هل يصلح العرب ما أفسده الاحتلال في العراق ؟

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
لن يكفي أن ننطق لغة الضاد كي نكون عرب , ولن يكفي أن نعتمر الكوفية والعقال ونشرب حليب النوق , ونعزف على الربابة في البوادي والقفار , ونطرب لحادي العيس , كي نسمى أمة عربية , فلقد تجاوزنا أقوام كثر لاتربطهم عشر الصلات التي تربطنا , وأقاموا فيما بينهم أطر أتحادية , أقتصادية وسياسية وأمنية , وأصبح مواطنوهم يتجولون بين دولهم كما يشاؤون ووقتما يرومون , بلا جوازات سفر وتأشيرات دخول , ويتمتعون بكافة الحقوق مع مواطنوا تلك الدول المتحدة , بينما يحفل تاريخهم القريب والبعيد , بحروب مدمرة , ومجازر مروعه حصلت فيما بينهم , لكنهم تجاوزوها من منظور مستقبلي , ولم يضعوا كل ذلك التاريخ المؤلم على ظهور مواطنيهم فتجلد هذه الدولة مواطنوا الدولة الاخرى , ويقضون السنين يلعنون بعضهم بعضا . لكننا أمة العرب فعلنا عكس ذلك تماما , فعلى الرغم من التاريخ المشترك , واللغة والدين والمصير الواحد , والجغرافية التي لم تفصلنا عن بعضنا البعض بموانع وتضاريس طبيعية , لكن عين الشك مازالت بيننا يقظة , فعندما لاتكون الحرب قائمة بيننا بالسلاح , فان الحرب الباردة مستمرة , كل يحبط مشروع الاخر القومي , وكل يبحث عن زعامة موهومة بين الكراسي , حتى باتت جوازات سفرنا ليست كافية للتجوال في دنيا الوطن الكبير , لان كل مواطن منا يمثل النظام السياسي القائم في دولته , في نظر الدولة العربية الاخرى , وعليه فان دخولنا وخروجنا تتحكم به العلاقة التي تربط الانظمة , حتى العمالة العربية المتنقلة بين دولنا أصبحت تخضع للتحقيق حين العودة الى الوطن الاصلي , لانهم في نظر السلطات أصبحوا عملاء لسلطات البلد الاخر , وبذلك نسيت ألاجيال العربية كيف كان العربي يتنقل من مشرق الوطن العربي حتى مغربه براحلته , ويستقر حيثما يريد , وحيثما يوجد الماء والكلآ .


لقد قادت كل هذه الهواجس والشكوك التي أنتابت السلطات العربية الرسمية , والتي عبر عنها وزير خارجية أكبر دولة عربية وهو يهدد شعب شقيق له , بأن يقطع قدم كل من تطأ منهم أرضه , في اللحظة التي كان العدوان الصهيوني يرتكب اكبر مجزرة في التاريخ الحديث بحقهم نقول أن هذه الهواجس هي التي أدت الى ضياع فلسطين وتشتت السودان والصومال , وتخلخل وحدة اليمن , ومجاعة وتسول في دول عربية , وتخمة حد الافراط في الاخرى , ثم الطامة الكبرى وهي تحطيم العراق , ذاك الصرح الحضاري الذي بني على أسس قومية منذ أستقلاله في عشرينيات القرن المنصرم , وأختار بأرادته أن يكون بيتا مشاعا لكل أبناء الامة , قوته لها وبها , وثرواته ملك لها , ودمائه مبذولة في سبيل حقها في الحياة الحرة الكريمة .


وعلى الرغم من ماسي الاحتلال وسنواته السبع العجاف , وقبلها حرب قطع الارزاق منذ العام 1990 , ومشاركة النظام الرسمي العربي فيها باليد واللسان والقلب , فأن العراقيين مازالوا يراهنون على الدم الذي لايمكن في عرفهم أن يصبح ماء , وأن الاخ وأبن العم لابد أن يعينوهم على الغريب الذي جار عليهم , وهم يرددون في مجالسهم صفحات من التاريخ العربي البعيد حينما كانت القبائل العربية تغير بعضها على البعض الاخر , فتأسر وتسبي وتغنم وتقتل , لكن الدم يبقى يحن الى الدم الذي سرعان ما يحول الخصومة الى تحالف , والقتل الى مصاهرة وود ووئام , غير أن البعض من الاشقاء لازال الى اليوم عاجزا عن الوصول الى هذا المستوى من الشعور القومي الذي يملكه كل فرد عربي في العراق , بل أنهم لم يكتفوا لحد الان بما اصاب اخوانهم من قتل وجوع وتهجير وأستعمار وفساد وأغتصاب , فما زالت بعض صحفهم تجتر الماضي وتفتح جروحه , ومازال بعض كتابهم يعلن أمنياته بأن لايبقى في العراق حجر فوق حجر , وتطرد سلطات حدودهم شعبه المستجير بهم , وتستولي على شركاته المشتركة معهم التي أنشأها العراق للتخفيف عن حصار شعبه قبل الاحتلال , وتصادر أو تخفي ارصدته التي كانت أمانة لديهم كي يوفر العراق منها الخبز والدواء لاطفاله وشيوخه , حتى وصل الحال ببعضهم حد التنكر لابسط القيم الانسانية ولانقول القومية , عندما لاتمتد أيديهم لمساعدة رموز وطنية عراقية يعانون من العوز والمرض , مثل الفريق الاول الركن عبدالجبار شنشل أحد قامات الجيش العراقي , وأبطاله الصناديد , الذي خدم العراق والامة على مدى ستون عاما , ودافع عن الارض العربية أينما كانت , وكان مثالا للوطنية والقومية الحقة , وكذالك السيد قاسم أحمد تقي وزير النفط الاسبق , الذي أنتخى له أحد أعضاء مجلس النواب الاردني الشقيق مطالبا بتقديم المساعدة له , ومذكرا بأفضاله عندما كان في موقع المسؤولية , بينما العديد من قادة الدول العربية اليوم , ومسؤولي الخط الاول فيه , كانوا قد تخرجوا من كلياته العسكرية والمدنية ’ وبعضهم كانوا يدرسون على نفقته , مع التقدير العالي لكل الاشقاء الذين قاسمونا خبزتهم ومقاعد دراسة أولادهم , ودواءهم حينما هجرنا من الوطن .


أن أنظار العراقيين اليوم ترنوا الى مؤتمر القمة العربية في ليبيا , الذي لايخفى على أحد سعي البعض لافشاله , لاسباب خارجة عن المصلحة القومية للامة , وتتعلق بالتنازع الغير مشروع على الزعامة والظهور, والذي سيلقي بظلاله على كافة القضايا التي ستناقشها القمة , وخاصة القضية العراقية التي لازال العرب لحد الان لم يتخذوا قرارا واضحا بصددها , لافتقارهم الى الرؤية العقلانية الموحدة أولا , ولسياسة المحاور التي ينتهجونها في التعامل مع القضايا المصيرية ثانيا , وخوفهم من التقاطع السياسي مع المحتل ثالثا , وتغليبهم النزعة القطرية على القومية رابعا , وتفضيلهم أن يكون قرار التعامل مع القضية العراقية أمريكيا لاعربيا أخيرا , وبذلك كان الصمت العربي هو الغالب طوال السنوات السبع الماضية , بل حتى الحراك الذي تم من قبل البعض منهم كان مضرا بالقضية وعلى حساب الشعب العراقي , وهذا مامثلته مبادرات الجامعه العربية خير تمثيل , أبتداءا من أعطاء منصب مندوب العراق في الجامعة الى ممثل الاحتلال والاعتراف المبكر بمايسمى مجلس الحكم , مرورا بمؤتمرات المصالحة الوطنية الفاشلة , وأنتهاءا بزيارة أحمد بن حلي الامين العام المساعد للجامعة العربية في يناير الماضي الذي خاطب المالكي ( لقد حققتم أنجازات كبيرة !!) و ( غمرتني السعادة عندما شاهدت الجندي العراقي يقوم بواجبه في الشوارع بدلا من الاجنبي , فهذه التطوارات ستشجع المستثمرين العرب على التوجه الى العراق ) , وكأن خلاصة المشكلة في العراق هو عدم وجود أستثمار؟؟؟


متناسيا بأن المشكلة هي وجود محتل وسلطة ممثلة له ومنظومة فكرية وتطبيقية أستعمارية هي (العملية السياسية) , وشعب مقاوم , وهذا ماعبر عنه السيد مختار لماني الممثل السابق للجامعة العربية في العراق .


أن الخطوات الناجحة التي حققتها السياسة الليبية , بزعامة القائد معمر القذافي , والتي تمثلت بأنتزاع الاعتذار والتعويض للشعب الليبي عن حقبة الاستعمار الايطالي , وخضوع الولايات المتحدة الامريكية لطلب ليبيا بتقديم أعتذار رسمي عن التهكم الذي صدر عنها مؤخرا , والمجاهرة بطلب حقوق الامة من على منبر الامم المتحدة , وتبيان جور وظلم الولايات المتحدة والدول السائرة في ركبها , أنما هو بارقة أمل لشعب العراق في أستعادة حقوقه والتخلص من الاحتلال , ووقوف قاتليه وسراق قوته وثرواته أمام المحاكم المتخصة بالجرائم الدولية , من خلال وقوف قادة الامة معه في مؤتمر قمة ليبيا , كما عزز القائد الليبي هذا الامل في أستقباله الحافل لوفد فاعليات الشعب العراقي مؤخرا , وتبنيه لكل مطالب الشعب العراقي التي حملها الوفد , وتأكيده على أنه سيكون ممثلا للعراقيين في القمة , ومساندا لهم في معركتهم القانونية التي وجه بضرورة التحضير لها , بأعتبارها جهدا ساندا للجهد المقاوم الذي قام ويقوم به شعب العراق .


أن الامل يحدوا بالعراقيين لان يستلهم قادة الامة من حياة الشهيد البطل عمر المختار زادا لهم في رعاية مصالح الامة , ومن الشهيد القديس صدام حسين الشجاعة في الثبات على المواقف وهما الذين لاتبعد نصبهم عنهم سوى أمتار قليلة .

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ١١ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٧ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور