توني بلير يستحق لاهاي لا لندن

 
 
 
شبكة المنصور
حمدان حمدان
بدأ متوترا قبل أن يزداد ثقة مع مرور الوقت , ربما لأنه لاحظ وجود اثنين من القضاة الخمسة , ممن يؤيدون إسرائيل في سياسات بريطانيا الخارجية ...


لم يبدأ مسترسلا فياضا كما هو حاله في مجلس العموم حين كان رئيسا للوزراء قبل ثلاثة أعوام , لكن البلاغة لم تخذله في ما كان على قناعة به , فمبرر الحرب على العراق عنده لم تكن ( مؤامرة أو غشا وتدليسا وخدعة ...... بل هو قرار ) .


استغرب قدرة الرجل على التلاعب بالمعاني والألفاظ , إذ متى كان القرار هو النقيض للمؤامرة والخدعة , ما نعلمه في بلادنا أن قرارات الغرب التاريخية, منذ سايكس بيكو او وعد بلفور وتعيين هربرت صاموئيل حاكما انتدابيا بريطانيا لفلسطين ........ وحتى قانون تحرير العراق من الكونغرس الأمريكي .. كلها مؤامرات جاءت بقرارات , فأين هو التضاد بين القرار والمؤامرة ؟ ! ربما أراد بلير أن يظهر نفسه من المعصومين الذين لا يتخذون قرارات غير صائبة !


كتب المتظاهرون البريطانيون خارج مركز الملكة إليزابيث الثانية للمؤتمرات , حيث جلسة التحقيق ( بلير قل الحقيقة لا تكن ب ( لاير) أي كاذبا ) ..


وعلى يافطة أخرى ( بلير أين أنت ؟ نريد أن نرميك بأحذيتنا ) .. وهو قول الجمهور البريطاني لا قولنا .
ثم يظهر بلير مبرراته في الذهاب إلى الحرب بقوله :


( إن هجمات أيلول على الولايات المتحدة , أظهرت أنه يتحتم نزع سلاح الرئيس صدام أو الإطاحة به ) .
ويعود ليؤكد في مكان آخر ( أنا لم أتحدث عن تغيير النظام في مقابلتي مع ب.ب.سي في كانون الأول من العام الماضي , كل ما قلته أنه ما كان لنا وصف طبيعة التهديد العراقي لو كنا نعلم وقتها ما نعلمه الآن ) .


ماذا يعني هذا كله , كيف يستسيغ قضاة بريطانيون , وهم ما هم عليه من دقة الملاحظة والإمساك بجادة المنطق وتشغيل العقل وإقامة المحاكمة .. كيف لهم أن يستسيغوا الإطاحة بصدام مع عدم ( تبديل النظام ) , وحتى لو جاء البعض من رجال صدام بعد إسقاطه , حسب فرضية غربية فان النظام لن يكون هو نفسه مع الاحتلال , انه نظام آخر في عرف الاتفاقات والمعاهدات الدولية , بل هو نظام الدمية الاحتلالية التي قالت به اتفاقات جنيف ومعاهدة لاهاي ووثيقة نورمبرغ وحتى الدليل الميداني ( الفكري والسياسي ) لنظام الجيش الأمريكي نفسه .


ذلك أن بلير يفهم عبارة ( تبديل النظام ) لدول ما , ليست من مهمة الحكومات البريطانية في جميع الظروف , ويؤكد ثانية في المكان نفسه ( المشاركة في الحرب لم تكن بغاية تبديل النظام العراقي , بل بسبب خرق الرئيس العراقي لقرارات الأمم المتحدة ) , ولكن ما هي هذه القرارات التي انهالت على رأس العراق مثل زخ المطر , بمعدل قرار كل أسبوع من مجلس الأمن الدولي !..


ففي فاصل قرار عن أخر , لم يكن الوقت ليسعف العراق في رد موزون , أما تقرير العراق عن أسلحة دماره الشامل , حيث انطوى على ( 12 ألف صفحة) , فسرقته المخابرات الأمريكية لسببين :


الأول / إخفاء عديد الشركات الأمريكية العاملة في مشاريع تحديث الأسلحة العراقية وعددها 12 شركة كبيرة.
الثاني / للنتيجة القاطعة التي توصل إليها التقرير في التدمير الحقيقي – الميداني لكل أنظمة الأسلحة الشاملة منذ العام 1998 م في العراق .


لجان التفتيش كلها , التي جابت العراق طولا وعرضا , لم تتحدث بكلمة عن عثورها على مثل هذه الأسلحة , حتى في قصور الرئاسة التي وصفها تشيني نائب الرئيس بوش , بأنها تعادل ( أي هذه القصور ) مساحة واشنطن !.. ولم نر هذه المساحات بعد الاحتلال !


بلير في جلسة التحقيق يبدي تهافته في نقائض ( كنا نعلم انه لا علاقة بين النظام العراقي والقاعدة , لكننا لا نستطيع أن نجازف فيما إذا تمكنت الأنظمة المارقة مثل العراق وإيران وليبيا ... من الوصول إلى كمال أسلحة التدمير .. ماذا ستفعل بالغرب ) ؟!


ربط العراق بالقاعدة إذن , على ( احتمال أو نبوءة ماذا سيجري إذا امتلك العراق هذه الأنظمة التسليحية ) ولكن كيف أن هذا الربط قائم في العلاقة مع أحداث أيلول , فهذا ما لا يريد بلير الإشارة أليه .


وبسبب من وصول وقائع التحقيق عبر إعلام عربي ، فأننا لا نعلم ماهية أسئلة القضاة إلى بلير، فقد عثرنا على أجوبة بلير لكننا لم نعثر على أسئلة القضاة ،ألا السؤال الرئيسي والأهم ربما (ما هي مبرراتك للذهاب إلى الحرب مع العراق ؟) ففي المقابلة سئل بلير من احد القضاة (هل كنت ستقحم بلادك في الحرب لو كنت تعلم أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل ؟) ويجيب بلير بأسلوب المسرح البريطاني (كنت سأستمر في الاعتقاد أن الإطاحة بصدام أمر صحيح ،فمن الواضح أننا كنا نستخدم و نطور حججا مختلفة في شأن طبيعة التهديد العراقي ).. قناعات بلير مقابل مليون قتيل عراقي ،


وإذن التفتيش عن الحجج وليس التهديد بذاته ،لأن التهديد الفعلي لم يكن قائما في الأساس ،فقد أصدر المفتش الأميركي الأهم سكوت ريتر مذكراته عن ايام التفتيش في العراق فأكد أن( لجان التفتيش لم تكن محايدة ولا نزيهة , ومع ذلك فإنها لم تقل لا يوجد , بل ظلت تقول لم نعثر , ناهيك أن التفتيش المفتوح, كان يعمل لصالح تقارير سرية , ترسل نسخها إلى جهات لا علاقة للأمم المتحدة بها ) , وربما يعني الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا ...


وقد أصبحت هذه الظنون في مرتبة المؤكد بعد القصف الدقيق لتموضعات الجيش العراقي أثناء الغزو الاحتلالي .
وينحي بلير باللائمة على نظام صدام حسين , من حيث انه لم يستجب للحلول السلمية والدبلوماسية ( لقد وعدت الرئيس بوش أن أكون إلى جانبه إذا فشلت الجهود الدبلوماسية ) ويعود زمان هذا الكلام , إلى نيسان من العام 2002 م حين اجتمع بلير وبوش في مزرعة الأخير في تكساس .


ترى ما هو الشوط الزمني المقطوع بين نيسان 2002 م وآذار 2003 م , واضح انه اقل من سنة , وهنا ما هو نوع الجهود الدبلوماسية المبذولة مع العراق فآلت إلى الفشل ؟! ففي نيسان نفسه من العام 2002 م ذُُكرت مجزرة حلبجة على لسان كبار المسؤولين الأمريكيين في الإدارة , والخارجية والبنتاغون ( 145 ) مرة في شهر واحد كما تقول نيويورك تايمز ( بذات التاريخ ) , وهذا معناه أن الأجواء لم تكن محضرة لجهود دبلوماسية بالقطع , فمجزرة حلبجة التي ألقيت على كاهل العراق كان لها اتهام اخر قبل اجتياح الكويت , فقد نشر روجرز تريبلينغ وهو مراسل مجلة فيلج فويس , مقتطفات من تقرير طويل للمخابرات المركزية نفسها ( في ايار 2002م ) يقول بالحرف :


( إن معظم ضحايا حلبجة ماتوا بسبب استخدام غاز من محلول السيانوجين كلوريد , وحيث أن العراق ليس له سجل في هذا النوع من الغاز , فإننا نستنتج إن إيران هي المسؤولة عن استخدامه نظرا لاستحوازها على هذا الغاز ) .


وقد سبق لعلماء أمريكيين منهم ستيفن بلتير ( كان يشغل منصب أستاذ محاضر ) , إضافة إلى عمله كأحد كبار الباحثين في قسم الدراسات الإستراتيجية في كلية الأركان الأمريكية , وهناك مستشار الرئيس ريغان الدكتور جود وانسكي الذي زار منطقة حلبجة أواخر العام 1988 م , فخرج بتقرير مماثل لما ذهب إليه بلتير ( سيانوجين كلوريد ) , ثم هناك مراسل مجلة نيويوركر إلى الشرق الأوسط , حيث تضمن كتابه ( قلاع من الرمال ) , وفيه لا يجد ( سببا أخلاقيا لاتهام العراق بمذبحة حلبجة ) .


أما الزعيم الكردي الكبير عبد الله قاسملو فقد قال كلاما مماثلا عن حلبجة , فكانت رصاصات قاتلة تنتظره في فيينا .. فهل لهذه الأسباب وسواها , لم تدرج مجزرة حلبجة في محكمة صدام , من حيث هي الأهم والأكبر ؟!


إشكالية حلبجة مثل جميع الإشكاليات التي تحدث عنها بلير , في المقابر الجماعية للشيعة والأكراد وهي ذات الاتهامات التي قيلت قبل الحرب لتسويغها ...


في الخلاصة فان توني بلير يستحق محاكمة في لاهاي , وليس لجنة تحقيق بريطانية في لندن .

 
hamdanmoaz@yahoo.co.uk
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١٩ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٣ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور