في رحاب الإمام الحسين عليه السلام

﴿ الحلقة السادسة ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
زامـــل عــبــــد

السيدة زينب بطلة كربلاء قدوة المرأة الرسالية

تحتل المرأة في التاريخ الإسلامي موقعاً رفيعاً وعالياً ، رفع الإسلام شأنها ومنحها العزة والكرامة ، بعد أن سحقتها الجاهلية العربية وحطت من مكانتها العادات والتقاليد البالية إلى يومنا هذا     
في تاريخنا الإسلامي نماذج شامخة وصور مشرقة للمرأة ودورها السياسي والاجتماعي في الأمة العربية ، ومن أبرز هذه النماذج التي نحتفي بذكراها في أيام عاشوراء والتي مثلت الدور المكمل والقيادي لركب الإمام الحسين ، هي بطلة كربلاء السيدة زينب بنت الإمام علي عليهما السلام


ولدت السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب في السنة الخامسة للهجرة ، وهي أكبر بنات سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ابنة الرسول العربي الهاشمي القرشي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وأله وسلم وتلقب بالحوراء وعقيلة الهاشميين وتكنى بأم كلثوم ، ولدت في حضن النبوة ، ونشأت في بيت الرسالة  ورضعت لبان الوحي من الزهراء ، وتغذت بغذاء الكرامة والسمو والفصاحة والصبر والجلد والشجاعة من سفرة علي عليه السلام فتربت في بيئة قدسية جدها الرسول وأمها الزهراء وأبوها الإمام علي وشقيقيها سيدا شباب أهل الجنة وأخوها الأخ الصادق بإخوته وحامي وكفيل حرائر رسول الله والمضحي الأمين بين يدي أبا عبد الله يوم عاشوراء والباذل ما يستطيع كي يسقي الأطفال والنساء شربة ماء  بعد أن منعوهم من الماء ليقضوا صبرا" الى الله وهم لاذنب لهم ســوى كونهم من أل بيت النبوة أبا الفضل العباس بن علي عليهما السلام

 

تعرضت الحوراء زينب منذ نعومة أظفارها إلى المحن والمآسي ، حالها حال آل بيت النبوة الذين قضى منهم الأئمة عليهم السلام الذين جاهدوا بكل ما لديهم لدرجة أن الأئمة المعصومين قتل منهم احد عشر إماما بالسيف والسم ، ما عدا الإمام الثاني عشر الأمام الحجة عليه السلام الذي سيخرج بإذن الله لينشر الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملأت ظلما وجورا ، فمات جدها الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم وهي في ســن الخامسة ، وبعد 75 يوماً من وفاة النبي فقدت والدتها الزهراء ، تزوجت من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، ولدت السيدة زينب من عبد الله بن جعفر أربعة ذكور وأنثى وهم علي ومحمد وعباس وعون وأم كلثوم واستشهد محمد وعون مع  خالهم الامام الحسين في كربلاء        


تميزت السيدة زينب بعلمها وبالحنكة والبلاغة والجرأة والفصاحة في الحديث ورباطة الجأش ، وتجلى ذلك في موقفها بعد مقتل أخيها الحسين في مجزرة كربلاء في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة ومجلس يزيد بن معاوية في الشام ، فهي وليدة بيت مهبط الوحي والرسالة السماوية والنبوة والفضيلة والشجاعة والمروءة والزهد والورع شـــاطرت الإمام الحســين منذ بداية حياتها ولازمته في نصرة الدين والرسـالة الإسلامية من أي اعوجاج  وواصلت المسيرة مع الامام الحسين إلى كربلاء ، فكانت معينة له في نصرة موقفه ، وتحملت وحدها مسؤولية  جمع ورعاية السبايا والأسرى الذين تشتتوا على يد جيش عبيد الله عند مقتل الامام ورفع رأسه الشريف على الرمح وسلب ونهب وحرق مخيم أل بيت النبوة ، فما كان من السيدة زينب إلا أن تحملت مسؤولية الثكالى والجرحى وحماية الأطفال والنساء من أي اعتداء للجيش الذي اعد نفسه منتصرا ولا ندري على من انتصر، هل انتصر على الرسالة المحمدية وحرمة النبوة ؟ ، أم انتصر للباطل على الحق واتخذ من الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف  طريقا للحياة ،  بعد أن فقدت كل الرجال عدا الإمام زين العابدين الذي كان مصاباً بمرض شديد لا يستطيع تحمل أعباء رعاية الأسرى


وصل الأسرى والجرحى من معسكر الحسين إلى الكوفة ، وجاء بهم عبيد الله بن زياد إلى قصر الإمارة ، وهنا موقف للسيدة الحوراء أعادت فيه ذكريات الكوفة وعزها المرتبط بنسبها الأبوي والقيادة الاسلامية بخلافة أبوها وتحول الكوفة الى قطب الدولة العربية الاسلامية ومسجدها الذي استشهد فيه أمير المؤمنين بضربة ســيف من الفارسـي ألمرادي ، وجيء برأس الإمام الحسين فوضع بين يدي عبيد الله ، فأقبل ابن زياد على الحوراء زينب قائلاً قولته التي تدلل على معاني الانحراف والارتداد في ذاته والمرحلة التي هو فيها (( الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم )) فردت عقيلة  الهاشميين زينب بكل جرأة )) إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق وهو غيرنا)) فرد ابن زياد قائلا"(( كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ )) فقالت زينب (( ما رأيت إلا خيراً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم )) وخطبت السيدة زينب بأهل الكوفة الذين خذلوا الامام الحسين بإرســـالهم كتاب البيعة وعهد الولاء والمناصرة والطلب منه القدوم الى الكوفة لقيادة ألامه خطبة أبكتهم وحملتهم المســــؤولية قائلة (( يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر والخذل أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة  إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم ، أتبكون أخي وتنتحبون ، والله فابكوا ، فإنكم أحرى بالبكاء  فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ، وأنى تحرضون ، قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومنار حجتكم ، ألا ساء ما قدمتم لأنفسكم ، فبعداً لكم وتعساً تعساً ونكساً نكساً وسحقاً سحقاً ، ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي دم سفكتم وأي حرمة له انتهكتم  لقد جئتم بها صلعاء عنقاء فقماء خرقاء ، كطلاع الأرض ، وملاء السماء فعجبتم أن تمطر السماء دماً ! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر ،  كلا وإن ربكم لبالمرصاد ))


عانت السيدة زينب ما عانت من الظلم الذي وقع عليهم منذ مقتل  الامام الحسين حتى وصلوا إلى الشام ، حيث الأجواء ملبدة بإعلام مضلل ضد آل بيت رسول الله على أنهم خوارج ، إلى درجة أن أهل الشام نشروا الأعلام وزينوا المدينة بزينة النصر ليزيد ، فلما وصل الأسرى إلى قصر الإمارة وبحضور يزيد  أراد رجل من أهل الشام التعرض لفاطمة بنت الحسين فردت عليه الحوراء زينب بغضب مما أغضب يزيد وسب السيدة زينب وأخاها وأباها ، فوقفت العقيلة الهاشمية العلوية زينب مخاطبة يزيد وحاشــيته في مجلس الإمارة فحمدت الله وصلت على النبي وآله قائلة (( أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ، أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي ، فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيماً وبجبريل ظهيراً وسيعلم من رسول لك ومكنك من رقاب المسلمين *  بئس للظالمين بدلاً * وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك فإني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك ، ولكن العين عبرا والصدر حرى ، فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة ، انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل                                            ((


توفيت السيدة زينب بعد احد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً من واقعة عاشوراء أي في 15 رجب سنة 62 للهجرة ، هذه وقفات بسيطة جداً من حياة بطلة كربلاء التي ضربت للأمة مثلاً رائعاً في الوقوف مع الحق والدفاع عن القيم والمبادئ العربية و الإسلامية أمام الجبابرة والظلمة ومنتهكي حرمات المسلمين ، لكي تعطينا دروساً في دور المرأة الرسالية ، وواجبها تجاه أمتها ودورها في الدفاع عن المظلومين ومواجهة أي انحراف في الأمة أو المجتمع وان تكون ثاقبة النظر لما يجري حولها من تشويه واستغفال وامتهان بمسميات لا صله لها بالدين وقيم  ومنهج أل بيت النبوة ، فمسؤولية المرأة لا تقل عن مسؤولية الرجل تجاه مجتمعه وأمته ولنا في الحوراء زينب قدوة وأسوة في مسيرة حياتها البطولية

 

 

يتبع رجاء"

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٢ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور