنترنت التي تدعم مير حسين موسوي خصم أحمدي نجاد فقال : ( أعضاء المجلس لا يعينون الزعيم الأعلى لكنهم يكتشفونه ولا يعني هذا أن بإمكانهم إقالته وقتما شاءوا ).    

 

ويقول المحللون إنه من الناحية النظرية يمكن لمجلس الخبراء المكون من 86 عضوًا إقالة خامنئي الذي وافق على  تعيينه كخليفة للخميني عام 1989 لكن من الناحية الواقعة فإن إجراء إقالة الزعيم الأعلى لم يحدث من قبل ، وقال ذو النور أمام الحشد بمدينة قم : " يأتي منصب الزعيم الأعلى في النظام الإسلامي وشرعيته من الله والنبي والأئمة الشيعة ولا يكون الأشخاص هم من يمنحون الزعيم الأعلى الشرعية ، فلا يمكنهم إقالته وقتما شاءوا "، وفق هذ المفهوم فانه لا يهم رضاء الناس عن الزعيم الاعلى  يقول ذو النور : " الزعيم الأعلى يجب أن يحاول أن يكون مقبولاً لدى الناس ، لكن شرعية الزعيم الأعلى تكون من السماء وقبوله يكون من الناس".. . المصدر مفكرة الاسلام في 13 / 11 / 2009 

هل يذكركم هذا الكلام بنظرية اشاعت الظلم والقتل باسم الدين ؟

 

في القرون الوسطى سادت اوربا ( نظرية التفويض الالهي ) وهي نظرية تمنح رجال الدين حقا الهيا مطلقا في التصرف بالبشر وحكمهم واعدامهم ومصادرة اموالهم لانهم مخولين من الله بالقيام بكل شيء ! ما قاله مجتبى ذو النور هو تكرار حرفي ونصي لنظرية التفويض الالهي هذه لكنها تعود برداء ( اسلامي ) صفوي ، لتمنح خامنئي كما منحت خميني سلطة ديكتاتورية مطلقة في التحكم بالناس داخل وخارج ايران ، تجعل من يعارضه كافرا بصورة تلقائية ويستحق الموت ! وخامنئي وفقا لما قاله هذا القائد الايراني يملك سلطات اكبر من سلطات رجال الدين المسيحي في اوربا في القرون الوسطى لانه ليس مخول من الله فقط بل أيضا مخول من النبي والائمة الشيعة !

 

 

من هنا نفهم لم على حسن نصر الله وغيره تقبيل يد خامنئي كلما التقاه ، فهي قبلات ينال من يطبعها على يد خامنئي     ( بركة الهية ) منه ، وهي تعبير غير مباشر عن طاعة الله لان طاعة ممثله في الارض هي طاعة لله . بعد هذا فان السؤال التالي يصبح تحصيل حاصل : هل يمكن لحسن نصر الله ان يخالف خامنئي او يتمرد عليه ؟ الجواب هو كلا ، لذلك راينا كل عمل يقوم به حزب الله يجير فورا لخدمة ايران ، وعلى من يريد التاكد من هذه الحقيقة ان يسترجع في ذاكرته الاحداث التي جرت .

 

11– وحدة المقولات الصهيونية الايرانية : انتم تكرهون ايران ! والبدعة الاخرى التي يرددها صحفي فلسطيني مقيم في اوربا في الدفاع عن ايران هي نفس البدع الصهيونية والامريكية ، اذ يقول في مقابلة مصورة موجودة لدينا ، بانكم تكرهون ايران لذلك تهاجمونها وانا لا اكره ايران ولا اريد مهاجمتها ! والمقصود بانتم هم ابناء العراق ومن ينتقد ايران بسبب مواقفها تجاه العراق والامة العربية . 

 

ما معنى هذه النظرية الجديدة التي طرحها هذا الصحفي الفلسطيني التي تميزت مواقفه  بالدفاع عن ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر وتنشر الفتن الطائفية ؟ قبل الاجابة لا بد من تذكر ما يلي :

 

أ – حينما هوجم البرجان في نيويورك في عام 2001 وغزت امريكا افغانستان والعراق وصعدت موجة مهاجمة امريكا كان السؤال الذي يردده جورج بوش : لماذا تكرهوننا ايها العرب والمسلمون ؟ وطبعا ان هذا السؤال والتساؤل الامريكي يقوم على اخفاء جبال من الهياكل العظمية للعراقيين والفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة السياسات الامريكية ، وهو امر تجاهله بوش واضرابة وكانه غير موجود على الاطلاق وان كره العرب لامريكا ناتج عن مزاج عنصري او ديني خالصين !

 

ب – تقوم فكرة ( معاداة السامية ) على فرضية ان العالم ، ومنهم العرب ، يكره اليهود لانهم يهود ، في تجاهل تام للسياسات الصهيونية تجاه العرب ومنها احتلال فلسطين ، فالصهاينة كالادارة الامريكية ومن يصنع قرار الحرب في امريكا يعرفون انهم غزو فلسطين وقتلوا مئات الالاف من الفلسطينيين والعرب من مصر وسوريا والاردن والعراق ولبنان وغيرها ، واحتلوا اراض سورية ولبنانية ومصرية ، ومع ذلك يشعرون بالدهشة لوجود من يكرههم في الاوساط العربية !

 

والان يأتي احد ضحايا الصهيونية ليطبق هذه النظرية في الكراهية على موقفنا من ايران بالقول انكم تكرهون ايران ! ما الذي يجمع سايكولوجيا نخب امريكا والصهيونية وعرب وايرانيين يقولون لمن يتحاربون معهم انتم تكرهوننا ؟ ان الذي يجمعهم دون ادنى شك عقلية عنصرية استعلائية تقتل وتنهب من الاخر لانها تعتقد بان من حقها فعل ذلك وما تقوم به ليس عدوانا ولا  اضطهادا لان الاخر قيمته متدنية ومتخلف ولا يستحق الحياة ، او انه لا يستطيع استغلال ما وهبه الله من ثروة فيأتي الاخر الذكي والافضل عقليا لاستغلالها ، وهو ما قاله مؤخرا جيمس ايكنز الذي كان سفيرا في السعودية في السبعينيات .

 

صاحبنا الفلسطيني مصاب بعقدة اسمها ( متلازمة ستوكهولم ) وهي عقدة تنشأ لدى ضحية الاختطاف الذي يتأثر بخاطفه فيصبح مؤيدا له بدل كرهه ، ونظرية انتم تكرهون ايران هي نتاج عقدة متلازمة ستوكهولم هذه ، حيث ان الاضطهاد الصهيوني له زرع فيه هذه العقدة التي تستبدل الحقد بالتعاطف مع مفاهيم العدو ومنها نظرية انتم تكرهون ايران !

 

هل حقا نحن ننطلق في موقفنا من ايران من الكره لها ؟ ان هذه النظرية متهافتة اكثر من النطريتين الامريكية والصهيونية القائمة على طرح سؤال : لماذا تكرهوننا ؟ ان من ينظر الى سياسات ايران تجاه العراق وبقية الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة وحتى الان يدرك ان ايران هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل وتقتل وتستفز العرب وليس العكس ، ونحن نتحدى صاحبنا الفلسطيني ان يقدم لنا حالة واحدة كان العرب فيها هم من يستفز ايران او يعتدي عليها . فقط على كل موضوعي ان يتامل مجريات الاحداث منذ وصول خميني للسلطة ويدقق فيها سيجد ان ايران تتبنى سياسة هجومية عدوانية توسعية تجاه العرب ، ولذلك فان العرب مضطرون للرد عليها دفاعا عن النفس وليس نتيجة كرها لها .

 

ان مقولة  ( انتم تكرهون ايران ) هي نسخة من مقولة اولئك الذين يقولون ( انتم تكرهون   امريكا ) و ( انتم تكرهون اليهود ) ، ولافرق اطلاقا لا في النص ولا في الروح ، التطابق مدهش وهو يكمل صورة التطابق الستراتيجي الامريكي الصهيوني الايراني في معاداة العرب واستهدافهم هوية ووجودا وثروات .

 

 

 

يتبع القسم الاخير 14 ب

 

ملاحظة  كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو  و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .

 
salahalmukhtar@gmail.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٧ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور