الواقفون على ابواب الجنة

 
 
 
شبكة المنصور
أبو خليل التميمي / بغداد المسورة بكتل الاسمنت
كثيرا ما سمعنا عن الملاك الحارس وكثيرا ما قراءنا عن معجزات يقوم بها ملائكة أو قديسين لكن القليل منا من حصلت له تجربة مباشرة مع قديس أو ملاك حارس... في عالم متلاطم الأمواج وبهدير كبير وضوضاء تملئ الكون وزلازل تقلبنا رأسا على عقب ولدنا في ظل العشيرة تربينا وعلى صهوات الحياد سابقنا الريح وبدولة تقيس الرجولة بطول الشارب وعرض الكتف تربينا .. العيب ميزة والحياء صفة والممنوع كثير كثير جدا ..


قست قلوبنا ونحن ننظر للأمور مابين السيف والسوط نجتر الظلم اجترارا لنظلم نحن آخرين بين سادية النفس وماسوشية الثار منها درجنا نتنقل بين المواكب نلطم صدورنا ونضرب ظهورنا بمقالع من حديد ونختمها برأس مفجوج ودم منثور قربانا لمن قتل ظلما اعتقدنا وثارا ارتضينا لأنفسنا إن نخوض فيه ....


بثقافة المقابر وبروح الموتى جعلنا حياتنا جحيما لايطاق .... امتزجت لدينا الألوان امتزاجا غريبا فقدنا فيها حتى التميز بينها أصبحت العين لا ترى إلا اللوان صبغنا فيها أنفسنا عمدا وإصرارا منا على العبودية لها فأصبحت الدنيا لاترى إلا من خلال اللون الأسود الذي غطى قلوبنا والأحمر الذي غشا بصائرنا فبين الدمعة المسكوبة والاه المكتومة عودنا أنفاسنا ونحن نسمع لمن ارتضى إن يتقيأ علينا كل يوم من مما يسميه منبر حتى أصبح الدين لدينا هذا القيء الذي يقوله شخص مهبول يحدثنا عن معجزات لم تحدث وإلا في رؤوس قائلها ....


ونحن أطفال صغار يملئنا فرح الحياة قمعنا إن نضحك أو نفرح في أيام أصبحت طويلة جدا وكانت قصيرة حينما تعد أمنا المجلس كنا نساعدها بتعليق الرؤوس المقطوعة على الجدار والأفراس التي تنزف دما ونختمها بكلمات الثار واللعن والتبراء ممن لم نره في حياتنا ولن نراه مستقبلا ضاعت طفولتنا ونحن نبحث عن الثائر حتى اصحبننا نحس بالعجز عن أخذه لم يدر في خلدنا يوما من من هو هذا الثار الأبدي الذي رضعناه مع الحليب وسنسقيه إلى أطفالنا جرعات من الزقوم إن لم نكسر حلقته الثار هذه ....


تقلبت الأيام فينا وكبرنا ونحن ننتظر يوم الثار هذا لكي نعيش بعدها كما تعيش كل شعوب الأرض إلا إن جاء يوم شابت به الرؤوس وواجهنا كل طغاة الأرض دفعه واحدة ساعة بساعة ويوم بيوم وكل حمم الأرض تتساقط علينا تقطعت الاودجة وبلغت القلوب الحناجر وضاقت الدنيا بما رحبت امتشقنا السيف ونحن نرى إن الأرض أصبحت بلون الدماء مصبوغة وركبنا صهوات خيلنا التي أعددناها طويلا ونحن نسابق بها الريح يوما بعد يوم نطعمها من أجود ما تنتجه الأرض من أعلاف ليوم ظنناه قريبا وسيدنا يتحدث به على المنابر طويلا تسابقنا كل يتطاول برقبة جواده ليأخذ الثار من شياطين الأرض التي هجمت علينا ولكن يالهول الكارثة لم يكن ما أعددناه من عده موجه للشيطان بل معد للدفاع عنهم وهم يأكلون الأخضر واليابس ....


فجعت في القلب تمزقت رئتي وأنا أتنفس رائحتهم الكريهة وهم يضحكون مع من داس إخوتهم ببسطاله الأجرب مدوا له سيماط الطعام طويلا وأمطروه باايات الشكر والعرفان قبلوا يديه وأقدامه أمامنا ضحكوا معه احتضنوه قبلوه في شفاهه تلك العمائم العفنة التي تقيئوا علينا سنوات طويلة من على المنبر وهي تحدثنا عن الظلم والعدل وعن الثار والإنصاف وعن السيف والقلم وهي تتمجد بمعجزات لم يرها أصحابها ها قد رئينا معجزاتكم ماثلة أمامنا ......


ياللعار كسرت الرمح وعقرت الفرس وألقيت بالترس والسيف بعيدا وأنا أجرجر خيبتي فيكم لأتقوى أرجلي على حملي رجعت إلى مخبئي وانأ انزف دما من عيوني تكورت على نفسي كفرت بالدنيا وأحرقت كتبكم كلها فلم تكن سؤى خراجات نتنة وضعتها في مكتبتي طويلا لم يكن فيها كلمة صدق واحدة جلست أواجه الصورة التي مجدتها طويلا وأنا أحدثها فيمن كان العيب فيك أم فيهم أم إن العيب في أنا ... إنا من صدق واقر إنا من انتظر طويلا وهو يلعن أمه ألجمت وأسرجت وتنقبت لقتالكم أنا من ردد كالببغاء دروسهم السمجة من انتظر دولة كريمة أهذي دولتكم التي وعدتمونا ها دولة العقارب والأفاعي دولة السراق والبواغي دولة العهر والنكاسة ...


طويلة هي الأيام التي أحصينا بها قتلانا طويلة هي الساعات التي انتظرنا بها أمام المشرحة لنستخرج جثه لصديق أو حبيب أو أخ أو رفيق طريق ودراسة... كل ما رأيناه تراب كل ما لمسناه تراب كل ما حلمنا به تراب وعمائم العهر تسكر في مضبعتها بدمائنا وتشرب نخب الحياة في جماجم قتلانا أطفال شوههم في الأفران وحملوهم إلى اهليم عشاء يبكون ....
 

نعم لقد ارتووا ثارا نعم لقد انتشوا ثارا ولكن ممن من أبنائهم وشركائهم بالوطن أما الشياطين فقد كانوا أحبابهم وحلفائهم ومصدر قوتهم أوقفوهم في ظهورهم وهم يغيرون غارات الموت ليجتثوا الناس من جذورها هجروا الملايين يتموا الأطفال شردوا العلماء قتلوا الأبطال ثاروا من الطيارين والعلماء ليسود الجهل والتخلف لتسود الأمية ولتسود العبودية وهم يصيحون لبيك لبيك ثارا إليك ارتضينا لبيك ....


أعادونا إلى عصور التخلف لم نجدد من الحضارة شيء يذكر فقدنا حتى النور في منازلنا فقدنا حتى النفط في لالاتنا فقدنا حتى الخبز في حصتنا ... ولم يشبعوا منا قتلا ملؤا سجونهم بالأبرياء ملئوا أرحام البواكر بالسفاح في غفلة من الزمن ساد أشرار الأرض في غفلة من الزمن ساد دعاة المظلومية فملؤها ظلما .....


أما الشياطين فقد تحالفوا معها وأعطوها أوكارها يمدونها بدماء الأبرياء لتشرب حد الثمالة وتأكل من أكبادنا حد التخمة وضعوا قوانينهم وشرعوا شريعتهم بلد تسيد فيه الضباع بعد أن قتلوا الأسود التي كانت تحميها.. وبدئوا قتال لاينتهي وحربا غشوم لاترتوي مفخخات وعبوات وكواتم أصبحت حياتنا تلوك بهذه المفردات لتصبح جزاءا من حياتنا يومية تتناثر بها الأشلاء في كل مكان تحرقك الى حد التفحم تحيلك الى عناصرك الأولية من فحم وسخام يبقى أثره على الطريق بشاعة الموت المجاني في العراق لاتقابله بشاعة في الكون كله .. نعم أنها ثقافة المقابر ثقافة الموت ثقافة الثار للموتى لتمتد من جديد حلقة مفرغة لاتنقطع ولن تنقطع ماداموا يجدوا لها وقودا في عقول فارغة تمشي طويلا بحثا عن خلاص الروح بطريقتهم الروزخونية بحثا عن جنة لن يروها أبداء موصوفة لهم بطريقة غبية ....


وفي هذه الظلمة البهيمة تمتد لك يد من نور قديسة في زمن ضاع فيه الطهر والقداسة في زمن باتت فيه القذارات تغطينا وتملا شوارعنا في زمن الذئاب التي حاصرتنا في مدننا خلف أسوار الكونكريت في مثل هذا الزمن تمتد إليك يد من نور وذراع من مرمر لتنقلك إلى عالم أخر لم تصدق نفسك وأنت تراه .......


مضى دهر طويل أربع وأربعون سنة وأنت تبحث عن الجنة شاب الرأس وضعفت الأعين وان تغوص في أمهات الكتب وأنت تبحث عن الملكوت جربت كل شيء دققت كل الأبواب لطمت بكيت توسلت وانيت زحفت على إقدامك أمامهم أنيروا لي درب الملكوت فما وجد إلا ظلمة من خلف ظلمة لم يقنعوك حقا بما يقولون كله كلام في كلام أجوف لايوصلك إلى ما تريد نعم تتعلم على أيديهم الكره تتعلم الحقد تتعلم القتل تتعلم حتى العواء مع الذئاب ولن تسمع ولن ترى إلا ما يريدون هم أن تسمعه وتراه وان انتفضت لإنسانيتك كفروك فالراد على أمامهم كالراد على نبيهم كالراد على الله بهذا المنطق أصبحت أسير رغباتهم حتى ملئت حقدا ودما .....


أما هذا الملاك الذي خرج عليك من بين هذه الظلمة الحالكة فهو شيء أخر لم أتوقع انه موجود في هذا الزمان لقد تصورته كائنا أسطوريا حاولت جداتنا أن تعطينا أمل الحياة بالكلام عنه لم يدر في خلدي يوما أن الملائكة مازالت موجودة على الأرض تغني وتنشد وترنم .....


لقد سحبني من وسط هذه الظلمة إلى واحة لم أر مثل جمالها يوما جنة على الأرض كل ما تسمعه ترنيمات الملائكة بعود وقيثارة ومزمار قديم ترنم تمجد الرب وتعلي مجده أيضا... الكل متحدون على شيء واحد اسمه الفرح الكل متفقون على إن الرب معهم في داخلهم والجنة مكانها في القلب وليس في مكان أخر.....


أما الألوان فهذا شيء أخر لم أره من قبل لأول مرة أرى إن هناك اللوان أخرى في هذا الكون بالإمكان إن نلبسها على أجسادنا افتقدت طويلا إن أرى لونا ورديا أو بنفسجيا أو حتى اصفرا معم كانوا كأزهار الحدائق في تنوع ألوانهم وتعدد عطورهم في زمان تعودنا فيه على رائحة الكافور والألوان السود فقط ..


كل واحد فيهم يملك جنة في داخله من نوع خاص كل واحد منهم خلقه الله ابنا له ويتفاخر بأنه الأقرب إلى الله وبالمجموع هم أبناء الله وأسسوا شركه بينهم وبينه ... شركه رأسمالها الحب احبك فتحبني وبعد ذلك يأتي كل شيء المهم إنني احبك... يالها من رائعة تلك الكلمة احبك افتقدناها طويلا في كل شيء في حياتنا التي بنيت على الكره أكرهك فتكرهني فإما إن تكون تحت سلطتي أو أن تموت وتذهب إلى الجحيم ....


أذهلني حبهم أذهلني تواضعهم أذهلني ضحكهم تميزت غيضا وأنا أراهم يحسنون لمن يسيء إليهم وكتمتها في صدري لم ولن افهم يوما لماذا هم هكذا .. عدت إلى سؤالي القديم هل العيب فيك أم فيهم أم العيب في إنا ؟؟؟


أبحرت بينهم بمركب مكسور الدفة يقوده الملاك ليريني جبال الياقوت وتلال الذهب وجنات الفردوس عقول واعية ومثقفة ومدركة وقلوب أطفال نعم هم هكذا .. يصعد احدهم إلى المنبر فيتكلم بالحب تمنيت يوما أن اسمع كلمة عن الكره اشتقت إليها طوال وجودي بينهم لأبرر لنفسي سبب الهزيمة ولكنهم أبو إلا أن يهزموا في داخلي الكره والحقد أبوا إلا أن يزرعوا المحبة والسلام والطمائنينة أبو إلا أن أكون بينهم صادقا واضحا أبو إلا أن أنسى الماضي وامتد إلى الأمام ألا أن اترك ما حصل حصل وأعيش ولادة ثانية لأكون جزءا من شعب تفنن في الحب كما تفننا في القتل تفنن في العدل كما تفننا في الظلم .....


وفي غفلة من الملاك هربت لأخرج خارج أبواب الجنة لقد اشتقت للعواء مع الذئاب اشتقت لقيادة القطيع اشتقت للمطاردة الفرائس اشتقت للصيد اشتقت لرائحة الدم... ولكنني لم انتبه إلا إن رائحتي اختلفت فقد تحممت في انهار الجنة وتعودت على أن أكون صادقا وان انظر إلى الطريدة برحمة لم أكن لامتلكها يوما انتبه لي القطيع وشمشم رائحتي واستغرب من تصرفاتي فطردني بعيدا عنه فرجعت إلى تلتي لاقف فوقها واعوي وحيدا فحتى الأفاعي تقئيت رائحتي فمازال شذى الياسمين وعطر الأرجوان يفوح من بين جوانبي ....


تنبهت إلى نفسي وندمت كثيرا ورجعت اركض في الغابة التي أصبحت موحشة علي باتجاه أبواب الجنة وقفت على الباب الموصد في وجه الخطاة وخلفه ملائكة تحمل سيوف من نار لتحمي ملكوت الله نظرت من خلال الباب لاارى ملاكي يلهوا في الجنة ولا يتنبه إلي نادينه ولكن كان ندائي عواء مقرف وليس صوت أناشيد تأملت في نفسي طويلا ماذا فعلت تكورت حولها وأنا نادم على ما فعلت بنفسي ... سابقي واقفا هناك على أبواب الجنة عسى أن يلمحني ملاكي الحارس ليفتح لي الباب من جديد.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٢٠ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٤ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور