أما آن للطائفيين أن يكفوا فحيحهم عن أبناء العراق ؟

 
 
 
 
شبكة المنصور
د.مثنى عبدالله / باحث سياسي عراقي
واهم من يعتقد بأن التاريخ يمكن أن يعين البعض على تجاهل الحقائق , فيخلدها في زوايا النسيان ويجعلها أثر بعد عين , وسراب بعد أن كانت حقيقة . فالقوى التاريخية قد تكبوا , وقد تهزم , وقد تتشظى , لكنها لن تجتث , وأن القفز عليها وتجاوز دورها وتغييب صوتها محال . أنها في كل المعادلات حقيقة حية , وفي كل التفاعلات عنصر أستقرار , وفي كل بناء ركن أساس بدونه تنحرف الارادة الشعبية , ويجري التجاوز على حرية الفكر وأرادة العقل . لكن البعض لايريد أن يقرأ التاريخ , لجهل أحمق بأنه قد أمتلك الحقيقة كلها , حتى وأن كان بروزه على المسرح بفعل قوى شاذة غريبة , أو لغرور أهوج بما سلب من جاه وسلطة ومال , فران على بصره وبصيرته وهم الانتصار , ولم يعد يابه بقراءة التاريخ كي لاتقض مضجعه عبره فتوقضه من حلم السلطة , التي يفهمها على أنها ليست سوى خزينة مال يسرق منها وقتما يشاء , وكرسي خالد أبد الدهر .


وأذا كان وهج الديمقراطية كمفهوم أنساني راقي , يطلق العنان لقوى الانسان الخلاقة للتحليق في مجال الابداع والعيش الكريم , قد خبى منذ العام 2003 بفعل الصور المأساوية التي أنتجتها التجربة ( الديمقراطية؟؟ ) العراقية , فان البرلمان والعمل البرلماني والانتخابات , باتت أشباح تقض مضاجع العراقيين , لكثرة التزوير والنهب والسلب والاثراء الفاحش , الذي جرى بأسم هذه المصطلحات على حسابهم ,بينما الغالبية العظمى من أبناء الشعب تعيش في فقر مدقع وفي ظل أنهيار تام للخدمات والبنى التحتية , وتغييب وأعتقالات وتهجير ونزوح , حتى عادت عبارات القدح والذم التي يطلقها أركان العملية السياسية بحق النظام السياسي الذي كان قائما قبل الغزو , تثير السخرية والاستهجان لدى الكثير من أبناء الشعب , وحتى لدى أولائك الذين كانوا في موقع المعارضين له , لان الصور لازالت حية في الذاكرة من ما مضى , والتي تشير الى وجود دولة حقيقية, ومؤسسات فاعلة, ومسؤولين كانوا حريصين على أيصال مفردات البطاقة التموينية , التي تؤمن الحاجات الغذائية الاساسية للمواطنين ,الى ابعد نقطة في خارطة العراق في ظل حصار لم يعرف التاريخ له مثيل .


أن أنقضاء سبع سنوات من الكذب والوعود المعسولة وتناسل السراق وتوالد الازمات المميته في ظل ترديد سمج , لعبارات الديمقراطية والشفافية والتحرير والفدرالية , كاف لعودة الوعي الى بعض الشرائح الاجتماعية التي فقدت وعيها بفعل (الصدمة) العسكرية لاقوى قوة كونية , وبفعل (الترويع) الذي مارسته الامبراطوريات الاعلامية الاستعمارية , وبجهود قوى طائفية وقومية شوفينية , حتى باتت المقارنة بين ما قبل 2003 ومابعدها واجبة , بل ومطلوبة كي يستعيد العراق كبلد ستراتيجي وضعه الطبيعي بين البلدان , ويستعيد المواطن العراقي مكانته الائقة بين الامم , وتظلل الخيمة الوطنية الجميع , وتعود هيبة الدولة كمنظومة قانونية تحمي الحقوق وتنظم العلاقات , لذلك لاغرابة أن يتردد اليوم وبقوة صوت حزب البعث العربي الاشتراكي في الحملة الانتخابية الحالية,وأن يطغى أسمه على كل الحراك الدائر, فترتعد فرائص الخائفين الذين لايمتلكون فكرا ولا منهجا ولاجماهير , وتتراى لهم عودة البعث من بين أيديهم وخلفهم , أو عن يمينهم أو شمالهم , فيهرولون الى الطائفه , مدغدغين كل المشاعر السلبية التي حاولوا على مدى سبع سنين زرعها , عازفين على وتر المظلومية التي جهد بريمر نفسه في أذكائها , مبتهلين الى المرجعية كي تدلو بدلوها , مهددين بالدستور الذي مافتؤا ينتقدونه يوميا مطالبين بتغييره , لانه كتب في زمن الخوف كما يزعمون , لكنهم يستعينون به للقضاء على غيرهم عندما تستدعي مصالحهم , فتنفضح كل شعاراتهم الزائفة في ماتسمى المصالحة الوطنية ,وتوسيع المشاركة السياسية ,وسط سقوط مدوي لكل الاسس التي أعتمدوها في أدارة الدولة , والتي أثبتت بأنهم ليسوا سوى مجموعة من الجهلة والاميين .


أن أستثمار نص المادة السابعة من دستور الاحتلال ,من قبل القوى الطائفية المتنفذة , وجعلها سوطا في محاربة القوى الوطنية والقومية , الداعية الى بناء العراق الوطني العربي المستقل , أمر يدعوا الى السخرية حقا , لان أي باحث محايد سيجد بأن مضمون المادة المذكورة لاينطبق الا عليهم , فعندما تنص على ( حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي ) , فيقينا أن تجربة سبع سنوات من نهجهم التسلطي , وما عاناه العراقييون من قتل على الهوية بأيدي أجهزة السلطة التي تم تسخيرها للفوضى وليس للامن , وتهجير الملايين من المواطنين خارج الوطن , وأجبار غيرهم على النزوح من دورهم , وممارسة القتل المنظم لكوادر الدولة العراقية , ودعوات متخلفة لدكتاتورية طائفة ضد أخرى , وقوميات ضد أقليليات ,ودين ضد دين , ونداءات لما يسمى تأكيد الذات على حساب المجموع , وأستحقاقات المظلومية الموهومة , وحاكمية الاكثرية , كلها أفعال تدين القائمين عليها بالطائفية والعنصرية والارهاب والتكفير والتطهير العرقي , وحري أن يرفع سوط الاجتثاث بوجههم لاغيرهم , وهم الذين أسست أحزابهم في خارج الوطن ,بأرادات أجنبية هدامة, ووجوه ليست عراقية أو عربية وجرى تدريبهم وتسليحهم وتمويلهم , كي يكونوا أداة لتنفيذ أجندات دولية وأقليمية , بالضد من مصالح الشعب والوطن , لذلك نجدهم يزجون الابرياء في السجون , ولايطلقون سراح حتى من يطلق القضاء سراحه , بينما يتوسطون بين عصابات القتل والاختطاف, التي تتبع دولة أقليمية وبين المحتل , كي يطلقوا سراح رعايا دول أجنبية تم أختطفافهم من قبلهم , مقابل الافراج عن قادتهم المعتقلين,ثم يجري أدماجهم في مايسمى العملية السياسية, بحجة أنهم تخلوا عن العنف وجنحوا للسلم , ويتم نسيان دماء العراقيين الابرياء الذين قتلوا على أيديهم , بعد أن أعطت السلطة صك الغفران لهم , كما حدث مؤخرا مع مايسمى (عصائب أهل الحق ) .


أن صراخ المالكي ( ساستخدم كل الحق الدستوري لمنع هؤلاء أن يعودوا الى السلطة ) , فأنه لايقصد البعثيين وحدهم , بل كل القوى الوطنية القومية واليسارية والاسلامية , وكل النخب الرافضة للنهج المتخلف الذي يقوده , والذي يحرص اليوم على أستمراره في الدورة الانتخابية القادمة , فالاجتثاث المترافق مع الاغتيالات والاعتقالات وأتهام البعث بتفجيرات بغداد الداميه , هي وسيلته الديمقراطية الوحيدة , التي يعول عليها للفوز بولاية ثانية , ويحشد الاخرين خلفها بعد الفشل الذي حصده من ولايته الاولى , لذلك تنافس مع بقية الطائفيين على أن تكون رئاسة مايسمى (هيئة المسائلة والعدالة) , لاحد أعضاء حزبه , كي يبقيها معولا في يده بعد أن أمتهن المنافسة غير الشريفة , وهي دليل على خوائه الفكري , الذي قاده كذلك الى الطلب من وزارة الخارجية لتوجيه رسالة الى الجامعة العربية , لمنع عمل قنوات فضائية لمجرد أنها تحمل أسم الرئيس صدام حسين , أو أسماء عربية أخرى , لمعرفته التامة بأنه لايتربع الا على كومة قش وان دولته ومؤسساته وسيادته , ماهي الا جذوع نخل خاوية .


لقد فات المالكي وغيره من الطائفيين والعنصريين المنتظمين في المشاريع الاقليمية والدولية , والذين يحكمون في المنطقة الخضراء بأمر المحتل ,أن يقرأوا التاريخ القريب وليس البعيد على الاقل ليعرفوا بأن لاسلطان على العقل , وأن الفكرالتاريخي عصي على الاجتثاث , وأن ملاحقته خدمة تاريخية كبرى تقدم له , فتسهل تناسله وتمنحه مزيدا من التوهج في الالباب والعقول , فمحاربة البعث في خمسينيات القرن الماضي , ومحاولة التشهير بشبابه في المحاكم المعروفة لم تنتج سوى أمتداده الى كل مدينة وحارة وقرية,كما أن أعدام السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي لم يتولد عنه غير مزيد من الاصرار والتصميم على النهج , وبذلك فأن تبجح محافظوا النجف وكربلاء والقادسية بأن ( جميع البعثيين في المحافظة عليهم مراقبة مشددة , وتم أستدعائهم الى الدوائر الامنية والاستخبارية ) , لتحذيرهم من أعادة التنظيم , دليل كبير على الخوف الذي ينتابهم , أمام أصرار القوى الوطنية على تغيير الواقع , وهو ماعبر عنه محافط القادسية نفسه قائلا(على الرغم من كل الاجراءات فأن حزب البعث سيعود الى الساحة العراقية من جديد ) , وكان الاجدر بهم أن يسخروا هذه الامكانيات التي يتحدثون عنها , في ملاحقة القوى الوطنية , للنهوض بالواقع الاليم لسكنة هذه المحافظات , وأنتشالهم من البطالة والجوع والمرض والامية وأنتشار المخدرات .


أن التهريج المستمر بالمفاهيم الديمقراطية , وأدعائهم بأنهم يقودون أكبر تجربة فريدة في المنطقة , كان يجب أن يرافقها أستخدام وسائل ديمقراطية شرعية في المنافسة السياسية أن كانوا صادقين في توجهاتهم , وليس التعكز على مؤوسسات تفتقد الى الشرعية القانونية كهيئة مايسمى ( المسائلة والعدالة) التي يعترف نائب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان بأنها (لاصلاحيات لديها لاصدار قرارات كونها لم تشكل قانونا ولم يصوت البرلمان على قانون لتشكيلها حتى الان ) , ويرأسها من أعتقل من قبل الامريكان وهم الذين لاينطقون عن الهوى في العراق , بتهمة تسليم مالديه من معلومات عن البعثيين وضباط الجيش والطيارين الى فرق الموت بغية أستهدافهم .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٣٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور