عن ''إسرائيل'' وتركيا والجدار : ادّعاءات المأزوم .. وصراخ المهزوم

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة
ما حصل للسفير التركي لدى الكيان الصهيونيّ كان مُهينا مهما كانت المقاييس التي احتكمنا إليها.
دعاه.. أرغمه على الانتظار.. رفض مصافحته.. ثمّ أجلسه على مقعد منخفض دلالة على الصَّغار والدونيّة..
الفاعل كان داني ايالون نائب وزير الخارجية "الإسرائيليّ".. أمّا المستهدف فهو تركيا من خلال سفيرها في فلسطين المحتلّة اوغوز جيليكول.. وحتى يكتمل المشهد فقد استُدعيت وسائل الإعلام الصهيونيّة لتصوير الحادث وتوثيقه وعرضه على الفضائيّات....


كيف يمكن تفسير ما حدث؟ وإلى أيّ مدى يجوز لدولة أن تتعامل مع دولة أخرى على هذا النحو المهين؟
الصحف الصهيونيّة نفسها وصفت الحادث بأنّه مُهين. ولعلّنا لا نستطيع أن نفسّر هذه الفعلة الصهيونيّة الأخيرة إلا بالنظر إلى مجمل المعطيات المحرّكة للعقل الصهيونيّ، والآليّات التي تتيح هذا النمط من الممارسة غير المسبوقة في العلاقات الدوليّة وهو ما يهيّئ لملامسة التركيبة النفسيّة والأخلاقيّة لهذا الكيان وقادته.


في تاريخ العلاقات الدبلوماسيّة لا أعرف سوى لطمة المروحة الشهيرة التي وجّهها داي الجزائر إلى ممثّل فرنسا. وهي اللطمة التي اتُّخذت ذريعة فيما بعد لاحتلال الجزائر. لكنّ الفارق بين الحادثين شاسع إلى الدرجة التي يجوز معها القول إنّ المقارنة لا تصحّ إلا من زوايا محدودة جدّا.


فلقد تطاول ممثّل فرنسا على من هو أعلى منه مكانة وسخر منه ومن بلاده عندما أثار معه الداي موضوع الديون الفرنسيّة المستحقّة للجزائر. ولهذا فإنّ ردّ فعل حاكم الجزائر كان طبيعيّا، إذ لا أحد يقبل مثل هذه الإهانة.

 

أمّا الصهاينة فقد رتّبوا كلّ شيء ليبيّنوا لتركيا التي أصبحوا يصنّفونها في خانة المعادين للساميّة أنّ كيانهم قويّ ومنيع وكبير..


إنّهم يقولون ببساطة إنّهم قوّة إقليميّة لا يجوز لأحد تجاوزها أو التعدّي على مكانتها حتّى ولو كان الطرف المقابل دولة كبيرة في حجم تركيا.. وهم يريدون تذكير الآخرين في المنطقة وفي العالم أنّهم يفعلون ما يريدون عندما يتعلّق الأمر بما يرونه "كرامة دولتهم وحقوقها". ومعنى هذا أنّهم مستعدّون لانتهاك الأعراف الدبلوماسيّة وكياسة التعامل الواجبة مع السفراء لإفهام الآخرين أنّ دولة الكيان الصهيونيّ فوق الأعراف.. وفوق القوانين.. ولهذا فإنّها لا تخضع للمساءلة أو المحاسبة.


هو الصلف إذن.. لكنّ للصلف وجها آخر غير زهو الاطمئنان إلى القوّة والاحتكام إلى قوانينها.
في الأسبوع نفسه قرّرت "إسرائيل" بناء جدار إلكتروني على حدود فلسطين المحتلّة مع مصر للحفاظ على "يهوديّة الدولة" ومنع تسلّل الأفارقة أو غيرهم إلى داخل حدودها. ومنذ سنوات تقيم "إسرائيل" جدار فصل عنصريّ للحفاظ على "يهوديّة الدولة" ومنعا لما تسمّيه "عمليّات إرهابيّة".


لقد أصبحت "إسرائيل" دولة الجدران والأسوار بامتياز. وهي بهذا غدتْ الدولة الوحيدة في العالم التي تحيط نفسها بحواجز وموانع تكاد تحوّلها إلى معزل أو سجن كبير. إنّها وهي تتصرّف على هذه الشاكلة تحوّل نفسها إلى أكبر سجن في العالم.. سجن يخاف فيه السجّان من السجين وممّا حوله، فيتصرّف بتهوّر ورعونة.. ويتوهّم أحيانا أنّ الآخرين يناصبونه العداء.. فينتهي إلى خلق أعداء جدد كلّ يوم.


في السنوات الأولى التي أعقبت قيام دولتهم، كان صراخ الصهاينة استعطافا واستجداء وتضليلا للعالم بأنّهم حَمَل وديع تستهدفه وحوش جائعة جاءت من غياهب الماضي السحيق. وبعد أن اطمأنّوا إلى قوّتهم وضعف العرب وتشرذمهم وتواطؤ بعضهم أصبح صراخهم استعراضا للقوّة وعدوانا مستمرّا وابتزازا لا ينتهي..


هم يصرخون اليوم أيضا، لكنّه صراخ المأزوم.. وعمّا قليل سيصبح عويل المهزوم.. فهم يدركون بلا ريب أنّ العالم بدأ يكتشف جوهر كيانهم، وأنّ كثيرا ممّن كانوا يصنّفون باعتبارهم أصدقاء أو حلفاء انفضّوا من حولهم، وأنّ جدار الصمت الذي غطّى على جرائمهم آن له أن ينهار.. وسينهار مهما بنوا من جدران وأسلاك وأسوار.. فأنوار الحقيقة لا شكّ أنّها ستسطع على ذوي النوايا الحسنة فتنير طريقهم، وتُعمي أبصار أولئك الذين ضلّلوا البشريّة طيلة العقود الماضية.. فينتهون إلى العدم...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٢٨ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٤ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور