أتراهُ بعثاً دموياً حقا ً؟!

 
 
شبكة المنصور
سعد فوزي رشيد

بسم الله الرحمن الرحيم
( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٍ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )

 

كنت في مقالتي السابقة قد تحدثت بالبراهين والدلائل العملية عن استراتيجية المواجهة التي يتبناها البعث على مر تأريخه المشرق، واليوم أكتب عن استراتيجية أو مبدأ أو منهج التسامح البعثي وبالدلائل والبراهين العملية أيضاً على مدى التاريخ، مفنّداً كل مزاعم الأعداء والعملاء والخونة بأن البعث صاحب تاريخ دموي.


لنرجع إلى بدايات تأسيس البعث ونستذكر كيف حلَّ الحزب تنظيمه من أجل الوحدة العربية المنشودة عندما تحققت أولى بوادر تلك الوحدة بين سورية ومصر، ولم يستأثر بذاته ويبحث عن مصالحه، بل كانت مصلحة الأمة هي الأهم بالنسبة إليه، لأن أولى أهدافه في النضال تتمثل في وحدة الأمة العربية.. من هنا نلاحظ بأن البعث منذ بداياته لم يبحث عن المنفعة الشخصية ولم يطمح إلى السلطة كغاية، بل إن كل غايته هي خدمة القضايا المشروعة لأمته، فهو ليس حزباً سادياً شوفينياً كما يصفه أصحاب العقول الساذجة ممن لم يعرفوا حقيقة البعث وجوهره، أو كما يصفه أصحاب النوايا الخبيثة من العملاء والمتساقطين.


في مسيرتنا أيضاً، ونحن نتجول بين الصفحات التاريخية للبعث، نقف عند الجبهة الوطنية والقومية التقدمية في مطلع السبعينيات، والتي جلس فيها البعث جنباً إلى جنب مع الحزب الشيوعي العراقي، على الرغم من الأذى الذي لحق بالبعثيين على أيدي الشيوعيين إزاء ثورة تموز 1958 بعد فشل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، حين علّقت المشانق في الشوارع وتم مطاردة البعثيين للنيل منهم وتحت هتافات (إعدم.. إشنق.. عبد الكريم قاسم)، وبالفعل تم شنق الكثير من رفاق البعث، إلا أن البعث تحامل على نفسه وجماهيره وفسح لهم المجال لكي يشاركوا في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وطوى صفحة الماضي.


أما بعد ردة تشرين 1963 والانقلاب الذي حصل على أول حكومة بعثية في العراق، ثم قيام حكومة عبد السلام عارف بمطاردة الكثير من البعثيين وإيداعهم السجون وتقديمهم إلى المحاكم، جاء البعث بثورة بيضاء لم ترق فيها قطرة دم واحدة في تموز عام 1968، ولم يفكر بالثأر أو الانتقام بل اكتفى بإعفاء عبد الرحمن عارف من منصبه.. هذا كله يدل على مدى تسامح البعث واتخاذه مبدأ العفو عند المقدرة، وليس القتل وإراقة الدماء كما يصفه أعداؤه وعملاؤهم.


ونشهد أيضاً كيف أن قيادة البعث في العراق تسامحت مع التمرد الكردي وقامت بإصدار قانون الحكم الذاتي عام 1972 ومنح الشعب العراقي في شمال العراق حكماً ذاتياً، على الرغم من الأذى الكبير الذي كان يلحقه هذا التمرد بفعل الهجمات التي كان يشنها ضد قوات الجيش العراقي.


وبعد ثماني سنوات من الحرب مع إيران، فإن النيات الحسنة للبعث في طي صفحة الماضي، والبدء بصفحة جديدة من التسامح، تظهر لنا واضحة جلية من خلال قيام قيادة البعث في العراق بائتمان إيران على الطائرات العراقية أثناء العدوان الثلاثيني على العراق في منازلة أم المعارك الخالدة، غير أن إيران خانت الأمانة باستحواذها على الطائرات، إضافة إلى دورها القذر في صفحة الغدر والخيانة بجنوب العراق بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت.


ويستمر التسامح البعثي مع إيران على الرغم من كثرة الطعون الإيرانية، فحتى بعد صفحة الغدر والخيانة والدول الفاعل الذي لعبته إيران فيها، وبعد خيانتها للأمانة بخصوص طائرات العراق، إلا أن قيادة البعث في العراق أبقت على علاقاتها الدبلوماسية معها، ولم تغلق السفارة الإيرانية في بغداد، ولم تمنع الزوار الإيرانيين من دخول العراق لزيارة المراقد الدينية.


البعث صاحب قلب أبيض وليس للحقد سبيل إلى نفسه، ولم يكن مبدأ الثأر أو الانتقام جزءاً من استراتيجيته في يوم من الأيام، بل نراه دائماً يفرد ذراعيه للتسامح والعفو، ويسعى للتعاون بكل مصداقية، وهذا كان واضحٌ جداً أيام الحصار الاقتصادي الظالم الذي فُرض على العراق في مطلع التسعينيات، حيث تعاونت قيادة البعث في العراق وبقلب صادق ونظيف مع الأمم المتحدة وهيئات التفتيش الدولية من أجل السعي برفع ذلك الحصار الجائر وإزالة باقي العقوبات المفروضة على العراق، وبناء علاقات دولية صافية حتى مع الدول التي اشتركت مع أميركا في عدوانها الثلاثيني على العراق، كل ذلك بهدف تطهير نفوس أعداء العراق واقتلاع بذور الضغينة والبغضاء التي يحملونها تجاه العراق وقيادته وشعبه، في خطوة رائدة بالتسامح يقوم بها البعث مع الدول التي اشتركت بالعدوان على العراق.


هذا كله يأتي إضافة إلى قرارات العفو عن السجناء التي كان تصدرها قيادة البعث في العراق بين الحين والآخر، حيث تقوم بتبييض السجون من خلال إطلاق كافة السجناء والعفو عنهم على الرغم من الجرائم التي اقترفوها، سواء سياسية أم جنائية أم مدنية.. العفو عند المقدرة كانت وما زالت من أبرز سمات البعث ولن يتخلى عنها ضمن استراتيجيته الثابتة.


وأخيراً وليس آخراً، لنستذكر مشهداً حياً شاهدناه بأمِّ أعيننا، ألا وهو وقفة الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله وهو يوصي الشعب العراقي بالعفو والتسامح عمن أساء وأخطأ إذا ما تراجع عن خطئه، ويوصيهم بأن لا تحمل نفوسهم الضغينة ضد شعوب الدول التي شاركت أنظمتها باحتلال العراق، في الوقت الذي كان فيه القاضي العميل يتلو القرار الجائر بإعدام قائد العراق والبعث.. فهل هناك صدر رحب للرحمة والتسامح كالتي نراها متمثلة بالبعث وقيادته ومن خلال ممارسات عملية تثبت ذلك وتزيّن صفحات التاريخ النضالية للبعث.


وعلى ذات المسيرة النضالية في التسامح والعفو، نرى أن القائد عزة الدوري، القائد الأعلى للجهاد والتحرير، يعلن في كل مرة عن أن باب العفو مفتوح لكل من تراجع عن موقفه الخاطئ، وبأن حضن البعث يسع كل من عاد إليه مخلصاً، وبأن البعث مستعد للتعاون ونبذ الخلاف مع أية جهة تتبنى جهد وطني صادق في مجابهة الاحتلال.


بعد كل ما شاهدناه من دلائل حية وبراهين عملية، فهل يكون حزب البعث (دموياً) كما يطلق عليه أعداؤه وعملاؤهم، أم هو مثال حي للرحمة والتسامح والعفو؟!

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ٢٧ ربيع الثاني ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٢ / نيسـان / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور