المسكوت عنه في مهزلة التحقيق مع توني بلير تجديد للحرب على العرب والعراق

 
 
 
شبكة المنصور
المحامي فتحي احمد صالح درادكة
لعله من العدل أن يغلب الغيض الشخصي على الخطاب والتحليل المعرفي عند معالجة موضوع العنوان والذي شاهد الحوار كله أو بعضه حتماً يستطيع أن يقيّم مساحة القهر التي تلحق الأنسان العربي من جراء ما سمي تحقيقا مع المجرم توني بلير، وأياً كان ذاك الجانب فإننا سنعالج وبشكل معرفي بحت الأبعاد السياسية، والعقائدية، والتاريخية، والمستقبلية كذلك، من وراء مسخرة ما سمي بالتحقيق .

 

وفي البداية نشير الى أن اللجنة مشكلة من الحكومة الحالية وهي لجنة محددة الصلاحيات غير أنها تهدف حسب تشكيلها إلى تعلم الدروس المستفادة من وراء احتلال العراق لغايات المستقبل أي أنها تريد أن تراكم خبرات .

 

ولا شك ان هذا بحد ذاته على عيوبه غير مقنع ذلك ان المؤسسة السياسية تجري تحقيقها بأدواتها الخاصة ولديها مفكروها ومستشاروها الذي يقيّمون، وحتماً سبق وأن فعلوا ، والتخطيطات الإستراتجية لا تتم علناً وإنما بكل الدول لها مناهجها ووسائلها غير المعلنة بالضرورة .

 

لذلك ومع أن الهدف المعلن هدف مستفزاً جداً إلا انه كذبة حقيقية وهو عملاً سياسياً محترفاً إنما أراد أن يكرس مقولة الديمقراطية وإمكانية المحاسبة للجميع اذ لا أحد يستطيع أن يفلت من المسائلة، ببساطة إنه إستعراض ديمقراطي شكلي يهدف إلى إعادة تأكيد مزاعم هذه الدولة حول تقنيات الديمقراطية إنه دعاية حقيقة كدعايات كافة السلع الرأسمالية .

 

الى هنا يبقى الأمر في إطار الوقاحة السياسية ضمن صياغات تحويل حضارات الشعوب وحرياتهم الى مجرد موضوع شكلي للتباهي والدعاية الديمقراطية، وهذا بحد ذاته جريمة حضارية حقيقة فتدمير مشروع حضاري مكتمل وسرقة دولة وإحتلال أرضها ومئات الإعدامات وملايين الشهداء هو مجرد أداة لتأكيد أن بريطانيا دولة ديمقراطية والأعجب أن الشكل الديمقراطي المراد إبرازه غلب وتجاوز المأساة التاريخية التي خلفها الاحتلال إنه خطاب القوة ولا شيء غيرها .

 

وإذا كان العنوان يثير كل تلك التساؤلات فإننا بعد ذلك معنيون بإدراك أبعاد المؤامرة وذلك حسب خطوات :


اولاً : كيف تناول الاعلام هذه الدعاية؟
غالبية الإعلاميات طرحت الموضوع من زاوية كفاءة مجرم الحرب بلير على المراوغة والتضليل وأحيانا ربط ذلك بكونه محامي وهذا إبعاد مقصود عن الموضوع الحقيقي .


فكون بلير مراوغ ومجرم حرب ومضلل للعدالة فهذا يعني انه لا يمكن ان يكون محامي باعتبار ان المحامي خادم للعدالة، وليس كذاباً والأهم أن هناك توجيه إعلامي سابق ومكثف لتوجيه الأنظار الى مستويات متطورة في التضليل والخداع، على المشاهد أن يركز اهتمامه على قدرات بلير في التضليل، أما محل التضليل ذاته فهو مغيب المهم أن هذا الرجل محل إعجاب، أما جرائمه فهي غائبه والدعاية لترويج الكذب واضحة، غير أنها مطروحة ضمن سياق الزعم الديمقراطي لذلك فإن نتائج الإحلال الكارثية غابت تحت وطأة هذا الإعلام الممنهج لذات غاية التحقيق نفسها.


ثانياً : جوهر التحقيق ؟ !
مباشرةً يمكن إدراك حجم المؤامرة من بدايات الطرح فالمكلفون بالتحقيق بدءوا    بالتساؤل عن الحصار وهل كان كافياً، أم  لم يكن كذلك وهذا السؤال أعطى الحصار شرعية تامة وتجاوز، انه كان عملاً من أعمال العقاب الجماعي وأنه لم يكن مشروعا وكان يشكل خرقاً دائماً لحقوق الانسان ولسيادة الدولة، فالحصار ذاته مع كل ما ألحقه بالعراق من أذى نفسي ومادي وحرمان ليس مسألة مطروحة وإنما فقط هل كان كافياً ام لم يكن كذلك وفي طرح سؤال من هذا القبيل يعني أن المسؤولية الاخلاقية والسياسية والقانونية والعار الذي لطخ الغرب بهذا الحصار قد غابت وإلى الأبد .

 

وسنداً لهذا راح بلير يتكلم عن سياسة الإحتواء المزدوج والخطة الذكية للحصار، وذكر أنهم أعطوا العراق مالاً، وبهذا يتكرس عمق الإستعلاء والتغيب الكلي للشعوب، فالحصار شرعي والتجويع الجماعي شرعي ولا قيمة لمعاناة الشعوب، ومهم جداً أن الغرب أعطى العراق مالاً أي جزءً من عائداته، وكان يسرق الباقي من أدوات الرأسمالية المتشدقة بالديقراطية .

 

غير أن المأٍساة تتفاعل في الأجوبة وفي الأسئلة ذاتها ليتم الحديث عن الشهيد، والحصار وكأن الحصار فقط على صدام حسين والحديث لم يكن يدور عن الشعب العربي العراقي بل عن صدام وصدام فقط واللجنة المكلفة قاطعت بلير ليس للحديث عن ملايين الشهداء بسبب الحصار وليس عن تدمير شعب ومنع تطوره وليس للربط بين الحصار والاحتلال بل ذكرته وطمأنته أنهم يكرهون صدام، وان صدام كان غير جيد

 

بكل بساطة هكذا طُرح الحصار وهو أغرب وابشع حصار وتجويع جماعي عرفه التاريخ البشري، وهذا العار الذي يلطخ الإنسانية كلها ويشوه التاريخ البشري يطرح فقط من ناحية كفايته او عدم كفايته، مع تغيب كلي للشعب العربي في العراق وللمشروع الحضاري الذي كان يمثله وما زال البعث العظيم .


ونتابع حلقات المسخرة بعد ذلك لتتاح للسياسة البريطانية ومن خلال مجرم حرب ان يطرح الأبعاد  الإنسانية والسلام ، ذلك ان اللجنة الموقرة قدمت الاسئلة ضمن النسق العام للدعاية وبدء السيد بلير يتحدث عن هجمات سبتمبر وخطورتها وكيف أن نظرة السياسة البريطانية لوسائل المواجهة قد تغيرت.

 

وذكر أن أفعالهم كان لها تأثير إيجابي على السلام وذكر أن صدام حسين فقط كان قد رفض مبادرة الملك عبد الله للسلام مع اسرائيل وتحدث بشكل استفزازي عن السلام واهمية ما قام به لأجل السلام وأعطى الحرب جانباً إنسانيا وديمقراطياً، وبكل الأحوال ظل الحديث سجالاً ضمن هذه السياقات وواضح أن هذا البرنامج الإعلامي أراد تحقيق اهداف بعينها .


فمن ناحية البرنامج غيب العرب كحضارة لهذا تحدث عن اشخاص وليس عن بناء فكري وسياسي فصدام حسين لم يكن يمثل ذاته بل كان يمثل المشروع الحضاري العربي كما يطرحه حزب البعث، وتم الحديث عن العرب وكأنهم مجرد اشياء يهتم بها الغرب وفق ادوات الأخير، وأن العرب ليس لديهم مقولات تجلعم طرفاً في المعادلة الكونية فالحديث تجاهل بشكن نهائي أي إشارة مهما كانت لآراء ومقولات العرب السياسية والانسانية لا بشكلها التاريخي ولا ضمن التجديد الذي يطرحه حزب البعث .

 

ومن ناحية أخرى تم تقزيم العراق كرافعة حضارية للامة العربية فالسياق العام يتحدث عن جغرافيا ما يحكمها صدام حسين والهوية الحضارية والطاقة الانسانية الجبارة لهذه الجغرافيا مجهولة . فهذا بالتحديد ما أراد البرنامج تغييبه فالعراق بقيادة البعث هو حامل المشروع الحضاري العربي والهدف التاريخي خلف إحتلال العراق هو الصراع الحضاري بخطوة استباقية تكريساً للعدوان وتفوّق الغرب فالعراق كان يدفع بقوة نحو وحدة العرب ويخلق الاطار المعرفي والتعليمي والتنموي اللازم لذلك لهذا تم إستهدفه، هذا بالظبط ما قُصد تغيِبة .

 

غير أن الإستهداف لم ينتهي فقانون إجتثاث البعث مع أنه مسألة بحجم التاريخ فلا أحد يطرح الموضوع والمقاومة العراقية التي بحق تعيد رسم  خريطة النضالات التحريرية من خلال مواجهة أشرس صيغ التحالفات الشريرة وضمن إجماع الغرب والرجعية العربية والصهيونية والفارسية الصفوية على عدائها إلا أنها تفعل فعلها في واقع الصارع وواقع إعادة تشكيل وهيكلة وعي الانسان العربي هذه الحقيقة أراد الخطاب الاستعماري تجاوزها من خلال هذا البرنامج .


ولتركيب المعادلة بشكل مكثف نقول :
إن المسألة تقع في اطار الصراع الحضاري بيد أن العدوان جزءاً من الصياغات الرأسمالية للتشكل الحضاري بمعنى يشكل البناء الرأسمالي القائم على حياة الرفاه كأداة لمنع الثورات الاجتماعية يشكل هذا ضغطاً دائماً على البناء الرأسمالي للاستمرار في إمتصاص دخل الشعوب الاخرى لصالح الرأسمالية، ولما كان العراق يشكل تحركاً واقعياً وتنفيذياً لإعادة هيكلة الحضارة العربية من خلال الوحدة والحرية والاشتراكية (=الاشتراكية العربية وليس الماركسية) لهذا كان لا بد من استهداف العراق والحصار الذي حشد له كل العالم تقريبا وما نتج عنه من إحتلال وإعدام قادة البلاد وتغيّر دستورها وإحضار مرتزقة لحكم البلاد وقتله مأجورين ومئات المليارات من الدولارات، كل هذا لم يفلح إذ سرعان ما خلقت المقاومة المجيدة والبعث العظيم أزمة حضارية وقانونية واخلاقية لقوى الاحتلال وبدأ وكأنها تعيد صياغة الجغرافيا والتاريخ من جديد، فبدأ فعلها بفضح كل شيء ويعيد تشكيل الوعي العربي بل ويؤثر حتماً في الوعي الثوري للإنسانية لهذا ما كانت أدوات الإستعمار ستجد سلوكاً أكثر دعائية لذاتها من طرح التحقيق مع بلير بهدف تغيب الحقيقة السابقة غير أن هذا التغييب بقدر ما حرص على انجاز مهمته بقدر ما كان مفضوحا وهو لن ينهي المقاومة فهي وهي فقط من سيحدد الصيرورة القادمة وحتما ستنجح عندما يدرك العرب آليات التواصل معها .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٦ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٠ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور