أزهاق أرواح العراقيين بين أسف الحكومة والقرار الامريكي

 
 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبدالله - باحث سياسي عراقي
هاهي جريمة الغزو الامريكي الصهيوني , تتناسل يوميا في الواقع العراقي , لتنتج لنا مزيدا من ضياع الحقوق , وأهدار الدماء والثروات , والاف من المعتقلين والمغيبين , وأنتشارا وبائيا لقيم دونية , وتكاثرا فطريا ساما لاحزاب أقليمية الرأي والهوى , وأنفلونزا التكتلات المصلحية وغالبية شعبية جائعة , تبحث عن ملجأ في مقبرة , أو في أماكن جمع القمامة , وأيتام بأعداد مليونية , وأرامل تفوقهم مأساة وذلة , وكل ذلك يحدث في وسط ضجيج أعلامي متهالك الحجة مسلوب الارادة , يغني للديمقراطية الرثة , والعراق الجديد المدمي من زاخو حتى الفاو , بعد أن خطف الابصار بريق الدولار المتهالك , ففقد البعض شرف المهنة , كما أفقد البعض من ساسة العراق الوعي , فتنادوا أن يا سواعد القي سلاحك , وياجراح العقي دمائك , فليس لكم بعد اليوم الا المركب الامريكي , فهو الذي يملآ الجيوب , ويلمع الكراسي , والقوا بقيمكم البالية الى سلة المهملات , فلا مكان بعد اليوم لمن يؤمن بالتحرير والعزة والكرامة والشرف ,

 

لانها من مخلفات (النظام السابق) والقاعدة , وتهمة الارهاب جاهزة لمن يدعو الى هذه القيم . لكن الحقائق لاتغطى بغربال , وشواهد التاريخ لاتغيب عن البال , والمستعمر لايبحث الا عن مصلحته , مهما سطر من تصريحات وبنود معاهدات وأتفاقيات , لان كل الاخرين بنظره يبقون مجرد وسائل لهدف يحقق به غاياته , التي هي أعلى من كل الغايات , لذلك ليس مفاجأة أن يسقط القضاء الامريكي التهم الموجهة الى حراس ( شركة بلاك وتر ) سيئة الصيت , الذين تسببوا في مقتل سبعة عشر عراقيا في مجزرة ( ساحة النسور) في بغداد , منتصف سبتمبر من العام 2007 , على الرغم من أن التحقيقات التي أجراها القضاء العراقي , بحضور ممثلين عن السفارة الامريكية في بغداد , قد أثبتت بشكل قاطع , أن حراس الشركة المذكورة , أرتكبوا جريمة القتل ضد أناس أبرياء .


أن الاثار المادية والمعنوية الكارثية للاحتلال الامريكي ,والتي تطل برأسها على الشعب العراقي يوميا , تذكر العراقيين جميعا بأنهم قد أصبحوا مواطنون من الدرجة العاشرة في بلدهم , أمام القانون الامريكي المدني والعسكري , فلا حرمة الا لدماء جنودهم , ولاحياة الا لمرتزقتهم , ولاكرامة الا لحامل جنسيتهم , ففي الوقت الذي يرفض فيه القضاء الامريكي تجريم هؤلاء الذين أجرموا بحق مواطنين أبرياء وعزل , بينهم أطفال وشيوخ ونساء , تنكس الاعلام الامريكية لمقتل سبعة ضباط من وكالة الاستخبارات الامريكية , في مقاطعة خوست شرق أفغانستان , ويعبر الرئيس أوباما عن تعازيه الى العاملين في تلك الوكالة ويصف أعمالهم بالبطولية , بينما يعرف العالم أجمع الدور القذر الذي تمارسه هذه المؤسسة , وما هو الواجب الموكل لهؤلاء الذين قتلوا في أفغانستان .


وفي الوقت الذي يكون فيه الموقف الامريكي موغلا في الازدواجية , كما عرفناه خلال عقود طويلة , وأبعد مايكون عن العدل وأنصاف الابرياء العراقيين , يطل علينا الناطق الرسمي بأسم الحكومة العراقية , والذي سبق وأن وصفه الرئيس السوري ب(العبقري) تهكما , ليعبر عن أسف حكومته لقرار القضاء الامريكي بأسقاط التهم عن المجرمين , مسجلا براءة أختراع بأسمه وبأسم حكومته بعد أن أكد بأن (حراس بلاك ووتر أرتكبوا جريمة القتل وخرقوا قواعد أستخدام السلاح من دون وجود أي تهديد يستدعي أستخدام القوة ) , وكأن جريمة أغتصاب الطفلة العراقية (عبير) وقتلها , وقتل عائلتها , وحرقهم جميعا , كان بسبب وجود تهديد , أستدعى أستخدام القوة , وكذلك جريمة حديثة التي قتل فيها الامريكان أكثر من عشرين فردا من عائلة واحدة , وأغتصاب الرجال والنساء في سجن أبو غريب , وجرائمهم في بغداد والانبار والموصل والنجف وواسط وديالى وكل أنحاء العراق , حتى وصل عدد الشهداء الى مايقرب المليون ونصف المليون , كانت كلها بسبب وجود تهديد من هؤلاء الضحايا , أستدعى أستخدام القوة , ولم يسجل فيها أي خرق من قبل الجانب الامريكي لقواعد أستخدام السلاح , لذلك ران صمت الموتى على أفواه وبصائر السلطة في المنطقة الخضراء , ولم نسمع منهم مايشفي غليل الدماء الطاهرة والارواح البريئة,ثم يسترسل (الدباغ) في سرد أجراءات حكومته وهو الذي لاينطق عن الهوى , مؤكدا ب( أن الحكومة العراقية ستتابع أجراءاتها بكل حزم وقوة لملاحقة الجناة من الشركة المذكورة , وحفظ حقوق المواطنين العراقيين من الضحايا وعوائلهم والذين تضرروا من هذه الجريمة ) , دون أن ينورنا نحن أهالي الضحايا , عن ماهية السبل التي ستعتمدها حكومته في أحقاق حقوقنا , وملاحقة الجناة ؟ هل بجهاز مكافحة الارهاب الذي زعموا بأنه من أفضل سبعة أجهزة في العالم والذي يقوده زعيم دولة القانون , يعتقل به ضباط الجيش العراقي السابق الذين يرفضون الولاء للعملية السياسية وسلطة الاحتلال ؟ أم ببقية الاجهزة الامنية والاستخبارية التي تداهم وتعتقل الكوادر الوطنية العراقية , وقادة المقاومة , والتي تم في حصنها المنيع , حصول الاحد والثلاثاء والاربعاء الدامية ؟ أم أنهم سوف يغلقون السفارة الامريكية الاكبر في العالم , والتي تتجسس عليهم ليل نهار , للضغط على الامريكان لتسليم الجناة ؟ أم بالغاء الاتفاقية الامريكية-العراقية ؟


لقد غاب عن ذهن (الدباغ) والذي يتحدث بأسمهم , بأن الدمى لايحسب لها حساب , وأن أصنام المحتل تبقى مجرد أصنام أعجز من أن ترد بعوضه , وأن العبيد يبقون عبيدا لسيدهم مهما نفخ فيهم , وأن وجودهم الفاعل هو لرد أذى بني قومهم عن سيدهم الجائر,لذلك سمعنا ورأينا فعلهم


بالصحفي العراقي الذي تجرأ وأهان مرجعهم الاكبر بوش سيد البيت الابيض السابق,بل لاحقوه الى خارج العراق , وحاولوا الرد بنفس الاسلوب , لاثبات ولائهم وتقديم فروض الطاعة , كما قدموا فروض الولاء لمرتزقة سيدهم القتلى,في مقبرة واشنطن حاملين أكاليل الزهور ,وتبرعوا لانشاء نصب تذكاري لاخرين غيرهم في بريطانيا , بينما ينحني رئيس الوزراء الايطالي مقبلا يد حفيد القائد العربي عمر المختار , معتذرا له عن فترة الاستعمار , وأعدام جده قبل أكثر من سبعين عام , بعد أن فرض قادة ليبيا ذلك عليه كرد أعتبار للشعب العربي في ليبيا , عن الظلم الذي وقع عليهم .


لقد تعالت صيحات المواطنين العراقيين معيبة على (قادة العراق الجديد) , أستمرارهم في مناصبهم , وعدم تقديمهم أستقالاتهم , بينما قتل المئات في تفجيرات الاحد والثلاثاء والاربعاء الدامية , وهاهي الاصوات تتعالى مرة أخرى معيبة عليهم نفس الموقف , وهم يتفرجون على أستهزاء المستعمر بدماء أهلهم التي سالت في ساحة النسور ببغداد , بينما يرفعون شعارات


( يالثارات الحسين ) و(لعنة أمة قتلت حسين ) , وأيديهم مغلولة عن أي فعل مادي أو معنوي أو باللسان أو حتى بالقلب يرد جزء بسيطا من كرامة شعبهم المهدورة يوميا , تحت أحذية وعجلات وطائرات الجيش الامريكي , وشركات المرتزقة الامنيين , ويثأر لدماء أبريائهم , بل لم نكن نتوقع أن يستغل الهاشمي رئيس قائمة تجديد , هذه الحالة لتوسيع رصيده الانتخابي , ويستقيل من منصبه أحتجاجا على موقف القضاء الامريكي , فيجدد الحياة السياسية , ويشرع ببناء تاريخ سياسي جديد له, بعد أن تلوث كل تاريخه بالعملية السياسية , أو يستقيل ( زعيم دولة القانون ) منتفضا لكرامة شعبه , فيحصد الاصوات الانتخابية , ويفرض أحترام دولته القانونية , على أعداء شعبه ويقتص بقانونه منهم , بل لم نتوقع أن يختم (كبيرهم) الطالباني حياته السياسية , ويستقيل من منصبه أحتجاجا على الموقف الامريكي , فيهب العراقيين لانتخابه رئيسا لهم مدى الحياة, بل كنا يائسين تماما من أن يستقيل رئيس (البرلمان) أحتجاجا على مالحق بمن يمثلهم , لانه ببساطة تامة مواطن بريطاني لاعلاقة له بشعب العراق .


لقد صدق رسول الله ( ص) وهو القائل ( وجد الامام ليؤتم به ) , وهؤلاء أبعد مايكونوا أئمة لاهل العراق , وهم أعرف بأنفسهم بأن لايوجد من يؤتم بهم , سوى اللصوص وسراق المال العام وممتهني الدعارة السياسية وشيوخ الدولار , لذلك عزلوا أنفسهم في المنطقة الخضراء .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٣ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٩ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور