صراع الارادات بين قانونية المقاومة وجرمية أرهاب الدولة

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
في ظل التفرد القطبي الدولي , وتجبر الرأي الواحد بعد أن أنزوى الرأي الاخر , مدت الولايات المتحدة الامريكية بساطها الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي , على معظم أرجاء الكرة الارضية , حتى بات الكل يسيرون عليه مجبرين أو مختارين , في ظل منطق الغزو والاحتلال والهراوة , كوسائل جديدة في تطبيق الديمقراطية وتحقيق الحرية للشعوب والاقتصاديات وبناء العولمة التي تشمل التدخل في جميع مناحي حياة الشعوب والامم , ومحاولة صهر ثقافاتها وهدم أسس الحياة التي أعتادتها , خدمة لمنظومة فكرية أحادية , تمثل نهجا تسلطيا أستغلاليا


يسعى الى تلوين الكرة الارضية بلون واحد , ويصادر حق الاخرين في التفكير بطريق خاص وبتعدد التجارب .
وقد شل هذا الواقع الجديد الحياة السياسية الدولية,حيث أنتهك سيادات الدول من خلال مطالباته بما يسمى (أصلاحات ديمقراطية ) وتدخله في الشؤون الداخلية لها , بل وقد وصل به الغي حد التدخل في المناهج الدراسية , كما جعل من الكيانات الاممية مجرد هياكل خاوية , بعد أن صادر أرادتها وأستقلالية قرارها , حتى أصبحت مجرد مؤسسات تابعة للقطب الواحد , تصدر قراراتها وفقا لمشيئته , وبما يضمن الانسجام التام مع مصالحه , أن كانت مصالح قانونية متعارف عليها في الشرع الدولي , أو كانت مصالح لاشرعية هدفها مصادرة أستقلالية الدول , وتقييد حرية الشعوب وخياراتها في الحياة , خدمة لاهداف أستعمارية ومصالح ذاتية دولية , ولعل ما جرى من أستغلال واضح فاضح للامم المتحدة ومؤسساتها في المسألة العراقية , أكبر دليل على ماأل اليه وضع القانون الدولي وشكلية المؤسسات التي تدعي تمثيله , ولنا فيما قاله هانز بليكس كبير مفتشي الامم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية , وزميله محمد البرادعي , عن حجم الضغوط والتهديدات التي تعرضوا لها كي يجنحوا لشيطنة برامج التسليح العراقية , ورسم صورة فناء عالمي قادم على يد النظام الوطني العراقي قبل العام 2003 , خير زاد ومعين على بيان كيفية تطويع هذه المؤسسات والقائمين عليها , ولي أرادتهم بما يحقق مصالح القطب الاوحد .


أن خروج الولايات المتحدة الامريكية منتصرة في حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي بعد تفكك الاخير , وجرح كبريائها في الحادي عشر من سبتمبر على يد تنظيم القاعدة , وبما يشكله الحدثين من متضادات تحمل معاني النصر والهزيمة , والتمكن والاتمكن , والامن واللامن , فقد شكلا النفسية الامريكية الجديدة في التعامل مع القضايا العالمية , وحركى في دواخلها مكامن الشر للتغطية على صحوة الامن المفقود والهيبة التي أهينت,فأستحضرت من جديد كل الوسائل التي أستخدمتها طوال عقود من تاريخها الاستعماري لتلقي بها دفعة واحدة , في تجربتين مأساويتين أحداهما في أفعانستان والاخرى في العراق , ولتبرز للعالم أجمع وعن قصد تام صور الدمار والخراب والقتل والاغتصابات , التي يصفها الكثير من المحللين على أنها أخطاء قاتلة , أو أخطاء متوقعة أثناء الحروب , بينما هي في الحقيقة لم تكن سوى أفعال مخطط لها مسبقا ومدروسة النتائج ومصنوعة بأتقان تام , هدفها وضع العالم أجمع تحت فعل (الصدمة والترويع ) , ونموذجا للحال الذي سيصل اليه كل من يفكر مجددا في الخروج على الاجندة الامريكية , وتحفيزا لمكامن الخوف من القدرة الامريكية , وتحشيدا للجهد السياسي والعسكري والاستخباري والاقتصادي الدولي , كي يوضع في خدمة قيادة القطب الواحد , وبعكسه فأن من لم يكن معهم فهو بالضرورة سيكون ضدهم , وهذا هو القانون السائد في هذه المرحلة .


في ظل هذه الاجواء الملبدة بالمخاوف والشكوك والنوايا المبيته والمصالح الضيقة , تم سن مايسمى قانون مكافحة الارهاب سيء الصيت , الذي كان هدفه ربط الاذرع الدولية بالعقل الاستعماري الامريكي , ومحاصرة كل القوى والحركات والتنظيمات التي ترفض نظام الوصاية الجديد, الذي يجرد الامم من حقها في أختيار الطريق الخاص بها, بل أمتدت ظلال هذا (القانون) لتجرم حتى الاقلام الوطنية ووسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية الناطقة بلسان الشعوب , حتى بانت صورة الدجل الامريكي مليئة بالمتناقضات , بين دعوات الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الرأي الاخر , وبين قمعها لكل من يسلك هذه الطرق السلمية في مقاومته للظلم والطغيان , وأذا كانت الشواهد كثيرة على هذه المسالك الضحلة واللاقانونية


فأن أدراج الدكتور مثنى حارث الضاري على قائمة مايسمى ( الارهاب) , هو الشاهد الابرز الحالي , على أزدواجية المعايير والكيل بمكيالين وصناعة التهم , التي لازالت الادارة الامريكية تعزفها يوميا , فيسارع لتطبيقها الاخرون , طمعا في تنسيق أمني مع القطب الاوحد يضمن لهم عروشهم , ويكف عنهم غضب شعوبهم , ويديم عليهم فتات المساعدات الاقتصادية .


أن أستمرار الخط الوطني المستقيم الذي تسلكه هيئة علماء المسلمين حيا ومتصاعدا منذ العام 2003 بدون منحنيات وتنازلات , ورفضها الضغوط الدولية والاقليمية والعربية للانجرار في متاهات مايسمى ( العملية السياسية ) , في ظل تبدل الكثير من المواقف لاطراف كانت تدعي المقاومة , دفع الامريكان لانتهاج أسلوب جديد في محاربة الهيئة والقائمين عليها , من خلال منع الدعم الرسمي العربي لها بكل أشكاله , ومحاولة أسكات صوتها بتجريم قناتها الاعلامية (الرافدين) , والضغط على بعض الاطراف التي كانت منظوية تحت لوائها للانسحاب منها ,

 

ثم محاولة تقييد حركة الفاعلين من أعضائها وملاحقتهم بدعوى الارهاب , وهم يعلمون جيدا بأن السيد مثنى الضاري بعيدا كل البعد عن هذه التهم , لكن دوره الاعلامي وصوته الجهوري الذي نال منهم ومن أتباعهم , أصبح في عرفهم دليلا كافيا على ممارسته (الارهاب) , وهم يعتقدون بأن كل هذه الاجراءات ستكون كافية لاستفرادهم بالشيخ حارث الضاري وأملاء أرادتهم على الهيئة من خلاله , عند تجريده من المحيطين به .


أن قانونية حق المقاومة الذي أقره العرف البشري , وصادق عليه القانون الدولي , ومارسته الشعوب على مدى المئات من السنين , لن يتوقف بالملاحقات وأجراءات المنع التي تمارسها الولايات المتحدة والمؤيدين لها , مهما أصاب المقاومين وأصحاب الطريق المستقل من حصار وتجويع وتخويف , فهم الذين أسقطوا مشاريعها في العراق وفلسطين رعم جبروتها , ورغم قدرتها على تحجيم وسائلهم المادية في المقاومة , لكن العنصر المعنوي سبقى هو السلاح الامضى في المقاومة , والذي لن تستطيع أية قوة كونية أقتلاعه , لانة في الصدور العامرة بالحق , أما الافعال التي تمارسها القوى الدولية الغاشمة , فهو الارهاب الحقيقي الذي جرمه القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة , عندما كان ضميره صاحيا لحظة سنه , لالحظة تحريف نصه , عندما أستخدم في فيتنام وأمريكا اللاتينية وفلسطين والعراق وغيرها من بلدان العالم , وجلب لها الدمار والقتل والتخريب ونهب الثروات وتسلط الدمى التي تحكم بأسم الاستعمار ,  تحت شعارات الديمقراطية وتطبيق حقوق الانسان وسيادة القانون .


أنه لشرف عظيم أن تدرج أسماء الشرفاء المقاومين , على لوائح القوانين الامريكية بدعاوى الارهاب وتأييد القاعدة وطالبان وغيرها من التهم الجاهزة , لان لاشرعية لقوانين تسنها دول تصنع الارهاب وتدعمه وتسانده وتكيل بمكيالين , فقد سمي القائد الفيتنامي هوشي منه أرهابيا لانه قاتلهم , بينما كانت تسمي قتال الفيتناميين ضد اليابانيين مقاومة , كذلك سمي المجاهدون العرب في أفغانستان مقاومين عندما قاتلوا القوات السوفيتية , بينما أصبحوا أرهابيين عندما قاتلوا الامريكان , وسيستمر المقاومون في فعلهم حتى يتبين الخيط الاسود من الخيط الابيض من الفجر .

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء  / ٢٠ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٤ / أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور