في الذكرى ٦٣ لميلاد البعث العربي الاشتراكي
اعتمد البعث برنامجه النضالي مستمدا كل قيم الأمة ومعتمدا شرائعها المقدسة

﴿ الحلقة الثالثة

 
 
شبكة المنصور
عبد الله سعد

استمد الرفاق المؤسسين للحزب منهج الحزب الفكري من رسالات السماء ومعتبرا إن رسالة الأمة هي ما جاء فيها فتوحيد الله والإيمان المطلق بنصره للمؤمنين واستجابته للمظلوم وخذلانه للظالم والباغي هذه حقائق مطلقة، ولكنها لا تأتي بالدعاء فقط ولا بالتوكل بل بالعمل وفق ما أمر الله به، واعتماده منهجا للعمل من اجل ذلك، لذلك كان البعث مؤمنا المحبة والسلام والتسامح والتعاون بين البشر وإحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي ورفض العنصرية والعصبية ومحاربة الظلم وإسناد المظلوم والقتال في سبيل ما اوجب الله القتال دونها وهي:

 

1.     الدين وما يتعلق به من تشريع وتوحيد وعبودية لله وحده.

2.     الدفاع عن الوطن وحماية حدوده وبنائه .

3.     العرض والشرف.

4.     المال الشخصي أو المال العام للأمة.

5.     النفس أي الوجود الإنساني للفرد والأمة.

 

هذه الخمس اوجب الله القتال دونها وشرع رسول الله إن من يقتل دون أي منها فهو شهيد له جزاء لا مثيل له إلا ما كتب الله للأنبياء والصديقين. وجاء آيات الكتب المقدسة واضحة لا تحتاج إلى كثير جهد لشرحها أو الإفتاء بها.

 

أما تفاصيل الفقه الديني في داخل الأمة فقد اختص به علماء الدين ومفسري الكتب السماوية وتبان تفاصيل التشريع والأحكام فيها، ولهذا ولتعدد الديانات والاجتهادات في الأحكام فقد اعتمد البعث العلمانية في تعامله مع أعضائه( أي إن المواطن العربي المنتمي للحزب لا يلزم أن يكون مسلما حسب رسالة أي من الأنبياء، بل لابد أن يكون كل بعثي مؤمنا بوحدانية الله وانه وحده لا شريك له وتصديق كل ما جاء من عند الله وما بشر به أنبيائه ورسله) وهذا هو أساس التعامل في دولة العرب القومية التي يسعى البعث لقيامها، فالإيمان أمر واجب وإلزامي في فكر ومنهج البعث لان الإيمان بالله ورسالات السماء هو أعلى مراتب تطهير النفس البشرية من الأدران والأمراض الاجتماعية الدنيوية كالبغي والطمع والجشع والتمييز العنصري والعادات الجاهلية والحسد والسرقة وارتكاب المنكرات والفواحش، لذا فان إحداث التغيير الأخلاقي والقيمي العميق في الإنسان هو الإيمان الحقيقي بما أمر الخالق به، حيث إن الله سبحانه يعلمنا كبشر بان الإنسان خلق مزدوج الشخصية، بقوله عز من قائل (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد افلح من زكاها. وقد خاب من دساها) (آية 7-10 سورة الشمس).

لقد اعتمد البعث نفس ما شرعه الله للبشر، إن كل إنسان حر في اختيار الرسالة السماوية التي يعتنقها ))لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ورسوله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها(( إذن وحدانية الله وعدم الشرك به هي أساس الدين والإيمان،فكان احترام المعتقد الديني للفرد أساسا من أسس نظام الحزب ودولة العرب المستقبلية وفق منهج البعث وبرنامجه النضالي، وهي مستمدة من سيرة المصطفى وخلفائه الراشدين،فالعلمانية في منهجنا ليست الإلحاد أو إهمال الدين والتهاون في مسائل التوحيد والإيمان بل نحن مؤمنون بالله وما أمر به عباده ،ونرفض الإلحاد وما نهى الله عنه من الإلحاد والالحادين اللذين يتبعوا الطاغوت وأغواهم الشيطان- أعاذنا الله منهم ومن منهجهم الصهيوني - فهذا منهجنا الإيماني أما من يتصور إن البعث الحادي عبر الفهم المشوه للعلمانية في السياسة فهو مخطئ، نحن مؤمنين بالله وبان الوطن لجميع مواطنيه بغض النظر عن معتقدهم الديني على أن يحترم الجميع معتقد الأخر، وان يؤمنوا بأنهم إخوة وشركاء بالوطن وعليهم نفس الواجبات تجاهه ولهم نفس الحقوق.

 

أما البرنامج الفكري والنضالي فيستمد كل مفرداته من شرائع السماء السمحة ومنهج الإسلام العظيم،فقد انتهج البعث في برنامجه الخدمة الإلزامية في الجيش كمجند أو احتياط وأعداد كل المواطنين للدفاع عن مقدساتهم ووطنهم والخمس التي اوجب القتال دونها، لذلك اعتمد تدريب الشعب كله على القتال، عملا بأمر الله سبحانه ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)) (الأنفال: 60)، وعملا بسنة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم (علموهم السباحة والرماية وركوب الخيل).

 

الاعتزاز بالعرب لم يكن تعصبا قوميا من البعث أو انحيازا عرقيا، بل هو فهم واع لمعنى تكليف الله العلي القدير للعرب بحمل رسالاته للبشرية جمعاء، فهذه الأمة جبلها الله على الخير والمحبة والتسامح والفضيلة وحب الخير لكل الأمم والشعوب والتعامل معها على أسس الإنسانية التي أرادها الله للبشر، وتنفيذا لمعلم الأمة ونبيها هاديها وشرفها العظيم الذي انعم الله به عليها محمد العظيم صلى الله عليه وعلى آل بيته الطاهرين الذي عمق بهذه الأمة قيم الإنسانية والإخاء والتسامح بقوله ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) وهذا قمة التعامل المتساوي بين الناس وكسر لأي تفكير شوفيني وعصبية عرقية، وقوله مخاطبا العرب خصوصا من كان بهم فخر وكبر الجاهلية (كلكم لآدم وادم من تراب)، بهذا الفهم كان البعث يتعامل مع العروبة ولكن الله سبحانه أكد في القرآن مرارا على إن العرب قوم اختارهم الله لحمل رسالة النور لنقل البشرية من الظلمات.

 

كما إن البعث اعتمد التعليم منهجا لنهوض الأمة ولذلك شرع قانون محو الأمية وإلزامية التعليم واعتبر التعليم والعلم حقا للمواطن وواجبا وطنيا عليه، واعتباره واحدا من واجبات الدولة تجاه المواطن، فقد كان أول أمر لسيد البشرية وشفيعها رسولنا الكريم (اقرأ) قبل أي أمر بمنسك أو عباده، وعملا بسنة المصطفى بان جعل فداء أي أسير من أسرى بدر يقرأ ويكتب أن يعلم عشرة من المسلمين، فهذا يكون فدائه ويطلق سراحه، تصوروا دولة حديثة غالبية كادرها من المهاجرين الفقراء اللذين تركوا كل شيء وتوجهوا له تعتبر التعليم فدية بدل المال وهي في أوج الحاجة والعوز،

 

تشجيع الزواج والتكاثر وتسهيله ومنح المواطن الذي يرغب بالزواج محفزات وسلف بدون فوائد عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تزاوجوا تناكحوا كي أباهي بكم الأمم)، ونظرا لقلة عدد الشعب العراقي فقد صدر قرار من القيادة بان تحفز العائلة على زيادة الإنجاب فإضافة إلى تكفل الدولة بموجب القانون بالتعليم والعلاج والعمل للمواطن، فقد وضع قانون تحفيزي لزيادة الإنجاب تمثل بان يصرف زيادة لراتب الموظف (الأب أو الأم) دينارين عن طفل (يعادل سبعة دولار شهريا) وللطفلين الرابع والخامس مبلغ خمسة دنانير لكل طفل أي  (17دولاروخمسين سنت شهريا) وللطفلين الخامس والسادس مبلغ عشرة دنانير (أي 35دولار لكل طفل شهريا) وبعد الطفل الثامن 25دينار شهريا لكل طفل (أي ما يعادل 87 دولار وخمسين سنت).

 

أما ضمان حرية الفرد وحقوقه فالإسلام أغنى من أن أتناول هذا الموضوع الكبير فيه والذي أكد عليه القرآن والنبي الكريم بفعله وسنته كثيرا ولكن أسوق مثلا من احد طلابه وتلاميذ سيدنا محمد الخليفة عمر بن الخطاب حين اشتكى احد المواطنين الأقباط من ابن عمرو بن العاص بأنه ضربه بسبب سبقه له في سبق خيل فما كان من عمر إلا أن أعطى عصاه للقبطي وقال له اضرب ابن عمرو (وعمرو كان واليا على مصر) ضربة بضربه ومن ثم قال للقبطي اضرب عمرو قال له لم يضربني يا أمير المؤمنين لاقتص منه فقال لو لم يكن ولده ابن الوالي لما تجرأ على ضربك وان لم تضربه سأضربه أنا، وقال قوله المشهور (متى استعبدتم الناس وقد ولدهم أمهاتهم أحرارا) فمن هذا استمد البعث العربي الاشتراكي منهجه في احترام حرية الفرد وضمان القانون والدولة لها.

 

أما ضمان الحياة الكريمة ومسؤولية الدولة لضمان حق العيش والعمل للمواطن فلم يكن إلا استلهاما لمبادئ الإسلام العظيم والذي يمكن تلخيصه بقول أبي ذر الغفاري احد صحابة الرسول العظيم وهو الزاهد التقي إذ يقول (لو كان الفقر رجلا لقتلته) تصوروا كم يرفض الإسلام الجوع والفقر للناس ومن هذا كان البعث يعتبر الدولة مسئولة عن ضمان الحياة الكريمة للمواطن ولذلك أصدرت قيادة الحزب خلال فترة حكم الحزب العراق قرارات لضمان حياة كريمة لكل مواطن وإلزام الدولة بتوفير فرصة عمل لكل مواطن بما فيهم المعوق والأعمى والعاجز، وصرف رواتب لهم، وفي أيام الحصار اعتبرت القيادة إن طعام وعلاج وتعليم المواطن بنفس المستوى مع توفير مستلزمات المعركة بل هي تسبق توفير العتاد ولذلك شرع قانون البطاقة التموينية والتكافل الاجتماعي.

 

توحيد الشعب بغض النظر عن انتمائهم الديني والعرقي عبر جبهة أساسها التعاون والمحبة والتعايش الأخوي، والثقة المتبادلة والاحترام للخصوصية الشخصية والقومية والدينية والقناعة التامة بان الجميع شركاء وإخوة في الوطن وثرواته، عملا بسنة المصطفى الهادي البشير في وثيقة المدينة المنورة.

 

هذا هو ملخص لمنهج البعث الإيماني وبرنامجه القومي الحضاري الذي استند في بنائه على مقدسات الأمة ورسالات السماء السمحة وتراث العرب الثر وقيمهم التي اقرها الإسلام وشرعها، إن البعث ينطلق في اعتماده الفكر القومي من فهم واع للقومية بأنها حب قبل كل شيء والحب نقيض التعصب والبغي والكراهية، فكيف لأمة جبلت على المحبة وإكرام الضيف والسلام والقيم السماوية العظيمة أن تكون امة باغية عدوانية؟ هذا تناقض وازدواجية العرب بعيدون عنه، وكيف لأمة عانت من الاستعمار والاضطهاد وبغي الطامعين وعدوانهم واحتلالهم المتكرر لها أن تكون مضطهدة بكسر الهاء باغية عدوانية؟ هذا تجني على الأمة ومحاولات دنيئة لتشويهها وتحريف قيمها ومقدساتها من قبل أعدائها، وهم أعداء كل القيم التي ترسخت في هذه الأمة عبر تكليفها الرباني العظيم (حمل رسالات السماء للبشرية)، والبعث هو تعبير واعي عن الأمة وضميرها الحي وفكره ومنهجه وبرنامجه خلاصة لكل ذلك.

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٩ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور