الأنتخابات ... تساؤلات مشروعة لمشاركة غير مشروعة

 
 
 
شبكة المنصور
صلاح أحمد

لقد الفنا الحديث عن موضوعات تتعلق بالأزمات والمشاكل السياسية و الأقتصادية وغيرها الكثير من التي يواجهها العراق على نحو تفصيلي وشامل ،والتي شكلت بمجملها نتاج الواقع الجديد الذي أفرزه الاحتلال البغيض وماترتب عليه من تداعيات ، وعلى الرغم من الأهمية الأستثنائية للتذاكر المستمر الذي يقوم به المثقفين والأعلاميين في تناول هذه الموضوعات عبر الفضائيات والحلقات والندوات النقاشية ،ولكن الملفت، هو سعي البعض منهم لتكريس مفاهيم مغلوطة في محاولة لفلسفة الوضع الراهن وأعادة صياغة منهجية النظر اليه وفقا لمعايير ربما توصف شكلا بأنها واقعية ،حيث يفيد هذا البعض بضرورة عدم غلق الأبواب دون بعض الشخصيات أو الحركات الوطنية لتخوض الأنتخابات ،لتحاول بعد ذلك أن تمارس دورها الوطني في تأسيس خطوات صحيحة بأتجاه التحرير والخلاص من الأحتلال ،و حالة من هذا النوع حسب رأيهم أفضل من عدمها ، وقد يكون هذا الرأي تم تأسيسه على خلفية ماحصل فيما يسمى بأنتخابات مجالس المحافظات من فوز السيد الحبوبي في كربلاء والسيد النجيفي في نينوى،ومن هنا يكون الدفع بفرضية التوسيع لدائرة المشاركة وتأسيس مواطىء قدم وطنية في أرض مايسمى بالعملية السياسية،من غير أن يهتم أصحاب هذا الرأي بأن هذه العملية صممها وصنعها الأحتلال مستخدما مواد الخردة التي كان جل قوامها من العملاء والأنتهازيين والوصوليين وقناصي الفرص واللصوص ،والتي هي ببساطة ليست سوى بركة مياه آسنة يتعذر فيها نهج اساليب نظيفة لتحقيق غايات صحيحة ،وأنا هنا أود أن أشير الى جملة من الملاحظات وهي كما يلي :

 

1- العراق محتل منذ 9/4/2003  من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الرسميين وغير الرسميين ،وهذا الأحتلال بكل ماأحتمل من قوة بشرية كبيرة وأموال طائلة، لم يأتي ليحل مشكلة في العراق تتعلق بذاته أو كيانه البشري أو السياسي أو في أيا من تفاصيل الحياة فيه،بل العكس صحيح تماما من حيث أنه جاء ليخلق مشكلة كبيرة وعملاقة وراسخة،وأعتقد أن هذه الحقيقة أصبحت واضحة وعصية على النكران أو التجاهل أو الدحض ،لأن المنطلقات(المصلحية) والأساليب(الوحشية) والأهداف (التدميرية)التي تشكلت منها جريمة الأحتلال عكست على نحو جلي وواضح الرغبة الجامحة لدى الأدارة الأمريكية السابقة  في تغيير صنف العراق من دولة إلى مشكلة ،وهذه المشكلة اتضحت معالمها على هيئة اغتصاب حقوق وانتهاك حرمات وأعتداء على سيادة وسلب حرية واستقلال بلد برمته من دون أي مسوغ قانوني !!!.و قد رشح عن كل ذلك فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى قيمية هيمنت على المجتمع العراقي.أذن هذا لم يكن بأي حال من الأحوال مشروع لتحقيق تغيير سياسي أوصناعة مجتمع ديمقراطي ،بل هو مشروع تدمير لبنية ومضامين وثقافة المجتمع العراقي ومحاولة حقيقية لنزع هويته الفكرية والأخلاقية. ومما يجب أن لايسقط من الذاكرة، أن هذا الأحتلال الذي دخل سنته السابعة لم يحقق شيء ايجابي على الأطلاق ،ربما لأنه لايعرف ،أو لأنه لايريد ،وربما الأثنين معا ،وهذا ما أعترف به مسؤولين أمريكيين مختصين بدائرة مايسمى أعادة الأعمار خلال ندوة بثتها قناة الجزيرة مباشر يوم 27/7/2009 ،هؤلاء قالوا من جملة ماقالوه أن الأدارة الأمريكية كانت عاجزة عن تقييم الأوضاع في العراق وهي بذلك أخفقت في صياغة منهجية واضحة وصحيحة في التعامل معه ،أذن الأدارة الأمريكية كانت تعلم لماذا وكيف تحتل العراق ،ولكنها لم تشغل تفكيرها برسم سياسة للتعامل معه في مرحلة الأحتلال ،لأن هذا الأمر على مايبدو  لم يكن جديرا بأهتمامها ،وهذا مانراه في حاضر العراق ( الجديد !!؟) ،واذا كان هناك من يقول بأن هذا الأحتلال أضحى واقع ألان ،فنقول اذا كان كذلك، هل ينبغي التعامل معه بالمهادنة أو الأنتظام في سكته التي رسمها ليحقق مآربه وأهدافه المريضة ونتبع البعض الذي يحلو له الركون إلى فكرة الضرورات تبيح المحظورات!!؟؟. وعلى ضوء ماتقدم ،فهل ستكون للمشاركة الوطنية دور في تحريف أتجاه البوصلة الصهيو أمريكية عن مقاصدها وأهدافها من مشروع أحتلال العراق ؟وهو المشروع الذي أنفقت فيه المليارات تلو المليارات من الدولارات لتنفيذه على وفق ما تم تصميمه في دهاليز وأقبية مخابراتها؟؟والتزمت فيه أمام المؤسسات والمنظومات الصهيونية والدينية المتطرفة والتي تتحكم في سياسات ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية؟؟ .

 

2- أن قوات الأحتلال أندفعت كالثيران الهائجة لتعبث في كل بنى العراق المادية والبشرية وتعجل في هدم أركان دولته ،ولتفسح المجال أمام عملاؤها لملىء الفراغ بطريقة عشوائية وفوضوية ليساهموا وفقا لأدوارهم المرسومة في تعريض بلد بكامله إلى الانهيار والدمار وخلق كل مناخات واسباب الصراعات الطائفية والعرقية والمصلحية وأشاعة ثقافات فاسدة .وكل هذه التداعيات التي افرزها الأحتلال الصهيوأنكلوأمريكي وظهيره الأحتلال الصفوي أخذت طريقها في التجذر والرسوخ بالمجتمع ،خصوصا وانها أستندت على كل وسائل الأستقواء بالأحتلال الذي شكل حاضنة آمنة للعابثين والفاسدين واللصوص .أن العملاء والخونة والجواسيس من حاملي الجنسية العراقية من الذين تصدروا المشهد وفرضوا أنفسهم على الساحة، باستحقاقات ترتبت على عمالتهم لأسيادهم في منظومة التحالف الصفوصهيوأنكلوأمريكي، هؤلاء الذين أختزنوا في قلوبهم وعقولهم الأحقاد والأضغان و سوقوا أنفسهم عبر الأفكار الطائفية الرخيصة وشعارات رفع المظلوميات التي غازلوا بها العديد من  العوام و البسطاء،وساعدهم في ذلك عدد غير قليل من أصحاب العمائم  الذين اندمجوا في اللعبة،هؤلاء لديهم مشروعهم الذي يعكس الأفكار والأهداف الشعوبية والصفوية لنظام الملالي في أيران ،وهم من يظنون بأن فرصتهم قد حانت ويجب القبض عليها وأستثمارها الى أقصاها ،وليس ثمة من حرج من الأنتظام في سكة الشيطان الأكبر طالما ظل وسيلتهم الوحيدة في تحقيق أهدافهم التي عجزوا عنها طيلة عقود مضت .هؤلاء المتشيطنين قد تجذرت أدواتهم ووسائلهم في السلطة ومؤسساتها وأجهزتها ،و هم من يملكون مفاتيحها ،وهم على طرفي نقيض مع أي مشروع وطني ، ولن يكون ثمة جامع يجمعهم طالما تقاطعت الثوابت والمرتكزات الفكرية والأخلاقية .فهل يعقل أن يكون ثمة سبيل للتلاقي أو التفاعل معهم لتحقيق مصلحة وطنية تصحح الأوضاع التي رشحت عن عمالتهم للأحتلالين ؟؟خصوصا وأن المنطلقات والمناهج والأهداف لم ولن تكون متماثلة وليس من سبيل لتقاربهما أن مرحليا أو ستراتيجيا،هذا فضلا عن أن مشاركة هؤلاء في بركة العملية السياسية هو بمثابة تشويه وتلويث لأفكار ومناهج الحركات الوطنية من جهة ودعم لمنظومات العملاء من خلال أضفاء الشرعية على مايسمى بعمليتهم السياسية.

 

3 - أن فوز شخصيات وصفت بأنها وطنية في ما يسمى بانتخابات مجالس المحافظات ،لن يؤشر بالضرورة الى حالة ايجابية يمكن أن يعول عليها في  توسيع نطاق المحاولة في ذات اتجاهها ،والسبب في ذلك يعود الى حجم الممانعة السلبية التي صنعها الاحتلال عبر منظومة الأدوات والقيم والثقافات الفاسدة التي بثها بصيغ ممنهجة تفوق كثيرا في أمكانيات تأثيرها ووسائلها مالدى الشخصيات أو الجماعات التي تجتهد في تحقيق التغيير الأيجابي من خلال الدخول فيما يسمى بالعملية السياسية !!،ولذلك فأن التضييق وبكل الوسائل من طرف الأحزاب والتيارات العميلة سيطال كل المحاولات الوطنية،وثمة شواهد كثيرة على الجهود الكبيرة والأستثنائية التي تبذل من طرف الحكومة العميلة لأقصاء كل من يلامس ولو من بعيد الحالة الوطنية ،وقد شمل ذلك حتى الذين أئتلفوا معهم في العملية السياسية ومنحوهم الشرعية . فالحقيقة التي يجب أن لاتغيب عن الأذهان هي تلك المتصلة بأن العراق (الجديد!!؟؟) لايحكمه قانون الأختلاف في الرؤى والسياسات ،بل تتصارع فيه الأرادات على خلفية التقاطع في العقائد وعمق الأرتباط الفكري والمنهجي بأجندات دول ومنظومات لها ثقلها الكبير ودورها الأستثنائي في تحديد معالم المشهد السياسي وأمتداداته في كل مناحي الحياة للمجتمع العراقي .ومن هنا فأن المراهنة على صيغة الشراكة السياسية مع كل أولئك الذين نشأوا على عقائد منحرفة وصهرتهم الماكنة الصهيونية والصفوية لن يجدي نفعا وسيكون بمثابة أستهلاك  للسمعة والجهد معا .فهل سيكون الخوض في بركة العملية السياسية الآسنة هو الطريق لتحقيق حالة التنزه من كل ماعلق بالعراق (الجديد !!؟؟) من أدران وأمراض وهل سيكون المشروع (الديمقراطي !!؟؟) قادرا على أستيعاب هذا الكم الهائل من التناقضات والتقاطعات في ظل الغياب المقصود للثوابت والمرتكزات الوطنية والأخلاقية لصناع وأدوات العملية السياسية ؟؟

 

أن مانعتقده ليس ضربا من الخيال أو جنوحا في الوهم ،بل هو المنطق والحق بعينيهما ،فالأحتلال باطل وفقا لكل الشرائع والقوانين ،وهو فاقد الشرعية في أصل فكرته وفاقد لها من حيث تهاوي وسقوط كل ذرائعه وأنفضاح أكاذيبه التي سوقها ،ومن ثم ،فأن كل مابني على باطل فهو باطل ،وكل ماترتب على غزو العراق وأحتلاله من تداعيات متمثلة بسطوة العملاء والمفاسد التي أشاعوها لاينبغي لعاقل أن يتعاطى معها ،وليس من سبيل للتحرير والتطهير سوى المقاومة بكل وسائلها المشروعة .وأي أسلوب آخر هو محض هراء ومحاولة من حيث يعلم القائمون به أو لايعلمون سيكون بمثابة تلميع وتجميل للصور القبيحة التي أبتلي بها العراق .

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ٠٧ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢١ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور