البعثيون بين خياري الجلاء أو الدفن في النجف

 
 
 
شبكة المنصور
د. عمر الكبيسي - كاتب عراقي
لست بعثياً أو تكفيرياً أو إرهابياً أو طائفياً لكنني طبيب عراقي مستقل مسالم هالني ما قرأته في بيان مجلس محافظة النجف المتضمن إعطاء فرصة يوم واحد للبعثيين في المحافظة بالجلاء أو بتعريض أنفسهم للإجراءات والعقوبات وهذا الخبر نشرته صحف ووكالات عراقية وعربية وأجنبية عديدة بسرعة وخلال ساعات تتناسب مع فترة الإنذار الممنوحة.


يا لهول الكارثة أن صدق الخبر وخبر كهذا لا يمكن أن يلفق بلا أسبقيات وإلا لماذا تختار النجف والمكتب الإعلامي لمجلس المحافظة يصدر بيان المجلس مع تصريح للشيخ قايد الشمري يؤكد النبأ كما ظهرت على شاشات الفضائيات مظاهرة في الناصرية تطالب بإنزال العقوبات على البعثيين. سيقول البعض لماذا التعجب ولماذا الهول الم يرتكب البعثيون احداث الإتنفاضة الشعبانية والمقابر الجماعية ؟ وهذا الجواب جاهز نسمعه من ساسة ومعممين وقادة أحزاب دينية طائفية حاكمة طيلة السنوات التي أعقبت الغزو وعدَّ مبرراً لهم لجلب الغزاة والمجيء معهم ومن ثم قتل البعثيين وإصدار قانون اجتثاثهم ! ولا انكر هنا اني سمعت ما صرح به السيد عمار الحكيم في اجتماع له في الأردن من أن البعثيين عراقيون لهم كل الحقوق والضمانات التي يتمتع بها العراقيون ويستثنى منهم من اقترف جرائم يحاسب عليها القانون واعتبرت ذلك نقطة تحول وبادرة جيدة منه ولا ادري اذا كان مجلس محافظة النجف وهيئة المساءلة قد بلغها هذا التصريح ام لا. وللإجابة على من يثيره العجب لردة فعلي هذه أقول:


أولاً: في ظل تشريع قانوني الاجتثاث والمساءلة والعمل بالدستور المكتوب والذي لم يعدل وفي ظل حكومة دولة القانون لماذا لم يقدم هولاء القتلة والمجرمون الى المحاكم طيلة السنوات التي مرت ولم تدرج أسمائهم ضمن المحاكمات التي تجرى حالياً في المحكمة الجنائية الخاصة أو المحاكم العراقية الأخرى؟


ثانياً: إذا كان النواب السابقين الذين يجتثون اليوم بعد إكمالهم دورة كاملة في مجلس النواب إرهابيين أو مثبتة عليهم جرائم تتعلق بإزهاق الدم أو الإثراء على حساب المال كما هو معلن العام فلماذا لم تثار هذه الدعاوى خلال الفترة المنصرمة وتثار اليوم وإذا كان السيد اللامي يتوعد بإحالة من اجتثوا من المرشحين الجدد والنواب السابقين على المحاكم خلال الشهرين القادمين ألا يعني ذلك أن لديه من الوثائق ما يدينهم جاهزا فلماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟ وقبل الانتخابات؟ ألا تشكل هذه الإجتثاثات والإجراءات والمظاهرات والتهديدات نذر ومقدمات لإثارة الفتنة والاقتتال ونمط من أنماط الاستئثار بالحكم وإعادة العراق بين كماشتي احتلالين واجواء العنف والإرهاب.


ثالثاً: إلا يمثل البعثي القيادي أو القائد العسكري أو المسؤول بدرجة وظيفية رفيعة في زمن حكم البعث من الذين لم يثبت ارتكابهم جريمة بحق الدم أو المال العام رجال دولة مجربون بنزاهتهم  ونظافة سجلهم خلال فترة عملهم ؟ أليسوا اشرف وأفضل وأنزه ألف مرة من الذين جاءوا مع الاحتلال بحجة إسقاط النظام وإقامة دولة الديمقراطية والقانون وانقلبوا بعد سقوط النظام الى قتلة وسرَّاق وميليشيات وعصائب ومجاميع خاصة وهؤلاء هم الأحق بالاجتثاث والمحاكمة قبل غيرهم: شتان بين من حكم بالأمس وبقيَّ نزيهاً ونظيفاً وبين من يحكم اليوم تحت شتى المسميات وثبت فساده وعدم نزاهته واندراجه بمسلسل القتل والخطف والثارات أليس من قبيل المفارقة أن يجتث النزيه ويستوزر السارق والقاتل.


رابعاً: إذا كان مجلس محافظة النجف لديه وثائق تدين البعثيين في المحافظة فلماذا لا يصدر أمراً باعتقالهم بدلا من أن يروع عشرات الإلوف لكل من كان له بالبعث صلة وعوائلهم؟ والى أين يريد السيد الشمري أن يهجر هؤلاء المروع بهم؟ ألا يتضح من هذا القرار أن الهدف الأهم لدى هذا المجلس هو حرمان الناخبين من المشاركة بالانتخابات القادمة وبأي ثمن تحت شعار الانتخابات أولاً.أم المقصود أن تتضاعف أعداد الشهداء والمعتقلين والمهجرين؟ ولماذا هذا الأجراء يعلن في النجف الإشرف مدينة العلم والحكمة والمراجع الكرام دون غيرها أليس اختيارها كأول محافظة مهتمة بهذا الإجراء إيذاناً لتعميمه على عموم العراق.


سادساً: عمليا هل استطاع نظام البعث بكل قوته وأجهزته الأمنية إبان عقود حكمه اجتثاث حزب الدعوة بقوانين وعقوبات؟ هل يستطيع ساسة الأحزاب والتيارات الدينية أن ينتقوا من فكر البعث أو من دستور حزبه مادة واحدة أو فقرة فكرية تبرر إجتثاث الحزب فكرياً؟ وهو حزب حاكم أ وشريك سياسي على امتداد الساحة العربية بنفس الفكر والدستور منذ تأسيسه قبل أكثر من ستة عقود من الزمن.


سابعاً: ماذا يعني لمن تشبع بفكرالبعث لعقود من الزمن أن يجبرعلى توقيع براءة من الحزب؟ ألم يثبت فشل هذا الأسلوب من خلال تجربة الأنظمة السالفة التي سميت بالقمعية مع الشيوعيين والبعثيين والدعويين وغيرهم من قبل؟ 


ثامناً :ما الهوية التي ستمنح لأكثر من أربعة ملايين بعثي إذا كان كل بعثي مشمول بخيار التهجير أو التعزير؟ وماذا يعني لكم الاجهار بالمعاداة والمقاضاة لهذا العدد الضخم من العراقيين.


تاسعاً: إذا كان الانسحاب أو الاستقالة الطوعية من حزب البعث لمن يحمل مسمى بعثي سابق بسبب تحفظات او قناعات محمية خلال فترة حكم الحزب لا يأمن من الحساب والعقاب والمتابعة ويخضع للإجتثات كحال الدكتور المطلك والدكتور علاوي وغيرهم ممن شاركوا في العملية السياسية وشاركوا بكتابة الدستور وسن القوانين والاتفاقيات فهل ستؤهل اليوم ورقة يوقعها بالإكراه والإجبار من الذين تجتثوهم اليوم من المرشحين الجدد للعمل معكم لسنوات قادمة بشراكة جديدة؟


عاشراً : من الواضح أن الحاكمين اليوم في العراق اعتادوا في طريقة حكمهم واجراءاتهم وتصريحاتهم وتنظيرهم على الازدواجية في المعايير والتعابير والقيم واختلط عليهم النابل بالحابل حتى لم يعد للناس مصداقية او ثقة فيما هم فاعلون او قائلون قالواعن الاحتلال والغزو تحريرا وعن الارهاب والعنف حرية وعن التزوير والخداع انتخابات وعن الاقتتال والاجتثاث مصالحة ويهتفون باسم الدين ويمارسون من خلاله الطائفية والتكفير والتبرير وفي الوقت الذي يعقدون فيه اتفاقية سموها أمنية تهدف لرحيل القوات الامريكية كما يدعون يفتحون الحدود والمدن لاحتلال آخر بدأ بتنفيذ مخطط الارهاب والقتل والخطف وباحتلال حقل الفكة.


آخر ما ابتدعت عقول الحاكمين هو تبني سياسية الاجتثاث للشركاء داخل العملية السياسية واجتثاث المعارضين والمناهضين تحت لافتة اجتثاث الصداميين والبعثيين ومن هنا بدأوا بسياسة التهجير والتعزير من جديد والتي جاءت باكورتها الجديدة في بيان مجلس محافظة النجف الأشرف مما يؤكد انه لم يكن بيانا ملفقا اوعفويا وانما مقصودا ومتعمدا لتعميم ما يهدفون اليه في المحافظات الأخرى ألا ساء ما يفعلون.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٨ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٣ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور