كلمة بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي
الذي وافق ذكرى استشهاد القائد الرمز صدام حسين

 
 
 
 
شبكة المنصور
انصاف قلعجي
حين طلب مني أخي هشام النجداوي أن أكتب كلمة ليوم الوفاء للشهيد صدام حسين، اعتذرت. فقد كان الحزن لفقده أكبر من رغبتي في الكتابة. قلت : لا أعرف ماذا أكتب. قال : اعصري دماغك. قلت : الكتابة عن صدام حسين لا تحتاج إلى عصر الدماغ، وإنما إلى عصر القلب.


فكيف تستطيع أن تكتب عن تاريخ أمة مجيد بصفحات قليلة، وصدام حسين أمة في رجل، وهو كما قال الكاتب العراقي علي الصراف :" قمر واحد، فمن أيّ نصف نظرت إليه، فإنه النصف الآخر أيضا ".
فعصرت قلبي، وعصرت دماغي.


أورثتنا حلماً جميلا
أيها الحلمُ الجميلُ
مذ جاء عبد اللهِ يحملُها إلى الضفتين.. شمسا
وهي في ماء الصباحاتِ الجميلةِ.. تستحمُّ..
ولا يمسُّ ظلالها البيضَ.. الأصيلُ
تتبغدد الأقمارُ..
كلّ قصيدةٍ حملت غرورَ صبا نداء جامحٍ
جاءت إليها
خرج النواسيون من أسرارها الأولى..
هنا..
حيث استظل النورُ بالجوريّ والدفلى.. وأسرارُ الندامى
بالنخيلِ
مذ كان عبد الله.. أطلق في ملاحمها الوعولْ
تتعلم الأنهار من لألأء فضتها
وتصهل في مواسمها الخيولْ
حلمٌ جميلٌ


هكذا قال الشاعر حميد سعيد (من قصيدة اعتذار.. إلى أبي جعفر المنصور).
فمن هو صاحب هذا الحلم الجميل؟


" أنا رجلُ دولة حازم ودقيق. سيفي بيميني ولكن بالحقّ. عادل وغيور وشريف. لا أقبل من أحد كبر أو صغر، التلاعب واللعبَ على الذقون والقانون. فمن يعين نفسَه في العودة عن الخطأ بمثقال، أعينه بما يرفع عنه الأثقال ويمهّد أمامه السبيل بعد عثرة بأرطال. وأشعر بأخوّة وأبوّة خاصة تجاه فقراء الحال من الناس، ليس تطبيقا لاعتقاد فحسب، وإنما حنوّا خاصا إزاءهم.. كريم مع الكرماء، شديد مع اللؤماء.. أفضّل أن أُخدَعَ على أن أخدعَ أحدا أو أشكّكَ مسبقا به، وأن أُظلَمَ على أن أظلمَ أحدا، حريص على أموال الدولة، وإذ أجمعها بالملعقة، أجزل بها لضرورات وطنية أو إنسانية، وطبقا لصلاحياتي الدستورية، بالمغراف.. أخشى التاريخَ أكثر مما أخشى الحاضر، ولا أخطو خطوة في الحاضر إلا وضعتها طبقا لرؤياي وسط المستقبل. أعرف السياسةَ الدولية وأساليبَها بالتورية والمباشرة في العصر الحاضر، ولكنني لا أحبها حتى وأنا أمارس القسمَ الأقلَ نجاسةً وأكثرَ طهارةً فيها..(من مذكرات الرئيس صدام حسين في المعتقل).


كان المساء كئيبا، تدحرجت الشمس باتجاه المغيب. كان المساء ينشر أرديته الرمادية فوق أرض السواد، وبغداد تلمّ عباءاتِها لتحتضنه هناك وتوسّد رأسه في العوجة. جاء قائد المعتقل. قال : صدام، غدا سيتمّ إعدامك. لم يفاجأ..


فهذا الذي انغرست أقدامه في تراب الرافدين، وتشبع بعبق نخيل يطأطئ الرأس كلما أشرقت شمس تلألِئُ الماء بصباحات جميلة لا تكون إلا لأرض الرافدين، والذي تجذرت مبادئ الأمة في وجدانه، لن يفاجأ بقرار إعدامه.. من هؤلاء الذين كان الحقد يعمي أبصارهم دون بصيرتهم، فهم بالطبع دون بصيرة. كانوا يلهثون ويتدافعون ويفحون كالأفاعي، يقذفون بسمومهم بانتظار هذه اللحظة التي أتاحها لهم أسيادُهم هناك في الغرب الصهيوني، فرقصوا عند أقدامه كالأبالسة، كما رقصت سالومي اليهودية أمام هيرودوس، ولم ترضَ بأقل من رأس يحي بن زكريا أو يوحنا المعمدان، إرضاء لشهواتها السفلى، فقُدم لها رأسه على طبق من فضة، وقدم لهم رأس صدام حسين على برميل من نفط..


وها هم يمعنون في كشط جلد العراق، ويمتصون دمه، ولم يرتووا بعد، ولن. فصدام حسين سيبقى ماثلا أمامهم، ترتعد فرائصهم كلما ذكر اسمه.. فقد دخل من باب الشهادة، وأصبح رمزا لكل الأحرار أينما وجدوا.


لقد وضع صدام حسين، باغتياله، دستورا لأبجدية الموت كبرياء وسموا، فبكيناه بوجع ما بعده وجع، واحتضنا بأظافرنا وقلوبنا دستوره..فماتوا كلهم قهرا، كلهم ولا أستثني أحدا في المشرق والمغرب.


قال شيلوك اليهودي : أقرضك مالا جئت من أجله، لكن على أن تعيده لي في مدة محددة. وإذا انقضت المدة ولم تعده، سآخذ من جسدك رطلا من اللحم..


قال له اليهود والمجوس والعربان والروم وأولاد الحرام.. نعطيك كل ما تريد، كل ما تشتهي، على أن تغادر العراق.. نعطيك قصرا ومالا وأرضا تكون لك الجنة التي تريد.

 

نظر صدام حسين بعيني صقر يطفح بالكبرياء..


نعم الجنة، واختار الجنة التي يريد، شهيدا حيا فيها.. وبقي اسمه مضيئا كما كان.


ذاك ما قاله شيلوك اليهودي وما قاله شايلوك الأمريكي. واقتُطع لحم كثير من جسد العراق.


ليس من أحد لديه شجاعة صدام حسين، فقد واجه صدام حسين كل أنواع الصعاب والمخاطر في حياته مذ كان طفلا يعاني من شظف العيش، وواجه كل الأعداء المتربصين بالعراق عبر مسيرة حياته العظيمة.. وهو الذي قال : إن تراجعت، فلن أكون أنا صدام حسين، ولن يعرفني شعبي..

 

واجه العلقميين الذي خانوا بغداد بالتآمر مع سيدهم هولاكو، وفتحوا له أبواب بغداد تحت جنح الليل، فامتطوا دباباته أو داباته " وبذلوا السيف في بغداد أربعين يوما حتى صار الدم في أزقتها كأكباد الإبل "، كما يقول أحد المؤرخين. وما زالوا يبذلون السيف منذ سنوات سبع كذلك..


فكيف،" كيف يخون الخائنون.. أيخون إنسان بلاده؟"


وهل تثبُتُ الكراسي تحت مؤخرات العملاء، تلك التي كافأهم بها سيدهم؟


لكن نتساءل كيف انتهى ابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم، وكيف ينتهي كل من يخون بلاده. تقول إحدى الروايات بأنه أهين على يد التتار بعد دخولهم بغداد. وقد شوهد يركب حمارا، فنظرت إليه امرأة وقالت له " أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟"، فلم يلبث أن خرج بعدها من داره ليومين ومات مهموما مغموما..

نعم قالها صدام حسين "لا" كبيرة في وجوههم..


يقول الشاعر أمل دنقل من قصيدة بعنوان " كلمات سبارتاكوس الأخيرة " :


... من قال"لا" في وجه من قالوا "نعم"
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال "لا" فلم يمت،
وظل روحا أبدية الألم..

وقالها صدام حسين صفعة في وجوه الاحتلال وعملائه.
ويكمل أمل دنقل :
.. لا تخجلوا.. ولترفعوا عيونكم إليّ
لأنكم معلقون جانبي.. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربما.. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
يبتسم الفناء.. داخلي..
لأنكم رفعتم رأسكم.. مرّه


كانت كلمات محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، تضيء أمام عينيه. فحين جاء وفد من قريش إلى عمه أبي طالب، طالبين منه أن يكفّ ابن أخيه عن الدعوة إلى الإسلام، قال محمد : " يا عم، والله لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ".


يقول الشاعر رعد بندر من قصيدة بعنوان " إلى أين يا أجمل الميتين" :


وقفتَ كأن لم يقف واقفٌ
كما شئتَ موتك لا ما يشاءُ
توارى إلى حيث ما في الوراء
وراءٌ وما في الخفاء خفاءُ
تدارَكتَهُ مشفِقاً فارتقيت
وأعيا لحاقاً بكَ الارتقاءُ
فكيف بموت كموتك هذا
نُعزّى، وكيف يكون العزاءُ
وما الفخرُ في أن تعيقَ الأسودَ
قيودٌ فتجرا عليها الجراءُ


خانوه... بعد أن شبعوا، وامتلأت بطونهم من خير العراق.. وتكدست أموالهم الحرام في بنوك خارج العراق..


فما هي المكافأة التي نالها العملاء من سيدهم مقابل تسليمهم صدام حسين إلا أن يستبيحوا العراق ويستبيحوا نفطه..

"إن جمهورية الموت"، كما يقول الوليد العراقي "والتي أنشأتها أمريكا في العراق، لم تستثنِ أحدا من العراقيين، بل وطالت حتى الأطفال والنساء والشيوخ، ودون تفريق بين عرق ودين، كون الهدف الذي جاءت به هو : اقتل ما شئت، ودمر ما شئت، بل وأسرع في ذلك كوننا منسحبين ".


إن طيّب الذكر ماو تسي تونغ"، كما يقول الرئيس صدام حسين،"قد يقهقه في قبره لأن نبوءته تحققت في قوله إن أمريكا نمر على ورق". وذلك في رسالة الرئيس إلى الشعب الأمريكي في 7/7/2006. "العالم سيكون أفضل من دون صدام حسين"، هذا ما قاله المجرم بوش.


فها هو العراق ينعم بالخير والأمن، ويعيش شعب العراق في رغد ورفاهية، فالسجون خالية، وحكومة الاحتلال لا تنام إن كان هناك مظلوم على أرض السواد!! إنها أحلام الديمقراطية الشوهاء..


فلنقرأ معا ما قاله الإمام علي رضي الله عنه من خطبة " القاصعة" من كتابه " نهج البلاغة" وهو يتحدث عن الأمم السابقة كيف كانوا وكيف صاروا. يقول :


".. فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة، ألم يكونوا أربابا في الأرضين، وملوكا على رقاب العالمين؟ فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وأبقى قصصَ أخبارهم فيكم عِبرَا للمعتبرين..


ويضيف : تأملوا أمرهم في حال تشتتهم، وتفرقهم، لياليَ كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم، يحتازونهم عن ريف الأفاق، وبحر العراق، وخضرة الدنيا، إلى منابت الشيح، ومهافي الريح، ونكد المعاش، فتركوهم عالة مساكين إخوان دَبَر ووبر، أذل الأمم دارا، وأجدبهم قرارا، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلى ظل ألفة يعتمدون على عزها، فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة، في بلاءٍ أزَلّ، وأطباق جهل! من بناتٍ موؤودة وأصنامٍ معبودة، وأرحامٍ مقطوعة، وغاراتٍ مشنونة...".


وبعد نقول، لكن العراق يبقى العراق، وهؤلاء الذين يحكمون العراق الآن هم طفرة تطفح على جلد العراق، ولن تؤذيه، فهناك شعب صابر جبار خلف مقاومة تذيق يوميا الاحتلال وأعوانه من نكد العيش، ما يبشر بأن هذا الاحتلال وخدمَه، آيل إلى زوال في القريب العاجل. مقاومة أذهلت الدنيا بسرعة انطلاقتها ومدى تنظيمها، وضرباتها الموجعة، يقودها المجاهد العظيم عزة إبراهيم الدوري الذي قال عنه الشهيد صدام حسين حين سأله المحققون في المعتقل عنه، قال : لو كان عزة الدوري في جفوني لوضعته في عيوني وأطبقتها عليه. نصره الله ونصر شعب العراق الأبي.


غيّبوه وما غاب، أمعنوا فيه قتلا وما مات، فالشهيد لا يموت، فكيف إن كان صدام حسين. ولن يستطيع أحد، كائن من كان، أن يمحو اسمه من قلوبنا وأبصارنا، أو يمحوه من سجل الكبرياء الذي اختطه الشهيد صدام حسين.. يستطيعون أن يمحوا اسمه من الكرك البطلة ومن كل الشوارع التي سيكتب اسم صدام حسين فيها، ولكن هيهات أن يمحوه من ذاكرة المواطن العربي الأصيل.


وأقول وأكررها : ادعموا المقاومة العراقية، ادعموا المقاومة العراقية، فهي أملنا الوحيد في الخلاص من هذا القهر والظلم والتشرد والتشتت.


أما الشهيد، شهيدنا صدام حسين، فنقول فيه ما قاله الشاعر :


أنت فارس هذا الزمان
وسواك... المسوخ



وفي النهاية أوجه تحية كبيرة إلى أخي المناضل، الذي غُيّب عن هذا اللقاء، إبراهيم علوش الوفي العنيد الذي ما يزال يحمل روحه على راحته، وفي اليد الأخرى يحمل مبادئ الأمة ولا ينثني..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٣٠ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ١٦ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور