زمن واحداثيات المسافة بين السابع والتاسع

 
 
شبكة المنصور
أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

يصير الزمن أحيانا أحد مكونات التلاقي والتوافق أو التضاد والتعارض والتقاطع لأنه جزء حي من الكينونة الكونية اجمالا، والبشرية بشكل خاص من جهة، ولأنه التعبير المطلق لبقاء وديمومة الحقيقة المطلقة الاهم والاعظم ألا وهي رب الكون والعزة العظيم سبحانه. فالزمن هو عمر الكون والطبيعة ومكوناتها وهو عمر الانسان ومكونات ومسيرة فعله المقنن قدريا والمضاف بالارادة الحرة المبدعة التي وهبها اياه رب العزة.

 

عبر الزمن المتضاد أو المتلاقي, تسجل أحداث وسفر الدنيا , فثمة مَن يبني ويعلّي وثمة مَن يهدم, ثمة مَن ينتج ويُضيف وثمة مَن يستهلك بطريقة حيوانية سلبية. هناك من يصمم الارتقاء بحياته وحياة سواه بعصامية يفخر بها وآخر ينتهز (الزمن) ويتسلق على مناكب وظهور الاخرين ليصل الى هدف ما عادة ما يكون ذاتيا أنانيا ضيقا.

 

السابع من نيسان, زمن سجله التاريخ, على انه لحظة وثوب الامة العربية المجيدة نحو قدرها ومستقبلها المتجدد وافترشت الطليعة المخططة لهذا الوثوب مساحة كبيرة من واقع وأرضيات التطلع نحو اعادة بناء الذات وانقاذها من الاستلاب والتغييب ونحو تأكيد هذه الذات في الحدود الدنيا الضرورية ونحو ارتقاء الاداء والجهد البشري المبدع والخلاّق لينتج الوحدة للارض وللانسان التي بدونها لا يمكن الانطلاق الى مقامات جديدة تليق به وتقربه من الحضارة والتمدن والمساهمة في مسيرة الانجاز العلمي والتكنولوجي بعد ان يغلب مكونات البؤس والفقر والتخلف والانانية.

 

يوم أُعلن فيه عن ولادة مشروع انبعاث الامة وصهلت فيه خيولها الجامحة للانقلاب على الواقع المتخلف بانقلاب على الذات يتناغم ويتماشى مع روح دينها الحنيف ومعاني الايحاء الخلاّق فيه  وفق قانون لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فصار هذا النبع الرباني قانون الثورة ومهماز حركتها ومعيار وبوصلة نجاحها. وأشرقت أرادة البعث العربي الاشتراكي تغرف من منهل الاسلام الثائر وبطولة وحكمة وعقل رجاله أهم مقومات الانطلاق ( لقد كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم كلهم محمد). بمثل هذا التمثل المفضي الى توحيد الرجال في رجل واحد عملاق، غيّر حال الامة من الجهل وعبودية الوثنية الى أنوار الانفتاح واشراق النفوس بالبطولة والعطاء والانتماء الى التغييربالايمان. وفي نيسان الولادة العبقرية الجديدة للامة غير المنقطعة عن معاني الأرث المتسامي بالروح الثورية الأنقلابية الأيجابية البنّاءة (الاسلام ثورة لايفهمها الاّ الثوريون).

 

السابع ... تجديد وانبعاث لروح الرسالة الخالدة بل تكريس جديد لألقها وقدراتها الاسطورية على التغيير وتثبيت لديمومتها المقترنة بالاعلان عنها كهوية للانقلاب الذاتي والموضوعي وانسياب لروافد الربيع العربي المستديم. ومع منح الرسالة هذه الابعاد المجيدة فان غايات الدرب البعثي تصبح بمثابة رؤى الامة كيما تغلب عوامل الفرقة بالوحدة والعبودية والاستلاب والجهل والتخلف بالحرية الشخصية وحرية الاوطان ولتغلب الفقر والحيف الاجتماعي الواقع على ابناءها بالاشتراكية المنطلقة من مبادئ العدل الاجتماعي للاسلام الحنيف وتنهل من منتجات العقل البشري وتضيف من مكونات واقع الامة وحاجاتها الوطنية والقومية والانسانية.

 

السابع, يوم ربيعي انفلت من عقال الزمن الميت وصار رمزا لثورة للبناء والاعمار والتقدم والتطور في العراق وسوريا ومصر وليبيا وموريتانيا ولبنان والبحرين والسودان واليمن وسواها من اقطار ومدن العرب. وسمت روحه بنتائج العمران والبناء في كل ميادين الحياة ومن اهمها ميادين بناء الانسان لأن السابع من نيسان هو يوم للانسان وبركان ثورة اتقدت من بين ثنايا ارادة هذا الانسان بعد ان رأى ان دينه يقهر ويتقهقر ومجتمعه يتوارى خلف سحب الاستلاب وغثيان الفقر والامية والجهل والتخلف وهويته تغييب. فجرب بنيسان السابع برامج للوحدة بل استقتل واستاسد وضحى وناور وساوم من أجل أن يبرهن ان الوحدة ممكنة وقابلة للتطبيق. وجرب بنيسان السابع مناهج لاشتراكية عربية بأسسها ومنطلقاتها الفكرية والنظرية والميدانية التطبيقية وبروحها العلمية المنفتحة على مناهج العالم الاخرى لاجل رفع الفاقة والانتصار على وهن الاقتصاد والتكنولوجيا والارتقاء الى مستويات العالم المتقدم بالبدء من حيث انتهى العالم.

 

كان نيسان السابع نقلة نوعية في حياة العرب الحديثة والمعاصرة في ما أنجزه من عزة وكرامة وهيبة لهم.  فلقد شارك بفاعلية في كل جهد الامة العسكري والاقتصادي والاعلامي والدبلوماسي وجهز المقاومة الفلسطينية بكل ما تحتاجه في صراع العرب الاستراتيجي ضد الوجود الصهيوني الاغتصابي المجرم ومن يدعمه من قوى امبريالية واقليمية. وانتصر في قادسية جديدة فرضتها عليه الامبريالية والصهيونية عبر نظام ملالي طهران المجرم وامتدت لثمان سنوات .. وقبر كل المؤامرات والتمرد والتحديات الامنية في الداخل العراقي .. نيسان السابع أسس أهم دولة عربية في سفر العرب بعد دولة رسول الرحمة وصحبه العظام في صدر الرسالة والخلافة الراشدة.

 

اذن .. السابع من نيسان .. فعل من نمط وطراز لم تعتده الامة المضطهدة المغلوبة المتأخرة المنتهكة السيادة والمسلوبة الارادة والثروات .. فعل لبناء الانسان ووحدته ونماءه وحريته وانطلاقا منه كفرد وصولا الى كامل التكوين البشري للامة. انه تحد لوقائع التخلف والفساد ونهوض وارتقاء الى مصاف المسيرة الانسانية المتقدمة .. انه نزوع وخط فعل وانجاز, قول وفعل .. نجاح واخفاق .. نهوض وتعثر .. تجربة حياتية بدأت ولن تنتهي الا ببلوغ غاياتها النبيلة السامية ..بعون اللهسبحانه

 

وطبقا لعلاقات الجدل التأريخي .. طبقا لحقائق الزمان والمكان بان لنهضة العرب اعداءها المعلنين والمتسترين من صهيونية وامبريالية وأطماع اقليمية ... كان بمثابة رد الفعل ..

 

ورد الفعل هذا ..كان هو التاسع من نيسان ..زمنا لدخول الامبريالية والصهيونية وأدواتها المحلية والاقليمية  بهجومها وعدوانها المباشرعلى السابع بما اوجزناه عنه من رؤى وانجازات وتطلعات ...بعد ان استنفذت كل الوسائل غير المباشرة وفشلت .

 

غير ان التاسع هو رد فعل بادوات ومحصلات واحداثيات وحيثيات مختلفة في القوة رغم انها تتطابق مع قانون رد الفعل في تعاكس الاتجاه .. رد الفعل ارتكز على بوارج نووية وحاملات طائرات وصواريخ استراتيجية وقنابل غبية وذكية وجيوش أكثر من ثلاثين دولة وتسندها عشرات الدول ماليا ومدنيا .. رد الفعل ارتكز على قوة عسكرية لا مثيل لها في تاريخ العالم  للامبريالية والصهيونية ومن سقط في دائرة عداءها واستهدافها للعراق والامة العربية المجيدة. كل هذا يؤكد ان رد الفعل قد حسب بقياسات حرب عالمية وعلى أساس المواجهة وأذرعها ومكونات قواها المختلفة وكأنه واقع بين العالم المدار والموجه والمقاد من قبل أميركا الامبريالية والمتصهينة وحليفتها الطائفية الفارسية وأدواتها العميلة من جهة والعراق لوحده من جهة أخرى ولكنه محسوب بقياسات المواجهة على انه قوة تعادل الدول المتحالفة ليس بمكونات غطرسة القوة ولكن بالايمان بالله وبقضيته واستعداده للدفاع عن هذه القناعات.

 

التاسع من نيسان .. رد فعل على السابع الربيعي العربي القومي التحرري الاشتراكي وثوراته وانجازاته وتوجهاته وعقيدته في الوحدة والحرية والاشتراكية ورسالته الخالدة المنبثقة من رسالة اسلامنا العظيم وايماننا بالله سبحانه وحقنا في حياة حرة كريمة. لذلك جاء التاسع بالغزو والاحتلال والدمار والاجتثاث والاقصاء والتهجير. جاء بهدم ما بناه السابع من مصانع ومشافي ومدارس وجامعات وطرق اتصال ومواصلات. جاء التاسع ليوقف نهضة العرب وقتل واحراق البقعة المحررة التي أنشئوها للانطلاق نحو غاياتهم الكبرى في الوحدة والتحرير والازدهار.

 

التاسع .. غول ووحش ولد من رحم الحقد على العرب ورحم استهدافهم بالعدوانية وأدوات التدمير والاستلاب لكي تظل فلسطين محتلة ولكي تيأس الذات العربية المتطلعة بأقباس ومشاعل وانجازات السابع.

 

السابع روح امة مجاهدة مسلمة مؤمنة متوكلة مرابطة .. السابع قوة شعب عريق عظيم وُجد لكي يبقى وتأصل في ذات الانسانية ليظل نبراسا وقلعة للحضارة والتجدد وديمومة الفعل الخير الايجابي البنّاء ... والتاسع هو تجربة آخر ما في جعبة الامبريالية والصهيونية ومفتاح انهيارها وخسارتها لا محال لانه وضع كل قوة الشر في ساحة المواجهة دون ان يحسب للحظة واحدة احتمالات الخسارة والفشل .. غير انه خسر وفشل بفعل مقاومة السابع وصموده الاسطوري فصار قاب قوسين أو أدنى من ان يخسر كل ما بناه على حساب رقابنا وكرامتنا وشرف امتنا العظيمة دفعة واحدة .. وما علينا الآن الاّ أن نبني على معطيات السابع لنطيح كليا بالتاسع وبما قبله دفعة واحدة .. السابع ارادة شعب حر أصيل لا تموت .. والتاسع رفسة الخنزير الذبيح الاخيرة باذن الله.

 

تحية اعتزاز وانبهار وشوق دائم ومحبة لا تنقطع للقائد الخالد الشهيد البطل صدام حسين رحمه الله وإلى القائد المؤسس المرحوم الاستاذ أحمد ميشيل عفلق.

تحية حب ووفاء واعتزاز للبعث العظيم ولقائده البطل المجاهد عزة ابراهيم الدوري

تحية لمقاتلي ومناضلي البعث أسود الرافدين

تحية لقيادات الحزب القومية وقيادات أقطار وتنظيمات الامة على كامل ساحة الوطن العربي الحبيب.

المجد والخلود لشهداء البعث العظيم ..

النصر والحرية لاسرى البعث في سجون الاحتلال وعملاءه ..

الله اكبر .. الله اكبر .. الله اكبر والنصر للعراق وفلسطين والامة المجيدة.

.
aarabnation@yahoo.com
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٨نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور