لمصلحة من ترمى المقاومة العراقية كل يوم بحجر ؟

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي
أذا كانت صناعة الموت والدمار والتخريب حكرا على الغزاة والمستعمرين , حتى أصطبغت مياه نهردجلة بلون حبر كتب مكتباتها التي رميت فيه على يد هولاكو, وأمتلآت أماكن جمع القمامة في حارات بغداد بالاجساد المثقبة ب (الدريل ) , والسيارات المحترقة بالاجساد , والسقوف المنطبقة على عوائل أمنة , على يد الامريكان وأتباعهم , فأن صناعة الحياة كان لواء الفصائل المقاومة الذي عبدته بدماء خيرة الابناء , وبأموال اقتطعت من لقمة الصغار , وبمداد أشرف الاقلام , وبدعوات أجل الاباء والامهات , ليس في العراق وحده , بل في كل أرجاء المعمورة التي مسها لظى الاحتلال, حتى باتت أسماء قادتها وزعماءها جزء من الذاكرة الجمعية للشعوب يسمون به أبنائهم للتخليد , ويطلقونه على ساحاتهم وميادينهم , بينما أذا كان من ذكر للغزاة وأعوانهم فأنه لايتعدى أن يكون مضرب مثل بالعدوان والخسة والهمجية والغدر .


وأذا كان من أعجاز يحسب للمقاومة العراقية بكل فصائلها وأتجاهاتها الفكرية , فهو ولادتها قبل العدوان ومباشرتها العمل المقاوم في الايام الاولى للغزو داخل الاحياء والقرى العراقية فمقاومة أهلنا في أم قصر وصفوان والفاو , هي التي أضطرت قادة العدوان لتبديل خططهم وأخرت توغلهم الى تلك المناطق , التي لم يدخلوها الا على جثث المقاومين بعد أن أستخدموا كافة الاسلحة التدميرية التي القتها طائراتهم , كما شهدت المحافظات الاخرى وأحياء بغداد مقاومة شرسة باسلة على أول تكبيرة في جوامع المأمون وأم الطبول وبلال وحسينيات البياع وحي العامل , مخلفة دبابات العدوان حطاما تلتهمه النيران في شوارع السيدية والدورة وساحات اليرموك والاردن وقحطان واللقاء والاعظمية وميسلون وجسر ديالى وغيرها , حتى باتت أثار دماء المقاومين العرب والعراقيين واضحة تحت قبة تمثال اللقاء لاسابيع طويلة , كما أحتظنت الكثير من شوارع بغداد وساحاتها وحدائقها أجسادهم الطاهرة التي نبش بعضها جنود الاحتلال متوهمين بأنها عبوات ناسفة مزروعة ضدهم ثم تركوها عرضة للكلاب السائبة, بعد أن كنا نعجز عن نقلها الى المقابر الرسمية تحت نيران الامريكان التي كانت تنطلق على كل شيئ يتحرك على الارض , كما كان أعجازها الاخر والاهم هو أنطلاقتها بجهد ذاتي دون غطاء أقليمي أو دولي وبما كان متوفرا من سلاح وعتاد عائد الى الجيش العراقي , والذي تم توزيعه بشكل مقصود في أغلب أحياء العاصمة , كي يكون في متناول المقاومين الذين أنتقلوا من المقاومة المنظمة في صفوف الجيش والاجهزة الامنية الى المقاومة الشعبية القائمة على حرب العصابات , وبذلك استقلت تماما عن ماتفرضه أجندات الغطاء الاقليمي والدولي عليها وتفاهمات دهاليز السياسة , التي أنتهت بسببها بعض حركات التحرر نتيجة أعتمادها على حلفاء دوليين أو أقليمين , وقبولها أن تكون لعبة للمساومات مقابل دعم مادي أو معنوي كلفها وجودها وشرعيتها الوطنية ,

 

لكنه وعلى الرغم من صحة الخيار الذي أختطته المقاومة العراقية في الحفاظ على أجندتها الوطنية من الاختراق الخارجي , وعملها بالامكانات الذاتية الا أنها دفعت ثمن أستقلاليتها حصارا أقليميا ودوليا ضدها , وتعاونا أستخباريا مع الاعداء حتى من الاشقاء لتحجيم دورها وتصفية رموزها , ومحاربة المنابر الاعلامية التي تؤيدها وتدعمها وتجفيف منابع تمويلها الوطني من خلال شراء ذمم بعض المتنفذين الاجتماعيين للابلاغ عن قنوات الدعم المادي لها , أو فتح قنوات تعاون مع المحتل بوساطة أجهزة أستخبارية عربية لبعض المحسوبين عليها , وتشكيلهم واجهات تتكئ على التراث المقاوم زورا , في سبيل تسنم مناصب حكومية والانخراط بما يسمى ( العملية السياسية ) , بغية التأثير على الحاضنات الشعبية للمقاومة وأحداث حالة أرباك وتشتيت فكري لديها .


ان التهجم على المقاومة العراقية من قبل بعض المستريحين على مكاتبهم الوثيرة في عواصم الغرب عراقيين أو غيرهم , ونعتها بأنها ( حفنة مجرمين وقتلة , ومفجري العمارات السكنية ) والصاق افعال القتل الاجرامي العشوائي الجارية في الوطن بأسمها دون برهان في مقالاتهم , أنما يدلل على ضحالة تفكير هولاء , وأمية الوعي السياسي الذي يعانونه وأنقطاع التواصل بينهم وبين شعبهم في العراق والامة , وعدم معرفتهم بالقوى المتنفذة والاجندات الفاعلة فيه , كما أنه يشكل دليلا دامغا لهم بأبتعادهم عن قراءة التاريخ والالمام بأحداثه , فقبل منتصف القرن الماضي شهدت بغداد القاء قنابل على دور ومحلات ومعابد اليهود العراقيين , قيل وقتها أنه أرهاب من عرب العراق ضد اليهود , ثم أعترفت الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية بعد عقود من الزمن بأن ذلك لم يكن سوى مخطط أسرائيلي لاخافة اليهود ودفعهم للهجرة الى فلسطين , وأنه جزء من الفوضى الخلاقة لبناء دولتهم , وهو شبيه لما يجري في العراق من قتل وتفجير وتدمير تتشارك فيه قوى الاحتلال وسلطتهم في بغداد وقوى وأجهزة مخابرات دولية وأقليمية ومافيات عالمية , وهو أيضا فوضى خلاقة لبناء وطن المكونات والمستوطنات القائمة على أسس طائفية وقومية وعشائرية ومناطقية , وفق حسابات مصلحية تخص كل هذه الاطراف , ثم الصاق كل هذه الافعال بأسم المقاومة , بينما يمكن لآي مراقب محايد أن يقرر بأن هذه الافعال لايمكن تنفيذها الا بأمكانيات دولة .


أن الفاغرين أفواههم أعجابا بالحضارة الاوربية حد تفضيل بقاء الاحتلال الامريكي في العراق على أنتصار المقاومة , أنما يتناسون بأن شعوب البلدان الاوربية التي يقيمون فيها , لازالوا يفخرون بالمفخخات والعبوات التي تصدت بها مقاومتهم ضد الغزو الالماني , ويتغنون بأسماء قادتها التي تزين شوارعهم وميادينهم , وعليهم أن يتذكروا قبل أن يكيلوا التهم الباطلة ضد المقاومة, بأن العنف في العراق بدأ بأيدي مجموعات تابعة لاحزاب السلطة الحالية , ومليشيات دربتها المخابرات الامريكية قبل الغزو في براغ وغيرها تحت مسميات (المجموعات الخاصة ) وهي التي بدأت بتصفية كل من ظنوا أنه يعيق أجندتهم في الجيش , والوزارات , والدوائر الرسمية والحسينية والجامع والمدينة والحي والقرية , فقتلوا الاف من العلماء والخبراء والاطباء وأساتذة الجامعات وضباط الجيش وهجروا الملايين من حاضنات المقاومة خارج الوطن , وهي كانت حرب ضرورة لا حرب أختيار بالنسبة لهم , لان خسارتهم لها أنما تعني تصدر قوى المقاومة المشهد السياسي العراقي وتطبيق منهجها القائم على أساس تعزيز البنية الوطنية , لذلك باشروا بأفراغ الوطن من كوادره , وجرموا وشيطنوا المقاومة وشرعوا قوانين تدينها بالارهاب , ثم أكسبوا كل أفاتهم شرعية دستورية .


أن تحول بعض الاقلام الى سهام تنفث سمومها تجاه صدور المقاومين العراقيين , أنما يخدم قتلة شعب العراق من محتلين وطائفيين وحاقدين , وأن عيشهم الامن في الخارج وحصانة شرفهم وأموالهم ودمائهم , لايبرر لهم تمجيد مغتصبي (عبير) والاف العراقيات , وقتلة عوائل حديثة والنجف والموصل وبغداد , والتي كان أخرها دليل جديد وهو فلم يصور كيفية قتل مجموعة من المواطنين الابرياء بينهم صحفيين بنيران الاباتشي الامريكية بدم بارد , بل عليهم الانحياز التام للمقاومة الوطنية والتضامن مع أوطانهم , وأن لايطيب لهم عواء بعض أجهزة الاعلام المعادية , التي سوقت كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية سابقا , وتسوق شيطنة المقاومة اليوم , فيرددوا معها ماتقول , كي لاينطبق عليهم قول الشاعرالعربي :


تحرس حين تسكن في وجار     وزد حذرا أذا طال الثواء
فليس الخوف أن يؤذيك ذئب    ولاكن أن يطيب لك العواء

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ١٢ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٦ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور