عرض كتاب  - المحامي خليل الدليمي

( صدام حسين من الزنزانة الأمريكية هذا ما حدث )

﴿ الحلقة العاشرة ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

الفصل الثاني عشر

 

الاستاذ خليل يطلق على هذا الفصل مسمى ديمقراطية الذئاب، وأنا بدوري أطلق عليه مسمى ديمقراطية الخنازير... خنازير الفرس والمغول ومن لف لفهم من أذنابهم المحتلين، فقد كان المكتب الوحيد لهيئة الدفاع يقع في الرمادي حيث يقيم المحامي، وايضا كان من الصعب على فرق الغدر المجوسية التابعة لدولة السموم الفارسية اختراق هذه المدينة البطلة لأنهم أصلا لا يجرؤون على الاقتراب من عرين الأسود... وفي يوم ما من شهر آذار عام 2005 أوقفه صباحا حاجز للمارينز، بينما كان في طريقه إلى الشمال من الرمادي، فتقدم منه أحد خنازير فيلق الغدر الذين يرتدون ملابس ما يسمى مغاوير الداخلية وطلب منه النزول وراح يفتشه بدقة طالبا منه الافصاح عن نفسه، ذلك أنه قرأ على جواز سفره أختام الدخول إلى سوريا والاردن... أدخلوه إلى مكتب ضابط أمريكي، فطلب منه الجلوس أمام جهاز الفحص، وسأله عمن يكون، فرفض المحامي الاجابة حتى إخراج جميع الخنازير الفارسية المجوسية التابعة لابن العقور الزنيم التي كانت متواجدة في الغرفة، فخرجوا جميعا بعد أن أمرهم سيدهم الأمريكي... وحين خلا الجو للاستاذ خليل، تحدث للضابط عمن يكون، وأخبره أنه أخفى شخصيته لأن هؤلاء من خنازير فيلق الغدر وربما يؤذونه حين يعرفونه ويعرفون المهمة التي يتولاها... فاتصل الضابط بقائده الأمريكي الذي طلب منه احضاره له على الفور مع التوصية بمعاملته معاملة لائقة.... وحين وصل المحامي الى مكتب القائد العسكري رحب به وقام بدوره بالاتصال بالسفير الامريكي في بغداد للتأكد من هويته... وحين تأكد من هو ومن يكون، اعتذر منه طالبا منه تناول وجبة غذاء معه... فاعتذر الاستاذ خليل وطلب الاذن بالانصراف.... فطلب القائد العسكري من أحد الضباط مرافقته إلى النقطة التي جاء منها...

 

اقول...

 

انا سأبقى أردد هذه الجملة حتى قيام الساعة... إيران أخطر على العراق وعلى العرب والعروبة أكثر من خطر اسرائيل بمليون مرة... والاحتلال المجوسي الفارسي الكسروي للعراق يهون أمام الاحتلال الامريكي... ومعاملة الامريكيين للشعب العراقي على قساوتها وقذارتها... إلا أنها تقل قليلا عن قذارة وسفالة وحقارة الفرس المجوس ومعاملتهم الحقيرة لأبناء الشعب العراقي المجاهد... وليذهب عملاء الفرس إلى الجحيم وهم يقرأون هذا الكلام...

 

ثم يتحدث المحامي خليل عن أنه أحضر للشهيد ساعة من العائلة وملابس شتوية ونظارات شمسية وعلب السيجار... وقد أعطاه الشهيد ساعته القديمة لاصلاحها... لكن خنازير الفرس فبركوا قضية حول هذه الساعة مثلما فبركوا قصة كسر ضلع الزهراء رضي الله عنها وأرضاها... فادعى أحد المستشارين ذوي الاصول العراقية والتابع لهم، أن المحامي خليل وضع فيها جهاز تسجيل الكتروني.. وهذا خرق للقوانين وأنه سيساعد الاستاذ خليل لتجاوز هذا الاختراق إذا ما توقف عن مناداة الشهيد بكلمة سيدي!!! وقد تبين فيما بعد أن الساعة أخذت إلى دولة السموم الفارسية ليوضع فيها جهاز التسجيل المزعوم... وقد أخبر الاستاذ خليل الكابتن مايك ماكوري عن هذه الواقعة...

 

كيف عاملوا الشهيد ؟

 

محكمة بروكسل الشعبية أصدرت بيانا جاء فيه، أنه يجب اثبات حقيقة تقول أن السيد صدام حسين هو أسير حرب لأنه كان القائد العام للقوات المسلحة العراقية خلال الحرب التي قامت بها أمريكا ضد العراق!! لكن.... هل عومل الشهيد بهذه الصفة ؟ أي هل عاملوه كأسير حرب ؟ هل عاملوه كما عاملوا سلوبودوان ميلوسيفيتش مثلا ؟؟

 

الجواب حتما لا...

 

لكن لم الاستغراب ؟؟

 

الحقيقة، بالنسبة لي أنا، لم أستغرب أي خبر قرأته عن الاساءة للشهيد أو اي أحد آخر من رجالات العراق، سواء الشهداء طه وبرزان وعواد ومحمد حمزة، أوغيرهم من الاسرى الابطال الحاليين، إن كان أثناء لحظات الاعتقال، أو من قبل هؤلاء الذين سموا أنفسهم قضاة (سواء المسخ الخروف أو هذا الساقط الشاذ اللا عريبي... أو من سمى نفسه ممثل الادعاء.. المو.... سوي...) يعني علينا قبول حقيقة ثابتة أن الشهيد وباقي الشهداء والرجال وقعوا أسرى بيد عدو حاقد ليس له ذمة أو ضمير أو شرف أو نخوة... فرس... ما الذي نرتجيه من فرس مجوس... فرس كسرويين مجوس خمينيين... جرعهم الرجال كأس السم الزعاف، ودعسوا على رأس كبير السحرة فيهم، الخميني الملعون، وأذلوا جيشهم، وكسروا شوكتهم، ودمروا بينانهم من القواعد، وأذاقوهم الهزائم المنكرة... ولم يقف الأمر هنا، بل إن أجداد هؤلاء الرجال كسروا رقاب أجداد أولئك الفرس مرتين أو أكثر عبر التاريخ... إذن والحال هذه... ما بالك بالحقد الدفين في قلوبهم حين يظفروا بواحد من هؤلاء الأبطال ؟ ألم نقرأ جميعا الآية القرآنية التي تقول: كيف وإن يظهرو عليكم... إذا كان رب العالمين حذرنا منهم... فماذا بعد هذا التحذير ؟؟

 

يا أيها القراء...

 

حتما تتذكرون ميلوسيفيتش.... هل تعرفون كيف كان يعيش في الزنزانة ؟؟ كانت زنزانته أشبه بفندق خمس نجوم!! الصحف والمجلات المختلفة تأتيه كل يوم، تلفزيون بمحطات فضائية منوعة، انترنت، زيارات عائلية منتظمة، غرفة نظيفة، حمامات يقوم عليها خدم، حلاق خاص، مكوجي للملابس...... قارنوا – بالشكل فقط – بين ظهوره أمام المحكمة، وبين: كيف أظهروا الشهيد رحمة الله عليه أمام ما يسمى محكمة ؟؟ وكما يقال باللهجة العراقية.... وبس لحد هنانة....

 

نعود إلى الكتاب...

 

حين سأل المحامي خليل الشهيد عن أنه كيف عاملوه حين أوقفوه وفقا لاتفاقيات جنيف، أجاب:

 

إني لأعجب يا ولدي خليل كيف يتكلم هؤلاء عن الديمقراطية وحقوق الانسان... لقد تعاملو معي بقسوة شديدة، منذ اليوم الاول لاعتقالي.. عذبوني بشدة وضربوني ضربا مبرحا أتى على أجزاء مختلفة من جسدي من جراء الكدمات والرضوض، وخاصة في الساق... هؤلاء همجيون لايمتون إلى الانسانية بصلة... حاولوا بشتى الوسائل الاساءة لي وإيذائي نفسيا.. لكن قوة عزيمتي وايماني بالله منحني صبرا لاحدود له... كنت اعاني من طول شعر رأسي وذقني، فقد حلقوا شعري مرة واحدة بماكينة سببت لي حساسية... وحين طلبت منهم مقصا صغيرا لتشذيب الذقن رفضوا بحجة أنهم خافوا أن انتحر... قلت لهم ان ديننا العظيم يحرم علينا الانتحار وليس صدام من ينتحر...

 

لكن تغيرت معاملتهم معي بعد زيارتك الاولى لي، بعد أن هددتهم أنت يا استاذ خليل بفضحهم في وسائل الاعلام... فبدأوا يحضرون حلاقا كل فترة... وفي مرة مزحت مع أحد الضباط وقلت له لم لا تترك المقص عندي لأرتب نفسي... وأعدك بألا أنتحر، واذا خفتم على جنودكم فلن أضرب أحد، فأنا قائد ورئيس أسير ولن أستخدم يدي إلا في حالة واحدة وهي إذا زارني بوش، ولن أعطيه الأمان، عندئذ عليكم أن تنتبهوا لأنني قد أضربه فهو عدوي... دعوه يأتي ولا تخافوا عليه...

 

أنا لاأعرف ما يدور في الخارج لأنني معزول تماما فهم يمنعون عني كل وسائل الاعلام بشكل متعمد.. من يصدق أن أمريكا تمنع الصحف والتلفزيون عن صدام حسين.؟؟

 

بدأت علاقتي ببعض الحرس تتغير، فقد كنت أحدثهم عن العراق، ولاحظت أنهم يتقربون مني، وكانت تبدو عليهم الدهشة وأنا أحدثهم عن العراق... وقال لي أحدهم أن بوش خدعنا وهو كذاب... وكل مرة تتوطد العلاقة بيني وبين الحرس كانوا يقومون باستبدالهم بمجموعة أخرى... كنت أقول لهم أن لاعداوة بيننا وبين الشعب الأمريكي... وإنما العداوة هي حكومتكم...

 

في أحد الايام اخرجوني قرب بحيرة النور، فجأة سقط صاروخ أطلقه أبطال المقاومة باتجاه البحيرة، فجاء الحرس مسرعين واصطحبوني إلى الداخل خشية علي.. لكني كنت سعيدا بهذا الصاروخ، وقلت لاتخشوا علي من شعبي... وكنا نتبادل الاحاديث فأجدهم ممتعضين من كذب حكومتهم عليهم... وكانوا يقولون بأنهم غير راضين عن غزو العراق حيث يقتل زملاؤهم كل يوم... كانوا يحنون إلى وطنهم وعوائلهم....

 

وفي يوم أخر كنت قادما لمقابلتك هنا، فأخبروني أنني اذا تعرضت لعملية ارهابية فإنهم سيحمونني بأجسادهم، لكني قلت لهم لا تخافوا علي من شعبي... عندما يتحرر العراق وتعود الحياة الى وتعودون إلى بلادكم فإني أدعوكم لزيارتنا... وقد فرحوا بهذا الكلام ووعدوني بتلبية الزيارة...

 

كانوا يطلبون توقيعي للاحتفاظ به، وكانوا يختزنون صوري على هواتفهم المتحركة، وكان أحدهم، الذي طلب منك رفع مذكرة إلى قائده بعدم نقله من هنا، يحبني كثيرا ويخدمني بصدق، وحين تقرر نقله جاءني والدموع في عيونه وقال لي لا أريد أن أكون بعيدا عنك... فعانقني وأجهش بالبكاء بصوت عال لدرجة أثرت في.... وهكذا كلما توطدت العلاقة بالحرس كانوا يستبدلونهم.... والان حين أتيت لمقابلتك هنا وضعوا بيني وبين الضابط والسائق اسلاك وكنت مقيدا بالاصفاد... برروا ذلك بالخوف من التعرض لهجوم على الطريق وخوفهم من أن أهرب... تصور حالة الذعر والانهيار لديهم... كنت أشاهد اثناء التنقلات أشجار النخيل التي كنت اشرف على زراعتها وسقايتها بنفسي... وجدتها جافة ومهملة... وقد تأثرت وقلت فيها بعض أبيات الشعر... وقد صارت هذه مهنتي بعد أن منعوا عني كل شيء... فلا أحد يكلمني ولا أنيس لي....

 

وفيما بعد أضرب الشهيد عن الطعام بسبب قيام العصابات المجوسية الخمينية الكسروية باغتيال المحامي الشهيد خميس العبيدي، وكذلك اضرب باقي أعضاء القيادة...

 

كيف تلقى الشهيد نبأ استشهاد ولديه وحفيده ؟

 

يتحدث المحامي خليل عن أن آخر اجتماع كان للشهيد مع نجليه هو يوم 11.04.2003، وقرروا يومها الخروج من بغداد وتوزيع أفراد الحماية... في تكريت نصحه بعض الأقارب بأن لايجتمع مع أنجاله في مكان واحد، وكانت النصيحة من بطل من أبطال القادسية العظيمة، وهو الفريق الركن الشجاع ماهر عبد الرشيد، الذي كان والد زوجة الشهيد قصي وبنفس الوقت جد الفتى الشجاع الذي بلغ مبلغ الرجال مصطفى.. هو القائد الذي شهدت له ساحات الوغى والبطولة، وكان شجاعا إلى درجة تجعله ينتقد أي خطأ أيام حكم الشهيد، وقد أحبه العراقيون بإخلاص وغرسوا هذه المحبة في نجله عبد الله...

 

حين توجه الشهيدين عدي وقصي ومعهما الفريق عبد الحميد حمود إلى ناحية العوجة، سمعا بعض الانفجارات، فتبين أن في الامر وشاية.. فقرروا جميعا الخروج من صلاح الدين نهائيا ألى الحدود السورية، ونجحوا في العبور بواسطة بعض زعماء العشائر السوريين المخلصين للعراق...

 

أقول...

 

في إحدى زياراتي إلى سوريا، توجهت إلى مدن سورية قريبة من الحدود العراقية، واحدة اسمها دير الزور، والثانية أبوكمال، ما أذهلني أن أهل هاتين المدينتين يهيمون عشقا وغراما ببلد اسمه العراق...وبقائد اسمه صدام حسين.. بل إن في مدينة دير الزور شوارع تحمل اسماء بغداد والبصرة والفلوجة... وأهالي تلك المدن يحمل بعضهم أسماء صدام وعدي وقصي... وربما هذا ما سهل الترحيب بنجلي الشهيد رحمة الله عليهم جميعا....

 

المهم...

 

لكن... كما نعلم جميعا كانت عيون الاوغاد في إدارة الشر الامريكية موجهة صوب سوريا ويتحينون الفرصة طمعا بها وبتحقيق مزيد من "الانتصار المزعوم"... فقد ظنوا أن احتلال العراق سيحقق لهم المزيدج من الاحتلالات... وكانت الحكومة في سوريا تحاول دفع هذا الشر بكل الطرق كل تجنب شعبها والمنطقة المزيد من الانهيار... فحين علمت الحكومة بلجوء الشهيدين مع عبد حمود، رحبت بتواجد قصي وعبد حمود وطلبت من عدي مغادرة الاراضي السورية إلى أي جهة يختارها... وكانت حجتهم في ذلك أنها تستطيع التستر على قصي ومرافقه لأنها تعرف شخصيته، أما عدي فله – حسب قولها – أعداء كثر من العراقيين الذين دخلوا إلى سوريا، فكانت تخشى عليه منهم!!! أو من بعض الاقرباء... إضافة إلى أن أمريكا ستعلم بوجوده وبالتالي ستدفع سوريا ثمنا باهظا لهذا الثور الهائج... أمريكا...

 

لكن الشهيد قصي رفض مفارقة أخيه، فعاد الثلاثة رجال الى العراق، حيث عاد عبد حمود عند الحدود، أما الشهيدين فقد توجها الى الموصل، فقد كانت للشهيد قصي علاقات خاصة مع أهلها، لاسيما وأن بعض كبار ضباط الحرس الجمهوري الخاص كانوا منها... فكان يحظى بمحبة هؤلاء القادة... ومن ناحية ثانية اختاروا الموصل للتنسيق مع قيادة عمليات المقاومة... واختار الاخوين البقاء في أحد المنازل مع مصطفى ابن قصي... (كان عمر مصطفى في ذلك الوقت خمسة عشر عاما)...

 

لكن كيف حدثت الوشاية بالشهيدين ؟؟

 

يقول الشاهد (ص) وهو من الشخصيات المقربة للشهيد، وكان يحظى باحترامه، وعلى علاقة وطيده بالشهيد قصي.... في يوم 05.04.2003 اصطبحنا السيد جمال، زوج ابنة الاكرمين حلا، الى قرب جامع أم الطبول، حيث التقينا قصي الذي كان برفقته كمال مصطفى، أحد قادة الحرس الجمهوري، مع اثنين من الضباط... قررت ترك ولدي معهم للوصول الى الموقع الذي اخترناه لهم مع عوائلهم.. وكان ذلك بعلم الشهيد صدام... بعد حوالي الشهرين فوجئنا بذهاب عدي وقصي لعند نواف الزيدان مع المرافقين: فلان وفلان أولاد فلان وابن اختهم فلان... الذي هرب فيما بعد مع نواف بالمبالغ الكبيرة والمجوهرات التي كانت بحوزة عدي وقصي... كان يوجد شاهد يترصد كل هذه الاموال مع الهاربين.... شوهد شخصان في فجر أحد الأيام "نواف الزيدان وأحد مرافقي الشهيد عدي" يجتازان سياج الدار التي حدثت فيها الجريمة... وكانا يقومان برمي الحقائب المليئة بالأموال من السياج إلى خلف الدار... ثم غادرا في سيارة كانت بانتظارهما... لكن فيما بعد عاد نواف الزيدان لوحده...

 

في الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، ذهب نواف وشقيقه الى ديفيد بترايوس وأخبراه بوجود عدي وقصي، وفي نفس الوقت كان بترايوس يستضيف أحد شيوخ الموصل المقربين منه والمتواجد ليليا عنده، والذي بدوره روى تلك القصة لأحد شيوخ الموصل الآخرين... فخرج الجميع لاستطلاع المكان... وعاد بترايوس لوحده بعد أن اعتذر من الضيف الذي كان عنده..(( قتل لاحقا ذلك الضيف على أيدي أبطال المقاومة))...

 

بعدها... خرج بترايوس بعربات الهمفي والمدرعات مع نواف الزيدان... حين دخل نواف الى داره، وجد الشهداء الثلاثة نائمين... عدي وقصي ومصطفى... فخرج إلى سطح داره ليشير للامريكيين بإصبعه بإشارة OK " التي يغرم بها الأمريكان بالمناسبة"... ثم ذهب مع ولده (ش) ليركب في عربة هامفي تاركا البيت للأمريكان.....

 

ثم يكمل الشاهد (ص) فيقول إنه دق جرس هاتفه.. وإذ بأحد المجاورين لدار الزيدان يطلب منه فعل شيء لانقاذ الشهداء الثلاثة.... فذهب (ص) ليجد أن المعركة ابتدأت بين القوات الامريكية والشهداء الثلاثة... وكان الأمريكان ينادون عليهم بضرورة تسليم أنفسهم... لكن قصي كان يرد عليهم من أحدى النوافذ بقاذفات RBG7 وبسلاح آخر، أما عدي فكان يرميهم بالقناصة، ومصطفى كان يرمي عليهم من سطح الدار....

 

على الأرض كان هناك أكثر من 20 دبابة و20 مدرعة وأكثر من 20 عربة همفي... وعشرات الجنود، ناهيك عن قدوم عناصر من خنازير البيشمركة للمساعدة... الأمر الذي عقد موقف (ص) للانقاذ... واستطاع الشهداء الثلاثة قتل حوالي 13 جنديا أمريكيا... وبعد أن تعقد الموقف فجر الامريكان الدار...

 

أقول...

 

تخيل أيها القاريء... لو أن معركة جرت بين أربعة أمريكيين وهذا العدد والعتاد الهائل من أعدائهم قياسا لأرض المعركة وللعدو المفترض... فقط... إجلس هكذا بينك وبين نفسك واسترخي قليلا على الكرسي ولتذهب بمخيلتك أن هناك أربعة أمريكيين يواجهون وحدهم، وبسلاح RBG ورشاشات وبعض القنابل... لنقل مثلا... ثلاثمائة عنصر من القاعدة أو الطالبان المسلحين بهذا العتاد من الاسلحة والدروع... قلت الطالبان والقاعدة لأنهم الآن هم العدو الحالي لأمريكا والغرب....

 

هل يمكن لأحد أن يجيبني عن سؤال ماذا سيقول الأمريكان عن هذه المعركة أولا" وكم فيلما سينمائيا سيخرج من هوليود ثانيا ؟ وكم محطة ستعرض أخبار المعركة وموقعها ثالثا ؟ وماذا سيكتب عن هذه المعركة في التاريخ الأمريكي رابعا ؟

 

ثم... الأهم من هذا كله... الأهم من أمريكا وماذا ستقول عنها...

 

ماذا سيكتب عنها بعض العربان المستعربة... الأذيال التابعة لأمريكا والخاضعة لها والمقبلة لأقدام سيد البيت الأبيض ؟ فقط تخيل المقالات والمدائح والقصائد والندوات التي ستقام وتعقد حول هذه المعركة "العظيمة التاريخية"... ما الذي ستقوله قناة الجزيرة والعبرية والفضائيات الذليلة والمواقع التابعة لأمريكا المتخفية تحت أسماء عربية؟؟

 

أقسم بخالق السموات والأرض، وإن شاء الله لا أحلف إلا صدقا، أنهم ربما يتفوقون على أي كاتب أمريكي بالاطراء وبالمديح وبعذب الكلام... ولربما رأيت الهدايا من شيوخ النفط تنهال على أسر الجنود الأربعة بالطائرات المنطلقة برحلات مباشرة دون توقف....

 

يا أيها القراء...

 

هناك مسخ من شيوخ آل الانبطاح لن أذكر اسمه... هل تتذكرون ما الذي قدمه للمجندة الأمريكية التي أطلق سراحها رجال الجيش العراقي أيام العدوان؟؟ هل تتذكرون المجندة الامريكية هذه التي كانت في المستشفى وأطلقها الرجال... وادعى الامريكان بعدها أن جنودهم حرروها بعملية فدائية!!! قدم لها سيارة مرسيدس غالية الثمن اعجابا بشجاعتها...... تخيلوا هذا المسخ وغيره من باقي المسوخ...... ما الذي سيقدمونه من هدايا ومجوهرات وأموال لو كان أبطال الموصل أمريكيين ؟؟؟

 

سؤال لن تصعب الاجابة عليه...

 

يكفي أن الكاتب الصحفي البريطاني المنصف روبرت فيسك قال فيما قاله عن هذه المعركة وعن  الفتى الشهيد مصطفى... لو كان مصطفى بريطانيا أو أمريكيا لأقيم له تمثال في كل مدينة اعجابا بشجاعته وبطولته....

 

نعود إلى الكتاب...

 

يقول الشهيد... إنه في أحد أيام شهر تموز 2003، كان في دار أحد العراقيين الذي احتفى به كثيرا... فقد كان يدق أبواب العراقيين ويزورهم في بيوتهم... "هاي السنين آني أشتغل كلها مع شعبي وأذا ما يحميني شعبي عدا عن حماية الشخصية، فوالله أكو خلل، وأكون ما سويت شي"... وفي يوم جاء المضيف وبدت على وجهه حيرة وارتباك... وقال: سيدي إنني مرتبك أخبرك... فقلت له أخبر.. فقال: لقد استشهد عدي، فقلت: عفية... ثم قال وقصي أيضا استشهد، فقلت عفيتين... ثم قال سيدي ومطصفى أيضا استشهد، فقلت: ثلاث عفيات... الحمد لله الذي شرفني بهؤلاء الابطال الذين استشهدوا في سبيل وطنهم ولم يخونوا أو يساوموا... الحمد لله على قضائه وقدره... إنهم أبناء العراق حالهم حال من استشهد في سبيل العراق...

 

وكان بعض القادة العسكريين قد نصح الشهيد من قبل أن يتواجد عدي وقصي سوية حتى لايخسرهما مرة واحدة... لكن الشهيد كانت قناعته أن ما يريده الله هو الخير للجميع... وهو يحتسب أولاده وحفيده شهداء عند الله وهم فداء للعراق.. قاتلوا حتى اللحظات الاخيرة ولم يهربوا...

 

لم يكن في خاطرنا ولا لحظة واحدة أن نغادر العراق أو نهرب كالجبناء بحثا عن حياة رخيصة لأننا لانعرف لنفسنا مكانا خارج العراق العزيز... أنتم أولادي وأهلي وعلى القائد أن يضع ابنه في المعركة قبل ابن الناس... أيام العدوان الخميني المجوسي ارسلتهم الى الجبهة وكانوا صغار السن... عندما كان العدوان على أشده وقبل الاحتلال بقليل طلبت مني إحدى بناتي أن تغادر العائلة كلها إلى مكان خارج العراق... فقلت: لا.. لقد تنعمتن بالسلطة وامتيازاتها على مدى ثلاثين عاما واليوم عليكن أن تكتوين بنارها أسوة بالشعب... ورفضت رفضا قاطعا...

 

كانت العروض تنهال علي من بعض الاطراف للخروج خارج العراق.. وكنت اقول: كيف لنا أن نخرج ونترك الشعب العراقي يواجه مصيره المحتوم... لايعرفون صدام ولايعرفون ان العراقي الشريف لايقبل إلا بحياة شريفة... وإلا دونها الاستشهاد...

 

تصور وقاحتهم الى وين وصلت... ابلغوني بالطلب لمغادرة العراق مع العائلة، وقد ابلغوني قبل ذلك وبطريقة غير دبلوماسية بأنهم سيقومون بالضغط على أية دولة ألجأ اليها لتسليمي لهم، واذا ما بقيت داخل العراق فإنهم سيقومون باعتقالي بأية طريقة إن لم أستجب لمطالبهم... وهذا يؤكد أنهم كانوا عاقدي العزم على غزو العراق... فوضعوا الاسباب المعروفة وهي ما يسمى اسلحة الدمار، والعلاقة مع القاعدة، ودكتاتورية صدام... لكنهم بالتأكيد لم يعرفوا أن صدام لن يغادر العراق إلا شهيدا وفوق ترابه...

 

وحين ناشده الاستاذ خليل السماح لبعض أفراد العائلة بزيارته رفض ذلك قائلا: استاذ خليل أنت رجل شهم وشجاع.. ولكن حرصا على تاريخي وشرف العراق لن أسمح للعائلة بزيارتي، لأن الأمريكان ليسوا بأصحاب كلمة صادقة، ولايمكن الوثوق بهم... وكذلك لا أريد الاتصال بالعائلة لأسباب نفسية واجتماعية... فقد تقوم هذه البنت بالبكاء وذاك بالنحيب... اقول الحمد لله.. ما دمت تجلب لي أخبارهم فأنت أبني وأخي....

 

في كل مرة أغادر الشهيد تمنيت أن لا أغيب عنه كثيرا... فمثل هذا القائد والانسان الكبير لايعوض شيء من الدنيا عن معرفته... في اسره كان عظيما، فلم تكسره القضبان، ولاجبروت العدو، كان يرى فعل الابطال خارج اسره، ويشعر به... وهذا ما كان يزيده قوة وصلابة وايمانا بأن يوم النصر آت.... وأن العراق بمقاومته البطولية سيعود أجمل مما كان... 

 

يتبع....

 

في مثل هذه الأيام من عام 1991 كان رجال الجيش العراقي العظيم يتصدون في واقعة أم المعارك الخالدة لجيوش الحقد الأمريكي والقوات المتحالفة لها... وكان رجال الجيش يسطرون ملحمة بطولية بتصديهم وحدهم لثلاثين جيشا من مختلف أصقاع الأرض...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الأربعاء / ٠٥ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور