مشكلة العراق (البعض) الدائر في فلك الإحتلالين الأمريكي والإيراني

 
 
 
شبكة المنصور
علي الكاش - كاتب ومفكر عراقي
البعض يطالبنا بالمستحيل وهو أن نؤمن بشعارات لم نجد لها موطأ قدم على أرض الواقع, وإنجازات لا تختلف في ماهيتها عن الأشباح، وأن نؤمن بأن قوات الإحتلال هي قوات تحرير أنقذت الوطن من براثن الدكتاتورية وسوقت له الديمقراطية كحتمية تأريخية هي قدر الشعوب. وأن نؤمن بحكومة جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية والبغال الإيرانية لخدمة العراق وزرع بذور الديمقراطية والحرية في تربته، متجاهلا حقيقة أن الديمقراطية غير قابلة للإستنساخ الفكري وما يصح في مكان وزمان ما قد لا يصح في مكان وزمان آخرين. فالديمقراطية هي سيادة القانون وليس العبث به. هي الفصل بين السلطات وليس تداخلها وتشابكها. هي تأهيل مؤسسات المجتمع المدني وليس تعويقها. هي السيادة والإستقلال والتحرر وليس الأحتلال والإستعباد والمهانة. هي إحترام حقوق الشعب وليس إنتهاكها. الديمقراطية هي الشفافية في إدارة الدولة والمجتمع وليس المحسوبية والمنسوبية.


البعض ما زال يؤمن بأكذوبة أسلحة التدمير الشامل ويطلب منا أن نصدقها رغم إن إدارة الإحتلال نفسها أنكرتها وكذبتها. البعض ما زال يؤمن بأن النظام الوطني السابق كان متعاونا مع تنظيم القاعدة رغم إنكارها من قبل الكونغرس الأمريكي نفسه. علاوة على أن الأختلاف الأيدولوجي بين البعث والقاعدة مختلف كإختلاف الليل عن والنهار! فالعلمانية لا يمكن أن تتعايش مع التطرف الديني لأنها نقيضه! البعض ما زال يؤمن بأن الديمقراطية وليس النفط وراء قدوم قوات الإحتلال إلى العراق رغم أعتراف كبار المسئولين الأمريكيين بتلك الحقيقة المرة.


البعض مازال يؤمن بأن العملاء الذين كانوا يتسكعون على أبواب المخابرات الأجنبية كالشحاذين يصلحون لقيادة الدولة والإرتقاء بها نحو التقدم والإزدهار، متصورا الفئران القابعة في جحور المنطقة الخضراء هم النخبة المنتخبة من قبل الشعب التي تعبر عن آماله وتطلعاته! البعض مازال يؤمن بأن الأوضاع بعد الغزو كانت أفضل من قبله! رغم فاتورة الدماء الباهضة التي دفعها وما يزال يدفعها الشعب العراقي كله. البعض ما زال يؤمن بنزاهة الوزراء رغم ملفات الفساد التي يدركها البصير قبل الأعمى والتي أدت إلى نهب أكثر من (200) مليار دولار منذ الغزو. متجاهلا بأن رئيس الوزراء هو من يتستر على فساد وزرائه! والبرلمان يتسترعلى فساد رئيس الوزراء! والأخير يهدد بكشف ملفات فساد النواب! حلقات من الفساد يرتبط بعضها ببعض بشدة!


البعض ما زال يؤمن بأن البرلمان العراقي يمثل الشعب ويراعي مصالحه وليس مصالح النواب رغم المزايا العجيبة التي حصلوا عليها، وهي مزايا خيالية يحلم بها أعضاء مجلس الشيوخ في أمريكا. نوابنا الحجيج يتهافتون بسرعة الفهود على باحة البرلمان عندما يتعلق التصويت بقرارات تمنحهم المزيد من الإمتيازات! ويتباطئون كالسلاحف عندما يتعلق التصويت بحقوق الشعب. برلمانيون من طراز خاص يمضون معظم أيام السنة ما بين الإستجمام والإيفادات والحج تاركين حقوق الشعب تحت مؤخراتهم المترهلة.


البعض ما زال يؤمن بأن النظام الحالي أفضل من النظام الوطني السابق، وأن الأخير كان طائفيا رغم أنه ضم بين صفوفه كل الأديان والطوائف والقوميات! وهذا البعض يبرأ حكومة الجعفري والمالكي من طابعهما الطائفي المقيت رغم المذابح الطائفية التي جرت في عهديهما المظلمين. البعض مازال يؤمن بأن المالكي حاكم فعلي في العراق رغم أعترافه ـ يشغل أيضا منصب القائد العام للقوات المسلحة ـ بأنه غير قادر على تحريك سرية عسكرية دون الرجوع الى أسياده الأمريكان.


البعض ما زال يبرأ ساحة إيران من مصائب العراق رغم أنه ما بين يوم وآخر يكتشف مخزن أو مستودع للأسلحة الإيرانية في مدينة عراقية! مع علمه بأن المواد المتفجرة التي تحصد رقاب العراقيين كل يوم تحمل ماركة(ساخت إيران) . البعض ما زال يؤمن بأن نظام الملالي في طهران يختلف عن نظام الشاه المقبور في نظرته التوسعية الشرهة تجاه العراق ودول الخليج العربي رغم أن جزيرة أم الرصاص والفكة العراقيتين ماتزال بأيديهم القذرة، وإنضمتا إلى طابور الجزر العربية الثلاث وعربستان جوهرة التاج العربي. والمضحك المبكي إن البعض مازال يعتقد بأن لجنة المالكي بشأن متابعة التدخل الإيراني في الشأن الداخلي العراقي (لجنة الضحك على الذقون) ما تزال تنبض بالحياة رغم أنها ولدت ميتة ودفنت يوم تشكيلها على أيدي رئيسها البرمكي وأعضائها الخراسانيين.


البعض ما زال يؤمن بأن الأكثرية هي التي تحدد مسار الأمة حتى لو كانت جاهلة وفاسدة وأن الأقلية لا يحق لها إدارة الدولة حتى لو كانت فاضلة ومثقفة وواعية. ويجهل أن الأوطان عمرها ما كانت تسجل في طابو الأديان والمذاهب والقوميات! لأنها ملك عام وليس خاص. فالدين لله والوطن للجميع وقد صدق من قالها.


البعض ما يزال يعتقد بأن الولاء الوطني عند غالبية العراقيين يسمو على الولاء المذهبي رغم ان الحقائق على الأرض تشير إلى خلاف ذلك. هذا البعض ما زال يؤمن بالمذهب الواحد، ولا يكتف برفض بقية المذاهب بل بتكفيرها أيضا رغم أنها تحمل نفس طابع الدين والقوميه، ويجهل الدروس المستنبطة من التأريخ الإحتلالي الذي ينفخ في الرماد مولدا شرارة الطائفية كلما خمدت. البعض يجهل بأن الدين هو خيمة المسلم وليس المذهب، وان الوطن خيمة الشعوب وليس الدين. والوطن الذي لا يضم كل أبنائه الى صدره ويحتضنهم بدفء كالأم الفاسدة لا تصلح لتربية أبنائها.


البعض ما زال يرهن الدين برجاله وليس بكتاب الله وسنة نبييه محمد(ص)! مشركا معهم العمامة والسدارة! مؤمنا بما يقوله البشر بلا تمحيص ولاتدقيق كأنه كلام منزل. البعض يؤمن بأن العمامة والسدارة مكانهما في البرلمان والحكومة وليس الجوامع والمساجد ودور العبادة، متغاضيا عما ما أفرزه الإحتلال من مواقف هؤلاء البغضاء، وممارستهم السلوكيات الاجتماعية السلبية وطقوس الدجل والشعوذة داخل المجتمع وإيقادهم الفتنة الملعونة من خلال خطاباتهم التحريضية، حتى دور العبادة أمست محرجة ومستاءة من أفعالهم المنكرة! مما جعل الخزي والعار يلاحقهم إلى يوم الدين.


البعض ما زال يؤمن بأن كل من لبس العمامة والسدارة هو فعلا من نسل آل البيت الأشراف دون أن يكلف نفسه كشف حقيقة ذلك النسب. ويعتبرهم نوابا للإمام الغائب يزودهم بالتعاليم والتوجيهات والإرشادات المعصومة! حتى ولو كانوا مأبونين أو لصوص أو مجرمين أو أبناء زنا. لقد خلط هؤلاء الأدعياء تعاليم السماء بأفكارهم فعكروا صفوها ونقاوتها، وأحاطوا أفكارهم بهالة من القدسية السماوية فاختلطت تعاليم الله بتعاليم البشر!


البعض لا يدرك بأن الأمم قد لا تسقط وتتدهور حضارتها بسبب تفشي الجهل والغفلة والفقر والكفر فحسب وإنما بسبب الاطمئنان التام والإيمان المفرط بصفات ومزايا أدعياء الدين والإنقياد الأعمى لأوامرهم مثلما تنقاد الأغنام إلى الراعي. لا يع بأن مفاتيح أنفسنا بأيدينا وليس بيد الآخرين، والضرورة تحتم علينا أن نفك الأقفال المتصدئة التي كبل بها رجال الدين عقولنا ونتحرر منها, وأن تكون لنا القدرة والحرية على رفض كل ما هو ضد قوانين العقل والفكر والعلم. ولابد من جلي العقول من صدأ الجهل ونقلها إلى ميدان الفعل والإبداع الحضاري والإنساني.
البعض يترك القرآن والسنة النبوية جنبا ويقرف من قراءة الكتب العلمية والرصينة مفضلا مكتبات سوداء تحتوي على آلاف الكتب الصفراء المليئة بالاوهام والأكاذيب والخرافات معظم أوراقها تساقط مع خريف الجهل وربيع العلوم والمعارف. فيتخذ من هذه الكتب المسمومة سبيلا للوصول إلى الحقيقة دون أن يدرك بأنه أوصد باب الحقيقة خلفه وفتح باب الجهل أمامه.


البعض ما زال يعيش في العصر الإسلامي الأول يحمل الآخر المسئولية الكاملة عن صنع أحداث جرت منذ 14 قرنا بظروف زمانية ومكانية وشخصانية لا علاقة لهم بها! فهي نتاجات إختلاف بين الصحابة والخلفاء والعلماء في مسائل وإجتهادات محددة، ولادخل للأحفاد بصنائع الأجداد فكل نفس رهينة أفعالها, وإن كان يحملهم مسئولية الأخفاقات فمن الأولى به أن يحملهم أيضا المسئولية عن إبداعاتهم و نجاحاتهم وانتصاراتهم الباهرة. أحداث التأريخ محصلة زمانها ومكانها ولا حاجة بنا لتصحيحها، ومن الأولى أن نصحح حاضرنا ومستقبلنا وليس ماضينا.


البعض لم يتفهم دروس التأريخ وما تزال الخيارات مشوشة في عقولهم ولم تستقر بعد في مكانها الصحيح، يؤمنون بأن أفضلها ما بنى على قاعدة الولاءات المذهبية والعشائرية والحزبية والعنصرية والقبلية والحسب والنسب وخارطة القرابة. وليس على قاعدة الكفاءة والخبرة والعلم والنزاهة والمصلحة الوطنية، فيرتكبون جريمة بشعة بحق الوطن والشعب وأنفسهم ولكنهم لا يفقهون.


البعض مازال يعاني من التخبط العشوائي! مؤمنا بدستور مفخخ صنعه إسرائيلي يهودي حاقد على العرب والإسلام والعراق قدمه لشرذمة من النواب الصعاليك ليصادقوا عليه ويسمى بأسمهم زورا وبهتانا. دستور تشتيت وتفريق وتمزيق ومسخ لهوية العراق، يفرط بسيادته وإستقلاله وكرامته، لا يفصل بين السلطات ولا يحترم حقوق الإنسان ولا الحريات, دستور يسلخ العراق من محيطه العربي ويعرضه للبيع في المزاد الدولي.


البعض ما زال يؤمن بالقانون الدولي والأمم المتحدة وهيئاتها المخزية لحل المشاكل الأقليمية والدولية دون أن يدرك بأنه لا توجد اخلاق دولية, وان مباديء حفظ الأمن والسلام ورفض العدوان والتعايش السلمي المترهل بهما ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي قد إنتحرت على عتبة العراق! فهي ليست سوى شعارات مزوقة ومزخرفة تسخر لخدمة الأقوى. القوة هي لسان الحق في المحافل الدولية وهي التي تحسم الأمور، بإمكانها أن تحول الظلم إلى عدل والباطل إلى حق والإحتلال إلى تحرير. وتجربة العراق أفضل برهان على تهالك وسقوط هذه المباديء، فقد أفترس العراق من قبل الشرعية الدولية قبل أن تجهض عليه الولايات المتحدة الأمريكية وما تزال براثن هذه الشرعية الآثمة تقطر من دماء العراقيين.


البعض ماتزال المفاهيم مضطربة في رأسه لا يفرق بين الإرهاب والمقاومة وشتان بينهما, فالمقاومة بعد أيدولوجي أخلاقي القيم والمفاهيم، والإرهاب بعد ديماغوجي لفوضى وتأزيم. المقاومة ولادة وبناء، والإرهاب موت وفناء. المقاومة حق ماثل والإرهاب باطل زائل. المقاومة قوة وعنفوان والإرهاب ضعف وهوان. المقاومة مبدأ شرعته قوانين السماء والأرض والإرهاب مبدأ شرعه أبليس. المقاومة وسيلة التحرير، والإرهاب وسيلة التدمير. المقاومة يقودها الوطنيون والأحرار والشرفاء، والإرهاب يقوده منحرفون ومجرمون ومتطرفون ولقطاء.


البعض يطالب بالمصالحة الوطنية بيد ويمسك خنجرا باليد الأخرى ليفتك به! أي يبطن الشر ويظهر الود! قلب حقود مع إبتسامة ساحرة. نقول للبعض قبل أن تصالح غيرك صالح أولا دينك ووطنك ومن ثم نفسك وإبدأ بالآخرين. قبل أن تفكر بالمصالحة طهر نفسك من ذنوبها و أصدق بنواياك وقف على أرض صلبة ومتماسكة، ثم مد يدك بصفاء وجد لتصالح الآخرين. فمن يعزم على المصالحة عليه أن يطابق أقواله مع أفعاله وينأى عن إزدواجية الخطاب.


المصالحة لا تكون بين سيد وعبد أنت تأمر وأنا أنفذ! بل بين سيد وسيد نتشارك صناعة القرار وتنفيذه. المصالحة ليست أفكارا من خيال ولا دعوات متهافته ولا مطالب متجاهلة ولا مصالح متنافرة ولا رؤى متعارضة. المصالحة ليست أن يمشي كل منا في طريق لوحده عسى أن نلتقي يوما في مكان ما، بل هي أن نمشي سوية خطوة بخطوة في نفس الطريق ونواجه نفس المصير. عسى أن يفهم هذا البعض!

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٣ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٩ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور