انتخابات العراق بين اجتثاث بريمر ومساءلة الجلبي

 
 
شبكة المنصور
يوسف الأسعد

يشهد العراق موجة جديدة من الصراع على السلطة ضمن ما يسمى بالانتخابات وسط انقسامات شديدة واتهامات متبادلة بين قادة الأحزاب والمليشيات التي افرزها الاحتلال الأمريكي ، وعملت وفق أهدافه وتطلعاته الاستعمارية ، بينما لا يزال الدم العراقي مستباحا ً ، والوطن مجزءاً ، والمليارات من عائدات النفط تنفق على العصابات والمليشيات والأزلام والمرتزقة في اكبر عملية نهب منظمة تشهدها المجتمعات البشرية .


أمام هذا الواقع المأساوي و الكارثي لا يمكن لأي عاقل أن يصف ما يروج له في العراق بالانتخابات ، ذلك لأن من أولى مقومات الانتخابات الحقيقية ومن بدهيات ممارسة الفعل الديمقراطي أن يكون الناخب حراً في ممارسة للواجب الانتخابي ، وان يكون الوطن مستقلا في اختيار توجهاته ، لأن الحرية أساس الممارسة الديمقراطية ضمن دورة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وكيف يمكن أن تنطبق هذه المفاهيم على وطن أرضه محتله وشعبه إما مهجر وإما نزيل السجون ناهيك عن القتل والتدمير والملاحقة ؟


كيف يمكن أن تكون انتخابات ديمقراطية إذا كان المشرفون والمرشحون والقابضون على زمام السلطة في بغداد هم الذين جاؤوا مع الاحتلال وتآمروا على شعبهم ، وتبنوا دستوراً يعمل على تجزئة الوطن ، وتقسيم أراضيه بين الملل والنحل من أصحاب النزعات الطائفية والعرقية ؟


نص دستور بريمر على مقولة اجتثاث البعث ، وجاء بعده احمد الجلبي ليطور هذا الاجتثاث ويعطيه صفة جديدة عرفت بقانون المساءلة والعدالة والهدف واضح وجلي يتلخص في اجتثاث القوى الوطنية الشريفة ، واقتلاع جذور الغيارى على العراق ووحدة العراق ، ليظل هذا العراق كما أراد له الاحتلال الأمريكي والصهاينة وأصحاب المشاريع الطائفية والعرقية وطناً بلا هوية وشعباً بلا مستقبل .


ما من دستور في أية دولة من دول العالم إلا ونص في مواده الأولى على وحدة المجتمع والأرض ، وكفل بالتالي الحرية للجميع في ظل سيادة القانون الذي هو أساس في المجتمع والدولة ، وأكد على ضرورة تكافؤ الفرص أمام المواطنين ، وتوفير الحرية اللازمة للقطاعات الشعبية في حق إقامة التنظيمات السياسية أو الاجتماعية أو النقابية .


وحده دستور بريمر ، ومساءلة الجلبي شكلاً سابقة في دساتير العالم حين نصـّا صراحة على اجتثاث حزب البعث العربي والمتعاطفين معه ، وكل القوى الوطنية والقومية والإسلامية التي رفضت مبدأ الاحتلال ، وتصدت بشرف للمشروع الأمريكي الصهيوني في العراق .


يسأل المواطن العراقي ، ومن حقه أن يسأل من الذي يجب أن يجتث من العراق البعث العربي الذي بنى العراق سياسياً واقتصادياً ووحده وطنية ، ووفر قاعدة صناعية كبرى ، وحول العراق إلى جنة خضراء ، وقفز قفزات رائعة في مجالات العلوم والثقافة ، وأقام صروح الجامعات والمعاهد ، وكان على أبواب انتقال العراق من منظومة العالم الثالث إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى ، أم الذين قسموا الشعب العراقي إلى طوائف ومذاهب ، ودمروا الجامعات والمعاهد ونهبوا الآثار ، وحولوا العراق إلى أرض قاحلة ؟


يسأل المواطن العراقي ، ومن حقه أن يسأل ، وهو يرقب مهزلة ما يسمى بالانتخابات من الذي يجب أن يجتث من العراق البعث العربي الذي رفع مستوى دخل المواطن إلى مستويات عالميه ، ووفر جيشاً من العلماء والأدباء والمفكرين والفنانين والقادة السياسيين ، أم الذين سرقوا ثروات العراق ، وجوعوا الشعب وقتلوا العلماء والمفكرين ، وأعدموا القادة السياسيين في أوحش مأساة نازيه عرفها التاريخ ؟


لهذه الأسباب ولغيرها يرفض العراقيون التوجه إلى صناديق الاقتراع ، ويعتبرون المشاركة في مثل هذه المهازل تفويضاً لأعداء الشعب لمواصلة سيرهم في طريق تقسيم وتجزئة العراق ، ومع ذلك يسأل الباحثون في مراكز الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية عن تفسير لرفض العراقيين ممارسة حقهم الانتخابي .


إن أي شعب في دول العالم يمارس حقه الانتخابي إذا كان هذا الشعب يعرف أن صناديق الاقتراع ستقود بلاده إلى مزيد من الاتحاد ، ومزيد من الرخاء والتقدم ، وستجعل من بلاده واحة للحرية والديمقراطية فأين ذلك من العراق ، صناديق الاقتراع في العراق تعني للمواطن العراقي تجزئة الوطن الواحد ، وتقسيم المواطنين بين شيعة وسنة وعرب وأكراد وفق أجندات ظلاميه كانت المجتمعات البشرية قد تجاوزتها منذ مئات السنين .


يتوقع كثير من المراقبين والمحللين أن يشهد العراق بعد الانتخابات مزيداً من التصعيد على المستوى الأمني وذلك للأسباب الآتية :


أولاً : قد لا يتنازل حزب المالكي عن السلطة إذا ما تمكن أي ائتلاف من الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل حكومة جديدة ، وهذا ما سيفجر الوضع ويزيد الأمور تعقيداً .


ثانياً : في حال فشل أي تحالف أو ائتلاف من تشكيل الحكومة الجديدة ، ستعمد هذه التشكيلات إلى توسيع دائرة تحالفاتها ، وستكون هذه التحالفات طائفيه بالتأكيد مما يؤدي إلى إقصاء الأحزاب والائتلافات الأخرى .


ثالثاً : من تجارب السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق أن الأحزاب والائتلافات تتنازل وببساطة عما كانت تعتبره خطوطاً حمراء في سياستها الداخلية والخارجية في سبيل الوصول إلى السلطة ، وما يتخوف منه العراقيون بعد هذه الانتخابات أن يتم التنازل عن مساحات من أراضي محافظتي نينوى وديالى لصالح التحالف الكردي ، أو أن يتم التنازل عن مساحات من الأرض أو آبار نفط في محافظتي البصرة وميسان لدولة مجاورة بحجة إعادة ترسيم الحدود ، وحل الخلافات الحدودية .


هذا هو حال العراق في ظل الديمقراطية الجديدة التي بشربها الأمريكيون والصهاينة ، وهذا هو حال الشعب العراقي المظلوم بعد اجتثاث بريمر ومساءلة الجلبي .

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ١٣ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٧ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور