دليل قادة الإحتلال لإخضاع الشعوب المحتلة

﴿ الجزء الاول

 

تشرتشل وروزفلت وستالين في اجتماع يالطا لبحث احتلال ألمانيا

شبكة المنصور
ترجمة وتعليق : عشتار العراقية

هذا موجز لبحث نشر في مجلة:
Journal of Interdisciplinary History, xl:1 (Summer, 2009), 33–56.
بعنوان (التخطيط للسلام والاجبار على الاستسلام: الردع في احتلال الحلفاء لألمانيا واليابان)
بقلم : ميليسا ميليسا ولارد فوستر


وصف شيلنغ (فيلسوف الماني من القرن التاسع عشر ) في كتابه (الاسلحة والنفوذ) الدولة المحتلة حسنة السلوك، التي لا تقاوم الاحتلال بأنها ليست الدولة التي تخلو من العنف . وانما قد تكون الدولة التي يستخدم فيها العنف بمهارة شديدة حتى انه لا يتطلب صرف تلك الطاقة في العقاب. ويشرح شيلنغ (اذا لم يتبع الحرب عنف فالسبب يكون انه في فترة مفاوضات الاستسلام استخدمت "القدرة على ايقاع الالم والضرر بنجاح في عملية المساومة" ويأتي بأمثلة من قيام جنكيز خان بوضع رهائن في مقدمة جيوشه لردع المقاومة ، والفرس كانوا في قديم الزمان يحرقون قرى جيرانهم من القبائل التي يحاولون اخضاعها ، والبريطانيون كانوا يقومون بهجمات جوية في محاولة لاخضاع القبائل العربية . إذن القصف واختطاف الرهائن والاعدامات العلنية والاخلاء الاجباري واالاكراه على اعمال السخرة هي اساليب قليلة من بين اساليب ردع كثيرة استخدمها المحتلون على مر العصور من اجل منع المقاومة واخضاع السكان .


بالعكس من هذا المفهوم السائد ، يسود الاعتقاد أن احتلال المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية قد جرى بطرق سلمية ناجحة ، وعند التحضير لاحتلال العراق كان الحديث يجري حول اقتباس هذين النموذجين للعراق.


والبعض يعتقد ان النجاح في النموذجين كان بسبب اتباع سياسة حميدة وايجاد ظروف جيدة للنجاح وتنمية الاقتصاد. ففي اليابان استخدم المحتل كادر الموظفين اليابانيين وحافظ على التماسك الاجتماعي وحرس الحدود والتجربة الديمقراطية ، بل أبقى على الامبراطور، ونفس الشيء يقال عن المانيا فالبعض يرى ان اسباب الجاح في المانيا هو تنمية الاقتصاد وغياب التربح من الحرب.


ولكن رغم تأكيد كل المصادر على الجوانب الاقتصادية في كل من المانيا واليابان فلم بكن هناك الكثير من المعلومات حول كيفية التعامل الأمني مع الشعبين. كيف ارست قوات الاحتلال الامن؟ يحاول هذا البحث التعرف على ذلك .


من الواضح أنه لم تنشأ مقاومة في حالة اليابان كما كانت هناك مقاومة صغيرة في حالة ألمانيا فما هو السبب ؟


إن غياب المقاومة قد يكون ناتجا من اجراءات قمعية وسياسات قاسية رافقت الاحتلال .


إن توقع المقاومة بعد الحرب وعداء الرأي العام شجع على ستراتيجية ترهيب (اخضاع) تواجدت رغم الخطط لدمقرطة شعوب المحور المقهورة. . وعلى خلاف من البحوث السابقة ، هذا البحث يرسم خطا واضحا بين الستراتيجيات التي وضعت قبل واستخدمت اثناء الأشهر الاولى من الاحتلال وتلك التي أعقبت ذلك حين بدا المحتلون اكثر تفاؤلا بغياب المقاومة . مايهم هنا ان الحلفاء كانوا مستعدين بالخطط لإرهاب السكان في حالة اذا جوبه الاحتلال بمقاومة ضارية. في حين انه في حالة العراق، لم يضع المحتلون خططا لاحتمال وجود مقاومة ، إذ كان لديهم توقع ان يستقبلهم العراقيون كمحررين بالورود والحلوى.


العوامل التي أثرت على رسم السياسة:


استسلمت المانيا رسميا في 8 آيار 1945 ولكن احتلالها بدأ منذ تشرين اول 1944 حين احتلت القوات الامريكية مدينة آخن. استسلمت اليابان في 15 آب 1945 ولكن احتلالها لم يبدأ حتى استطاعت القوات الامريكية اخضاع الجزر بعد اسبوعين. قبل ان يبدأ الاحتلال رسميا وبعد اشهر منه ، لم يكن معلوما لدى صناع القرار اذا كانت ستولد مقاومة للاحتلال.


كان مسؤولو الحكومة والجيش الامريكان يتوقعون مقاومة في المانيا واليابان. وبدأت الشائعات تدور في صيف 1944 بان هناك خططا تجري في المانيا لتعزيز ما يسمى national redoubt وهي قلعة في جبال الالب جنوب بافاريا حيث ستكون حصن الدفاع الاخير لرجال الحزب الاوفياء. ورغم ان هذه القلعة كانت اسطورة فقد كانت هناك تقارير حول شبكة تحت الارض من النازيين يسمون werewolves وقد غذت هذه الشائعات الخوف من المقاومة خلال السنة الاولى من الاحتلال. في حالة اليابان كانت حالات القتال الانتحاري الذي شوهد في اوكيناوا وايوجيما تنبيء بأن مقاومة ضارية سوف تتبع اذا تم غزو البلاد. كان ما يثير المخاوف هو 1.7 مليون من القوات البرية اليابانية و3.2 متطوع مدني آخر مدربون على الدفاع عن اليابان بدمائهم . كما حذرت تقارير الاستخبارات بأن الجيش قد يأمر بمقاومة مستمرة في ارجاء الامبراطورية .


وكانت توقعات المشاكل بعد الحرب هي جزء من نظرة عدائية عامة يشترك فيها معظم الامريكيين تجاه الخاسرين في الحرب. كانت الدعاية في كلا من المعسكرين (المحور) و(الحلفاء) قد صممت لبعث الخوف والكراهية ضد العدو. وحين اقتربت الحرب من النهاية كانت هذه الدعايات الى جانب اذاعة فظاعات العدو قد خلقت جوا سادت فيه المخاوف الامنية في الاوساط الشعبية.


وكانت هذه المخاوف قد نبتت بسبب الاحداث قبل 27 سنة . حيث كان الكثير من الناس ينظرون الى ان سبب قيام الحرب العالمية الثانية هي الاخطاء في فرض شروط الاستسلام في الحرب العالمية الاولى. وكانت كتيبات الاحتلال التي طبعت حتى في وقت متأخر من 1946 ترشد المجندين الجدد لما يسمى "تراجيديا الاخطاء" التي ارتكبت في اعقاب الحرب العالمية الاولى "بدلا من انقاذ العالم من اجل نشر الديمقراطية ، وقعنا في اخطاء كثيرة انتهت باعادة بناء المانيا لحرب اخرى" وكانت هذه الافكار تتردد في نظرة الشعب الأمريكي ففي استطلاع للرأي اجراه معهد غالوب في آب 1944 تبين ان 73% من الشعب الامريكي يفضل تدمير المانيا واعادتها الى دولة من العالم الثالث بعد الحرب. وبعد اسبوع من الانتصار على المانيا ، اظهر استطلاع للرأي اجراه مركز ابحاث الرأي الوطني ان 90% من الاستجابات كانت تريد تسوية سلمية اقسى من تلك التي كانت في معاهدة فرساي. وكانت النظرة تجاه اليابان اشد قسوة ، فحسب استطلاع غالوب عام 1944، كان 13% من المستطلعين يعتقدون انه ينبغي محو اليابان تماما .


كانت وجهات النظر بين المسؤولين الكبار منقسمة ولكن المسؤولين الرئيسيين كانوا يشاركون الشعب في نظرته . مثلا الرئيس فرانكلن روزفلت كان شديد العداء بشكل خاص لألمانيا وقد انتقد مسودة دليل الاحتلال بانها شديدة الليونة. ويقال انه قال لوزير الخزانة هنري مورجينثاو "علينا ان نكون قساة مع الشعب الالماني. اقصد الشعب الألماني وليس فقط النازيين.علينا اما ان نخصي الشعب الالماني او ان نعاملهم بطريقة لايستطيعون معها الاستمرار كما كانوا في الماضي" ولفترة قصيرة كان روزفلت ورئيس الوزراء ونستون تشرتشل يؤيدان خطة مورجنثاو لتحويل المانيا من صناعية الى زراعية . ولكن ولا واحد من الحكومة حتى من اشد المعارضين لهذه الخطة تردد في تأييد ممارسة الترهيب للاخضاع. اشتكى وزير الحرب هنري ستمسون بأن الخطة تشجع (على فكرة الثأر بدلا من العقاب الوقائي) وجادل اخرون بان تدمير الموارد سوف يؤثر على المناطق المحيطة وكذلك على اقتصاد الولايات المتحدة"


ورغم هذه المعارضات الضعيفة للخطة تجاه ألمانيا كان الكل متحدا في كيفية معاملة اليابان . وكان (حشد اليابان) التابع لوزارة الخارجية الامريكية وهم مجموعة من الباحثين والدبلوماسيين لهم علاقات باليابان استطاعوا الدفع باتجاه اصلاح زراعي وتعليمي واجتماعي ولكن خططهم للاصلاح الاقتصادي ظلت على الرف بعد ان عين جيمس يارنز وزيرا للخارجية في تموز 1945. وكان هذا يشجع السلام الخشن وقد سعى لتعزيز دور الصين على حساب اليابان ودفع الرئيس ترومان في بوتسدام لرفض تقديم وعود للحفاظ على الامبراطور. وكان الشعب الامريكي الى جانب بايرنز، وبسبب الميل الشعبي الامريكي الى فكرة (اشنقوا الامبراطور ) يوضح ستمسون بان الادارة لم تكن تستطيع تغيير مسارها لأن الشعب كان سيتعرض.


في نهاية الحرب وبسبب توقعات مقاومة بعد الحرب وبسبب نظرة الشعب الامريكي تجاه الالمان واليابانيين اصبح من المستحسن استخدام الترهيب للاخضاع. ولكن السؤال كان : الى اي مدى؟


كانت سياسة الاحتلال ، الى جانب اقتباسها من اساليب النازي في مكافحة التمرد، حددت سلسلة من العقوبات والانتقامات لمقاتلة التمرد، اضافة الى التهديد بالقصف الجوي لاظهار عزم الولايات المتحدة لاستخدام القوة في فترة مابعد الحرب. وبسبب ان الالمان واليابانيين تعاونوا الى حد كبير فإن القوة التي سمحت بها هذه الوصفات لم تستخدم الا نادرا ولكن التهديد بها كان موجودا دائما .


يتبع ..

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة  / ٠٢ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٦ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور