الصفويون والحجاج بن يوسف الثقفي – أكاذيب المظلومية

 
 
شبكة المنصور
بلال الهاشمي
باحث في الشؤون الايرانية والتاريخ الصفوي

عمل الصفويون على تزييف التاريخ ليتناسب مع افكارهم الهدامة للمجتمع العربي الاسلامي، فجاءوا بمفردات من وحي خيال فقهاءهم مثل المظلومية التي أصبحت جزءاً من التراث الشعبي، ليبدأ القاصي والداني بترديد روايات عن الظلم ما أنزل الله بها من سلطان، بحيث لاتخلو مناسبة دون ذكر تلك (الهلكوست)، ورغم وضوح التزييف في فصول المظلوميات وضعف مصداقيتها إلا أن ذلك لم يؤدي إلى عدم ترويجها، لأن الغاية الحقيقية من التظلم معنوي (مخاطبة العاطفة البشرية والتأثير عليها)، في أحدى الجلسات تحدث رجل دين عن الظلم الذي لحق (السادة) من ذرية علي أبن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وكيف استهدفتهم (السلطة الحاكمة) فاضطرهم ذلك إلى أخفاء نسبهم أو الهجرة إلى إيران وباكستان وغيرها من البقاع الأخرى، وتطرق بحديثه إلى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي قائلاً (ونبرة الحزن "المصطنعة" تطغي على صوته)، "أضطرت ذرية آل البيت (السادة) إلى أخفاء نسبهم الحقيقي خوفاً من البطش الذي لحقهم من الحجاج بن يوسف، فعلم الحجاج بذلك فصار يقف بالاسواق والشوارع ويصيح بصوت عالي (سيد) فمن التفت لمصدر الصوت قطع رأسه، فهاجرت نتيجة هذا البطش والظلم أكثر من ثلاثون الف عائلة علوية إلى خرسان"!!،

 

هذه هي (المظلومية) التي يروج لها الطائفيون، إلا أن المشكلة ليست في التزييف والتدليس بل في عدم تصفح التاريخ والتأكد من صحة مايسرد، الحجاج أبن يوسف الثقفي عاش في الفترة (41هـ - 95هـ)، وحكم العراق للفترة (75هـ - 95هـ)، وهو من جيل علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (الامام الرابع لدى الشيعة الأمامية)، أي من الجيل الأول لأولاد الحسن والحسين (رض) وهم معروفون ومعدودون على الاصابع، فأي (سادة) كان الحجاج يبحث عنهم ليقطع رؤسهم ومن هم الثلاثون الف عائلة (علوية) التي هاجرت إلى خرسان؟؟، ولو أخذنا رواية (الغلام والحجاج) وهي مشهورا ومتداولة كثيراً لدى اصحاب المظلومية، حيث تتكلم هذه الرواية عن غلام بالعاشرة من عمره يمتلك من الجراءة والشجاعة والبلاغة في الكلام ما أغاض به الحجاج أبن يوسف، وعندما سأله الحجاج عن نسبه قال له أني من بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب (كرم الله وجهه)،

 

من البديهي أن تكون وقائع هذه الرواية قد حدثت في الفترة (75هـ - 95هـ) وهي الفترة التي حكم فيها الحجاج ابن يوسف العراق، ومن المعلوم أن الامام علي (كرم الله وجهه) توفى في العام (40هـ) أي بفترة تسبق زمن حادثة (الغلام والحجاج) بنحو (35 – 55) سنة، فهل من المنطق أن تظهر خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة التي لا تتعدى جيلين (مابين وفاة الامام علي وحكم الحجاج للعراق) قبيلة من ذرية متعاقبة للأمام علي (كرم الله وجهه) تعرف ببني غالب!!، فأما أن تكون هذه القبيلة ظهرت في زمن لاحق للحجاج وهذا يبطل الرواية وينسفها، وأما أن يكون بنو غالب غير مرتبطين بنسب الأمام علي وهذا يترك لنا أنطباع عن حجم التزييف التي تحمله تلك الروايات، وفي (كتاب أعلام النساء المؤمنات لـمؤلفه محمد الحسون)، حملت الصفحة 295 منه مناظرة يدعى أنها وقعت بين الحجاج أبن يوسف وحرة بنت حليمة السعدية، وهي رواية تدعو للأستغراب، فقد توفيت حليمة السعدية في العام الثامن الهجري ودفنت في البقيع، أي قبل وفاة الرسول بثلاث سنوات، وقبل ولادة الحجاج بثلاثون عام، فكيف لابنتها أن تدرك زمن حكم الحجاج أبن يوسف للعراق، مع العلم أن أي من الذين ارضعتهم حليمة السعدية لم يدرك ولادة الحجاج؟؟،

 

فالفارق بينهم اربع أجيال، هذا بالاضافة إلى عدم أيجاد أي مصدر آخر يذكر هذه الرواية أو يذكر أبنة لحليمة السعدية غير الشيماء، وقيل أيضاً "أن عدد الذين قتلهم الحجاج أبن يوسف في أيام حكمه من الموالين لآل البيت (الشيعة) مائة وعشرون ألفا، كما توفي في السجون خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة منهن ستة عشر ألف امرأة عارية مجردة من الثياب"!!، بعملية جمع بسيطة نجد أن العدد الكلي الذي قتلهم الحجاج من الموالين (حسب روايتهم) هو مائتا الف، ومن هذا الرقم نستنتج أن نسبة الموالين في العراق آنذاك لاتقل عن نصف مليون نسمة كحد أدنى، ومع هذا لم يجد الحسين (رض) غير سبعون مناصراً من النصف مليون يقفون معه في واقعة الطف ؟؟!!، أين كانت الألوف المؤلفة مختفية !!،

 

ومايدعو للأستغراب هو التظلم من زمن الحجاج مع العلم أن زمن أسماعيل الصفوي أقرب لنا تاريخياً، فقد أحتل بغداد وحكمها لسبع سنين دموية بأبشع صورة، لم يبقى مسجد إلا وهدمه، ولا شيخ إلا وذبحه، ولا امرأة أو طفل إلا نالهم ظلمه، حتى انه أمر بحفر قبور الموتى وحرق رفاتهم، وهدم قبر الأمام أبو حنيفة، وكصورة واضحة عن ظلمه فقد أمر بقتل والدته، فلماذا لا يتظلم منه المتظلمون كواحد من الحكام الطغاة؟؟.

 

لقد أصبحت المظلومية التي أخترعها الصفويون بضاعة مستهلكة بعد أن كشف زيف تلك الادعاءات، والواضح أن ما يدعيه الفرس يؤيده المتظلمون بجهل، ولهذا نجد أن جميع الشخصيات التاريخية التي وقفت بوجه الأطماع والفتن والدسائس الفارسية رسم الفرس لهم صورة مغايرة عن الحقيقة، وحيكت لهم روايات عن الظلم والجبروت والطغيان من وحي خيال الفقه الصفوي، يروج لها ويرددها التابعون لهم ولافكارهم، بل ويؤمنون بها وهم يعلمون بعدم مصداقيتها، ونختتم بقول الله تعالى وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) النحل.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٠٩ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٣ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور