تغير المناخ ... وقعت الكارثة أخيراً !

 
 
شبكة المنصور
محمد عارف - مستشار في العلوم والتكنولوجيا
طلبت إحدى الشركات من فريق علمي إجراء تجارب على الضفادع بغرض الاستثمار في تجارتها، فوجد العلماء أن الضفادع تقفز مسافة مترين عند نقرها، ولا تقفز سوى 70 سنتمتراً عند قطع إحدى أرجلها، وتقل القفزة إلى 40 سنتمتراً عند قطع رجليها، و15 سنتمتراً عند قطع ثلاث أرجل، لكن الضفدعة لا تتحرك عند قطع كل أرجلها مهما نقرت لها. واستنتج العلماء من ذلك أن الضفادع لا تسمع عند قطع أرجلها! هذه الحكاية الساخرة اختتمت تقريراً صحفياً أرسلته من مكتب "قمة الكرة الأرضية" في جنيف ربيع عام 1992، والحكاية تبدو اليوم أقرب لتصوير وضع "اتفاقية المناخ العالمي" التي قطعت أرجلها قمة كوبنهاجن نهاية العام الماضي.


لقد وقعت كارثة تغير المناخ العالمي، التي حذّرَنا العلماء بشأنها خلال الثلاثة عقود الماضية، لكنها لحسن الحظ لم تقع في المناخ العالمي بعد، بل في عالم المناخ، وأعني به كل ما يتعلّق بالمناخ إلاّ المناخ. وهذا لا يقلل من خطرها، بل يجعلها في المرتبة الثانية بعد كارثة انهيار المناخ العالمي، وقد يسهل وقوعها، إذا وقعت. ظهرت نذر الكارثة للعلن مع انعقاد قمة كوبنهاغن التي اعتبرت أكبر قمة فاشلة، رغم أنها كانت أكبر قمة لزعماء الدول في التاريخ. زعماء نحو 150 دولة أخفقوا في التوصل إلى اتفاقية للمناخ العالمي تحل محل اتفاقية "كيوتو" التي تنتهي مدتها نهاية عام 2013. وقياساً على تجربة اتفاقية "كيوتو"، يستغرق وضع الاتفاقية الجديدة أكثر من ثلاث سنوات، أي أن المجتمع الدولي يلعب بالوقت الضائع.


وكيف يتم الاتفاق إذا كان ثلث الأميركيين لا يعتقدون بخطر تغير المناخ العالمي، وقد انخفضت نسبة المؤيدين للاتفاقية 10 في المئة عن العام الماضي، وتضاعف مرتين عدد الذين يعتقدون أن تغير المناخ خدعة أو مؤامرة علمية؟ وفي بريطانيا، حيث الرأي العام أكثر حماساً للاتفاقية، انخفض عدد المؤيدين لها من 44 في المئة العام الماضي إلى 31 في المئة. ومع استمرار الأزمة المالية العالمية، يزداد تدهور التأييد الشعبي لقضايا البيئة والمناخ، ويسارع السياسيون بالابتعاد عن الموضوع، وأول الهاربين هم المحافظون وزعماء الأحزاب اليمينية الذين لم يصبحوا أصلاً من أنصارها إلاّ لاعتقادهم أنها تجلب الأصوات في الانتخابات. وفي واشنطن لن يغامر الرئيس أوباما بخوض معركة تصديق الاتفاقية، وهو لم يوّفق حتى الآن في تمرير برنامج الرعاية الصحية الذي كان أساس انتخابه.


ويتحمل العلماء المسؤولية الأولى في المصير الذي آلت إليه الاتفاقية. لقد افتضح دورهم إثر تسرب رسائل البريد الإلكتروني من "وحدة المناخ" في "كلية البيئة" بجامعة "إيست أنجليا" في بريطانيا. كشفت الرسائل عن عمليات حجب أوراق علمية تخالف دعوى تغير المناخ، والتلاعب بمعلومات تضمنتها أوراق أخرى. وظهر أن الحقائق العلمية زيفت على غرار كذبة 45 دقيقة التي ادّعى رئيس وزراء بريطانيا السابق إنها كافية لصدور وتنفيذ أوامر القيادة العراقية بقصف أوروبا بالصواريخ. ويعتقد المراقبون أن الحجم الهائل للكذبتين مقصود لجعل الكذبة أقرب للتصديق.


وقد صدّق العالم الادعاء بأن الأنهار الجليدية في جبال همالايا ستذوب وتختفي عام 2035 بسبب الاحترار العالمي، وسرعان ما أنتجت أفلام وكتب عنها، وتصدرت الواقعة ملفاً دولياً مشتركاً صدر عن 54 صحيفة في مختلف أنحاء العالم. والحقيقة أن التاريخ في سيناريو الورقة العلمية التي توقعت ذلك هو عام 2350. وحدث الأمر نفسه مع الادعاء بأن الإنتاج الزراعي في المغرب وبلدان شمال إفريقيا سينخفض إلى النصف عام 2020 بسبب شح المياه. في حين أظهر التحقيق أن ذلك واحد من 14 سيناريو تضمنتها الورقة العلمية الأصلية. وهذه الأمثلة ليست مجرد هفوات بسيطة، بل أخطاء شنيعة في العناوين الرئيسية لتقرير "الهيئة الحكومية لتغير المناخ" IPCC التي تضم الممثلين الرسميين لكافة الدول.


وكما كان يقول إينشتاين، فإن "معظم الناس يعتقدون أن الذكاء هو الذي ينشئ علماءً عظاماً. وهذا خطأ، بل إنه الخُلُق". وقد ظهر مستوى الخُلُق في تبادل الاتهامات بين المسؤولين عن هذه الفضيحة. علماء فيزياء المناخ حملوا علماء البيولوجيا والاجتماع مسؤولية الأخطاء، فيما ألقى الجميع بالمسؤولية على منظمات المجتمع المدني والبيئة، كمنظمة "السلام الأخضر" و"الصندوق العالمي للطبيعة"، بل حتى شركات تأمين سويسرية وصحف هندية اتُهمت بتنظيم جماعات ضغط وتقديم شهادات غير صحيحة.


وقبيل اندلاع الفضيحة بأيام سارع للاستقالة مدير "اتفاقية المناخ"، وتعالت الأصوات مطالبة ليس فقط بتنحية العالم الهندي راجندرا باتشاوري، رئيس الهيئة، بل سحب جائزة نوبل في البيئة التي تناصفها مع آل غور، نائب الرئيس الأميركي الأسبق. وإذا كان هناك من ينبغي أن تُسحب منه "نوبل" فهو آل غور. قلنا ذلك هنا عند منحه الجائزة، وذكرنا أنها ينبغي أن تُمنح لعلماء البيئة العرب، وفي مقدمتهم عالم الكيمياء المصري مصطفى كمال طلبه الذي ضمن النجاح لعقد أول معاهدة دولية حول تلوث البحار، و"اتفاقية الأوزون"، أو عالم الفضاء اللبناني مصطفى شاهين الذي صمم القمر الاصطناعي الخاص برصد الكرة الأرضية، وهو المصدر الوحيد الموثوق به الآن حول المناخ العالمي.


"المطلوب (نبي) في البيئة"، حسب الكاتب البريطاني بيتر بريستون، الذي يأمل برجل علم مشبوب العاطفة، يربط بين الناس ويقنعهم، ليس عن طريق التهديد بالويل والثبور، بل بمصطلحات بسيطة. "نحتاج إلى مؤمن حقيقي يعلمنا كيف نؤمن في عالم أصبح الإيمان هو العنصر الغائب والمفقود". ولو راجع بريستون ملفات صحيفة "الجارديان" خلال توليه رئاستها فترة عشرين عاماً، فسيجد البيئة تعج بـ"الأنبياء"، وأشهرهم البريطاني جيمس لوفلوك، صاحب النظرية المشهورة "جايا" GAIA التي تعتبر الكرة الأرضية بمنظوماتها الجوية والمائية والبيولوجية كائنا عضوياً واحداً أطلق عليه "لوفلوك" اسم آلهة الأرض الإغريقية "غايا". وأحدث تراجع "لوفلوك" عن دعواه حول الاحترار العالمي ودور النفط فيه، صدمة كبرى لمجتمع البيئة. نجم آخر من نجوم البيئة هو عالم النبات "ديفيد بيلامي"، وقد انقلب بالكامل على نظريته حول الاحترار العالمي، وأعلن أنها "كلام فارغ"!


وسواء صدّقنا أو لم نصدق خطر تغير المناخ العالمي، فهناك أشياء كثيرة للنظر أكثر مما تراه العين. وكثيرٌ على العين أن ترى في "اتفاقية المناخ العالمي" أول محاولة في التاريخ للحفاظ على درجة حرارة الكوكب الأرضي، وصحة سكانه، ونظافة جوِّهم، ونقاء الهواء الذي يتنفسونه، والمياه والمزروعات التي يستقون منها ويتغذون بها. وقد ينفع في مواقف اليأس تفاؤل فلاسفة علميين، مثل كارل ماركس الذي كان يقول: "البشرية تأخذ دائماً على عاتقها مشاكل يمكن حلها. فعندما ننظر في الموضوع عن قرب أكثر، سنجد دائماً أن المشكلة لا تظهر إلاّ عندما تكون المادة الضرورية لحلها موجودة فعلاً، أو على الأقل في عملية التكوّن".

.
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=51415
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٠٤ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / أذار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور