مشكلة المصطلح في اعلام وثقافة المقاومة

 
 
شبكة المنصور
د. علي العلگاوي
مازالت المقاومة الوطنية العراقية تجابه تسويفا وتشويها متعمدين لتصغير مكانتها عند أحرار العالم من خلال إحاطتها بثقافة مضللة تلك التي يصطلح عليها (بالارهاب).


فالمقاومة اليوم تشق طريقها بصعوبة متسمة بالحنكة والشجاعة والصبر ليس باتجاه تثبيت أقدامها وترسيخ وجودها بل لتنقية ثوبها من ما علق به من تشوهات في ظل الاستخدام لمفردة الارهاب.


ان هذه المفردة في معناها اللغوي وردت في أكثر من موقع أبرزها مجيئها في النص القرآني بمعنى الاخافة( وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). فالنص واضح وهو يخاطب أصحاب الحق أن يعدوا لعدوهم العدة وشملت هذه العدة حتى رباط الخيل وهذه مبالغة بلاغية للدلالة على ضرورة أن يكون الاستعداد في أعلى درجاته


فارهاب العدو يعني اخافته وكسر شوكته دفاعا عن الحق وازهاقا للباطل ’ هكذا راح المحتل في العراق يطرح ويسوق مفردات ومصطلحات يستعدي من خلالها الناس ضد المقاومة ’ وقد نجح في هذا بعض الشئ من جهة احداث تقاطع في المعنىوالمضمون بين هذه المصطلحات وبين مفردة المقاومة التي دافعت عن معانيها السامية بالقول والفعل والعمل الميداني داخل العراق المحتل’ من تلك المصطلحات ( المتمردون ’ القاعديون، الخارجون عن القانون، أزلام النظام السابق، البعث الصدامي ) وما الى ذلك من مسميات ثقافة الاحتلال اضافة الى الاشتقاقات التي اشتقتها الثقافة المضادة من مسميات وطنية ذات معان وأساسات مقدسة أيام الحكم الوطني، وطرحتها وسط جو مغرق بالمصطلحات الرامية الى طمس قيم الثقافة العربية، واشباع ذاكرة المجتمع خصوصا ( الاجيال ) بسقط المتاع من تلك المفردات من أجل التشويش على هويته العربية.


إن نمو حركة المقاومة الوطنية العراقية المطرد، من مرحلة الفصائل والتنظيمات المسلحة صغيرة كانت أم كبيرة إلى مرتبة المشروع المتكامل للمقاومة ليشمل كل العمليات المسلحة أي الجهد القتالي ضد قوات الاحتلال وواجهاتها الامنية، مضافا إليه الجهد التعبوي العقائدي والنفسي والإسنادي والمالي والاستخباري والسياسي والمعلوماتي والإعلامي وكل أنواع الجهد اللوجستي، وضع المقاومة في موقع الند المخيف لقوات الاحتلال، وأسقط توجهاتها في الثقافة المضادة، ولم يبق أمام الإحتلال ومؤسساته سوى وتر الإرهاب الذي يعزف عليه ألحانه النشاز متى شاء ويؤسس عليه حملاته القمعية ضد المواطنين الآمنين والتي اتخذت شكل المطاردات والمداهمات والإعتقالات والمحاكمات البائسة والاغتيالات، مطلقا العنان لأجهزته الإرهابية لتصفية رموز وصروح الثقافة العربية من أجل إكمال مخطط سلخ العراق من الجسد العربي.


بناء على ماتقدم نستطيع القول إن المقاومة الوطنية العراقية انطلقت انطلاقة عملية قبل أن تبدأ بداية نظرية، أي إن الفعل بدأ قبل الكلام ( الإعلام ) والثقافة، لكن ذلك الفعل ترافق ظهوره مع بيانات كانت تصدرها الفصائل كل حسب فصيله أو حركته.


وبالرغم من أن مسيرة العمل المقاوم وجوانبه الإعلامية (الخبريه ) أفرز لنا غياب بعض الفصائل بأسمائها إلا أن الفصائل الأخرى استمرت على ما بدأت به مطورة عملها التطبيقي والنظري، وبذلك فوجئ المحتل بأن العمل المقاوم بدأ منذ اللحظات الأولى لدخوله التراب العراقي، وهذه الحالة توقف عندها الكثير من الباحثين والمهتمين بشؤون المقاومات الوطنية التي تسعى لتحرير أوطانها من الإحتلالات في العالم خصوصا الجانب المسلح فيها .


يقول الباحث التونسي توفيق المديني في حديث له إلى جريدة الراية القطرية: ( هي تعتبر مقاومة مبكرة جدا في انطلاقتها )، كذلك يذكر المفكر الإسلامي فهمي هويدي في حديث له لجريدة الشرق الأوسط ( إن المقاومة العراقية ظهرت بمنتهى السرعة، وتلك بدورها، استتبعت مفاجأة أخرى تمثلت في أن حس المقاومة تفوق على حس الإنتقام ).


ويذكر الدكتور خير الدين حسيب رئيس مركز دراسات الوحدة العربية ( أن المقاومة في العراق تنتشر وتتطور من حيث الكم والكيف ).


ولم تستطع وسائل الإعلام الأميريكية النأي عن التعليق على هذا الظهور القوي للمقاومة، فقد تحدثت كل من صحف الهيرالد تربيون والنيويورك تايمز والواشنتون بوست وبإسهاب عن الكفاءة التكنولوجية العالية للمقاومة الوطنية العراقية مؤكدة ( أن هناك 20-30 مدينة عراقية خارجة عن سيطرة القوات الأميريكيه).


لقد أدرك الاحتلال وقواه المساندة وعملاؤه وذيوله أنه دخل أرضا لشعب مقاتل عرفت عنه قوة البأس والشكيمة. وحين أدرك حقيقة تورطه أشار عليه أحباؤه بضرورة استخدام الإعلام الأسود لكبح جماح الشعب إذا ما أراد أن ينضم إلى المقاومة، كما أدرك أن مقومات المقاومة متوفرة، وهي الأرض والسلاح والأذرع، ولذا بدأت صفحة الإساءة للمقاومة والمقاومين فنعتت المقاومة بمختلف النعوت عبر حملات إعلام ظالمة نسج خيوطها أولئك الذين جاءوا به وجاءوا معه.


التفسيرات الظالمة لظهور المقاومة المبكر
طرحت آراء وتفسيرات عديدة حول دوافع ظهور المقاومة العراقية المبكر، من هذه التفسيرات التفسير الدفاعي وهو تفسير تبريري يرجع المقاومة إلى خلفية النظام الوطني، وهذا التفسير طرحه الاحتلال وعشاقه، وكانوا يقصرون الأعمال المسلحة على شخص الرئيس الراحل الشهيد، ويركزون بشكل مقصود ومسيئ على أن هذه الأعمال هي من صنع فلول النظام السابق أو أيتام النظام السابق أو أزلام النظام السابق. وكان الهدف من ذلك تأليب المجتمع على قادة الحكم الوطني، وتشويه صورهم في أعين الناس، وحين لم يلقوا آذانا صاغية من لدن أبناء الشعب انتقلوا إلى نغمة أشد وقعا على مسامع الناس من سابقتها وهي (الإرهابيون) وأحيانا ( الخارجون عن القانون) .


وإذا كان استخدام هذه المفردات من قبل الأميركان للإساءة إلى الأعمال المسلحة التي تقوم بها فصائل المقاومة، فإنه من غير الممكن فهم موقف البعض ممن اعترفوا فيما بعد بأن الوجود الأميركي هو احتلال بأن هذا الوجود هو وجود تحريري أي جاء لتحرير العراق، فكيف ينسجم الاحتلال مع التحرير ؟ هذه هي ثقافة الاحتلال وثقافة من يعتبره تحريرا.


هناك تثقيف آخر عن المقاومة بني على أساس فيزياوي باعتبار الفعل ورد الفعل فقد نظر إلى المقاومة على أنها رد فعل مسلح حيال ماقامت به القوات الأميركية ضد العراقيين، من بطش وترويع وسرقة مال وتدمير بلد، وتجاوز على الحرمات والتقاليد وأعراف العر اقيين، مثالها تظاهرة أهالي الفلوجة التي أسفرت عن هجوم الأميركان الأول على الفلوجة.


إن هذين التفسيرين يثبتان، أن المقاومة بدأت قبل الهجوم الأول على الفلوجة، فكان إحدى نتائج اندلاع المقاومة، أما ماحصل في الفلوجة فهو تصعيد للعمل المقاوم، بل حتى التظاهرة نفسها كانت إعلاما خالصا ومهما للمقاومة. ونشاطا مقاوما.


إن القاسم المشترك الذي يجمع خطوط المقاومة الوطنية العراقية في خندق واحد، هو طرد المحتل وتحرير العراق، وقيام منظومة حكم وطني عبر انتخابات نقية ونزيهة، وهذا القاسم تلتقي عنده كل فصائل المقاومة ( وطنية وقومية وإسلامية) وهي التي تشكل لحمة النسيج العراقي .


لقد اعترف بوش المهزوم حسب صحيفة نيويورك تايمز بأنه لم يتوقع بروز المقاومة العراقية بهذه القوة، وهذا الزخم، كما أوساط إعلامية أميركية بناء على معلومات إستخبارية، أن عدد المنخرطين بالمقاومة يزيد على ثمانين ألف مقاتل، في السنوات الثلاث الأولى من الإحتلال وحسب جريدة الغد الصادرة في 23/1/2005.


وتذكر دراسة للدكتور رفعت سيد أحمد نشرتها جريدة العرب اللندنية، أن حجم المقاومة العراقية يتمثل في (29) تنظيما مقاوما، في حين يذهب الباحث العراقي عبد الكريم العلوجي في دراسة نشرتها جريدة العربي القاهرية إلى أن فصائل المقاومة بلغت (27) فصيلا مقاوما.


كل ذلك والمقاومة لم تجد من يسوق نشاطها المسلح، من وسائل الإعلام المنصفة والمؤيدة، بل جابهت كما تحدثنا هجمة شرسة من الإعلام المضاد ما جعل الشارعين العراقي والعربي غير متفائلين بمستقبل المقاومة.
لكن هذا الحال لم يدم طويلا، إذ استطاعت المقاومة التي تصاعد بأسها، وازدادت ضرباتها، من أن تكسر طوق العزلة الإعلامية بإصدارها حزما من عروض نشاطاتها الجهادية إلى بعض وسائل كالفضائيات، مستخدمة الأقراص المدمجة، كما بدأ متحدثوها الرسميون يواجهون الناس من خلال شاشات تلك الفضائيات، وبدأت ثقافة المقاومة التي سبقها الإعلام بالظهور شيئا فشيئا، لتضع المحتل أمام واقع مرير أحلاه الإنسحاب.


نرى أن الوقت حان لأن يكون للمقاومة صوت واحد يسمع كل الآذان في العالم المفتوح وعبر وسائل الإعلام، وفي هذا الشأن نتوخى وفي الحد الأدنى أن تتوصل كل فصائل المقاومة إلى تأسيس مجلس مركزي للإعلام المقاوم، إن لم نطمح أكثر ونطالبها بالتوحد عسكريا وسياسيا، كي يكون لهذا الصوت دوي إعلامي مؤثر يوقظ كل النائمين، ولا يستطيع الإعلام المضلل الوقوف أمامه.

 

 

 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٠٩ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٣ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور