حسنة واحدة يجنيها العراق من مهزلة الانتخابات

 
 
شبكة المنصور
حديد العربي

لعل أغرب ما في مهزلة الانتخابات التي يتوالى عرض فصولها الهزلية على أرض العراق أنها أفرزت وثائق كاملة وهائلة تدين كل جوقة العملاء والجواسيس بلا استثناء، تتسم بالصدقية لأن مصدر الإدانة لم يأتي من جهة معادية لهم، أو حتى حيادية، إنما هي أدلة نطقت بها أفواههم العفنة، التي تفوح منها رائحة الكذب والنفاق والدجل، وتبنتها وتعاضدت على ترويجها وبثها أبواق دعارتهم، قنواتهم الخائبة، بعض أثمان عمالتهم، وكما يقال في العرف القانوني فإن الاعتراف سيّد الأدلة.


وقد تكون هذه هي الحسنة الوحيدة الفريدة التي جناها العراق من مسرحية الانتخابات، رغم المليارات الكثيرة التي سلبت من موارد البلد بحجتها، لأنها أنطقت كل العملاء والجواسيس والخونة بدلائل إدانتهم الكاملة، لو أتيح لأحد أن يحفظ هذا الكم الهائل من التصريحات المخزية، والتي غطّت آلاف الساعات من البث التلفزيوني للشتائم والتهم وكشف الفضائح وكل ما هو مستور منها بصيغة الدعاية الانتخابية.


لأن من خصائص ذاكرة الجهل والتخلف العراقي أنها كالجدار، يكتب عليه من يكتب، ويمحو غيره ما يشاء أو يزيد، يضيف نقاطاً ويحوّر حروف، أو يصوغ جملا غيرها، تناقضها في الشكل والمضمون، أو يأتي أحدهم ليجللها بالسواد ويطبع نقيضها، والجدار في كل هذا لا يملك رفضاً أو قبولا، إنما هو ممتثل دوماً لإرادة الممسك بالفرشاة والطباشير.


فالمصيبة الكبرى أن بيئة الجهل والتخلف هي الوحيدة من كل مفردات الواقع العراقي التي ازدهرت في ظل الاحتلال، وغطّت على مساحات شاسعة وقطاعات واسعة من أرض العراق وشعبه.


كلهم أدى أدوار الوطنية والحرص على العراق وشعبه، وما تمكن أحد منهم إجادة دوره، والعيب ليس فيهم، لأنهم موهوبين في تمثيل أدوار لا تعبر عن حقيقتهم، لكنه في المخرج الامبريالي الصليبي ومساعديه من الصهاينة والفرس المجوس، لأنهم حملوهم ما لا طاقة لهم به، فهم وإن كانوا خبراء في الكذب والتزوير والنفاق، لكنهم ليسوا مؤهلين لأداء أدوار القادة، بل هم أجدر وأقدر على خيانة العراق ونهب ثرواته والتفريط باستقلاله وسيادته، لأنهم أدمنوا الخنوع والخضوع فباتت السيادة لا تشكل في وعيهم شيئاً له مفهوم أو معنى. كلهم ادعى أنه ابن العراق، والحقيقة أنهم كلهم أعداء له ومخالب للغدر في خاصرته، كلهم يدعي أنه حريص على مستقبل العراق، لكنّ المستقبل لا يعني لهم غير أن يقدموه على طبق من ذهب للأعداء الطامعين فيه بلا مقابل أو ثمن.


أربع سنوات هم منسجمون ألا يعترض أحدهم على أحد، ولا يكشف بعضهم فضائح البعض الأخر، قطيع من الماعز يقوده الرعاة من ذوي القبعات والعمائم، ولا يشذّ تيس فيهم عن القطيع، لكن إلهام الوطنية والحرص والشعور بالأسى على شعب العراق وثرواته المنهوبة وأرواحه المزهوقة لا يأتي إلا في الدعايات الانتخابية.


أما الأغرب من هؤلاء العملاء والجواسيس المرشحين، هو الناخب، الذي يذهب للانتخابات ليلطخ شرفه ورجولته ويوقع على صك الاعتراف بجاهليته وأميته وسلبيته ونفاقه من شعب العراق، فكل شعب العراق بالعارفين فيهم والجاهلين حين تسأله عن رأيه بالواقع الذي يعيشه، فإنه يشمّر لسانه وينشر ذراعيه مستنكراً للقتل والسلب والنهب والتغييب، ويطلق لسانه بالسبّ والشتم على كل من شارك في العملية السياسية الخائبة الذليلة، لكن حين يحين موعد الانتخاب تجده انحرف وقد لطخ جبينه قبل إصبعه بالعار والشنار، وقد لا تجد بعضهم ينتخب إلا من كان يسبّ ويشتم بهم.


أليس الدليل في ذلك الذي يجري قول الله تعالى: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(سورة الأنفال: من الآية30).
سبحان الله العظيم.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ١٩ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور