كتاب صدام مر من هناك

﴿ الفصل الاول ﴾

جولة عشوائية مع شربل وشهوده

 
شبكة المنصور
حمـدان حمـدان

في كتاب الأستاذ غسان شربل ، العراق - من حربٍ إلى حرب – صدام مر من هنا ( دار الريس بيروت ) يبدو كل شيء هارباً من التاريخ إلى الفجيعة والألم ، وما بينهما الشماتة .


فالشهود ومعهم محقق الشهادة ، يعيشون حالة مطاردة مريرة تظهر وكأنها في حالة ابتعاد عن معمار تاريخي يمكن تعيينه في الزمان والمكان خارج مأساة المطاردة ، حتى المأساة والملهاة في الزمان الإغريقي ، كان لهما إطار ، زمان ومكان وتاريخ ، في مقدمة شربل ، نقطة الانطلاق هي نفسها نقطة الوصول ، منهجيته الدائراوية تبدأ بمجزرة وتنتهي بمشنقة ، وما بينهما من نيف وثلاثة عقود ،لا يوجد في العراق إلا القبور ! .


يمكن لهذه المنهجية أن تفضح بغيتها في أداءٍ مزدوج ، حماية النص من ملموس الحدث ، قبله وبعده من أسباب وتداعيات ، ثم الحفاظ على اللغز في البعد المحموم عن دوافع مبهمة في تجديد شهادات عفا على حقائقها الزمن ، هذا إذا كان ثمة حقائق تحملها ، دوافع شربل تجيء في جوابه دون أن يسأله أحد ( لم يكن هاجس هذا الكتاب حاضراً ) !.. ( لكنني حين عدت إلى أوراقي قبل شهور شعرت أن جمع هذه الشهادات قد يكون مفيدا لمن سيتولى لاحقا تلك المرحلة ) .. فهل كان الأستاذ شربل ، على هذا القدر من التغريب ، كي يقف بعيدا نائياً عن تاريخ العراق ، ثم ليتناول تاريخه من شهوده ، هل يمكن أن يقبل عرضا عادلاً عن تاريخ الإسلام من مسيلمة وسجاح وذي التاج لقيط بن مالك وأبي الأسود العنسي ...


الجملة القصيرة ذات الإيقاع المفخم في أسلوب غسان ، تخدم هذا العرض ، حين يكون بإمكانها أن تضعك في نابذة الطرد بعيداً عن المركز ، راقصةً في تنقلاتها بين مشاهد ورجال ، من الدبابة الأمريكية التي تتبختر في عاصمة الرشيد ، إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم إلى حرب تموز فعدوان غزة .. ومنها إلى مشاهد لا رابط بينها إلا الضغينة المحمولة ضد خطايا البعث وأخطائه ، على انه من جواز القول ، أن ما يراه شاهد في صواب ( فعل من أفعال تلك الحقبة ) يراه الشاهد الآخر جريمة لا تغتفر ( مساجلة الجلبي في مقولة تحرير العراق وليس احتلاله كما جاء عليه قرار الإدارة الأمريكية ) .


وهناك مثل أخر له دلالة تاريخية ، لا في دحض الشهادة ، بل ربما في عقم زبائن الشهادة ، إذ يروي الأستاذ حازم جواد قصة قديمة عن زوجة الراحل نوري السعيد ( أم صباح ) حين انتهى بها الأمر إلى بيروت ، ثم لتنتهي إلى ضائقة مالية شديدة ، كانت تملك عقداً من اللؤلؤ أو الماس قررت خلعه من جيدها لتبيعه ، فلم تجد غير التاجر العراقي الشهير عبد الهادي الجلبي ، وكان وزيراً مزمناً في وزارات السعيد ، ونائباً سرمدياً في برلمانه ، أعطى الجلبي ثمناً بخساً للعقد ربما 1500 دولار أو دينار عراقي ، صمتت السيدة أم صباح ، وقالت مع دمعةٍ جاريةٍ ، لا مانع أرجو أن تبيعه ، فما كان من التاجر الجلبي إلا أن أرسل لها ثمن العقد ، لا زيادة ولا نقصان ، قد يكون هذا الموقف من أعمال التجارة ( بزنس از بزنس ) ، لكن أم صباح احتاجت للاشتراك في جريدة الحياة اللبنانية ، فما كان من السيد الجلبي إلا أن أرسل لها قسيمة الاشتراك بين عشرين أو ثلاثين ليرة لبنانية كي تدفع الثمن ...


عبد الهادي الجلبي هو والد أحمد الجلبي الذي يقول في شهادته :
( صداقة عائلتي مع عائلة نوري السعيد كانت حميمة ، حاوَلت إنقاذه بعد أن أصبح مطلوباً ، أخَذَته أختي ( ثمينة وزوجها وشقيقه) إلى بيت عم أمي في الكاظمية ... وبعد أن خرج مع سيدة إيرانية صديقة لأمي ، قتِل في الكرادة وقتِلت معه السيدة الإيرانية ...


كيف تستقيم الأحداث أو تتصالح في السياق ، بين حديث جواد وحديث الجلبي ... عائلة تحاول إنقاذ رجل له الفضل الأكبر ، وجريدة يُضنّ بها لزوجته ؟!


لاشيء سوى أسلوب شربل ، يمكنه أن يضعك في حشد جامع على تناثره وتشظي أزمنته ومشاهده ورجاله .. دون أن يعتريه قلق التناقض ، قد يعطيك أسلوب غسان ، لحظات من التجلي والانتشاء والصفاء بلحن نادب ، أو بعبارات مشرقة وناضجة بلغة بليغة وأنيقة على حد قول طلال سلمان ... وربما في عرفه أن العبارات الأنيقة تصيغ تاريخاً مكتفياً بتمامه وكماله ، فيما الأسلوب يمكنه أن يصوغ أدباً وشعراً وتاريخاً ومسرحيات ... بلغة الموضوعات والإيحاءات والإشارات والجمل ... دون الوصول إلى كنز المفهوم ، الذي يتحول بدوره إلى معنى بقيمة علم التاريخ ، فالتاريخ لا يمكن القبض عليه ،( بمجرد تجميع كلمات في أسلوب ) كما يقول البرفسور ادوار سعيد ...


تبدأ الفجيعة في أسلوب شربل بعد وقوعها دون أسبابها ولا مقدمات أجوائها ... فما أن تسكرك ( القفلة الحرّاقة ) حتى تتسمر انتظاراً لانقشاع المتطاير من الخيال ، فإذا أنت أمام لوحة ( بروترية ) جميلة ، ناطقة وزاهية ، لا يلبث فنّان إبداعها أن يدلق سطل دهانه في وجه ناظرها دون أن تفهم السبب ، لاشيء بين العبقرية والجنون ، خيط واهٍ يفصل بينهما لا يحدث لصاحبه أن يراه ....


يتحدث شربل عن مماثلة بغياب قرينتها ، وإن حضرت فهي تعارضات حاسمة في المنطق والتاريخ وجغرافيا التطور لدى الشعوب ، مشهد العالم المدمر بعد حرب كونية أقيم له جدار في برلين ، الجدار ناتج ستين مليونا من قتلى العالم ، لم ينشىء صدام جدارا للعراق بل أقيم له من خارجه ، على العراق أن يبقى في صندوق قاري لا بحر له ( من مراسلات الآنسة غروتويد بل ، سكرتيرة السفارة البريطانية في بغداد سنوات العشرينات )
أزمة العقل العربي أزمة عقل قوامه مقولات ومشابهات وآليات ذهنية تنتمي إلى ثلاث نظم معرفية متنافرة ، بيان وعرفان وبرهان، لا برهان على التماثل بين جدار برلين وجدار صدام ، الأول اقتُلع بحرب عالمية اقتصادية دون رصاصة واحدة ، الثاني اقتُلع بقطبية أحادية شعارها القنابل من اجل الديمقراطية ...


نحن هنا ما زلنا في العقل الفقهي العربي القادر على القياس دون تأويل برهاني ولا علاقات سببية مترابطة ، صورة إلى صورة ، جدار برلين وتمثال صدام ، رمز إلى رمز ، بجزالة أسلوب وطقس مشهدي ، علينا قبوله حتى دون رابط في التماثل ، فصدام لا جدار له ، إلا ما أقامه الآخرون حوله ، على العراق أن يبقى قارياً إلى الأبد .


في مقدمة شربل ، يتم التعويم نحو ظاهرية موضوعية في رسم الصور ، ضمن مسار مرسوم بإتقان ، منفتح وصاحب تقانة على الدوام ، التبرؤ من أسلوب الاتهام المباشر ( ليس هذا العمل من اجل محاكمة صدام ، تجريمه أو تبرئته بل لعرض حياته في سلبياتها وايجابياتها ) .


في كامل العمل ، لم نحظ بإيجابية واحدة ، لأن الله خلق صدام ومنحه احتكار قتل شعبه ، وإذن فإن أمريكا تقتل الحكام من قتلة شعوبها ، تفعل إسرائيل ذات الفعل في قتل شعب غزة ، بجريرة حكامها ...


يتحدث شربل بمفردة الإيجابيات تماشياً مع نزاهة أكيدة فيما الجريان هو لهاث البحث المرير عن ما هو سلبي وسلطوي ودموي.. في أخطاء سيد بغداد وخطاياه ، لا في حدث يومي فحسب، بل وفي جزيئات الحدث اليومي نفسه، في محاكاة صدام مع نفسه وعائلته ورفاقه ( نحن أسرى ولا نملك حق الاستقالة يقول البكر)... عندما يحضر صدام إلى القمة نكون وكأن على رؤوسنا الطير،يقول ملك المغرب ... وينوب شربل عن الجميع : في جمهورية صدام حسين لا تجرؤ سبابة على الارتفاع !..).


ولعلها هي تلك الايجابيات التي يعنيها شربل !..
ما يبعث على الإعجاب إلى درجة النشوة في أسلوب شربل ، الممتع وغير المقنع ، يكمن في رنة قوية ، إيقاع موسيقي ، إبداع مهني ، يصاحبه اقتصاد في الجملة ، أداة الشرط عنده دون جواب ، والانتقال من جملة إلى أخرى ، يتم دون إرداف ، الرابط المعرفي بينها مفقود ، الرابط الوحيد في أسلوب شربل هنا ، جاء من العلاقة بين الوليمة الدامية والمشنقة المصحوبة بصراخ الدهماء .


إنها للصحافة وليست للتاريخ .
هذا لا يعني أن الأستاذ شربل ، لم يكن صادقاً في كل ما كَتب ، فزخم الموقع في صحيفة الحياة – في سوء نوايانا – لن يمكنّه من ذلك، وفي حسن نوايانا التي نزعم ، فان شربل كان صادقاً وحميماً فيما كتبه عن بغداد ( كان مشهد الدبابة الأمريكية المتجولة في بغداد ، أكبر من القدرة على الاحتمال ، فهذه بغداد كائناً من كان حاكمها ، لاسمها رنّة في تاريخ العرب والمسلمين ) ، هو صادق في خيارات سيد بغداد ، القصر أو القبر ، صادق في قوله عن مكائد الداخل ومؤامرات الخارج ... (لا العراق بلد عادي عابر في تاريخ المنطقة ولا صدام حاكم عادي في تاريخ العراق .. ) ليس هو الصدق المادي المستند إلى صدق الصورة التاريخية فحسب ، بل هو الصدق الروحي الصادر عن أنفاس تختنق في الصدر الحبيس .


مع ذلك فان للكتاب غاية نجهلها اليوم ، غاية هي من جنس الغايات الإعلامية الهادرة مع حرب عاصفة الصحراء ، لا نعرف ما الذي ساق هذه الغاية في غير زمانها ، إلى غايات ربما تكون لازمة مع اجتياح العراق للكويت ، عشرون عاما كاملة مضت وانقضت ، سبع سنوات كاملة على الحدث الكارثي في احتلال العراق .. مع ذلك فان صدام هو الموضوع بأسره ، حروب صدام ، العراق من حربٍ إلى حرب ، صدام خاض حرباً واحدة كانت مفروضة عليه بصدق أحداث سوف نثبتها في مكانها ، اجتياح العراق للكويت ، لم تكن حرباً بالمعنى التاريخي للحرب ، سقطت الكويت دون قتال من احد ، قتيل واحد من عائلة الصباح بكينا عليه، القتيل الأمير كان واحداً من أهم رجالات العمل الفدائي الفلسطيني .. حرب الكويت الخارجية ، كانت مفروضة على صدام أيضا ، طلب من التحالف حماية قواته عند الانسحاب من الكويت قبل أن تبدأ ماكينات عاصفة الصحراء بالعمل، رفض التحالف طلبه ، كان ذلك طبيعياً لمن يريد أن يدمر العراق لا أن يحرر الكويت ، وهو ما قاله وزير الدفاع الفرنسي المستقيل جان بيير شوفمنان في أسباب استقالته مع جريان الحرب .


مكائد الداخل التي أتى عليها شربل بوصفة طبيب مختصرة ، لا محل لها في العرض ولا في التفصيل ، ترك شربل الكلام لشهوده ، من الطبيعي أيضاً ، أن تصبح هذه المكائد في محل نضالات ، فالمكيدة تليق بصدام لا بغيره ( متآمر يعرف كيف يخفي مشاعره ، يسدد ضربته بلا رحمة ، يريد الثأر من طفولته ، معه سيغرق العراق في الدم ، ومن يدري قد يُغرق المنطقة أيضاً ... كلام علي صالح السعدي عن صدام ) معرفتي بالمرحوم علي صالح السعدي – أبو حسين في دمشق وأبو فارس في العراق - كانت يده تنوب عن عقله في معظم الحالات ، وهذا ما أكده القائد الراحل جمال عبد الناصر في تقاريره المرسلة إلى عبد الحكيم عامر في اليمن (متهور ومغرور ) ..
أبطال صدام من ضحاياه كما يتفنن الشهود، يستيقظون كل صباح وكأنه أول صباح لهم في حياتهم ، صفحات بيضاء لم يثقلها سواد الخط وبغية الإيحاء ولا مكائد إسقاط صدام في قيادة هو صانعها ... لا الديمومة في قيعان المكان والزمان والوعي وتاريخ العباس وجلافة الطبع ولا السلاطين الذين قيل عنهم بعد المتوكل ، أن احدهم مات ميتة ربه ، إلا بالخنجر أو السم أو الخنق ، ولا القرامطة ولا الزنج ... كان لهم تلك العلامة مع تاريخ العراق .. لماذا يُخلع صدام من تاريخه كي يفوز بلقب الطاغية في نهر القساة ، وربما مع استثناء خاص .


حين يتصّف أبطاله من ضحاياه ببراءة الذئب من دم يعقوب ، حين ينزل أحدهم عن السطر يكون الأخر بين السطور ، متأهباً حاضراً لتأليف اتهام جديد ، فات شربل متشابهات أخرى كان لها وقعها في التاريخ :


حريق روما على يد نيرون وحريق بغداد على يد صدام ، يبدو أن شربل لا يحب القديم من التاريخ ..
مثل هذه المتشابهات البلاغية لكن الكوميدية ، على تباينها ونفور عصورها وكائناتها ... تؤكد الحاجة نحو انتباه يريد لنفسه أن يخوض التاريخ بقلم التاريخ لا بقلم البلاغة ، مع هذا الأسلوب أية أخطاء سوف ترتكب مع كثافة المسار وحمولاته ، أية تفاصيل سوف تنبذ مع أزقة الدُجيل ، أية تبصرات سوف تهمل مع إرغام العراق على الحرب مع إيران ، ما زالت ( من حربٍ إلى حرب ) تعني العراق دون دوافعها القبلية ، أية حكمة يمكن لإنسان العراق أن ينتزعها من شدق التاريخ ..


(خسر صدام نظامه وأولاده وتبددت عائلته ثم خسر كل شيء ) .
من قال أن صدام أقام نظامه ليربحه دون مشروعه ، لم يكن أيسر على صدام من البقاء في نظام لا مشروع له ، مسرّة السرمدية فوق كرسي العرش لا تتماثل مع الحصير الذي افترشه قبل اعتقاله ، النظام العالمي الجديد ما كان له إلا أن يرحب بوافد اسمه صدام ، ( هالو ) واحدة من سماعته إلى تل أبيب ، كانت كافية لشطب عقوبات وقرارات بحالها ، كُنا ما قرأنا شهود شربل على الأقل ، ما كان للرجل إلا أن يخيط على منوال غيره في أنظمة الخراج أو أنظمة الكلام ومواعيد التحرير ، غير أن صدام لم يولد تاجراً فينيقياً يحدوه شغف الربح وخوف الخسارة ، كان صدام يتحدد بواقع تاريخي ما ، أبوه ملحمة جلجامش وأمه تكريت موطن الولادة لمسطّر تاريخ اسمه صلاح الدين ، هو نفسه تاريخه ووضعه ورسالته ، كان له مكانة معينة من تاريخ وطنه الأصغر ، ثم ما لبث أن أصبحت مكانته في وطنه الأكبر ، هو في مواجهة دائمة مع كل خطوة وقرار ، في الملموس لا يمكن له أن يعطيك إلا جواباً ملموساً ، صعد إلى المشنقة بثقة رجل يأبى أن يخسر مشروعه ولا يخسر نفسه ، هتف بما كان يَهتف له وهو على كرسي العرش ، لم يتبدل ، هو هو في القصر وفوق منصة المشنقة ، اقسم ( والله ما حزنت على أولادي وعائلتي مثل حزني على خسارة العراق ) وكان صادقاً بما أقسم ، أحزان شربل على فقدان صدام لنظامه وأولاده وعائلته غير قابلة للبكاء ، إذا كان القطب الأخر في المعادلة هو خسران العراق ...


نبذ تجربة صدام وتوحيشها على هذه الشاكلة لا يبني تاريخاً للأجيال، فالتاريخ لا يكتب من جعبة شاهد فرد لا حَكَم محايداً أمامه ، ما نحتاجه في هذه الفترة ، كتابات متحررة من الثمالة ، متحررة من هداية السفير والشرق الأوسط والحياة والمنار والعالم والقدس ...


مطلوب منها أن تتمتع بصحو الحاضر ولحظة المصير ، توضيح تعقد وتعدد مجريات التاريخ ، دون السماح لايدولوجيا أن تستنتج أنها التاريخ نفسه ، فكم تفرعَنتْ أيدلوجيات على أنها هي نهاية التاريخ ، فإذا بمكر التاريخ يقصيها إلى سالب الدور والهيبة ، وعلى طول المسافة الزمنية التي سيعيشها عالم ( ماك دونالد ) فانه لا بد أن ينتظر دوره في سقوط الإمبراطوريات ، فلا يظن شاهد انه يستطيع الهرب من تاريخه ، وسوف نكتشف أن أياً من الشهود إنما كان يحمل شاناً خاصاً في تعبيرات حديثة عن حقبة صدام ، وسوف نأتي على معظم الشهادات مصحوبة بتاريخ شهودها ، ليس طعنا بالشهادة التي قد تكون صحيحة لكنها مقولبة ومتغيبة في غياب أسبابها وحضور نتائجها ، فهل كانت حقبة صدام نهراً من الدماء ، فإذا كان الأمر كذلك ، إذن كيف انتهبت الفرصة لإقامة شبكة مواصلات وسكك بما يزيد على ألفي كيلو متراً طولياً ، هل كان النهر الفائض يسمح بإقامة جسور وسدود ونصف مشروع لم يكتمل لميترو بغداد ، كيف للحقبة أن تسرق الوقت خارج مهمة القتل ، لبناء المئات من المدارس وعشرات الجامعات والمستشفيات والمحطات والمفاعلات ومشروع قمر صناعي عن طريق المدفع العملاق ، من أين خرجت الألوف المؤلفة من علماء في أرقى اختصاصات العالم ، هل هو العراق الذي شهدت له هيئة الأمم المتحدة ، بأنه قارب الخروج من محنة الأمية ، أم هو العراق ( الأول في العالم الثالث ) في نطاق الخدمات الصحية لكامل البلاد من البصرة إلى زاخو .. أين هي مواقع المصانع الثقيلة والمعامل الأخرى في جغرافية العراق ، من يحمل خارطة لها يجد اقلها في تكريت وأكثرها في الشمال وما تحت الوسط إلى الجنوب ...
لماذا تعاقد العراق مع مئتي مؤسسة وشركة من كبريات المؤسسات العالمية لتحديث بنيانه في مجالات شتى ، أليست هي ألمانية وبريطانية وأمريكية وفرنسية ومن موناكو إلى مصر مروراً بالهند وسنغافورة رجوعاً إلى البرازيل وبحر الكاريبي وروسيا والصين ..


ألم يكن ثمة شهادة لمليون عامل مصري زراعي ،في حين يعلو الرقم إلى أربعة ملايين مصري مع عائلاتهم ، من قدّم العراق أمثولة لتضامن الأمة من موريتانيا إلى الأردن عبر الجزائر واليمن والسودان وعائلات الشهادة في فلسطين ؟؟


كان حلم صدام منذ يفاعة شبابه ، أن يسترد فردوسه المفقود في القدس ، لم تغمض عيناه عن جناحيه المستلبين في بحر عربستان وبحر الكويت ، لم ينتبه أن الكون تغير ، فهل كان حقا عليه ألا يحلم، إذا كانت الأحلام من هذا النوع ممنوعة ، لماذا ما زالت الصين تحلم بتايوان ، لماذا تحلم باكستان باسترداد كشمير وبنغلاديش ، لماذا تحلم عربستان بالشيخ خزعل ، لماذا تحلم الأمة بتحرير فلسطين ، وهل على الشعوب ألا تحلم بما تعتبره حقاً لها في التاريخ ...


هذا لا يعني أن صدام لم يرتكب الخطأ القاتل في الكويت ، فالتاريخ لا يتسامح مع من لا ينتبه إليه ، خطأ التوقيت لا يعني خطأ المطلوب، ليس ثمة أخطاء في المطلوب العراقي لاسترداد أسطورته في السندباد البحري ، وهو في التاريخ والأسطورة جار البحر المقيم، فهل كان بحر العراق هو أم قصر في التاريخ ، أين ذهب بحره إلا في تشطيرات كولونيالية بريطانية ، تلك التي شطرت كل ارض انتدبتها.


هذا الحق يجب ألا يبدو بمظهر السخرية من الشهود ، دليلنا أن العراقيين الذين حكموا ، منذ غازي الأول وعبد الإله ونوري السعيد إلى عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن وحتى عدنان الباجه جي ( زائر صدام في سجنه الأمريكي ) ، كلهم ظلوا يؤكدون التبعية التاريخية للكويت ، في عهود نوري السعيد لم يتحدث أحد عن تبعية عربستان ، لأن حلف بغداد كان يضم العراق وإيران بتلاحم لا يراد له أن ينفصم رغم القناعات المكتومة !.


أراد صدام إصلاح الرتق الكويتي ، عن طريق قبول وساطة عربية من دول وملوك ورؤساء ..إلا أن قمة القاهرة ، ربما بعد أسبوع فقط من دخول العراق إلى الكويت ، لم تمهله و كانت طوابير الإنزال البحري الأمريكي تتقاطر على الشطوط الخليجية بدءاً من السادس من أب 1990 ، أي بعد أربعة أيام من الاجتياح ، حتى قبل أن يتقاطر زعماء العرب إلى القاهرة و كان الأمريكيون قد قرروا إغلاق جميع الأبواب ، إلا بوابة واحدة : إخراج العراق بقوة كونية ساحقة، خمسمائة ألف جندي أمريكي ، ومائة ألف طن من القنابل يرشدها اثنا عشر قمر صناعي إلى مواقعها ، ظلت ترى العراق ولا يراها الشهود !..


كان على شهود شربل ، أن ينتبهوا إلى المصادفة التي منعتهم من رؤية ما كان يحاك للعراق من الخارج و لم ينتبهوا إلى ما انتبه إليه الوزير الفرنسي شوفمنان ، تدمير العراق وليس تحرير الكويت ، لم يصادفوا شيئاً من مقاصد ( ثعلب الصحراء ) بقرار من متحرش مونيكا لوينسكي زوج الكونتيسة هيلاري ، لاشيء عن قانونية الحظر الجوي لنصف العراق شماله وجنوبه ، لا شيء يوحي بالاقتراب من الانتفاضة الشعبانية ( آذار 1991 ) في الجنوب ، فيما الدولة ما زالت في حالة حرب مع شوارزكوف ، لا شيء عن تمردات الشمال وهدية الحظر والانفصال ، كل شيء عن حلبجة والأنفال والسبّابات التي لا ترفع في حضور صدام .


هل غُزي العراق وتم احتلاله ، لوحشية صدام وفرديته بل وولعه في قتل شعبه ؟! أي براءة إمبراطورية تريد أن تلعب دور المنقذ لشعوب الآخرين ، أليس ثمة علاقة مع الموقع في شرق أوسط جديد، الم يكن ثمة علاقة للنفط وأمن إسرائيل بما جرى ، لماذا تغيب المآرب الحقيقية ليتم محلها تبرئة السياسات الكبرى من الجريمة ، أين كانت مناطق التحشد وقواعد الانطلاق ، أين كان يقع الخليج في مهمة الاحتلال ، ما نعلمه أن طائرة الضربة الصدمة ( اف 117 ) على الدورة ، انطلقت من قاعدة العيديد في قطر ، وهو ما يؤكده بوب وود ورد في كتابه ( خطة هجوم ) ، لا نعتقد أن وورد كان كاذبا في ذلك ، كان رد قطر دائما ، ماذا سنفعل ونحن دولة صغيرة أمام أمريكا !.. في مبررات قطر ما يمكن أن يحمل على جادة الصدق، ليس في شهود شربل ما يوحي بالصدقية ، بعد أن يأذن زمن الرحيل وحين يصبح صاحب القرار على قارعة الجادة ، يكون أمام العمر فرصة ضئيلة لإبداء الندم ، حازم جواد يلقي باللائمة على أيادي الشخصنة والانحراف والناي عن المنهج البعثي القويم .. يحتفظ لنفسه بصفاء العقيدة ، ( لقد كان بالإمكان أفضل مما كان ) ، فضّل أن يلقي الأحمال كلها على كاهل مَنْ جاؤوا بعده : البكر وصدام ، وفي لحظات صفائه [ لو نجحنا لما كان العراق على ما هو عليه ) و (خلال وجودنا في السلطة لم اسمع بدور لصدام في مجازر الشيوعيين ، صحيح أن صدام خاض في دم العراقيين لاحقاً ، إلا أن (الموضة ) اليوم تقضي بإلقاء كل شيء على عاتق صدام ] ، لا يستطيع جواد أن يعطي أحكاما كثيرة بحق صدام ، ذلك أن مرحلة جواد على كثافتها ، كانت غير مرحلة صدام في كل شيء ، ثمة همهمات في سفر البعث ( كتاب السيد حازم جواد ) لابد منها عن صدام ، ذلك أن جواد غادر العراق نهائياً بعد أن قضى عشر سنوات في عراق النائب صدام ، دون أن يمسه احد بسوء كل معلومات جواد عن صدام ، أما بالسمع أو النقل ، لم يكن أصدقاء جواد من أعداء صدام ، على تلك العدالة من نزاهة النقل ، شهادة جواد بصدام، اقرب ما تكون إلى شهادة طالباني بحلبجة ، كلاهما كان غائباً عن الميدان ، الأول يتذكر من لندن و والثاني يتهم من دمشق،
مع ذلك فان ناقل الكفر ليس بكافر .


الحزبية في العراق ، كما هي في عالمنا العربي ، تخلق مناضلين ومتنافسين إلى حد النزاع ، يستشهد المناضلون ويبقى المتنافسون تذروهم رياح الندم حتى إعياء الصبر ، الموقع الثاني في عزلتهم هو تحميل المسؤوليات ، لم يبق أمامهم إلا التخفف من أحمال التاريخ ، صدام قال في المحكمة ( أيها السيد القاضي ، لماذا توزع اتهاماتك إلى كل رفاقي ، أنا المسؤول الأول والأخير عن كل قرار صدر في زماني ) ..


لا ينقص نقاء الشهادة عند صلاح عمر العلي وبياضها ، سوى انه من تكريت ، التكريتي لا يشي بحق تكريتي آخر ، لازمه في تاريخه أم لم يلازمه ، إذا كانت العشيرة انقلبت إلى حزب ، ماذا لو كان المركز من نصيب عشيرة العلي ؟! انه لا يرمي البنية العشائرية الفاعلة والمؤثرة في العراق ، كما هي عند العرب ، ببحث نقدي ، تاريخي ، يرجعنا إلى أهمية الانتساب في الحياة العربية قبل الإسلام وبعده ، الم يكن الانتساب مسؤولاً عن تصدعات عربية متطايرة ، منذ أفول الراشدين ، وربما مع الخليفة الثالث منهم ، وحتى سقوط الدولة العربية – على انتسابها – بعد اربعمئة سنة من صدر الإسلام..


لم تكن المشكلة في العشيرة بل في الحزب القابل للتكّيف بل والارتداد إلى أصوله التكوينية الاجتماعية والعقلية ، هل كان يمكن للسيد العلي أن يخالف أصول نشأته ، الم يقل العلي ( أن البكر وصدام وخير الله طلفاح من عشيرة البوناصر وسكنهم الأصلي في العوجا وهي ضاحية من ضواحي تكريت ، لذلك لا ينطبق عليهم لقب التكريتي ، أما العلي فهو تكريتي صاف ، حتى الجلبي خريج العلوم من الجامعات الأمريكية ، يتباهى بان أسرته من قبيلة طي .. مأثرة السيرورة القبلية التاريخية عند العرب ، أنها لم تتأثر بدين ، ولا نجحت السياسة في مواجهتها ، ولم يتمكن حزب علماني ، ولا ديني، ولا تكنوقراطي ، من الوقوف في وجهها ، هي نجحت في احتواء كل العقائد بل ما زالت هي نفسها ، تشكل القاعدة الاجتماعية في العراق ، والى جانبها وفي موازاتها ، رافعة طائفية سياسية ، تلوذ بها وتركن لحمايتها ...


ما هو أبشع من تحول الحزب إلى عشيرة ، أن يتحول إلى مجتمع الطائفية في حياة العشيرة ، فمن المفهوم تاريخيا أن العشيرة لا تلوذ بطوائفها ، الطائفية في العشيرة هي آخر ما يمكن التفكير به ، العشيرة تتبع أمير إمرتها وشيخها يصاحبه مجلس من أهل الحل والعقد ، أما إذا تتطايرت العشائر إلى طوائف ، فهذا يعني تفتيت الخلية الأساسية في الاجتماع والمجتمع ، العراق لا ينقسم اليوم على العشائر، بل على الطوائف ، وهي ميزة احتلالية لا يأتي عليها شهود شربل .


يعترف الأستاذ شربل في السطور الأخيرة من مقدمته ،أن أهمية الشهادة جاءت من أهمية الشهود ، لا لشيء وإنما ببساطة ، لأن السيد نزار الخزرجي يمثل المؤسسة العسكرية ، وصلاح عمر العلي يمثل المؤسسة الحزبية ، وأحمد الجلبي يمثل المؤسسة المعادية ، متى كان صدق الشهادة قادماً من أهمية الشاهد ، ففي العراق مئة لواء وفريق ، قبل السيد الخزرجي وبعده ، صحيح أن أضواء الخزرجي كانت ساطعة في تحرير الفاو ، كذلك فإن المارشال بيتان كان بطل الحرب العالمية الأولى في فرنسا ، لقد نُقش على لوحة حجرية ضخمة وسط الفاو ( هنا يرقد أربعون ألف شهيد من أجلك ياالفاو ) ..


كان صلاح عمر العلي حزبياً ومناضلاً ، انتهى به المطاف إلى ما سنذكره في فصله من هذا العمل ، لم يكن العلي ممثلاً للمؤسسة الحزبية حتى مع اعتقاله وتعذيبه .


قليل هم الحزبيون البعثيون والشيوعيون والإسلاميون .. الذين مروا في تاريخ العراق دون تعذيب بعد اعتقال ، نحترم تاريخهم جميعاً ، دون إسراف ولا تضخيم ، فالمناضل لا يستعرض ولا يتكنى، مَنْ ساق عبد الرزاق النايف ( رئيس الوزارة وصاحب المؤامرة مع الشاه باعترافه ) قسراً إلى الطائرة هو صدام ولم يكن بصحبته غير مسدسه !.. أما الجلبي الذي يصفه شربل بأنه العدو الأول لصدام والبعث ، فكيف يتخذه شهيداً على مَنْ كانوا أعداؤه ؟! أهذه هي الشهادات التي ( قد تكون مفيدة لمن سيتولى لاحقاً تأريخ المرحلة ) ؟!.


في بحر العام 2002 ، وضع أديب أمريكي على قسط متواضع من الشهرة ، رواية بعنوان ( الرعب الأكبر ) مؤلفة من ( 118 ألف ) كلمة ، أبطال الرواية كما يُخيل للقارئ من زمن آخر وربما على كوكب آخر .


كان جيفري غولدبرغ مصمم الرواية ، يتمتع بمخيلة واسعة لا ينقصها الموهبة أو القدرة ، مشوق في سرده ، مربك في عقدته ، مهارة استثنائية تحملك من وراء الطبيعة إلى أمامها ، سلاسة الحياة عند شعب بريء ، اصطراع الأفكار في النفس الشريرة ، تنقلك إلى الغاية في الهدف ، إنها قصة رئيس مولع بقتل شعبه ..


السردية الوصفية تذهب إلى سلوك الرئيس دائماً ، ما يصيب الشعب اقل أهمية في السرد ، ما يعني غولدبرغ ، وصف الرئيس لا معاناة شعبه ، سادية الإنسان وفظاعة بطشه ، هدوء الشعب وسكينته واستسلامه ، الروائي الأمريكي من أصل ألماني يهودي ، بعيد عن لغة المباشرة والتعيين .. الرواية حدثت في زمان صُدفي ومكان شبحي وحاكم مستبد وحشي ، تركها هكذا لاستنتاج القارئ ، غير أن القارئ لا يعيش في جزيرة روبنسون كروز ولا مع حي بن يقظان ، بل يعيش أجواء ماكينته الإعلامية وحقائق إدارته الرسمية.. كان الجواب المحدد في رسم ذاك الرئيس يجيء من وزارة الخارجية حين وضعت على موقعها الالكتروني مقاطع عاصفة من الرواية تحت قسم خاص هو ( قسم الحقائق ) عن العراق .


لم يكن الإعلام الأمريكي في الموقع الآخر من رواية غولدبرغ ، فمنذ فترة غير منسيّة أقام الإعلام دنيا أمريكا الإنسانية ، حين أتاحت شركة إعلانية هي ( هيل اند نيلتون ) لابنة السفير الكويتي في واشنطن أن تظهر بمظهر النادبة الملتاعة ، على ما جرى لحاضنات الأطفال الكويتية على يد الوحوش العراقيين ... كانت تقْسم الإيمان المغلظة ، أن ما ترويه شاهدته بعينييها كما أكده لها شهود، ابنة السفير هذه ، كانت طفلة تدرج في العاشرة من عمرها ، ربما أقل أو أكثر بقليل ، لكن موهبتها التمثيلية لا تجارى ، لو لم تكن كويتية وابنة سفير لالتقطتها هوليود ، فقد أجادت في عشر دقائق واقعة عيا نية لم تشهدها قط ، لم تغادر مدينة واشنطن منذ سنة ولادتها ، لم تشاهد جيشا عراقياً ولا جيشاً آخر إلا عبر التلفاز أو دور السينما ، المُلقّن كان بارعاً ، والتمثيل كان أقدر براعة ، وافقت أمريكا على الذهاب إلى الحرب عبر بكاء طفلة لا تعوزها البراءة ، وافق الكونغرس والشعب على خوض الحرب ، بصحبة الحاضنات واستراتيجيات أخرى خلفها ، كانت مكافأة (نيل اندنلتون) عشرة ملايين دولار مقابل عشر دقائق من الدعاية !..


سنتحصن بهذه الأجواء عندما نقرأ شهود شربل ، فهم بدون شاهد تصحيحي يذكّرهم بما قد نسوا !..
لعل من المفيد قبل الدخول إلى الموسوعة الصدامية ، الإشارة إلى الطبيعة الحزبية المنظّمة لمراكز القرار بعد حدَث تموز في العام 1968 وحتى أواخر العام 1979 ، حيث تدور معظم الأحداث في رواية السيد شربل ( صدام مر من هنا ) ، ففي هذه الفترة كانت عقدة عارف الذي رد نتائج الثورة الشباطية عام 1963 ، إلى نفسه،اسقط الحزب بجريرة أخطاء ومراهَقات الحرس القومي الذي تزعّمه الراحل السعدي يومها ، بهداية أستاذه الجديد ، المرحوم ياسين الحافظ من دير الزور السورية ، يريد أن يدرج في مدارج طفولة يسارية ( لو قرأنا كتاب الثورة والدولة للقائد لينين ، لما أُفلتت منا السلطة ) قالها أمام كبار ، بعد انقلاب عارف ولجوئه إلى سورية من جديد ، قالها أمام حضور مؤلف من إلياس مرقص وإحسان مرّاش وعبد الرحمن منيف وياسين الحافظ وصاحب هذه السطور ، رد مرّاش بأسلوب حمصي ساخر ، لماذا لا تقرءوا قبل أن تحكموا ، ضحك الجميع وبينهم السعدي رحمه الله .


لم يكن أصحاب تموز 1968 ، لينسوا سقطة الحكم ومرارتها على يد عارف ، كان السجن والاهانة والتعذيب ، وكان كل ما للحزبي البعثي أن يتعظ به ويتوقعه ...


توزيع المهام والمسؤوليات وحصرها و كان من المسائل الجدية التي لا يجوز لأحد أن يتجاوزها ، قيادة مجلس الثورة غير القيادة القطرية للحزب وفق هذا التحديد ، مهام الأول للدولة ، ومهام الثاني لشؤون الحزب ، كانت الخشية من وقوع القرار في قبضة حزبي واحد ، تؤول في النهاية إلى نتائج تشرين العارفية .


لم يكن صدام هو المسؤول عن الكثير من القرارات على الأقل بشكل مباشر ، فصاحب القرار في مسؤولية ما ، يمكن أن يخطئ ويصيب، لكن ليس له أن يتدخل في قرار أخر لا يقع في إطار مسؤوليته ، وهناك رواية محققة تاريخياً ، فقد سعى صدام لترفيع رتبة ابن عمه علي حسن المجيد ، من صف ضابط برتبة مساعد ، إلى ضابط برتبة ملازم ثان ( نجمة واحدة ) ، لم يكن الأمر سهلاً ، فأعسر الترفيعات في رتب الجيش ، هو هذا النوع من الترفيع ، شروطه قاسية ، على المرشح للترفيع من صف ضابط إلى ضابط أن يمضي خدمة في رتبة ( المساعد ) خمس سنوات على الأقل ، عليه أن ينال شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها من شهادات يعترف بها النظام التعليمي في الدولة ، ثم عليه أن يتبع دورة ضابط كاملة في الكلية العسكرية ...


لم يستطع صدام تجاوز كل هذه الشروط لجهة ابن عمه ، جاء الجواب العسكري القاطع من الرئيس أحمد حسن البكر .. انه لا يستوفي شروط الترفيع ... ظل المجيد ضابط صف في الخدمة إلى أواخر العام 1979 ، حين ذهبت الرئاسة إلى صدام .


كان شاغل الأمن بالنسبة لحركة تموز ، هو الأهم ، وكانت القرارات على ما يؤكد السيد صلاح عمر العلي ، تؤخذ بمسؤولية جماعية دون تفرد ، في ذلك الوقت لم يكن صدام وحيداً في الساحة ، كان معه رجال أذكياء وقساة إلى درجة الفظاظة ، ليس اقلهم ناظم كزار و سعدون شاكر وعلي عليان وسعدون غيدان .. كان الأمن بحاجة إلى تنظيم مخصص وقيادة مسؤولة ، مرجعيتها الأخيرة في مجلس قيادة الثورة ، وكانت خلاصة ما توصلوا إليه ، إنشاء مكتب أطلق عليه اسم ( مكتب العلاقات العامة ) ويُعنى بالأمن ، كان كزار أستاذ المهنة وشيخها المجرب ، فأختير رئيساً لهذا المكتب ، أضيف إليه أعضاء من الحزب ، منهم سعدون شاكر ومحمد فاضل وعلي رضا وعلي عليان ونوري حمادي وربما أسماء أخرى ..


صار للأمن قيادة مسؤولة ، لا يجوز لغريب عنها ، أن يتدخل في قراراتها ، فالأمن حامي السلطة وحرسها ، عَين السلطة التي لا تنام، وعن هذا المكتب ستنبثق هيئة باسم ( هيئة التحقيق الخاصة ) كزار هو مسؤول التحقيق الأول ، وكان من الطبيعي أن يسند له منصب مدير الأمن العام ، اعترض لفيف من رفاق الحزب على هذا التعيين ، لِما لكزار من قسوة استثنائية ، يقول صدام في وصفه لكزار :


عندنا دوائر في الدولة تحتاج إلى مختصين .. ليس هناك في المجتمع العراقي من هو أخصائي بمسائل الأمن أكثر من ناظم الكزار ، ذاكرته حادة ، يعمل للوصول إلى الغاية الأمنية دون عواطف ، لديه من المؤهلات ما لا يمتلكه رفيق بيننا ، نحن مضطرون للإفادة منه .


ثم راح صدام يكشف أسراراً خطيرة تتعلق باختراق الموساد للأجهزة العراقية ، كاشفاً خلية من العراقيين المتورطين في شبكات استخبارية معادية ، إسرائيلية وأوربية ، حصل ذلك في السنوات الأخيرة من حكم عبد السلام عارف ومعظم سنوات أخيه عبد الرحمن ، ديفيد كمحي مسؤول الموساد في إيران ( الشاه ) والعراق، كان يزاول نشاطه في كردستان ، معاونه اوري لوبراني كان يغطي جنوب العراق .. وكلها بمساعدة أمنية شاه شاهية .


النظرة إلى الأمن لم تكن مخصصة لما يجري داخل العراق فحسب ، بل وخارجه بصورة أهم ، مهمة الأمن تلك ، كانت مزدوجة ، حراك الداخل وحراك الخارج ، في 12 أيار من العام 1966 وعند جبل هندران القريب من مدينة راوندوز العراقية ، أبادت البشمركة الكردية بقيادة إدريس البرازاني ومعاونه البشمركي القديم فخر موغاسوري ، لواءً عراقياً من ألفي رجل ( هو اللواء الرابع ) ، كان الإشراف العملياتي للمعركة من نصيب الكولونيل المظلي الإسرائيلي تسوري ساغي ، وكان الإسناد الخلفي يقع على عاتق بطّاريتين للمدفعية الإيرانية الثقيلة ، مع وجود كولونيل ساغي ومجموعته القيادية في معركة هندران ، يكون ديفيد كمحي قد أصاب الهدف ، لم يكن كمحي موجوداً خلال حكم الشاه فقط ، بل كان موجوداً مع الآيات في صفقة إيران كونترا عام 1985 أيضاً .


في أب من عام 1966 ، اقلع طيار عراقي حربي اسمه منير روفا بطائرته ( الميغ 21 ) إلى إسرائيل ، هبط هناك وسلّم الطائرة الثمينة، كانت ( ميغ 21 ) آنذاك ، تقع في أهم أسرار العسكرية الجوية العربية ، وقفت الولايات المتحدة مع خبراء إسرائيليين على كافة المناورات الالتفافية والمزايا القتالية والفنية للطائرة .. مقابل مليون دولار باع روفا بلده واشترى عاره .. ثم انتقل مع عائلته من إسرائيل إلى الولايات المتحدة .


قصة الطيار المدني العراقي ( من آل الربيعي ) تدور في ذات المجال، لاحقت عميلة موسادية الربيعي إلى قلب بغداد ، تهدده بأحد الخيارين : القتل أو العودة للاتصال بشبكتها في لندن وهو نفس ما رواه العلي في شهادته .
سيهدأ هذا النشاط المحموم نسبياً مع مجيء كزار وعصبته ، بدأ شيء من الخوف على السمع ، قسوة كزار موجهة للغريب والقريب على حد سواء ، يقول معتقلو قصر النهاية من شيوعيي القيادة المركزية وبعثيي جناح اليسار ، وهم بالألوف ( عندما تستطيع أن تسمع صوت الإبرة الواقعة على الأرض ، فهذا معناه ن كزار جاء إلى السجن ) ، أفاد عديد منهم ، أنهم لم يروا صدام لا في التحقيق ولا في السجن .


كان صدام ما يزال عضواً عادياً بين أعضاء ، فهو لا يأنف من زيارة تلك الأماكن لو كان له مهمة يؤديها ، كان الجميع متوجّسين من فضول الوساطة أو التدخل الفردي لأيٍ كان ، حتى الرئيس أحمد حسن البكر ، لم يقبل – وربما لم يستطع – التدخل من أجل أقرباء له سجناء في قصر النهاية .


في السنوات الأولى تركّز اهتمام صدام على وضع الجيش ، شَكّلَ الثلاثي بكر وصدام ورمضان حلقة الإشراف على كل ما يتصل بشؤون القوات المسلحة من الضباط الأمراء ( رتبة عميد فما فوق ) وصولاً إلى ضباط الصف والأفراد ، وربما تلك أهمية وجود ضابط الصف رمضان ضمن هذه الثلاثية ، هناك مَثَل دارج في الجيش يقول :


(في جيش المشاة ، ضباط الصف هم عصب الجيش وحركته ) ، كان صدام ضمن هذه المسؤولية ، حريصاً على منع وقوع تكتلات عسكرية قائمة على المناطقية أو العشائرية أو التحازبية والطائفية.. كان يصر على إخضاع عموم الضباط للتراتبية العسكرية ولهيبة الحزب وقراراته ، اقترح على الثلاثية ، تعيين العميد علاء الجنابي آمرا للحرس الجمهوري الذي كان بقوام لواء .


لا يلوذ الجنابي بتكريت ولا هو من محيطها ، وعلى بعثيته القديمة، فقد كان رجلاً يمتهن العسكرية بأصولها ، لم يظهر انحيازه لما هو خارج الواجب العسكري ، أمراء الأفواج في الحرس ، كانوا من البعثيين المعروفين ، دون اعتبار أخر لما ينتمون إليه من عشائر أو طوائف ولا اثنيات .. ضباط الكتائب الميدانية لا صلة لهم بكبار العسكريين في مجلس قيادة الثورة ، ولا بغيرهم خارج التراتبية في الوحدة نفسها ، التسلسل العسكري هو أساس الانضباط في الجيش كل ما هو كلاسيكي وضروري ونظامي في حياة الجيوش كان مطلوباً من القيادة السياسية آنذاك ، لكن توليف العلاقة بين حزب وجيش ظلت اختلاطية ومشوشة ، وينبع ذلك من طبيعة النظام البعثي الذي أصبح يدير دولة ، هو مركزي في شمولية حاكميه تضعه إلى جوار أنظمة الحكم الشيوعية في العالم ، وهو صاحب شعار الوحدة والحرية والاشتراكية .. داخل كل جزئية من هذه الثلاثية ما هو متناقض مع الآخر ، عضوية الربط غير قائمة في واقع الأمم ، بل ربما هي في النظر ، قومية الوحدة لا تتطلب بالضرورة اشتراكيتها، وعدالة التوزيع لا تحتم بالضرورة انتظار قيام وحدة قومية ،أما الحرية فلا تتناسب مع شمولية الحكم ، كيف نلملم أطراف نظرية لا سبيل إلى توفيقها مع الواقع القائم أو المطلوب تغييره ؟!


مابين أيار وحزيران من العام 1968 ، وكان البعث خارج السلطة ، أَرسل الطيار المدني الملاحق من قبل الموساد ( ذات الرواية السابقة على لسان العلي ) برسالة إلى قيادة الحزب عن طريق قريب له بعثي الانتساب .. ويشرح مضمون الرسالة ، ما كان له من خطأ الوقوع في براثن شبكة موسادية في لندن ، وكيف أنه لما حاول الفكاك وإعلام المخابرات العسكرية العراقية بالوقائع ، طارده الموساد إلى بغداد ، عن طريق عميلة موسادية شقراء ادعت ضياعها في شوارع بغداد كسائحة بريطانية .. لم يكن الحزب بوارد التحقيق في هذه القضية ، إذ هو منهمك بإجراءات ميدانية لا تريد لنفسها جلب انتباه السلطة .. بعد الاستيلاء على السلطة ، تابعت المخابرات العسكرية خيوط الحدَث ، أكتَشفت أسراراً خطيرة ومروعة .. كشفت المؤامرة عن أسرار متورطين عراقيين واختراقات في مجالات الأمن والجيش ، حوكم المتآمرون واعترفوا بقبض أموال لقاء خدمات تجسّسية فكان حكم الإعدام ..


أصر صدام على إعدامهم في ساحة التحرير وسط بغداد ، كان الآخرون في القيادة مع عملية الإعدام بالطبع ، خاصة بعد أن أقرّ أعضاء الشبكة بتفاصيل اتصالاتهم وتمويلهم وأماكن اللقاءات وشخصياتها وأزمنتها .. كانت القيادة تتوجس من اتهام شعبي شائع ( هذه المؤامرة وكثير قبلها هي من صنع النظام أو من صنع قيادة الحزب ) ، فالتصفيات في العراق ، بشكل خاص السياسية منها ، غالباً ما كانت تتلبس لبوس المؤامرة ، إشكالية القتل في العراق ، على ما قال حازم جواد ، سلسلة تاريخية طويلة من عنف عراقي وآخر مضاد ، هي ليست بالضرورة سياسية في جميع الحالات ، قد يكون لمقتل شخصيات لامعة ومعروفة أسباب سياسية ، لا شك في ذلك ، أمّا أن نضع أسماء معروفة وأخرى مجهولة ، فهو خلط استباقي ، ففي شهادة الأستاذ جواد ، هناك اغتيالات لشخصيات لم يتعرف عليها إلا بعثيون كبار عاشوا المرحلة بتمامها ، من هو علي عبد السلام الذي أورد جواد اسمه بين المُغتالين ثم راح يتجاهل تاريخه ( لم اسمع باسمه من قبل .. رأيته أكبر من حجمه بكثير .. كان يعمل مزارعاً أو راعي أغنام في منطقة المنصورية .. برز اسمه مع حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل .. ربما كان مهرب أسلحة .. قٌتل بعد الإفراج عنه من المعتقل ..) ، هل حقاً أن الأستاذ جواد يجهل ما يعرفه صديقه الأكثر حميمية طالب شبيب ، سوف نرى كيف فسّر المرحوم شبيب قصة اغتيال عبد السلام ، بحيث لا هي قصة غامضة ولا هو شخص غامض .


كان سؤال شربل يدور حول أبرز الاغتيالات في عهد البكر – صدام؟ وكان على جواد ألا يستعرض ما هو غامض ومشوش وعلى الشبهة ، فمسألة أخلاقية وحساسة مثل إلقاء الدم على آخرين ، تنطوي على درجة عالية من النبل وصدق الشهادة ، فمجهول الاغتيال لا يجوز له أن يتحقق على مجرد الظن أو الكراهية .. وسوف نشاهد شهود شربل متلبسين بتكييف العديد من وقائع الاغتيال ، لإلقائها على أكتاف صدام .. حتى ابن خاله .. وليس بهدف تبرئة صدام من بعضها على الأقل ، إلا أن تشميل الرجل بكل الوقائع بشهادات ( أظن ، وعلى ما اعتقد ، وبلا شك ، وإجماع العامة ... ) لا يأخذ بها قضاء عادل ، فإذا كانت شهادة الزنا في الإسلام تتطلب أربعة شهود ، وتبطل إذا كانوا ثلاثة ، فكيف الأمر مع اتهام القتل على الظنّية والقناعة الشخصية ، هناك ما يخفي مَيلاً استباقياً مُسَيساً لا يُخفي نفسه .


غالباً ما تنحصر الشهادة مع شهود شربل ، بين نهاية الستينات ونهاية السبعينات ، إلا السيد الجلبي الذي استمر إلى نهاية حلمه في تحرير العراق ، في تلك الفترة بين بداية السبعينات ونهايتها ، جرت مياه غزيرة في بلاد ما بين النهرين ، فمع بداية السبعينات كانت الملاحقات والتصفيات والتحقيقات ، من اختصاص ( مديرية الأمن العامة ) ولا يحق حتى لرئيس الجمهورية أن يسعى لوساطة أو تدخل ، كان هذا الوفاق الجمعي اقرب إلى عقد صاغوه وارتضوه ، ذلك أن الأمر يتعلق بمصير نظام ودولة وبلد .. كان التوافق نابعاً من الاقتناع التام ، بأن الوقوع في الخلافات والانحيازات والانقسامات ، هو الطريق الطبيعي لضياع السلطة و مهما كانت نظرة المرء لنفسه، لم تكن كاريزما قد انعقدت لأحدهم ، غير احترام هيئة الرئيس ، التقدم في السن يعطي لصاحبه شيئاً من التوقير في مجتمع البداوة على وجه الخصوص ..


كان صدام في تلك المرحلة ، يقف بقوة إلى جانب التوافق العام ، الأب القائد عند صدام لم يكن هزواً ولا تلاعب ألفاظ ، تهذيب صدام أمام الكبار كان شيئاً مشهوداً ، اقره الشهود في العديد من مواقع شهاداتهم ، فلماذا لا يكون الحال نفسه مع الأب القائد ، لولا الأب القائد لمَا كانت سلطة تموز ، ولَمَا عاش صدام سنواتها الطويلة ، كان صدام أكثر ذكاءً كي يحترم البكر للنهاية ..


ثمة ملاحظة أخيرة في هذا التقديم ، فمعظم الروايات من قبيل القتل والاغتيال ، تجري بمصاحبة الراوي نفسه مع نفسه ، غير متوفر على شهود أحياء معظم شهوده انتقلوا إلى الملأ الأعلى ، حتى صاحب الفعل الأوحد ، ارتحل إلى جوار ربه ، لاشيء غير الشاهد والواقعة والاستنتاج ، معظم الضحايا قتِلوا لأنهم كانوا على منافسة خطيرة مع صدام ، عبد الخالق السامرائي الذي شكّل انموذجاً وقدوة، عدنان خير الله ، صاحب الشعبية المستطيرة في الجيش وعبد الكريم الشيخلي صديق صدام الأعز و الذي علّمه الثقافة .. في أي عصر وزمن يمكن بناء التاريخ على هذا المنوال ، شهود يدلون بدلوهم ، بقوة إعلام عالمي جبار ، هناك شهادات تقع في مجلات أو كتب إعلاميين أمريكيين كبار ، لم يرسل الأمريكيون طائرات ستيلث لقتل صدام في الضربة الصدمة – كما يقول الجلبي – أرسلوا قاذفتين من نوع اف 117 من قَطَر خاصة بضرب الأعماق ، لم تكن الخلية التجسسية الأمريكية في العراق ، مجموعة اسمها روك ستار في أمريكا .


لا بد أن السيد الجلبي بدأ يعاني من ضعف الذاكرة ، المجموعة التجسسية في قلعة جوالان الكردية شمال العراق ، كان رمزها جيمس تاون ، أما روك ستار الجلبية ، فهي عناصر الخلية المكلفة بمنطقة بغداد .. هذا موجود في كتاب بوب وود ورد ( خطة هجوم).


ما هو موجود في شهادات الشهود ، ليس من عندياتهم كله ، خليط بين ما سمعوه وشاهدوه وما رغبوا به ، ما يتقاطع هو عداوة مرصودة مسبقة فيها الكثير من تعقيدات النفس والقليل من النزاهة، كل شاهد له ما يضمره في شهادته ، إما لمُلك أَفل ( حازم جواد ) أو موقع جديد في استبدال نظام ( صلاح عمر العلي ) أو لكرامة اعتُبرت مهدورة ( الفريق الخزرجي ) أو طموحات على روافع أكاذيب ( أحمد الجلبي ) ..


هناك شهود كومبارس في العمل : السعدي والجبوري ، وسوف نلتقي بهم في إطار عملنا هذا.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١١ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٥ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور