٨ شباط ( ١٤ رمضان ) الثورة المظلومة

 
 
 
شبكة المنصور
ضياء حسن
تمر هذه الأيام الذكرى 47 لأنطلاقة ثورة 8 شباط عام 1963 الرابع عشر من رمضان , وصار لزاما أن تذكر الحقائق المتصلة بها من عدة وجوه هي:


أولا- الأعداد والتخطيط الدقيق لضمان تفجيرها


وبما يوفر أسباب نجاحها بحساب لقدرات الزعيم عبد الكريم قاسم ومن يتحالف معه من القطعات العسكرية , ومواقعها وقدرتها على التحرك السريع للتدخل لصالحه , وماهية أمكانية ردة فعل الجهات غير العسكرية ,تنظيات الأحزاب التي أعتبرته زعيما أوحدا للعراق كشكل من أشكال (ديمقراطية) ذلك الزمان!!


ثانيا – توفير مستلزمات الأمساك بالموقف
الداخلي بوقت سريع وبحركة مباغته لا تعطي الزعيم فرصة للمواجهة أو أدامة أحتمال المقاومة.


ثالثا-أختيار العناصر العسكرية البعثية ممن  كانوا بالخدمة ومن كانوا خارجها لتولي فعل الحسم الأساسي تنفيذا للقرارات التي تتخذها قيادة الحزب بجرأة يستدعيها الموقف في ضوءتقديرات القيادة وأحتمالات تطوره بجرأة ومن دون تردد أو تلكؤ.


رابعا- توفير الأمكانات الساندة من الكادر الحزبي أولا , حفاظا على سرية التنفيذ , لتكليفها بأداء المهمات الرديفة للفعل الرئيس وخصوصا في مهمات أختراق مقرات بعض القطعات العسكرية في بغداد للسيطرة عليها ,وبالتالي الأستفادة من أسلحتها في تنفيذ المهمات القتالية , نظرا لمحدودية المتوفر من السلاح الحزبي وأغلبه من النوع الخفيف أوالمتوسط كما أوكلت للشباب البعثي مشاركة الرفاق العسكريين في واجب مهم وهو التوجه الى تعطيل أي تحرك مدني مساند وعسكري يهب لنجدة عبد الكريم قاسم

 

خامسا- وضع خطة بتكليف عدد من الرفاق للأتصال بعدد من الشخصيات العسكرية القومية والوطنية وأصدقاء الحزب للألتحاق بالثورة بعد الخطوة الأولى لتفجيرها , بهدف تعزيز نجاحها ووضع أسس تشكيلات الدولة والحكومة التي تقود البلاد بعد مرحلة حكم الزعيم الأوحد على أساس وطني يراعي الجذر العربي للعراق , ويراعي حقوق الأقليات المتلاحمة تأريخيا في ظل الوطن الواحد والسعي لمعالجة الأثار السلبية للحكم السابق ووضع قاعدة للعمل الوطني المشترك بأطلاق الحريات السياسية والصحفية .


والأن لنر كيف تحرك البعثيون وأستطاعوا تغيير الحكم , وأي الوسائل أعتمدوا في السيطرة على بغداد وأي منهجية أعتمدوا في أختراق مواقع بعض القطعات العسكرية الفعالة المتواجدة فيها بأسناد جماهيري من ابناء بفداد الرئيسة في الكرخ والرصافة .


والأهم نلمسه في خطوة عزل الزعيم عن أنصاره العسكريين والمدنيين معا , والحق يقال لم يكونوا قلة في تقدير القيادة التي حسبت حجمهم وقدراتهم وأتجاهات تحركهم فوضعت لكل حال حجم معالجة , حدت من أمكانية توسع تحركهم فأضعفت من فاعلية مقاومتهم؟!


ونعود لخطى فعل الثورة كما رسمته قبادة الحزب ووضع مفرداتها المكتب العسكري في القيادة :-


1-المعروف ان مفتاح الثورة تمثل بقصف مقر الزعيم في مبنى وزارة الدفاع التقليدي في الباب المعظم , وهي أشارةالتحرك للأنقضاض على الاهداف العسكرية والمدنية المحددة في خطة تنفيذالثورة وقام بالعملية نسران جريئان منذر الونداوي وممتازالسعدون فأصابا الهدف أصابة مؤثرة.


2- ومعها بدأت الخطوات على  الارض وبعدة أتجاهات نهض بها الجهاز الحزبي ومنها ما كان اقتحاميا وتمثل بأقتحام معسر دبابات أبو غريب وقاده الرئيس الراحل أحمد حسن البكر بمساعدة عدد من كوادر الحزب وبأسلحة رشاشة خفيفة كانت مدفونة في بستان خارج حدود بغداد وقد نقلت الى ابي غريب بعد ان سهر على تنظيفها وتزييتها الرفيق الشهيد صلاح صالح في بيتهم الواقع في الشارع الرابط لساحة عنتر بالسدةالتي يقع عليها الأن القصر الرئاسي بمحاذاة الموقع الحالي لجسر الأعظية المعلق .


ويذكر أن الرفيق صلاح لم يبلغ بموعد البدء بالتنفيذ , وقد ذهب الى النوم بعد تسلم السلاح منه فجر يوم تفجيرها , فمهمته حددت بتهيئة السلاح قبل نقله الى الموقع المطلوب ليفعل فعله ,وليلتحق هو الى موفع أخرلأداء مهمة الحشد الجماهري.


وعندما نقلت الأسلحة المحدودة الى أبي غريب من قبل الرفبق نجاد الصافي وبسيارته الشخصية ,\وجد الرفيق الراحل البكر وفي الوقت المحدد واقفا وسط الشارع المقابل لمعسكر دبابات أبي غريب وهو يحمل مسدسا فقط وبعد توزيع الرشاشات على الرفاق المختارين للمهمة تم أقتحام المعسكر بشكل غير مسبوق أومتوقع مما باغت العسكريين المتواجدين فيه فسلموا مخزن الاسلحة فيه الى الرفاق الذين سيطروا على عموم المعسكر وحركوا دباباته بأتجاهات مختلفة بعد ان وفروا اسلحتها من موجود الكتيبة نفسها وكانواأمنوا وقودها سلفا, وأستبدلوا اسلحتهم البسيطة والتي لم يحتاجوها بأسلحة أكثر كفاءة من السلاح الحزبي المدفون وهو غير مجرب.


3- كان أول هدف أمسك به هو مرسلات الأذاعة في أبي غريب و قد أمنت السيطرة عليها, حماية محطة البث التيفطعت عن الصالحبة لتبدأ ببث بيان أعلان قيام الثورة بصوت الرفيق حازم جواد , وصوت الرفيق عبد الستارالدوري في أثر القصف المؤثر لوزارة الدفاع الذي عد بمثابة كلمة السر لتحرك الرفاق والأصدقاء المكلفين بالواجبات .


4-اما التوجه الثاني للدبابات المسيطر  عليها , فقد أستهدف أسناد انتشار الجهاز الحزبي وجماهير منطقة المأمون وما جاورها من أحياء .


وتوجه رتل الى الصالحية ليبسط سيطرته علي محيط الأذاعة التي أتخذت القيادة منها مقرا لها .وذلك بعد محاصرة معسكر الوشاش , موقع متنزه الزوراء حالبا وهو موقع تدريبي لمن يستدعى لاداء الخدمة العسكرية غبر الفعالة ممن يدفعون البدل , و لا يبقى فيه أيام العطل سوى الخفراء .


5-أتجه رتل أخر نحو وزارة الدفاع  ليحكم محاصرتها , بعد معركة ليست بالسهلة قدم فيها المقاتلون البعثيون عددا من الشهداء في مقدمتهم الشهيد الضابط الدرع وجدي الذي أستشهد وهو يقود هذه المعركة الحازمة في مواجهة حشد العسكريين المنتشرين حول مقر الزعيم داخل الوزارة قبل أن يضطر لتسليم نفسه بعد أن يئس من أحتمال .وصول قوات ضاربة لنصرته .


6- كان الجهاز الحزبي في منطقة  الكرادة بقيادة مجموعة من العسكريين البعثيين والقوميين قد أحكموا غلق ابواب معسكر الرشيد والطرق المؤدية اليه والقادمة منه .ليس بتواجد بشري فقط بل بحشد من السيارات المارة بما فيها الشاحنات وباصات نقل الركاب الحكومية والأهلية , مما ادى الى تكدسها واستحالت معه حركة او مرور اي قوة تسعى لنجدة الزعبم الأوحد كما ادى التواجد البشري المسلح الى منع العسكريين من أنصاره الألتحاق بالمعسكر وخصوصا الطيارين وقائدهم وغيرهم من قادة وأمراء العسكرية الفعالة الذين يدينون بالولاء للزعيم وقد تم أرجاع من ظهرمنهم أمام الحشد المحدد وكان من واجبه تعطيل فعل من يتوقع محاولتهم ألقيام بمثل هذه المهمة الدقيقة , وكان لهذه الخطوة بالغ التأثير لبلوغ النجاح في تنفيذ خطة الثورة أستنادا لمشاركة جماهيرية واسعة .


7- وتوجهت قوة اخرى لاسناد وقفة ابناء الأعظمية الداعمة للثورة وتحركهم من هناك لمعالجة أية محاولة معادية للثوار على أمتداد الطريق الممتدة من الأعظمية الى باب المعظم .


وقد أمنت كامل المنطقة , ولم تظهر فيها أية بؤر معادية ما عدا بعض عناصر الاحزاب المؤيدة للزعيم أنسحبت بعد أتم الحزب فرض سيطرته على محيط وزارة الدفاع وتم أطلاق سراح المعتقلين البعثيين والقوميين والمستقلين المعارضين للحكم القاسمي وخصوصا طلاب الثانوية الشرقية الذن قادوا الأضراب الطلابي الكبير المناهض للحكومة ,كان جميعهم قد أحيلوا للمجالس العرفية السائدة في ذلك الوقت , والجدير بالذكر أن سجن الموقف الواقع بمكان وزارة الصحة الحالي أسندت للبعثيين المعتقلين فية مهمة مشاغلة التحرك المعادي , وقد ابلغت الحلقة التنظيمية المسؤولة عن البعثيين داخل السجن بهذا الاحتمال قبل وقت قصير من دون الأبلاغ عن ساعة الصفر في حين كان قد وصل المعتقل في وقت سابق أحد المنشورات الحزبية وموضوعه يتحدث عن كيفية أسقاط حكومة عبد الكريم قاسم.


8- كلفت قيادة الحزب مهمة تبليغ بعض الشخصيات القومية والوطنية للألتحاق بقيادة الثورة بعد نجاحها للأسهام في تولي مهام قيادية فيها على المستويين المدني والعسكري وعلى سبيل المثال كلف الرفيق عدنان القصاب بتبليغ المرحوم عبد السلام عارف بالقرار وقام بأصطحابه من داره في الأعظمية الى مبنى الأذاعة في الصالحية حيث التحق بقيادة الثورة ورشح رئيسا للجمهورية بقرار مسبقا من الحزب وبموافقة قيادة الثورة وطبيعي أختيرعدد اخر من تلك الشخصيات لأحتلال مواقع متقدمة في الوزارة والجيش.


9- وثمة ملاحظة مهمة كان لها الدور المؤثر في انجاح خطى الثورة بأختيار الحزب لساعة تنفيذ الثورة في يوم جمعة (العطلة الرسمية لدوائر الدولة )وهو يوم يعتمد فيه اجازة العسكريين في عموم قطعات الجيش ودوائره المختلفة .


ولن أغوص في تفصيلات ما واجه الثورة خلال شهورها التسعة من فعل معاد توج بمواقف افتقدت للوفاء ممن اثرت قيادة الحزب أن تضعهم في موقع المسؤولية ,فطعنوها من الخلف ولايعني هذا أن اقفز على الأخطاء التي ارتكبها الرفاق في قيادة الحزب وفي بعض المؤسسات الاخرى وخصوصا من بعض عناصر الحرس القومي و هيئة التحقيق الخاصة وكانت قاتلة وظالمة لتأريخ البعث النضالي ومسيئة لمبادئه الأنسانية , فأعطت الفرصة لاعداء الثورة للقيام بتحرك مضاد للبعثيين نجح في ضرب الثورة من عناصر كانت تتظاهر بالولاء لها , مستفيدة من حالة الأنقسام التي حلت بقيادة الحزب , والحديث عنها ونقدها لابد ان يأتي في وقت لاحق ومناسب .


ولانريد الغوص في تفاصيل الماضي , فلا حاجة لنا بنكئ جراحه ,فيكفينا غرقا وأختناقا في جراحات الماضي والحاضر بسبب مرض الطفولة السياسية التي وقعت فيه جميع الأحزاب الوطنية التي كان لها سجلا نضاليا مشهودا في التأريخ الكفاحي العراقي من أجل الخلاص من الحكم السعيدي الغارق حتى أذنيه في جعل البلاد مستباحة بالقواعد العسكرية الأجنبية ومحكومة من قبل السفير البريطاني في بغداد ,كما يحكمها الأن السفير الأميركي ,ربما على وفق تعديل لمفهوم تداول السلطة في العراق فقضى هذا التعديل أن يكون التبادل على حكمنا بيد الاجانب , وبالدقة لمن أمتلك منهم هذا ( الأستحقاق ) , وحساب الأستحقاق هنا معياره من أمتلك قدرة السيطرة بالقوة العسكرية على العالم , ففي زمن الأمبراطورية البريطانية حكمتنا لندن بالأحتلال , وفي زمن الأستهتار اليانكي أنتقلت الولاية الى واشنطن, فحكمنا بالغزو الذي أدى الى أحتلالنا أيضا أوليست هذه (ممارسة ديمقراطية)تفضل بها علينا المحتلون مجانا ؟!! .


ولمرض الطفولة السياسية ,فرصة سانحة قادمة للحديث عنه لانه شكل نزوعا غريبا اعترى جميع القوى الوطنية في العراق ... فالى لقاء .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٢٤ صـفـر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٨ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور