انعكاسات الأمن الحيوي للطاقة قوميا وعالميا

 
 
شبكة المنصور
ا.د. عبد الكاظم العبودي
استاذ الفيزياء الحيوية / جامعة وهران

تسعى العولمة إلى إدماج سوق النفط والغاز في سوق واحدة والتحكم به من قبل الدول الصناعية الكبرى. وهذا السعي سيكون بلا شك  يحتاج ويعتمد على نظام معقد على مستوى حكومات العالم الذي ينتج وينقل ويوزع النفط والغاز على مساحات متباعدة من الكرة الأرضية التي تسود أقطارها أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية لازالت متباينة إلى حد بعيد، لكنها مرتبطة بشبكة من المصالح الاقتصادية في المقام الأول إلى حد بعيد، إضافة إلى السياسية والإستراتيجية.

 

في كل يوم ينقل ويستهلك حوالي 86 مليون برميل من النفط، إضافة إلى الغاز. وتعبر المحيطات حوالي 40 مليون برميل من النفط يوميا بواسطة الناقلات. وفي آفاق سنة 2020 سيقفز الرقم إلى 67 مليون برميل. حينها قد تقوم الولايات المتحدة باستيراد %70 من نفطها (مقارنة بـ %58 الآن  و % 33 سنة 1973)، وكذلك الصين والهند وأوربا.

 

أما الغاز الطبيعي الذي يعبر المحيطات كغاز مُسال فسوف يتضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 460 مليون طن بحلول العام 2020، وسوف تصبح الولايات المتحدة جزءا مهما من تلك السوق. ورغم أن الغاز الطبيعي المُسال يفي فقط بحوالي %3 من الطلب في الولايات المتحدة فان حصته سوف تصل إلى أكثر من %25 في سنة 2020.

 

ولتقدير حجم المنشئات المرتبطة في الطاقة نقدم الولايات المتحدة نموذجا متقدما للاستهلاك الطاقوي وما يرتبط  به من القلق الأمني والاستراتيجي.

 

وفي الولايات المتحدة وحدها هناك أكثر من 150 مصفى تكرير، و 4000 منصة بحرية، و160 ألف ميل من خطوط الإمداد النفطية، ومنشآت تتعامل مع 15 مليون برميل يوميا من الواردات والصادرات، و 10400 محطة توليد طاقة، و 160 ألف من خطوط النقل الكهربائية، و 410 من حقول تخزين الغاز تحت الأرض، و 1,4 ميل من خطوط إمداد أنابيب الغاز.

 

إن ضمان أمن أسواق الطاقة العالمية سوف يتطلب تنسيقا على أساس وطني ودولي يشمل التعاون بين الشركات والحكومات والمؤسسات والهيئات ذات العلاقة بالطاقة والبيئة والدفاع ووكالات المخابرات.

 

إن امن الطاقة بات الأكثر هاجسا في سياسات الولايات المتحدة والدول الصناعية كونه صار جزءا من كل من سعر الطاقة وتكلفة الأمن نفسها كضمان لاستقرار أي بلد سواء منتجا أو مستهلكا.

 

التفت الغرب إلى وضع مفهوم امن الطاقة الحالي ووضعه موضع التطبيق بصرامة، وكان استجابة للتحديات المحتملة إثر محاولة العرب وضع حضر على تصدير النفط عام 1973 بسبب الدعم الحربي الغربي لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973.

 

والمقصود بالأمن الطاقوي هو وضع استجابات محددة والتنسيق بين الدول الصناعية في حالة حدوث خلل في العرض بسبب طارئ ما. كما وضع ضوابط للتعاون في سياسات الطاقة، تجنب التدافع المؤذي لتلك الدول في حالة شحت الإمدادات النفطية ووصلت صيغ التعاون المعلنة ، المعلنة منها وغير المعلنة إلى استخدام مبدأ التهديد باستخدام القوة ضد من يعلن " سلاح النفط" من قبل المصدرين.

 

إن نظام امن الطاقة يتشكل من عناصر ومنظمات ودول عدة في مقدمتها الوكالة الدولية للطاقة ومقرها باريس، تضم في عضويتها الدول الصناعية. يعمل هذا النظام على مراقبة المخزون الاستراتيجي من النفط، بما في ذلك الاحتياطيات النفطية الإستراتيجية الأمريكية، والمراقبة والتحليل المستمرين لأسواق وسياسات النفط ومتابعة سياسات ووسائل ترشيد استخدام الطاقة، كما وضعت الخطط اللازمة للتشارك المنسق في الإمدادات في حالات الطوارئ وفي حالات الخلل.

 

يرى واضعو مفهوم الأمن الطاقوي أن نظام الطوارئ هذا يتكفل في مواجهة الاختلالات الرئيسية التي تهدد السوق النفطية وبالتالي الاقتصاد والاستقرار العالمي.

 

وقد استجابت الدول الصناعية الكبرى وبسرعة إلى التكافل فيما بينها لمواجهة حالات تعتقد أنها ستشكل أخطارا عليها وعلى أمنها القومي في حالة شحت المواد الطاقوية لأي سبب كان.

 

فمنذ السبعينيات بعدما وضع مفهوم وتطبيق مبدأ الأمن الطاقوي موضع التنفيذ استجابت تلك الدول إلى سحب كميات من المخزون الاستراتيجي مرتين عشية اندلاع حرب الخليج ضد العراق وبعد شن الولايات المتحدة ومعها ثلاثين دولة أخرى الحرب على العراق بدواعي "تحرير الكويت" سنة 1991، وعقب إعصار كاترينا في خريف 2005.  وكانت سباقة إلى التعاون في كل حالة تشكلت منها بوادر لازمة طاقوية. ومن الطريف أن هذا النظام كان على أهبة الاستعداد عشية الانتقال إلى الألفية الثالثة، ليلة الأول من جانفي 2000 بسبب القلق من متاعب محتملة في برمجة الحواسيب والمعلوماتية وبرامجها التي كانت تتوقع إرباكا واسعا في الحسابات ومواعيد قيام ووصول الطائرات وإدارة المحطات النووية التي عرفت بمشكلة الصفرين Y2K Computer Bug وما تطلبت حينها من جهود مكثفة لمعالجتها على المستوى العالمي.

 

ارتبط الأمن الطاقوي العالمي بمتابعة دقيقة بكل الأزمات الدولية مهما كان حجمها وموقعها في العالم مثل توقف الإنتاج في فنزويلا سنتي 2002 و 2003، وفي ربيع 2003 بسبب غزو العراق وحتى أحداث ما يسمى بالقرصنة في المحيط الهندي والبحر العربي وحرب الصومال.

 

تولت الولايات المتحدة موقع الصدارة بوضع قواتها وأساطيلها في الخليج العربي في متابعة تأمين تدفق إمدادات النفط وحراستها حتى أيام الحرب العراقية الإيرانية والسيطرة على مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس وجبل طارق وكل المنافذ البحرية التي تسلكها ناقلات البترول والغاز.

 

لا يمكن أن تضع الدول مصير أمنها القومي الطاقوي ضمن منظومة واحدة من التعاون والتكافل، فقد سعت كل دولة على حده بتأمين متطلبات أمنها الوطني أو القومي لتستجيب لكل الظروف الطارئة. لقد أدرك هذه الحقائق تشرشل قبل قرابة قرن حين أعلن عن مبدأ " تنويع مصادر الإمدادات" واللجوء إلى البدائل لكي تسهم في استقرار السوق الداخلية منها والخارجية.

 

وقد أثبتت التجربة أن مبدأ التنويع ليس كافيا، خصوصا أن الهزات الاقتصادية في ظل النظام العولمي لا يعفي أي من الدول من ارتدادات لأي هزة اقتصادية.فلكل دولة " هامش أمن" تلجأ إليه، سواء كانت منتجة أو مستوردة للطاقة، منها توفير طاقة كافية للإنتاج الإضافي، ووضع احتياطيات إستراتيجية، وتأمين المعدات المرتبطة بالإنتاج والنقل والخزن بشكل كاف. وهناك دول وضعت بشكل أساسي تأمينها في كميات من الطاقات البديلة وصيانة إنتاج الطاقة الكهربائية على أراضيها.

 

إن نظام الأمن الطاقوي دفع مجموعات من الدول أن تنسق جهدها السياسي والأمني وتبادل المعلومات حول أوضاع السوق ومتابعة تأثير أي من الأزمات الدولية، مهما كانت محليتها، على أوضاع الطاقة في العالم. من هنا ظهر " المنتدى الدولي للطاقة" وهو يسعى لدمج المعلومات من المنتجين والمستهلكين والتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة لتحسين تدفق المعلومات لكل الأطراف. لابد من الاعتراف أن العولمة والنظام الاقتصادي العالمي اهتما بتوسيع مفهوم أمن الطاقة، خصوصا بظهور كتل اقتصادية تسعى إلى ضمان وجودها وتأمين احتياجاتها الطاقوية كالصين والهند، كما أن خطوط الإمداد صارت من اهتمامات المجتمع الدولي وليس حصرا على الدولة المنتجة أو المصدرة أو تلك التي تمر من مياهها الإقليمية أو أراضيها خطوط النقل والإمداد الطاقوي للنفط والغاز. ولهذا توسع مفهوم الأمن الطاقوي كي يشمل أيضا حماية مجمل خطوط الإمداد بالطاقة.

 

ولهذا فان الاعتماد المتبادل في الطاقة يتنامى في مد شبكاته التجارية، متنوعا ليؤمن مرور خطوط النقل الكهربي بين دول عدة، كما بات مهتما لحماية خطوط الأنابيب الناقلة للنفط والغاز، بعيدة المسافات والعابرة للحدود والبحار والمضايق البحرية ولتفادي المرور عبر المناطق الملتهبة والمتأزمة سياسيا. لقد كانت الأنابيب هدفا للتخريب أو النهب في كثير من الأزمات الدولية أو المحلية وصارت هدفا للإرهاب وحتى تعبيرا عن الاحتجاج الشعبي والمقاومة المسلحة في كثير من المناطق كما في العراق أو في نيجيريا لحرمان السلطات الحاكمة من استغلال واردات النفط لصالحها.

 

يعتقد الكثير من الخبراء إن كثيرا من منشئات الطاقة في العالم لم تبنى أو تنشأ على أساس أمني او تصور كامل لمستقبلها كما أن مفهوم الطاقة الوطني أو القومي سيشمل دراسة وضع البلدان لمستلزمات أمنها القومي ووحدة أراضيها، ودراسة احتمالات سعي بعض الجماعات السياسية أو العرقية أو الطائفية للانفصال طمعا للسيطرة على منابع الطاقة أو حتى التحكم بإمدادات نقل النفط والغاز أو للحصول على امتيازات سياسية وحماية دولية كما هو الحال في جنوب السودان وشمال العراق وفي نيجيريا.

 

 إن كثيرا من الأزمات والحروب الأهلية تكمن وراءها الأطماع المحلية والدولية ولا يستبعد منها عبث الأيادي الأجنبية وشركات النفط الكبرى وطموحات بعض السياسيين في الانفصال أو الدعوة إلى الأنظمة الفيدرالية والحكم الذاتي. وفي كل الحالات تتعرض وحدة الأوطان والشعوب إلى مآسي لا بد من النظر إليها ضمن مفهوم الأمن الطاقوي وإفرازاته.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١١ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٥ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور