ها قد أنطلقت حملات
التعريف بالمرشحين لما تسمى (الانتخابات البرلمانية) , في ظل أجواء
سياسية وأقتصادية وأمنية وأجتماعية كارثية , أفرزتها ( ثورة الاصابع
البنفسجية ) التي سودت صفحات المنتخبين السابقين , ونقلت العراق الى
مراكز متقدمة في أحصائيات الفساد المالي والسياسي والتعليمي والصحي ,
وصبغت أيامه بمزيد من الدماء وعظمت معاناة أهله من الجوع والمرض
والتهجير والنزوح والتغييب والتعذيب والتهميش , ومع ذلك لازال (قادته
ونوابه ) يتبجحون بعصرهم الديمقراطي الذهبي , وبما أرسوه من أسس مايسمى
دولة القانون وبغية أستمرار التسلط والاثراء اللامشروع وسيادة دولة
الطائفة والحزب والقبيلة والمذاهب
فقد بدأت صفحة جديدة من صفحات (العملية السياسية ) سيئة الصيت وأستعرت
حملة التنافس مرة أخرى , وأتقد أوار الحرب الضروس , بين الحلفاء
السابقين أنفسهم , والاعداء السابقين أنفسهم , بين الاجندات الاقليمية
والدولية , وحتى بين اجهزة المخابرات العالمية , والقاسم المشترك
الاعظم بين الجميع , هو من يكسب أكثر لصالح تعزيز موقف أسياده
الستراتيجي والتكتيكي , على حساب مصالح الوطن ومستقبل أجياله ,
فالغالبية بيادق جرت المراهنة عليهم بعد أن باعوا ضمائرهم في سوق
النخاسة , وأرتضوا أن يكونوا عبيدا من أجل حفنة دولارات , وقسم أخر
لازالوا يمنون أنفسهم بدرء المفاسد , وأصلاح المفسدين , وتقويم
مايسمونه أعوجاجا في ( العملية السياسية) وأنها أمر واقع يجب التعاطي
معه , على الرغم من المشاهد اليومية التي يراها الاعمى قبل المبصر ,
والتي تشير الى عقم التجربة , وسرطانية الحالة , حتى باتوا بحكم
المشتركين بكل الجرائم التي حصلت , والدماء البريئة التي هدرت ,
والاعراض التي أنتهكت , والثروات التي سرقت .
وأمعانا في الحفاظ على المصالح الامريكية في العراق , وأستثمار مادفعه
الامريكان من دماء وأموال وسمعة دولية وهيبة عالمية مرغت في الوحل
العراقي , وحرصا منهم على الخروج من هذا المستنقع وأيجاد حلول لمشاكلهم
في العراق , وليس مشاكل العراق التي حلت عليه بغزوهم , فقد تحركت
الادارة الامريكية لفض الاشتباك بين حلفاء (العملية السياسية) وهم على
أبواب( ثورة بنفسجية) أخرى , كي لايربكوا التخطيط الاميركي القاضي
بالانسحاب المسؤول
فأستدعت برزاني وعبدالمهدي والهاشمي الى واشنطن , وأرسلت بايدن الى
العراق , وحركت سفيرها , في محاولة لتهدئة الموقف وتكرار تحذيرها لهم ,
بأنها سوف تنأى بنفسها عن الوقوف معهم في حالة أنحدارهم الى حرب طائفية
جديدة , وأن منظومة (توازن الرعب والمصالح والحصص) التي أنشأ تها بين
ما يسمونه (المكونات العراقية) يجب أن تبقى سارية المفعول , لان هذا
التوازن هو الذي سيبقي الجميع في حاجة مستمرة اليها , ويضمن أستمرار
ولاء الدمى لها , فهي أصبحت على قناعة تامة أن نظام الطوائف الذي أرسته
قبل سبع سنوات قد أصبح واقعا سياسيا قائما , وأن تعاملها مع كل
الافرازات الناشئة عن الحرب الباردة بين زعماء الطوائف , يجري اليوم
على هذا الاساس , لكن أزمة الاجتثاث الاخيرة كشفت للامريكان بأن نظام
التوازن قد أختل , وأن بعض الاطراف تحاول اللعب بموازنة المعادلة ,
مستندين على قوة حليفهم الايراني , الذي أوصله الغرور حد التحكم بمن
يدخل العملية السياسية ومن الذي لايسمح له بالدخول , من الذي يشارك
بالانتخابات ومن الذي لايحق له المشاركة , بينما أصبح الطرف الذي دخل
بفعل الارادة الامريكية مهمشا ولاغطاء دولي له , بعد أن فشل في قراءة
الواقع جيدا , ونسي المعادلة التي تقول بأن تحالفات المحتل مع الوجوه
المحلية دائما مرحلية سرعان مايتخلى عنها وعمرها قصير بعمر الزهور ,
لذلك لن ينفع المجتثين من (العملية الانتخابية) لجوئهم الى الامم
المتحدة , والادعاء بأن وجود العراق تحت البند السابع يفرض عليها
التدخل , كما لن يجدي توسلهم بالادارة الامريكية التي بينت لهم من خلال
موقفها البارد من أحتلال حقل الفكه النفطي , بأنها غير مستعدة للتضحية
بمصالحهما من أجل الاخرين , والضغط من أجل قبولهم , بل أنهم اليوم
لايعارضون صعود رئيس وزراء جديد محسوب على أيران من أجل زيادة التفاهم
مع قوة الاحتلال الاخرى .
أما الطرف الايراني فقد أستنفر قواه في فيلق القدس , الذي أوعز لكل
الدوائر المسؤولة عن مايسمى (الانتخابات) بالعمل على أجتثاث كل صوت
عارض المنهج الايراني , أو وقف مع معاناة معسكر أشرف , أو شارك في
الحرب العراقية –الايرانية , أو أمن بعروبة العراق ووحدته , بل حرك كل
خلاياه النائمة واليقظة في دوائر الدولة والجامعات والمدن والقرى
والمساجد والمواكب الحسينية , وأوعز لعناصر(أطلاعات) سواء من كان منهم
بصفة دبلوماسية أو بصفات أخرى , للعمل وفق هذا التوجيه , بعد أن أصبح
العراق مشمولا بما يصدر عن (هيئة تشخيص مصلحة النظام) , التي تعدت
مسؤوليتها الداخل الايراني الى الداخل العراقي , لتشهر (الفيتو) ضد كل
من لايدين بالولاء للمصلحة الايرانية العليا , فهم لايريدون حكومة
صديقة لهم في العراق , بالمعنى المتعارف عليه في العلاقات الدولية ,
لتحقيق مصالح بلدهم الطبيعية , ولتطوير العلاقات بين الشعبين العراقي
والايراني , بل يريدون حكاما تابعين يأتمرون بأوامرهم وينفذون أجنداتهم
, ويحققون مصالح أيران في العراق على حساب مصالح العراق والامة العربية
, ويجعلوا منه ولاية تابعة لهم , وأن أي وضع سياسي مغاير لهذا المنهج ,
أنما هو تهديد مباشر لمصالح الطبقة السياسية الحاكمة اليوم في أيران ,
ولمنهجها القومي العنصري الساعي لجعل كل الطموحات المستقبلية لشعوب
المنطقة , وقودا لطموحاتهم في جعل أيران قوة أقليمية أستعمارية تفرض
أملاأتها وشروطها على المنطقة , لذلك جائت تصريحات الرئيس الايراني
الاخيرة , التي أكد فيها الرغبة الايرانية بأستبعاد البعض من
الانتخابات العراقية , لتفضح المنهج الايراني المقرر من قبل أعلى
المستويات , والقاضي بالتحكم بالارادات السياسية لشعوب المنطقة .
أن الرغبة الايرانية بتحكم فئة سياسية محددة محسومة الولاء لها في
العراق , جعلها تشرع في تفتيت القوى السياسية الاخرى , بغية صد أية
محاولة لتشكيل أغلبية (برلمانية) قد تؤثر على الهيمنة السياسية
للتابعين لها , لذلك شرعت بالاجتثاث , وساندت التفتيت للحركات الكردية
وحيدت بعض تيارات جبهة التوافق , الذين كان صوت بعضهم في مسألة
(المجتثين ) الاخيرة , مجرد رجع صدى لاصوات حلفاء أيران , لكننا يجب أن
نشير هنا الى مسألة غاية في الاهمية الا وهو ضرورة عدم الوقوع في الخطأ
الستراتيجي الذي يسعى البعض التهريج له , وهو أبراز خطورة المشروع
الايراني على المشروع الامريكي في العراق , فالاخير هو الذي فتح
الابواب والنوافذ للاول , وهو الذي مكنه من التوغل والتغول في المشهد
العراقي , وهو الذي أستخدمه لاحداث الفوضى الخلاقة , وكان أباه الروحي
في كل جرائمه التي حدثت في العراق .
وأمام الموقفين الامريكي والايراني , يأتي الدور العربي معدوما أو
كليلا الى حد لايمكن وصفه والتعويل عليه , فقد ران الصمت المطبق على كل
المسؤولين العرب , وكأن العراق ليس بلدا عربيا , وليست له حدود مع
أربعة دول عربية , ولم يكن في يوما ما عمقا ستراتيجيا لكل الدول
العربية مشرقية ومغربية , ولم يكن قطرا محوريا تحمل شعبه وزر الهم
العربي على مدى مئات السنين , فلقد أنقسم الموقف العربي الى نوعين ,
قسم يخشى التفاعل مع القضية العراقية خشية من الغضب الايراني , وخوفا
من أن يحرك النظام خلاياه النائمة فيضطرب الامن في بلده فأثر الصمت ,
وقسم أخر في حلف أمريكي , ينتظر مايقرره له الامريكان من خطوات يتحرك
وفقها , أما الجامعة العربية فقد أشبعنا السيد عمرو موسى عبارت بليغة ,
من مثل ( أحتلال العراق خط أحمر , والطائفية خط أحمر , والاجتثاث خط
أحمر , وتزوير أرادة العراقيين خط أحمر) فأحتل العراق, وسادت الطائفية
فيه , وأجتث الوطنيون فيه وزورت أرادة أبنائه , ولم نجد من أمين عام
الجامعة العربية ولا خطوة خضراء واحدة , بأتجاه تصحيح الوضع العراقي .
لقد تمنينا على أصحاب الجلالة والسيادة والفخامة والسمو , أن يبذلوا
عشر الجهد الذي بذلوه في تمهيد طريق أحتلال العراق , كي يسندوا الجهد
العراقي المقاوم , ويوفروا له غطاءا عربيا ينموا في كنفه , كما فعلوا
ذلك في مقاومة الاحتلال السوفيتي لافعانستان , لكننا نعرف أنهم
لايتحركون الا بأوامر مرجعهم البيت الابيض .
|