دليل قادة الإحتلال لإخضاع الشعوب المحتلة

﴿ الجزء الثاني

 
 
شبكة المنصور
ترجمة وتعليق : عشتار العراقية

هذا موجز لبحث نشر في مجلة: Journal of Interdisciplinary History, xl:1 (Summer, 2009), 33–56. بعنوان ( التخطيط للسلام والاجبار على الاستسلام : الردع في احتلال الحلفاء لألمانيا واليابان)
 
بقلم : ميليسا ميليسا ولارد فوستر

ترجمة وتعليق : عشتار العراقية

 

الجزء الأول هنا. 

 

الخطة كما رسمت في هذا المجال يُذكر دائما (دليل الاحتلال العسكري في المانيا) ويشار اليه في المناقشات التاريخية حول احتلال المانيا ولكن نادرا مايذكر الى جانبه دليل آخر هو (دليل قادة الوحدات) واختصارها HUC ودراسة طرق مكافحة التمرد النازية (قتال حرب العصابات) ودليل قادة الوحدات يتضمن العقوبات والقصاص في فصل بعنوان (اجراءات لحماية قوات الحلفاء في علاقتهم مع السكان المدنيين في المانيا المحتلة) والآلية المستخدمة في اليابان كانت مقتبسة اساسا من تلك التي استخدمت في المانيا.

 
 في صيف 1945 بدأ العاملون تحت امرة الجنرال دوجلاس ماكارثر بالعمل على خطط عملياتية في حالة انهيار او استسلام اليابان.
 وحين قدمت الخطة بعنوان(عملية القائمة السوداء) على رؤساء هيئة الاركان للمراجعة في اوائل آب ، لم يكن معروفا مقدما سرعة استسلام اليابان او اذا كانت هناك حاجة سريعة للولايات المتحدة لحشد قوات احتلال. ولكن بالاشارة الى التهديد الذي تشكله (العناصر الانتحارية للقوات المسلحة اليابانية) حددت القائمة السوداء عددا من العقوبات والقصاص كما جاء في دليل قادة الوحدات. ورغم ان الكثير من الاجراءات القاسية قد اهملت بعد ان اختار صناع القرارات احتلالا غير مباشرا ولكن بعض الاساليب خاصة العقوبات بقيت.

 

العقاب والقصاص

 

وصف دليل قادة الوحدات والقائمة السوداء، العقوبات باعتبارها الخيار الاول في السيطرة على السكان- العمل بالسخرة (الاجباري) - مساهمات مالية اجبارية - عقوبات جماعية اضافة الى تحديد الاجتماعات والحركة وحرية الكلام.

 

والقصاص، على عكس العقوبات كان معدا للمقاومة النشطة او المنظمة . ويقول الدليل ان (الافعال الجارحة واللاشرعية ) مبررة حين يرتكب العدو (افعالا قتالية لاشرعية) والانتقام يسمح للقوات بتدمير اجزاء او كل القرى والمدن التي تقاوم. القصف الجوي ، القصف المدفعي ، الهدم ، الحرق ، الاغراق بالمياه كلها اساليب مسموح بها ضد المجتمعات المقاومة.

 

ورغم ان السكان سوف يعطون فرصة للبحث عن ملجأ. وتوصي القائمة السوداء باستخدام فعال للقصف وهو ان يكون (في توقيت مناسب) و (كثافة عالية ) مع ((تجاهل) الممتلكات المدنية التي تقع قرب الهدف العسكري.

 

والانتقام يمكن ان يشمل الاخلاء الجبري وتدمير الارض والموارد (قطع المؤن والطاقة من كل نوع) عن المتمردين. يمكن تدمير وهدم المناطق الأوسع لمنع استخدامها كقواعد عسكرية ، مع وجود اجراءات قد تكون ضرورية لمساعدة السكان المسالمين في المنطقة للنجاة. ان القصاص بهذا الشكل يمكن ان يؤثر على مجمل السكان حتى لو كان يقصد به المتمردين فقط.

 

وكلا الوثيقتين تشجعان على تقييد الحرية وفي النهاية فإن القصاص اعتبر مناسبا (ضد اي شيء وكل شيء تملكه دولة العدو ومواطنوها) القائمة السوداء ودليل القادة اشارا ايضا الى ان المحتل يحتفظ بالحق (لاختطاق والاحتفاظ برهائن مدنيين غير مقاتلين) من اجل حماية جنوده المصابين او السجناء وخطوط الاتصالات. ولكن اخذ الرهائن يمكن ان يخدم كأداة لنزع السلاح . يمكن للقادة (اجبار الرهائن لمرافقة الجنود الى داخل المباني او المناطق بعد اخلائها او تفتيشها والتي يشتبه في انها ربما تكون مفخخة ، او اجبارهم على ركوب قطارات او اي شكل من اشكال المواصلات القابلة للتدمير بأفعال تخريب غير شرعية ). وقد صور فعل الاحتفاظ برهائن بأنه ليس ظلما او انتقاما.

 

ويوصي الدليل بان يتم اختيار الرهائن بشكل عادل وغير منحاز وان يعلم المجتمع به" وان ترفق بيانات توضح سبب استخدام هؤلاء الرهائن اضافة الى تصريح بأن اي شيء غير شرعي يحدث لهؤلاء الرهائن يقع على مسؤولية الرهائن. " وبإذاعة هويات الرهائن وربما مصيرهم المحتمل تلعب هذه الاعلانات مثل رسائل الفدية على تقوية أثر الردع حيث يتم توضيح الاخطار التي سوف تحيق بهم. ولكن لا تشجع الوثيقتان الرسميتان القتل ولكن التحذير في القائمة السوداء بأن "اعدام الرهائن غير مستحسن ويتطلب المصادقة من القائد العام للقوات المسلحة للجيش الامريكي في المحيط الهادي في كل حالة" ولكن هذا الشرط يعني ان الإعدام وارد.

 

كان الدليل النازي لمكافحة حرب العصابات Combatting the Guerilla الذي اعتمد عليه الحلفاء في معاملة الشعوب المقهورة ، يؤكد على ضرورة الافعال القاسية الوقائية ضد اي احتمال لقيام معارضة او مقاومة . ويقول الدليل النازي ان (الاجراءات غير المؤثرة او المائعة في المراحل الاولى (من الاحتلال) سوف تكون حافزا كبيرا ليس فقط للمقاومين الفعليين وانما لاحتمال قيام مقاومة مستقبلية او متعاطفين) وهكذا فإن (الاجراءات القاسية مثل منع التجول ومنع الاجتماع وتحديد الحركة والغرامات الشديدة والعمل الاجباري و اخذ الرهائن قد يكون ضروريا في مواجهة سكان عدائيين) وحتى في غياب مقاومة عسكرية .

 

ويوصي الدليل على تطبيق هذه الاجراءات لحث السكان المحليين على العمل والتعاون مع القوات المحتلة) والدليل يقول ان (القصاص القاسي) الانتقائي المقتبس من طرق النازيين في مكافحة التمرد فشل في روسيا ولكنه نجح في ايطاليا بسبب "الظروف التي طبقت فيها اجراءات المكافحة . نجحت رغم قسوتها لان هناك علاقة بين العقاب وبين العون المقدم للمقاومة . فشل الردع كما يقول الدليل يأتي من التطبيق العشوائي للقصاص وليس بسبب وحشية الرد وبالتأكيد ليس الاستخدام الانتقائي للعنف) إن العنف الموصوف في دليل القادة وفي القائمة السوداء وفي دليل مقاتلة العصابات (النازي) ليس نابعا من هوى وانما هو ستراتيجي يقصد به للاستخدام في المرحلة الاولى من الاحتلال.

 

ودليل القادة يصفه بأنه (مؤسف) ولكنه جزء ضروري من العملية "مبدئيا ، الانتقام بين الدول المتحاربة ينبغي الا يكون ضروريا ولكن احيانا لا يمكن التصرف من دونه حيث ان استخدامه يشكل اقوى رادع " 

 

**

 

تعليق : تذكروا الآن ماحدث للمدن المقاومة العراقية : الفلوجة حيث دمرت باستخدام اسلحة دمار شامل ماحق مازال أثره ينتج اولادا مشوهين حتى ان الأطباء ينصحون نساء الفلوجة بعدم انجاب الأطفال الآن . استعرضوا كل المدن العراقية المقاومة التي كان (القصاص) مفرطا أكبر من اللازم حيث كان شاملا: القائم - النجف - تلعفر - الرمادي الخ

 

هذه المدن حوصرت ومنع الدخول اليها والخروج منها الا بهويات .

 

اعتقال الشباب العراقي من سن 18 وأقل الى سن مافوق الاربعين ، اي سن حمل السلاح ، بدون توجيه اي تهمة . اعتقالات جماعية .

 

معاقبة الشعب العراقي بكامله من خلال التأخير في اصلاح البنة التحتية وخاصة الكهرباء، والبنزين ومشتقاته والماء النظيف، كان يقال للناس ان سبب حرمانهم من هذا ان (المتمردين) يخربون خطوط الكهرباء والنفط والماء .

 

كان التعامل الشرس مع الناس المدنيين في نقاط التفتيش وعند مداهمة البيوت ليس عشوائيا وليس من فعل أفراد سيئين في الجيش الأمريكي وانما كان منهجا كما نفهم من البحث أعلاه. الغرض هو تخويف الناس واخضاعهم .

 

حتى أبو غريب . قيل لنا ان جنودا هربوا الفيلم وكشفوه وأن البنتاغون غضب ومنع حيازة الهواتف ذات الكاميرات الخ . الآن أفهم أن الكشف عن الصور المهينة كان مقصودا. اذا نراجع التقارير التي كتبها بعض الذين رافقوا الجنود من الصحفيين ومن علماء الاجتماع والانثروبولوجيا والذين استعان بهم البنتاغون ليقدموا له خصائص الشخصية العراقية وما يمكن ان يؤذيها ، وقد أجمعت كل تلك البحوث أن (الشرف) هو الحافز للفرد العراقي وهو الذين (ينكس الراس) .. ولهذا عمدوا الى تلك الاشكال الجنسية التي تشين الرجال ، لتخويف بقية الشعب من انهم اذا فعلوا شيئا وسجنوا فهذا مصيرهم .

 

لاحظوا أن أغلب هذه الإجراءات العقابية قد وقعت بالشعب العراقي في بداية الاحتلال من 2003-2004 واذا تأملتم البحث أعلاه ، فقد كانت هذه هي السياسة التي اتبعت في اليابان وألمانيا لمعاقبة وتخويف الشعب قبل أن يفكر بالمقاومة

 

ولم ينفع كل ذلك في أخماد واخضاع الشعب العراقي . وهكذا دخلت الخطة مرحلة اخرى في 2005 حيث فرق الموت والاختطافات والقتل الجماعي المجهول . وبدأنا نسمع عن قتلة بثياب شرطة او جيش . واختلط الحابل والنابل.

 

في 2006 افتعلت جريمة تدمير القبة الذهبية في سامراء والحرب الطائفية المزيفة ، واختراع دولة العراق الاسلامية لتشويه المقاومة . كل هذا مهد لمجيء بترايوس بفكرة جديدة في 2007 وهي زيادة القوات وشراء ذمم بعض رجال العصابات وقطاع الطرق في الأنبار ، للقول ان المقاومة باعت نفسها للامريكان ، وانها وحدت قواها مع المحتل ضد (الارهاب) .

 

نجح المحتل في احداث تشويش كبير على المقاومة إعلاميا .

 

مايهمنا الآن هو المرحلة الأولى التي دمرت فيها قرى ومدن وهدمت منازل وحرم الناس من ضروريات الحياة . وقد طبق ذلك بحذافيره في العراق والعقوبات مازالت مستمرة في حظر التجوال وتحديد الحركة بالجدران الفاصلة ، وانعدام الكهرباء والماء النظيف والمستشفيات الخ. والاعتقالات والمداهمات .

 

الفلوجة بعد تدميرها

 

في ألمانيا لم يستمر ذلك أكثر من سنة لأن الألمان كانوا مسالمين نوعا ما . ولأن الإجراءات التي اتخذت بحقهم كانت قاسية منذ البداية . وإذا تذكرنا من الجزء الأول أن استسلام المانيا رسميا كان في 8 آيار 1945 ولكن احتلالها بدأ منذ تشرين اول 1944 حين احتلت القوات الامريكية مدينة آخن، ومع ذلك فقد دمرت مدينة درسدن من قبل القوات البريطانية والأمريكية حيث قصفت لمدة يومين من 13 - 15 شباط 1945 في اربع هجمات شاركت فيه 1300 قاذفة قنابل اسقطت اكثر من 3900 طن من القنابل شديدة التفجير مما تسبب في مقتل حوالي 20 الف شخص وتدمير 39 كيلومتر مربع من مركز المدينة. وكانت المدينة مركزا ثقافيا ولم يكن لقصفها اي اهمية عسكرية ولكن اذا وضعنا هذا القصف في سياق (دليل قادة الاحتلال) نجد ان الهدف كان تركيع الألمان بمحو احدى مدنهم الجميلة والتي يحملون لها اعتزازا كبيرا. ومن الغريب أن الكاتبة لم تذكر هذا الترهيب المبكر قبل الاحتلال.

 

مدينة درسدن بعد القصف

 

في اليابان ، أيضا دمرت مدينتان هي هيروشيما وناغازاكي بعد انتهاء الحرب ولم يكن لتدميرهما معنى سوى الترهيب للإخضاع قبل الإحتلال. فبعد 6 شهور من القصف المركز لحوالي 67 مدينة يابانية ، وتجاهل اليابان للاستسلام حسب اعلان بوتسدام ، اصدر هاري ترومان اوامره باسقاط قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما في 6 آب 1945 وقد اطلق عليها اسم (الولد الصغير)

 

هيروشيما بعد القصف

 

ثم اطلق على ناغازاكي في 9 آب قنبلة اخرى سميت ( الرجل السمين )

 

ناغازاكي بعد القصف

 

وبعد اسبوع استسلمت اليابان. وليس هناك من لايعرف الوفيات التي تسببت فيها القنبلتان والدمار الذي تسببتا فيه على مدى أجيال .
وهذه لم تذكرها الكاتبة ، وكأن هذه الوحشية لم تكن تمهيدا مقصودا للاحتلال.


يتبع ..

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٠٣ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٧ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور