نوايا ألهالكي في الانتخابات الطائفية

﴿ الحلقة الثانية ﴾
 
 
 
شبكة المنصور
زامــل عــبـــد
ألهالكي لم يكشف نواياه وخططه لخوض الانتخابات ألمحدده في 7 /3 / 2010  منفردا وترك حلفاء الأمس يجرون وراء نصره السابق المزعوم في انتخابات المجالس المحلية خشية من أن يتمكن من ابتلاعهم في الانتخابات القادمة ، رغبة بالتحالف معه مع استعداد لتقديم تنازلات جدية لائتلاف دولة القانون ، ولكن العقبة الرئيسة التي حالت دون إتمام عقد الزواج مجددا كانت منصب مايسمى برئاسة الحكومة وهو الشرط الأول الذي أصر عليه ألهالكي معتبرا أن من حقق الانجازات الأولى عليه هو وحده أن يكملها أو أن يسجلها باسمه ، كما أن نسبة كل طرف من المتحالفين السابقين في الائتلاف الجديد كانت تطرح بين آونة وأخرى من أجل إضافة عراقيل جديدة لمنع سطو الخاسرين على إنجازات غيرهم  والحقيقة هي إكمال المشروع العدواني الذي يعمل من اجل الانقضاض على العراق بخيراته وقدراته وتسخيرها  للمصالح الفئوية التي تتحكم  بعقليتهم المستسلمة لإرادة الغير كون فكرهم الشعوبي هو نتاج الغير ، وقد تراوحت ردود الفعل النخب الإسلامية العربية بأنها تفضل طوائف على طوائف أخرى ، فطائفة الشيعة العراقيين وحسبما تروج له القوى المعادية  والهادفة الى نخر المجتمع العراقي كانت محرومة لعدة مئات من السنين من الوصول إلى المناصب القيادية في الدولة أو من الالتحاق بالمؤسسة المحورية الحاكمة وهي الجيش وقد فتحت لها عملية التغير الذي يدعون وحقيقته الغزو والاحتلال الباب لكي تتغلغل في جهاز الدولة العسكري والأمني  تحت مضلة الدمج ، وعلى الجانب الأخر الآلاف من أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية  محرومون من حقوقهم ومجتثين بإرادة الحاكم الامريكي وبإقرار العملاء الذين يؤدون دور الانتقام وفاءا" للإرادة الفارسية الصفوية التي يعملون ليل نهار من اجل  إخضاع العراق لها بالكامل ، كما أن قطاع المؤسسات والمناصب فتحت أبوابها للمحاصصة الطائفية والاثنية وقد فضلت التيارات والحركات والأحزاب المتنفذه وغلقت الأبواب أمام العراقيين المخلصين ، وهنا كانوا ينظرون للسلطة باعتبارها مسلمة لأن من يقوم بإدارتها مسلمون حقيقيون ولكن شأنها شأن فئة نصارى يهود طبقا" للنص القرآني الناهي عن موالاة النصارى واليهود ومن تولاهم صار منهم أي خرج عن ملة الإسلام لأنها النخبة الأجنبية الحاكمة  فعلا في العراق  والذين يدعون أنهم حكومة ما هم الا أدواة الغزاة المحتلين المؤتمرين بأمرهم والمنفذين لمخططاتهم شأنهم شأن المستأجرين

مواجهة هذا الاستبداد يقترح ألانتقال الى الديمقراطية الحقيقية بإقامة مجتمع مدني ديمقراطي يتطلب بالضرورة طرح الإصلاح الديني مجددا من زاوية مختلفة تماما وهذا المجتمع إقامته مستحيلة إذا اعتقدت الطائفة المتسلطة من المتدينين أن واجبها المقدس هو استخدام الدولة لفرض تصوراتها ، أي لفرض طبعة ما من الإسـلام الفقهي وهنا تصبح هذه الطائفة قوة قهر ، سواء بالسلاح أو بالانتخابات وباعتبار أن الإسلام السياسي حديث وابن الأفكار المستهدفة الإسلام الحقيقي وحاضنته ألامه العربية  من الشعوبيون والعلمانيين الذين ينظرون الى الفكر القومي فكرا" قمعيا"، ومن هنا نكون أمام مشروعين للحداثة أحدهما سلطوي طائفي قمعي كما هو الحال السائد بفعل الغزو والاحتلال وما افرزه من عمليه يطلق عليها سياسيه وحقيقتها  سلوك طائفي محاصصاتي وأفعال شوفينية تمثلها الاتجاهات التي تتبناها قيادة  التحالف الكردستاني على حساب وحدة التراب  والمجتمع العراقي والآخر ديمقراطي مدني علماني وفيما يتعلق بالإسلام كإيديولوجية حديثة يفترض التحول إلى الديمقراطية الموصلة إلى نقطة بداية لإصلاح جديد ، إصلاح لا يكون فقهيا تربويا ولا سياسيا ، بل إصلاح عقيدي وهذا لا يعنى أن الإصلاح الفقهي كان خطأ" حانت ساعة إصلاحه لقد لعب الإسلام الفقهي والسـياسي دورا مهما (  ولكنه ليس دورا حتميا في كل بلد ) في نقل سكان الريف إلى حياة المدينة ، فوفر للكثيرين منهم بيئة محافظة آمنة نسبيا أتاحت لهم الاندماج ، من موقع محافظ في هذه البيئة التي بدت لهم غريبة وخطرة ومهددة ولعله ما زال يلعب هذا الدور ولكنه وفر أيضا ركيزة لديكتاتورية الأحزاب أو التيارات والحركات المتخذة من الدين وسيله للوصول الى أهدافها وغاياتها الدنيوية ، ومبررا لشعورها بتفوق معنوي وبالتالي لديهم ميل معتبر للوصول إلى تصالح ما مع الحيز الاجتماعي المحيط بهم ، وهو تصالح يتناقض بشدة مع الإصرار على نفى الآخر والادعاء بأنه لا يحق له الحصول على حقوق متساوية مع طائفته وهو قطاع يتزايد ثقله مع رسملة الاقتصاد وسعيه للتحول إلى اقتصاد السوق وكما هو جاري حاليا على ارض الواقع العراقي ولكن هذا لا يعنى أن هؤلاء بسبيلهم إلى تبنى مفاهيم ديمقراطية حقيقية ، بناء على ذلك ما هو المبدأ الذي يمكن أن يقوم عليه الإصلاح العقيدى الذي يسمح بحياة ديمقراطية ؟ يبدو لي أن النقطة المحورية هنا هي الانتقال من محورية الفقه إلى محورية الوجدان في فهمنا للعقيدة الدينية وهذا يعنى أن نفهم الدين كاحتياج يخص تحرير ضمير الأفراد ووجدانهم ويفترض هذا التصور، على خلاف الإسلام الفقهي عموما والسياسي خصوصا" ، أن الإنسان لا يؤمن لأنه يبحث عن سيد ( ينجيه فيما يقولون من عبادة أرباب الأرض ) ، ولكن لأن الدين  أي دين ، يمنحه فرصة حياة روحية تأملية حرة في نفسه وعالمه والكون ، تزدهر حسب تطوره الفكري والوجداني وتجاربه الحياتية ، مثل هذا التصور يوجب على المؤمن بالتالي احترام تجارب الآخرين ورؤاهم واقتناعاتهم الناجمة عن نمو حياتهم الروحية  ، لقد نقل الإسلام الفقهي الدين من البركة إلى الطاعة  ويبدو أنه قد حانت ساعة نقله من محورية الطاعة إلى محورية الوجدان ، أي إلى الحرية وهذه المحورية لا تلغى مفهوم البركة ، مثلما لم يلغها تماما الإسلام الفقهي ، بل لعل هذا التصور أقرب إلى مفهوم البركة من الحداثة السلطوية العلمانية والدينية على حد سواء كما أنه لا يلغى فيما أتصور مبدأ الطاعة الذي لم يكن بدوره غائبا حين كان مفهوم البركة سائدا ، ولكنه يلحقه بالتدبر والانفتاح على العالم في تنوعه وبهذا المعنى يصبح الدين كتابا مفتوحا لمعتنقيه يتفاعلون معه ومع غيره بحرية ويخلقون أنفسهم معه مجددا مع التحولات التي تطرأ على حياتهم        


بالمقابل يسمح تصور الدين كثقافة بقبول التعددية الواقعية في التراث الإسلامي (وكذلك غير الإسلامي) وتفهم تطورات تياراته عبر الزمن والتخلص من أوهام إمكان السيطرة على الدين بالقول بوجود تفسير معين واحد صحيح له ويعد كل خروج عنه كفرا ، الأمر الذي يدفع بالكثيرين من غير المقتنعين بهذا التفسير أو هذا المعنى إلى "التقية"، أي النفاق فالنفاق ابن الجبروت ، القول بدين الضمير لا دين الدولة ، وفى الواقع يستحيل أن يعنى أن الدولة المدنية المستقلة عن الأديان لأنها ترفع يدها عن الضمير، تستطيع أن تشرع متجاهلة الأديان الكبرى لأن هذه الأديان شكلت وجدان السكان والكثير من عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ، وتتطور حسب تطورهم ولكنها لا تستعمل الدين كمعيار سياسي تفرضه على الناس ، ولا تعطى لمجموعة تزعم الحديث باسم الدين سلطة سياسية مرجعية وتفرضها على المجتمع ، الدولة المدنية الحديثة تعبر عن مصالح ورغبات سكانها وفقا لتوازنات القوى بين مصالحهم ورؤاهم المتغيرة ولكنها لا تعتبر نفسها قوامة على الدين تصلح الدنيا به ، أما اعتبار الدين شريعة أساسا يتوجه على ألدولة (باعتبارها المشرع) لا الأفراد وبالتالي فكرة أنه دستور، أو إقامة مجلس فقهاء مثل إيران لمراجعة التشريعات ، فليس سوى مدخل للاستبداد السياسي المتعارض مع جوهر وروح الدين الاسلامي ، ويشكل بحد ذاته عدوانا على أتباع ديانات الأقلية ، وكذلك على أتباع دين الأغلبية ، إذ يسلمون رقابهم ونفوسهم للمتحدثين باسم الدين تحت تهديد سلطات الدولة فأصحاب دين الأغلبية يصبحون ممنوعون بالضرورة من التفكير الحر في دينهم ، ليس فقط لأنهم "غير متخصصين" كما مررنا ، بل أساسا لأن الدين الفقهي ليس إلا شريعة تبحث عن جبروت سلطة المركزية ، لأنها ببساطة لا تتجسد إلا فيها


بالمقابل يعنى نقل محور الدين إلى الوجدان ، وفهم الدين كسلطة ثقافية بالمعنى الواسع تشمل الأخلاق والضمير والسلوك الخ وأن يقبل حق الأفراد المؤمنين به وغير المؤمنين على السواء في مناقشته وتفسيره وإعادة تأويله بحرية بقدر ما أنهم مختلفين ، وبالتالي تختلف قراءتهم لنصوصه المقدسة فضلا عن أنها تُفقر الإسلام بحرمانه من تعدد الرؤى والخيال والإبداع وليس لأي فرد أيا كانت ديانته مصلحة في دولة دينية تكون بالضرورة قمعية كما هو الحال في ايران وفق مفهوم ولاية الفقيه والاستبداد الديني في إفرازات الغزو والاحتلال ، لأن القيد يشمل المؤمنين بدين الأغلبية أيضا ، بل يشمل الدعاة أنفسهم كما تؤكد الشواهد ولخير دليل الصراع الذي تفجر خلال شهر محرم بين أقطاب الوقف الشيعي ومن يطلقون على أنفسهم الدعاة وبهذا المعنى أيضا تخرج قضايا مثل حق الردة على المناقشة الفقهية حول صحة أو ضعف الأحاديث النبوية التي تشير إليه لتصبح قضية حرية الضمير أصلا ، كيف يُحمل شخص ما ضد إرادته وضميره وعقيدته على أن يظل مسلما رسميا تحت طائلة التهديد بالإعدام ؟ أو ( مؤقتا حتى تقوم الدولة الدينية "المباركة") تحت تهديد حرمانه من كثير من حقوقه المدنية والسياسية بالحيلولة دون استخراجه بطاقة هوية بأي ضمير يمكن للمسلم أن يدعو غيره إلى الإسلام إذا كان يرى أن ضمير الفرد ليس مهما وأن عليه أن ينصاع لرأى جماعته ؟ وإذا كان سيحظر عليه لاحقا (وعلى أبنائه وأحفاده أيضا!) أن يغير إيمانه ويتبع ضميره؟ وأي ازدواج هائل في المعايير يستعمله هؤلاء، ويتحملون وزره في ضميرهم؟ هذا ببساطة ضمير سلطوي يتلذذ بالجبروت ويرى بهاء الدين وعظمته في تعاظم سلطة جائرة تتحدث باسمه

 
يتبع في الحلقة الاخيره

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٠٦ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور