من منشة ذباب الداي حسين إلى سفراء عرب الخازوق

﴿ الجزء الاول ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
ا.د. عبد الكاظم العبودي
مابين صفعة "منشة الذباب" بيد الداي حسين على وجه قنصل فرنسا "المسيوديفال " ، ممثل الملك شارل العاشر ملك فرنسا في القرن التاسع عشر واستدعاء وكيل الخارجية الاسرائيلي للسفير التركي أوغوز تشليكول حكاية قاسية مع هؤلاء الاستعماريين والغزاة تمتد على مدى 182 عاما مضت بالتمام والكمال، وتختصر المسافة بين غزو الجزائر واحتلال فلسطين.


اشتهرت "حكاية المروحة" بدلا من تسميتها بـ "منشة الذباب" التي قذف بها يوما الوالي العثماني وجه قنصل فرنسا ليجد الغزاة الفرنسيون المنتظرين في سفنهم الحربية فرصتهم لغزو الجزائر، بعدها قضى شعب الجزائر 132 عاما في المآسي وحروب الإبادة العنصرية الاستعمارية والانتفاضات والثورات الشعبية.


فرنسا لم تطلب الاعتذار من الداي، لكنها سارعت إلى غزوها قبل أن تطوي الأيام حكاية منشة الذباب ومروحة الداي حسين.


هناك قول مأثور في اللغة التركية: (إن الاعتذار في حد ذاته هو خطأ أكبر من العيب نفسه). ويبدو أن هذا القول ينطبق على الإدارة الإسرائيلية وهي تواجه زمنا معكوسا في أزمتها مع تركيا في أعقاب اعتذار نائب وزير خارجيتها داني ايالون يوم الأربعاء الماضي من سفير تركيا لدى بلاده أوغوز تشليكول بسبب سوء السلوك الذي أبداه تجاهه وتجاه الشعب التركي الغاضب.

 

في ذلك المساء نفسه، دعا نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني ايالون سفير تركيا الجديد إلى تل أبيب، أوغوز تشليكول (وهو سفير سابق لدى دمشق) إلى الكنيست في القدس بشكل مفاجئ وطارئ، وأجلسه على كرسي أدنى مستوى من كرسيه في غرفة ضيقة جداً، وأمام الكثير من كاميرات التلفزيون، شرح له باللغة العبرية، متوجهاً بذلك قصدا إلى الصحافة الإسرائيلية الحاضرة، داني ايالون لم يبتسم لضيفه، ولم يصافحه. كما ولم يكن على الطاولة أمامهما سوى العلم الإسرائيلي، بينما غاب العلم التركي وجلس أيلون وزملاؤه في مقاعد أعلى مستوى من مقعد السفير التركي.. فكان لكل هذه الأمور معنى مقصود. 


المعنى كان واضحاً: اختارت إسرائيل إذلال تركيا. واختارت تركيا الطريقة التي تلاءم إذلال ووجع إسرائيل بتحديد وقت محدد لا يسمح بالمساومة اليهودية على إعلان الاعتذار الإسرائيلي في الكواليس الخاصة... وإلا؟؟..... لا احد يعرف ما يدور في رأس أردوغان مستقبلا؛ لكن إسرائيل بدأت تحسب حسابات إعادة الكَرَّة مع حكاية "منشة الذباب" مع الداي العثماني الأكبر العائد اليوم بعزم إلى حاضرة العرب والإسلام.


هل علينا أن نعيد النظر بمحتوى دروس الثقافة الاستعمارية، من منظورها التاريخي، كما تم تعليمنا به وتسريبه إلى ذاكرتنا المثقوبة في مفردات منهجنا التعليمي والمدرسي؟. هل نعيد باختصار غبي حكاية "المروحة"؟ ولا نقولها بمفردتها الحقيقية أنها كانت "منشة الذباب"، وهي تتعامل مع الوجه القبيح للاستعمار المتربص بالأمس بالجزائر حينها، ممثلا بالقنصل ديفال الفرنسي المُستَدعى ذات يوم ربيعي من أفريل/نيسان 1827 إلى قصر الداي حسين، يوم لا يحتاج به الداي إلى مروحة، لأن مدينة الجزائر بحرية الهوى، ومناخ ربيعها غالبا معتدل؟. هل سنقبل بروايتهم التي جاؤوا بها، ونعلمها لأطفالنا. ونُكَّذِب على أنفسنا... بأنهم وصلوا وهم مكلفين باسم العناية الإلهية وبمباركة دعوات الكنيسة المستجابة لتحريرنا من شرور طغيان حكامنا وإلغاء مظاهر البربرية والدكتاتورية والاستبداد التركي من بلداننا؟.


هل سنعيد ما قالت به عساكرهم، وهي تعبر البحار والمحيطات... قواتهم المشتاقة لملاقاة عسكر ديكتاتورية الداي حسين في القرن التاسع عشر أو فيالق جيش صدام حسين في القرن الواحد والعشرين، وأنهم جاؤوا إلينا بالمن والسلوى وبالحرية ولتحريرنا وتعليمنا الحقوق والواجبات والديمقراطية والتمدن وحسن السلوك السياسي والدبلوماسي.


درس "منشة الذباب" أعادته إلى الذاكرة رمية حذاء منتظر الزيدي بوجه بوش.درس لم يفهمه العرب بعد؛ لان بوش قد سبق صفعة الحذاء فجاء مُحتلا متبخترا الى بغداد من دون انتظار للمبررات التي كانت تحتاجها فرنسا في بداية القرن التاسع عشر لغزو الجزائر. لازال الوقت إزاء الاحتلال الأمريكي مفتوحا على كل الاحتمالات، والمعركة تظل مفتوحة، ومن دون استراحة وتوقف سواء مع أمريكا أو إسرائيل.


لم تنته الحرب بعد، ونحن نكررها مع بوش أو الصهاينة، وسنعلم دروسها لأطفالنا. وستستمر المعارك حتى لو إلتوت أذرعنا مرة تلو الأخرى. وهذه المرة كان زنود رجالنا في المقاومة هي الأقوى، لذا عليهم أن يقلصوا الزمن كثيرا ليريحونا والعالم وأنفسهم. ليحرروا 175 ألف مجند أمريكي يحتلون بهم العراق الآن من سطوة الوهم، كما على الصهاينة أن يتحرروا من سلطة الوهم بالبقاء جاثمين على صدر فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى.


وعندما تفتقت ذهنية الصهاينة لإهانة الأتراك بإعادة إخراج مشهد منشة الذباب أو مروحة الداي حسين، أدركت أن عصرنا ومكاتب وزارات الخارجية باتت مكيفة الهواء ومعقمة فأخرجت المشهد بطريقة اعتادت عليها مع سفراء التطبيع العربي في تل أبيب.


هذا المشهد لم تخفيه الصحافة الإسرائيلية وهي تعالج الأزمة الدبلوماسية مع تركيا فتمنت أن يكون المشهد كما هو مطلوب إسرائيليا مع سفراء التطبيع العربي كما ننقله هنا بنصه المنشور.


المقال نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية طالب بضرب السفير الأردني لدى إسرائيل على رأسه، فيما طالب مقال نشرته صحيفة "معاريف" بضربه بالحذاء..! وكان ملخص وجهة نظر مقال "يديعوت احرونوت": (حقا لا يكفي الخازوق الذي أعددناه للسفير التركي. الآن ينبغي استدعاء السفير الأردني وإعطاؤه ضربات على رأسه. يوجد ألف سبب وسبب لإجلاسه على أريكة منخفضة: فمنذ سنتين لم تزر هنا شخصية أردنية كبيرة؛ في البتراء يرفعون أسعار الدخول للسياح الإسرائيليين؛ سلطة الآثار الأردنية تتذكر فجأة أن تطالبنا بأن نعيد لها الوثائق السليبة؛ وفي مظاهرات الشوارع في عمان يحرقون علم إسرائيل؛ سفيرنا يتعرض للتهديد؛ النقابات المهنية تقاطعه. فلماذا يشعر سفيرهم، علي العايد،.. لندعوه فورا ونصفعه على الرأس. ولا ننسى أن ندعو الكاميرات). ذلك ملخص مقال "معاريف" فهو تقديم صورة ساخرة كاريكاتورية لما يسميه كاتبه (عصفا ذهنيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية)، يتم خلاله اختيار السفير الأردني علي العايد، ليكون التالي بعد السفير التركي، لكن من خلال "الحذاء" بدلاً من "الكرسي المنخفض". "الخازوق التركي" عنوان مقال "يديعوت احرونوت" الافتتاحي، بقلم سمدار بيري، يعترف به تعمد الخارجية التركية في اهانة ضيوفها: (...حقا لا يكفي الخازوق الذي أعددناه للسفير التركي. الآن ينبغي استدعاء السفير الأردني [وهو بالذات الدبلوماسي عاطف يعرفنا جيدا وبحكم رأيي يستطيبنا أيضا، ولكن ماذا يهم هذا؟] وإعطائه ضربات على رأسه. يوجد ألف سبب وسبب لإجلاسه على أريكة منخفضة؟). ويتابع الكاتب الصهيوني: (يمكن، بسهولة، إيجاد مائة سبب وسبب لان ندعو أيضا ياسر رضا السفير المصري. صحيح، سلاح الهندسة المصري يحفر بنشاط أساسات لحائط فولاذي يرمي إلى إغلاق أنفاق التهريب إلى غزة. هذا جيد لإسرائيل أيضا.

 

ولكن ما هو الحائط الفولاذي هذا مقابل الكاريكاتيرات اللاذعة عن رئيس الوزراء نتنياهو في صحف القاهرة ولماذا توقفوا هناك عن التشهير بليبرمان؟ أيتساوى طقس الإهانة مع التجاهل المتعمد لوزير خارجية إسرائيل؟ .... صحيح أننا أغلقنا حسابا مريرا وطويلا مع وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، وأفشلنا حلمة في الوصول إلى منصب أمين عام اليونسكو، ولكن كل الاتحادات المهنية المصرية، ولا سيما تلك التابعة لوزارة الثقافة، تقاطعنا... لندعو السفير ونصوره وهو يتلقى الصفعات. توجد فقط مشكلة فنية صغيرة: رضا، السفير المصري، طويل جدا، ورأسه قد يبرز أيضا حتى لو أجلسناه على الأريكة المنخفضة. الأكثر سهولة هي الشقاق مع كل العالم.

 

وأسهل من ذلك الشقاق مع سفراء الدول المجاورة التي تذكر علاقاتنا معها بورق شجر تتقاذفها رياح عاصفة. غزة تشتعل بقوة في عظامهم. السفير المصري (بسيوني أتذكرون؟) أخرجوه من هنا بسبب قصف سلاح الجو في غزة، واستغرق الأمر سنوات طويلة من الاستجداء إلى أن أعادوه إلى تل أبيب. وكذا السفير الأردني دفعوه إلى إجازة احتجاج طويلة بسبب الحرب في غزة. فهل فكر احد ما بإمكانية أن ينقل حضرة السفير التركي تقريرا مفصلا عن الإهانة بالبث الحي والمباشر وان يستدعيه وزير خارجيته إلى تشاور ممزق للأعصاب في أنقرة؟ كيف نعيد سفيرا استدعي إلى وطنه؟ ماذا نفعل بسفيرنا عندهم؟ أنطيره بمبادرتنا أم ندعهم يطيروه هم).

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٣ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٨ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور