الموقف الوطني الصائب إزاء انتخابات ''الاستحقاق الأمريكي''

موقف المواطن العراقي - مقاطعة الانتخابات اقتراعًا للعراق الحرّ المزدهر

﴿ الحلقة الثانية ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
سعد داود قرياقوس
المشاركة في العمليَّة الانتخابيَّة بقدر ما هي "حقُّ" يتمتَّع به المواطنون لتحديد مواقفهم من المتغيِّرات السياسيَّة والاجتماعيَّة المطروحة، هي في الوقت نفسه "واجب" يحفِّز المواطن في المجتمعات الديمقراطيَّة على أدائه. لا نقاش في وجوب مشاركة المواطنين في عمليَّة الاقتراع وأهميَّتها، لا سيَّما في انتخابات تحدَّد نتائجها تركيبة المؤسَّسات التشريعيَّة والتنفيذيَّة. لكن أيَّة انتخابات تلك التي يتوجَّب على المواطن المشاركة فيها؟ الحديث هنا ينصبُّ على تلك التي تتوفَّر فيها مقوَّمات الشرعيَّة الوطنيَّة، وتلبَّي طموحات الشعب وآماله، وتُنظَّم في بيئة تتوفَّر فيها السيادة الوطنيَّة، لا تلك التي تنتفي فيها مقوِّمات تلك الشرعيَّة وشروطها ومستلزماتها، وتُنظَّم تحت أحذية الغزاة لخدمة مصالحهم .


لن نأتي بجديد أذا ما ثبَّتنا حقيقة انتفاء شروط الشرعيَّة الوطنيَّة والقانونيَّة ومستلزماتها في الانتخابات المقبلة، أسوة بانتفائها في الانتخابات السابقة التي نظَّمها الغزاة في وطننا المحتل. هذه الحقيقة تغيَّر طبيعة موقف المواطن الصائب إزاء الانتخابات من "وجوب المشاركة " إلى "وجوب المقاطعة".


حجم التحدَّيات التي يواجهها شعبنا وخطورتها، ومتطلَّبات دحر مشروع الاحتلال واسترداد السيادة الوطنيَّة، تحتَّم على أبناء شعبنا تصعيد تصدِّيهم لبرنامج الاحتلال والعمل على إجهاض عمليَّته السياسيَّة باستثمار جميع الوسائل المتاحة، وفي مقدِّمتها مقاطعة انتخابات الاستحقاق الأمريكي.


مع اعتزازنا الكبير بالموقف المشرِّف لأبناء شعبنا المجاهد الصابر، وتثميننا العميق لعطاءاتهم وتضحياتهم وتصدِّيهم للمحتلَّين وعملائهم، ودعمهم السخيِّ للمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، ومع احترامنا حقَّهم في تحديد قراراتهم، وبعيدًا عن إملاء المواقف وفرض الآراء، وانطلاقًا من حرصنا على المصلحة الجمعيَّة لشعبنا وعلى ديمومة المقاومة وانتصارها، نهيب بأبناء شعبنا لا سيَّما أولئك الذين لم يحسموا موقفهم من الانتخابات إلى التوقُّف أمام مسلَّمات الاحتلال وثوابت الوطن والمقاومة، وإعادة النظر في قرار قضيَّة مشاركتهم بشجاعة وتمعُّن، قبل إلحاقهم الضرر بمصالح شعبهم عبر المشاركة في انتخابات المحتِّل ودعمم عمليَّتة السياسيَّة. من الضرورة بمكان أن يسترجع أبناء شعبنا الأغراض الحقيقيَّة للانتخابات وارتباطها الوثيق بأهداف الاحتلال ومصالحه، وتقدير نتائجها الكارثيَّة على مسارات حياتهم ومستقبل أجيالهم، وبشكلٍّ خاصِّ، نقترح على أبناء شعبنا تأمُّل الحقائق التالية:


أوَّلاً، قراراحتلال العراق لم تفرزه تداعيات أحداث الحادي عشرمن أيلول/ سبتمبر كما يدَّعي نفر ساذج، بل صفحة متقدِّمة من صفحات مخطَّط الهيمنة الأمريكيَّة على مقدَّرات المنطقة وثروتها النفطيَّة، وأهمُّها بحيرات النفط العراقيَّة، هدف تمَّ تحديده منذ عقود. هذا الطرح ليس اجتهادًا بل حقيقة راسخة تدعمها الأدلَّة والوثائق. السبب الأساس لغزو العراق ومصادرة حقِّ شعبه في اتِّخاذ قرارته السياسيَّة والاجتماعيَّة، وإلغاء سيادة دولته، يكمن في أهميَّة السيطرة على منابع النفط العراقيَّة لضرورات الأمن الاقتصادي الأمريكي، إلى جانب دوافع عديدة أخرى، تنصبِّ في نهاية الأمر في صالح مشروع الهيمنة الإمبريالي الصهيوني. تحقيق هذا الهدف، تطلَّب الإجهاز على النظام الوطني – القومي في العراق، النظام الذي غيَّر طبيعة تقسيم العمل الدولي بإقدامه على تأميم ثروة العراق النفطيَّة وتحويلها من ملكيَّة الشركات الاحتكاريَّة إلى ملكيَّة شعب العراق.


ثانيًا، استقراء التجربة التاريخيَّة للشعوب التي عانت من الغزو الأجنبي لأراضيه، وإشارتها إلى تعدُّد صيغ هيمنة القوَّة المحتلَّة ومرورها بمراحل عدَّة، ابتداء من صيغة الحكم المباشر وانتهاء بصيغة الحكم بالنيابة، أو "توطين" الاحتلال إن صحَّ التعبير، عن طريق تنصيب مجموعة من العملاء لإدارة مؤسَّسات الدولة والمجتمع لأجل ضمان سيطرة القوَّة المحتلَّة على مقدَّرات الشعب وتروضيه. نهج الاحتلال الأمريكي في العراق لم يخرج عن هذه القاعدة، فسلطة الاحتلال، عبر بوَّابة العمليَّة السياسيَّة فرضت مجموعة "مختارة" من باعة الوطن، تمَّ إعدادهم مسبقًا لتنفيذ برنامج الاحتلال وتحقيق أهدافه، من خلال فرض دستور مصمَّم لخدمة مشروعها، وتنظيم انتخابات مزيَّفة أوصلت عملاءها إلى موقع اتِّخاذ القرار. لذا، كلُّ من ساهم في دعم المحتلين على إدارة العراق، على اختلاف هويَّاتهم ومرجعيَّاتهم وتاريخهم، يبقون في نهاية الأمر، وفي أحسن حالاتهم، عملاء إذلاَّء للاحتلالين الأمريكي والإيراني، لا يصح منحهم الشرعيَّة عبر المشاركة في انتخابات محسومة النتائج والأهداف .


ثالثًا، ما تُسمَّى "العمليَّة السياسيَّة" تجسد جوهرالاحتلال وتحقق أهدافه. هذه العمليَّة الخادعة لا تمتًّ بصلة لمصالح شعبنا وحقوق أجياله. لذا، فالمسؤوليَّة الوطنيَّة تتطلَّب السعي لإجهاضها لكونها نتاجًا لاحتلال يفتقر إلى مقوِّمات الشرعيَّة القانونيَّة والأخلاقيَّة، ولاستنادها على مبدأ المحاصصة الطائفيَّة والعرقيَّة، ولخطورتها على وحدة شعبنا التاريخيَّة، وتجييرها ثرواته لحساب الشركات الاحتكاريَّة، بالإضافة إلى كونها عنصرًا هامًّا من عناصر مشروع الهيمنة الأمريكي - الصهيوني، وآليَّة لتغطية جرائم الاحتلال وعملائه تجاه شعب العراق، وعائقًا أمام استرداد السيادة الكاملة، وتحصيل استحقاقاته الوطنيَّة بما فيها حقُّ التعويض الكامل عن جميع الخسائر المادَّيَّة والبشريَّة الناجمة عن الاحتلال وتبعاته.


رابعًا، الحراك السياسي العقيم القائم على المنافسة السياسيَّة المُفتعلة أو ما يوصف بـ "التوافق والمحاصصة" لا علاقة له بأولويَّة شعبنا السياسيَّة، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشروع الاحنلال وأهدافه. تنظيم الانتخابات وحشد أكبر مشاركة ممكنة تعدُّ مطلبًا أمريكيًّا مهمًّا لا سيَّما للإدارة الجديدة التي اعترف رئيسها بأنَّ الحرب في العراق كانت "حرب اختيار" وليس حرب ضرورة. تنظيم الانتخابات والمشاركة الجماهيرالشعبيَّة فيها، بصرف النظر عن هويَّة الرابحين أو الخاسرين، تمنح الإدارة الأمريكيَّة غطاءً لإبقاء قوَّاتها في العراق بذريعة الدفاع عن "الديمقراطيَّة الفتيَّة. فالانتخابات، وفقًا لطروحات إدارة أوباما "هديَّة" أمريكيَّة لشعب العراق "المحرَّر" تعوِّض عمَّا ارتكبته عصابة بوش من جرائم إنسانيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة بحقِّ شعبنا في العراق!


خامسًا، حصيلة المرحلة المريرة السابقة من الاحتلال و "إنجازات" حكوماته التي تمخَّضت عن العمليَّة السياسيَّة معروفة بكلَّ تفاصيلها لأبناء شعبنا. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: انتشار الجريمة وعمليَّات القتل والخطف والابتزاز والاغتصاب، والقتل على الهويَّة والتهجيرالقسري، والاحتقان العرقي والطائفي، وطوفنة الوزارات ودوائر القطاع العام ، وحرق المساجد وتدمير الأضرحة وتفجير الكنائس وإدخال الممارسات الشاذَّه والغريبة عن المجتمع العراقي، وتغييب الشخصيَّة الوطنيَّة، وخلق مناخ الاقتتال الطائفي، ومصادرة هويَّة العراق الوطنيَّة والقوميَّة، وهيمنة الميليشيات وفرق الموت، واتِّساع نفوذ إيران وسيطرة عملائها على أجهزة الدولة، وتجيير ثروة الشعب النفطيَّة إلى الشركات الاحتكاريَّة، وتقييد العراق باتِّفاقيات أمنيَّة مُخلَّة بالسيادة الوطنيَّة وانفصال تام لشمال الوطن، وغيرها من "إنجازات" العمليَّة السياسيَّة ونتائج انتخاباتها السابقة جديرة بمراجعة إبناء شعبنا قبل التوجُّه لصناديق الاقتراع.


أبناء شعبنا مطالبون في هذه المرحلة المصيريَّة في اختيار أيِّ "عراق" وأيِّ "وطن" يريدون! الخيارات واضحة وبسيطة. عليهم المقايسة بين شعب قويٍّ موحَّد ، ودولة ذات سيادة قائمة على أسس المواطنة، وبين شعب مجزَّء ضعيف، فاقد السيادة ومستند على أسس طائفيَّة وعرقيَّة؟


أبناء شعبنا مطالبون في تحديد سمات مجتمعهم المستقبلية واختيار اي مجتمع ينشدون ، مجتمع مزدهر متطوَّر ومصدِّر للثقافة والعلوم والحضارة، أم مجتمع تسودة الأفكار المتخلِّفة وتنتشر فيه الشعوذة، والسلوك الاجتماعي المشوِّه والممارسات الدينيَّة المحرَّفة! عليهم أن يختاروا عراقًا يقودة أبناؤه الصادقون الحريصون على كرامته وثروته، أم عراقًا تسيِّره حفنة من العملاء واللصوص الدوليِّين والمهرِّبين وقطَّاعي الطرق.


عليهم أن يقرَّروا إذا كانوا يطمحون لعراق دولة "السيادة الكاملة" والاستقلال الناجز والحضور الدولي والإقليمي الفاعل، أو لعراق يُملي عليه بوش وأوباما ونجادي والخامئني شروطهم وأوامرهم! عليهم المفاضلة والخيار بين عراق يملك أبناؤه حقَّ ملكيَّة ثرواتهم ويتمتَّعون بعوائدها، أو بين عراق تسيطر على ثرواته الشركات الاحتكاريَّة الأمريكيَّة، ويتمتَّع المواطن الأمريكي بريع الثروة العراقيَّة!


البدائل واضحة والخيار مطلوب، ولا مكان للوسطيَّة والحياد عندما يتعلَّق الأمر بمصير الشعب ومصالح أجياله.
إذا كان أبناء شعبنا يطمحون بوطن حرٍّ آمن، يُحدَّد أبناؤه طبيعته وهويَّته ومستقبله، ويملكون ثرواته ويتمتَّعون بها، وطن قويًّ موحَّد متطوَّر قائم على أسس التعدُّديَّة السياسيَّة السليمة، ويكفل مواطنيَّه حقوقهم الكاملة، عليهم مقاطعة الانتخابات المقبلة مقاطعة شاملة وتامَّة، والامتناع عن التوجُّه إلى صناديق الاقتراع. أمَّا إذا كانت رغبة أبناء شعبنا العيش في وطن محتلًّ فاقد السيادة يقوده عملاء المحتلِّين وتزدهر فيه النزاعات الطائفيَّة والممارسات الشاذة والدخيلة، ويقوده غرباء متخلِّفون، فليذهبوا إلى صنايق الاقتراع، ويساهموا في استمرار احتلال وطنهم والتفريط بثرواته!


مصالح الوطن في هذا المفترق التاريخي، تفرض على أبناء شعبنا، كما أشرنا إليه أعلاه، مسوؤليَّة دحر خطَّة تفتيت العراق بمقاطعتهم انتخابات الاستحقاق الأمريكي. عهدنا في أبناء شعبنا وثقتنا بوعيهم وبعمق انتمائهم الوطني وتمسُّكهم بكرامتهم الوطنيَّة وحرصهم على مستقبل أجيالتهم، تقودهم إلى مقاطعة الانتخابات كخطوة أوَّليَّة لإجهاض عمليَّة المحتلِّ السياسيَّة، ودحر الاحتلال واسترداد السيادة والبدء بإعادة بناء الوطن الحرِّ المزدهر.


نختم بالقول: المشاركة في الانتخابات، تشكِّل اقتراعًا للاحتلال والطائفيَّة وللعراق المحتل، ومقاطعة الانتخابات تشكِّل اقتراعًا للعراق الحرَّ الأبي.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٤ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٨ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور