هل صمت العرب عن العراق دهرا ثم نطقوا ظلما ؟

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي

أن تفهم السياسة على أنها فن الممكن فذلك هو شأن العاملين في الحقل السياسي وأصحاب الكراسي الوثيرة الباحثين عن معادلات المصالح في شبكة العلاقات الدولية والاقليمية , كي يضمنوا بقاء سلطانهم وديمومة مناصبهم ومصالح شعوبهم حسبما يؤمنون وينتهجون من سبل لتحقيق ذلك , لكن أن يتم ذلك على حساب أصحاب القضية الحاملين دمائهم على أكفهم والذين تربطهم بهم وشائج الاخوة والجوار والدين والمصير المشترك , فليس عملا مبررا .


وأذا كان العراقييون قد تحملوا ظلم ذوي القربى الذي لن يدانيه ظلم أخر , وتحاملوا على جروحهم , وتناسوا قدوم جحافل الغزو من أراضي وأجواء ومياه الاشقاء وبمساعدتهم , لغزو بلادهم وتدمير حضارتهم والنيل من شرف حرائرهم وتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم , لانهم قوميون حتى النخاع ويؤمنون بوحدة المصير وأن الدم لايمكن أن يتحول الى ماء , فأن ذلك يجب أن يكون مدعاة فخر وأعتزاز بهم من قبل الاشقاء , وفرصة لمن القى السمع وهو شهيد على أصالة أهلهم في العراق , ولحظة تاريخية لاصلاح الخلل الذي أصاب النفوس والعقول وأعمى البصر والبصيرة عندما تحقق العدوان بمساعدة عربية , في سبيل تدمير حاضرة ومنارة من منارات الثقافة والعلم وشوكة أعمت كل العيون الشريرة التي حاولت التلصص على الامة , على مدى عقود من الزمن , وأن أي مراقب يستطيع وبجهد بسيط أن يقرأ الاخطار التي واجهت الامة وتواجهها الان , والتي هي نتائج مباشرة لجريمة أغتيال العراق .


لقد ذبح أهلنا في كل مدن وقرى الوطن , ونهشت الكلاب الظالة أجساد شبابنا التي أمتلات بها الشوارع والطرقات وأستبيحت أعراضنا , وهدمت جوامعنا ومساجدنا , وأغتصب رجالنا ونسائنا في المعتقلات , تحت راية ( بوش وبلير ) بينما كان أشقاءنا يمارسون أستفزازا قبيحا لمشاعرنا , فيستقبلون ( بوش ) في أرض العروبة والاسلام ويكرمونه بأعلى الاوسمة والانواط ويرقصون معه في الحواضر العربية بالسيوف التي لم تفارق أغمادها يوما , ويرتشفون معه القهوة العربية في أجواء الغناء والقصائد الممجدة والمخلدة له , ويستعرضون مهاراتهم في الصيد وركوب الخيل والشمائل العربية التي لقنوا بها أطفالهم كي يتغنوا بها أمامه , ورؤوس أشراف العراق يطأها جندي من جنود بوش بحذائه , دون أن يرتجف جفن أو شارب لحاكم أو أمير عربي , ويتدافعون بالمناكب لتقديم الاموال السخية لانقاذ الاقتصاد الامريكي , بينما يمنون على اللاجئين العراقيين في دول الجوار العربي بحفنة دولارات , في نفس الوقت الذي لازالوا فيه مصرين على طلب التعويضات عن حرب الخليج الثانية , بعضهم بحجة تأثير تلك الحرب على بيئتهم , والاخر بدعوى كاذبة عن خسارة شركاتهم , وثالث بقصة مفبركة عن نفوق صقورهم وخيلهم التي كانوا يعتزون بها .


أن أستشهاد أكثر من مليون ونصف عراقي بعد الغزو , ومثل عددهم من أطفال العراق أثناء الحصار, وتهجير أربعة ملايين الى شتى أصقاع الدنيا , وملايين الارامل والايتام والمعوقين والسجناء والمغيبين , وسكنة المقابر وأماكن القمامة , والمعدمين والمحاربين في أرزاقهم والعاطلين عن العمل , كل ذلك كان أيضا تحت راية رموز الاحتلال من العراقيين عربا وكردا وفي مقدمتهم جلال الطالباني , الذي كان تكريمه من قبل جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية , أستفزازا واضحا لمشاعر الملايين من العراقيين , فلقد حفل تاريخه بصفحات سوداء من التأمر على العراق , وتلطخة يديه بمصافحة الكثير من المشبوهين وأعداء العراق والامة , وساهم في القتال ضد العراق الى جنب القوات الايرانية اثناء الحرب بين البلدين , وفتح الثغور في حدود شمال العراق كي تتسلل منها القوات الايرانية وتحتل أراض عراقية , كما كان له دور فاعل في فبركة القصص والروايات الكاذبة وأستخدامها من قبل الدول التي كانت تسعى لاطالة الحصار على العراق , أضافة الى دوره الفاعل في تقديم الدعم اللوجستي للقوات الامريكية في غزوها للبلد , كما أن تواجده على رأس السلطة السياسية في العراق من العام 2003 وحتى اليوم , يحمله المسؤولية التامة القانونية والاخلاقية عن كل الدماء البريئة التي أهدرت فيه والتي لم يحرك ساكنا لحقنها , بل أنه كان أحد الممجدين لكل الجلادين الذين عانى منهم شعب العراق , فهو يصف هاشمي رفسنجاني الذي قطع أوصال الاسرى العراقيين ب(نعمة السماء ) , ويتكرم على قتلى الجنود البريطانيين بأنشاء نصب تذكاري لهم ويشارك في قداسهم جنبا الى جنب مع ( بلير ) الذي يأنف والد أحد الجنود البريطانيين القتلى في العراق من التواجد معه في نفس القاعة أثناء القداس , كما يعبر بفرح غامر عن أفتتاح أكبر وكر للتجسس في العالم وهي السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء واصفا أياها بأنها صرح حضاري كبير !! .


أن الخطوة السعودية بتكريم الطالباني وغيره , والتي جاءت بعد طول صمت وأبتعاد كامل عن الخوض في المسألة العراقية , أنما هي جرح لكرامة الشعب العراقي لان هؤلاء لن يمثلوهم وهي خطوة على نفس طريق القطيعة التي مارستها السياسة السعودية مع القضية العراقية , ولايمكن فهمها بمعزل عن المساعي الحميمة للادارة الامريكية الساعية لتنصيب حليف لها على كرسي العراق في خضم التنافس مع أيران التي تسعى لتنصيب حليفها مرة أخرى , وكان الاجدر بهم أن يكونوا صوتا ناطقا بالهم العراقي أمام حلفائهم الدوليين والمحليين لا أن يستجيبوا للضغوط الامريكية , فالموقع العربي والاسلامي الذي تحتله المملكة كان يفترض أن يكون غطاءا شرعيا للفعل المقاوم , وداعما فاعلا لها بالمال والسلاح والكلمة الحرة والفعل السياسي والدبلوماسي , فلقد أستخدمت المملكة جميع هذه الاسلحة في سعيها لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين , وبنت مخابراتها شبكة علاقات مع وجوه كثيرة من الحاكمين اليوم في بغداد , ودعمتهم بمالها وسخرت لهم علاقاتها الدولية , وأنشأت لهم محطة أذاعية يبثون منها سمومهم , كل ذلك كان دافعه حقد شخصي ضد الرئيس الراحل , أذا الا يستحق العراق كبلد وشعب وحضارة , أن تثأر المملكة لشهدائه وأرامله وأيتامه , فتسخرفي خدمة مقاومته الوطنية ثلث الذي سخرته أنذاك ؟


ان القابظين على عروبتهم ودينهم في العراق , بعد أن أصبحت تهمة تدحرجت بسببها رؤوس الكثير منهم , هم وحدهم الذين يستحقون التكريم وأن يتقلدوا الاوسمة والانواط والنياشين , بعد أن أفشلوا بدمائهم وبجهدهم الذاتي مشروع الشرق الاوسط الجديد , الذي كان مخططا له أن تهب رياحه على المنطقة العربية كلها وبضمنها المملكة فتطيح بالتيجان وتدحرج الكراسي , ويقينا أنهم لن يرضوا أن يتقلدوا ماقلدته المملكة لطالباني ومن قبله بوش , مع أجلالهم وتقديرهم وأحترامهم للآسم الذي تحمله القلادة .

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء  / ٠٦ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٠ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور