فلسفة الحكم الرشيد في العراق الجديد !!!

 
 
 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبدالله / باحث سياسي عراقي
تتحكم عوامل الخواء الفكري, وظلامية التاريخ الشخصي , بتشكل المزاج السادي لدى القابظين على دفة السلطة في العراق اليوم , حتى أصبح التمترس خلف القوانين والقرارات الاشرعية, التي تبعد الاخرين عن المشاركة السياسية أقدس أقداسهم , فأوغلوا في تطويرها وتفسيرها والتثقيف عليها,وتفننوا في اختيار كل من يعاني من عقد النقص والمظلومية الكاذبة في تنفيذها كي تشمل أكبر عدد ممكن من الاحزاب المنافسة ذات القواعد الجماهيرية , والهياكل التنظيمية المعروفة , والمنظومات الفكرية التي تنال أهتمام الشارع الوطني , بل قد تعدى هذا الوصف ليشمل شخصيات فكرية وأكاديمية وأجتماعية مستقلة , أو وجوه كانت في يوم ما محسوبة على هذا التيار السياسي أو ذاك , بغية أفراغ المشهد تماما من المنافسة  الفكرية والمهنية , ووأد أية نظرة رقابية مسؤولة عن الحراك الحياتي اليومي في ظل ستراتيجية السلطة , التي حددت كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية , ملكا شخصيا للقائمين عليها , والذين ينتمون الى أحزاب السلطة الممثل الشرعي والوحيد للطائفة السياسية , والقومية السياسية والمذهب السياسي , وصولا الى المنطقة السياسية والحي والحارة , وهذه كلها فوق الجميع  .


ولكي تتعزز السلطة بيد ملاك الوطن , الذين أفتوا لانفسهم بأمتلاك كل مافوق الارض وما تحت الثرى, منذ العام 2003 وحتى اليوم , فلابد من نظرية اشبه بنظرية الحق الالهي  , تجعلهم ظل الله في أرضه فتمنحهم كافة الحقوق والامتيازات التي نسبوها لانفسهم , بعد أن أثبتت مرجعية البيت الابيض , بأنهم الانقى دما , والاعرق أصلا من بين جميع العراقيين , أن كانوا عراقيين حقا , فكانت نظرية ( المظلومية ) التي بها سرقوا ثروات البلاد , فأمتلات دول الغرب بعقاراتهم وأرصدتهم التي جاوزت حاجز الملايين , والتي أصبحت تشير الى أكبر عملية فساد في التاريخ بينما يرقد نصف الشعب العراقي تحت خط الفقر , وتعج طرقاته بالمتسولين , ثم أبتدعوا نظرية(حاكمية الاكثرية ) كي يتسلق الابناء والاقرباء الصفوف الاولى في المراكز الوظيفية , فكان أن تحكم الجهال والاميين , والباحثين في شؤون المذاهب الطائفية , وخريجو كتاتيب دول الجوار , برقاب العلماء والخبراء الذين كانت تقف الدولة العراقية على سواعدهم , وتسير بعقولهم العبقرية , في أحرج فترة تاريخية , في سنوات الحصار الظالم , الذي كانوا فيه كالقابض على جمرة من نار , حتى قتل منهم من قتل , أو هاجر من هاجر , ونزح من نزح , بعد أن وجد القادة الجدد بأنهم منافسين أقوياء لهم , وأن بركات المذهب والطائفة لاتقوى على الوقوف بوجه علمهم وخبراتهم , وأن شعار لاسلاح باليد في العراق الجديد , يجب أن يشمل كذلك سلاح العلم أيضا , متناسين بأن الهند التي تعتبر من أعرق الانظمة الديمقراطية في العالم , يتقلد فيها منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية شخصين من قومية تشكل نسبة 2% فقط من قوميات المجتمع الهندي , أما نظرية ( تأكيد الذات) الطائفية والقومية , التي لازال أحدهم يؤدلج لها في كل مناسبة , مدعيا بأن المجتمع العراقي لايمكنه أن يتخلى عنها الان وفي المستقبل المنظور , نتيجة مايسميه أرث المظلومية , فقد قسمت الدولة العراقية عموديا وأفقيا , وتناسلت وأنتجت كائنا هلامي الشكل , قادر على أنتاج أذرع كلما تقتضي الحالة , كي يملآ كل حيز في المجتمع بأسم الطائفة والقومية كي يجعلها حقيقة حية في كل زمان ومكان , فكان أن سقطت كل الهياكل التنظيمية (للدولة) العراقية , ضحية توتيرها بالوتد ( السني والشيعي والكردي) , حتى أصبح كادر وزارات كاملة مقتصرا على طائفة واحدة من الوزير حتى الغفير,ولايوجد اليوم أي منصب أداري الا ويتكون من ثلاثة أركان , كل يمثل مصالح قوميته السياسية أو طائفته السياسية , في الحرب الباردة حينا والحارة أحيانا .


أن أستمرار التحالف الستراتيجي بين المال اللاقانوي والسلطة اللاشرعية في المشهد العراقي قد أنتج عناصر جذب مركزي لكل المفاسد السياسية والاخلاقية والاجتماعية والامنية والاقتصادية , وقوض كل البنى التحتية للانسان والمجتمع على حد سواء , كما أنه أنتج عناصر طرد مركزي لكل الافكار والتوجهات التي تروم التغيير , وتنشد قلب المعادلة وتغيير المسار الكارثي وأعادة نسغ الحياة الى الجسد العراقي , وهاهم اليوم من دخلوا العملية السياسية بدعوى ( درء المفاسد ) وتسلقوا المناصب بدعم أمريكي , نوابا في رئاسة الجمهورية , ورؤساء برلمان ووزراء ونواب , يرفعون الراية البيضاء مهزومين , يستنجدون ب(بايدن) و( عمرو موسى) وزعماء دول الجوار , علهم يعيدون اليهم بعض الهيبة والوقار .


أن نظرية (الاجتثاث) المكملة لنظريات الحكم (الديمقراطي) في العراق الجديد, يخطيء من يظن أنها قد فصلت على مقاسات المنتمين الرسميين الى حزب البعث العربي الاشتراكي فقط, بل أنها ستطال كل الاصوات التي لاترتبط  بالمشروع الطائفي الحاكم , حتى وأن كان لها مشروعها الطائفي الخاص بها , فأذا كانت أرادة المحتل قد أقتضت أشراك هذا الطرف أو ذاك فيما يسمى بالعملية السياسية سابقا , لاسباب دعائية وترويجية للمشروع الامريكي , كي تمتد أشعاعاته الى ساحات أخرى في الاقليم ,فأن ألارادة الاقليمية اليوم تتطلب أحكام قبضتها من خلال أحزابها على كافة المفاصل التشريعية والقانونية والتنفيذية , وتفرد أجندتها في الساحة السياسية , فالوقت الحاضر يشهد أنحسارا للشأن العراقي في الاجندة الامريكية , وأنه ماعاد يستحوذ على صدارة أهتمامهم , والذي بدا واضحا من خلال الاشارات التي بدأت تطلقها الى هذا الطرف الاقليمي أو ذاك , والتي تبدي أستعدادها في تقاسم الحصة على المنضدة العراقية , وبذلك فأن الاجندة الاقليمية بدأت أوضح صورة من الرسم الامريكي في الواقع العراقي , خاصة مع أطلاق سراح الرهينة البريطاني , وبذلك فأن أستحقاقات المرحلة الحالية ليست أمريكية صرفة , على الرغم من زيارات بايدن الذي يحاول ترقيع الامور قدر الامكان وأيقاف نزيف الدم والمال الامريكي , بل أقليمية الهوى والفعل , وما الضجة المفاجأة والبروز الفاعل لما يسمى ( هيئة المسائلة والعدالة) في هذا الوقت بالذات الا دليل على فعل الارادة الاقليمية , وسعيها الى بناء دكتاتورية الطائفية السياسية ذات اللون الواحد , وأجتثاث حتى من كانوا يعتبرون أحد أركان ( العملية السياسية ) وكتبت دستورها , وان التصريحات التي أطلقها المستشار الاعلامي للمالكي بأن ( الانتخابات شأن عراقي داخلي لاشأن للامريكان به , وان الحكومة العراقية من جانبها لن تسمح بأي تدخل خارجي في العراق ومن أي طرف كان ) , أنما يؤكد فاعلية الدور الاقليمي في السلوك الحكومي , حيث أن حكومة المالكي تعرف جيدا بأن من حق الامريكان التدخل في جميع الشؤون العراقية من باب الاتفاقية الامنية العراقية – الامريكية التي أجازت لهم المحافظة على ماتسمى المؤسسات الديمقراطية  .


أن متطلبات العصر الاقليمي في العراق , تقتضي اليوم القصاص من كل الاصوات العروبية التي أمنت بان العراق جزء من الامة , والتي أكدت على ضرورة عودته الى الحضن العربي , ووقفت بالضد من سياسات الاخرين الداعمة للطائفية والتشرذم السياسي والجغرافي , وهي نفس الاصوات التي تضامنت مع سكان معسكر أشرف , وأستنكرت أقتحامه, ورفضت أغتصاب الثروات العراقية في حقل الفكه النفطي  .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ١١ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور