جرائم أمريكا وحلفائها والقانون الدولي

استهدفت أمريكا الآثار والمخطوطات واتخذت أبنية الجامعات مقرات لقواتها وقتلت العلماء فعن أي تحضر ودنية يتكلموا ؟

﴿ ٢٥

 
 
شبكة المنصور
عبد الله سعد

لم يكن أي عمل قامت به القوات الأمريكية عفويا، خاصة وان الجميع يعرف إن دولة بلغت هذا المستوى من التطور العلمي والتقني لابد إنها لا تتخذ خطوة إلا بناءا على تمحيص ودراية وتخطيط مسبق، فهل كانت المجاميع التي قامت بالسطو على المتحف الوطني العراقي ودار الوثائق التاريخية والتراثية والمخطوطات النادرة ودار المأمون ودار التراث هي مجاميع من القوات الأمريكية والبريطانية والصهيونية أم هي مافيا محترفة متخصصة أدخلتها القوات الأمريكية معها وبتوجيه الإدارتين الأمريكية والبريطانية وبحماية قولتهما الغازية؟ وهل كان اتخاذ المواقع الأثرية التي تظم شواهد التطور البشري ورقيه عفويا؟ وهل كانت القوات الأمريكية مضطرة لاتخاذ حرم الجامعات العراقية وأبنيتها مقرات لقواتها وخاصة القيادات ؟ هل إن عمليات استهداف دور الثقافة والفنون والتاريخ والوثائق التاريخية والمخطوطات النادرة تجري بغفلة من قوات الاحتلال أم بتخطيط منها واستعداد مسبق لذلك العمل الإجرامي؟

 

1.  لم تكن استباحة المتاحف العراقية وخاصة المتحف الوطني العراقي لم يكن عملا عبثيا قام به نفر من الجهلة والجياع، بل هو عمل منظم مخطط له من قبل أمريكا والصهيونية يستهدف التاريخ البشري والحضارة الإنسانية جمعاء، حيث إن كل المؤرخين والاثاريين والجيولوجيين وحتى ما ورد في الكتب المقدسة يؤكد إن العراق كان مهدا للحضارة الإنسانية، وان بداية التطور المدني والحضاري لحياة الإنسان كان في بلاد الرافدين، فاستهداف تلك الآثار التي تنقل للأجيال البشرية مراحل ذلك التطور عمل عدواني همجي ضد البشرية وتاريخ حضارتها وتطورها، وان اللذين قاموا بالفعل الإجرامي الوحشي ضد التراث الإنساني أناس مهيئين مسبقا دخلوا برفقة القوات الغازية وهم مختصون بالآثار وعلى دراية كبيرة بقيمة وحجم ودلالات المعلومات التي تنقلها تلك الآثار خصوصا في تاريخ الديانات، وتنقل للعالم تطور قوانين البشرية، والتي تمثل مسلة حمورابي أول شريعة بشرية مكتوبة فيه، كما إنها تؤرخ للحوادث والتغيرات الكبرى المهمة في التاريخ الإنساني، فماذا يصف أي محلل محايد ذلك العمل التتري الهمجي؟ أليس ذلك عدوانا على التراث الإنساني والحضارة البشرية؟ وما هو موقف القانون الدولي ومحكمة الجنايات من مرتكبي هذه الجريمة؟ وما موقف منظمات اليونيسيف ومنظمة الحفاظ على التراث الإنساني من هذه الجريمة؟

 

2.  إن عمليات السطو على دوائر الوثائق التراثية والتاريخية والمخطوطات النادرة في كل العراق وأرشيف وزاراته ومؤسساته المختصة كدار المأمون ودائرة التراث وأرشيف الوثائق العراقية في وزارات الخارجية والأوقاف والشؤون الدينية والثقافة وحتى مدخرات بعض المراقد الدينية للأنبياء المدفونين في العراق خصوصا النبي العزير والكفل عليهما السلام من أنبياء بني إسرائيل وكذلك المخطوطات النادرة في أضرحة ومكتبات الأئمة الأطهار عليهم السلام خصوصا مرقد سيدنا الإمام علي بن أبي طالب الخليفة ألراشدي الرابع وبعض الصحابة حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي رضوان الله عليهم المدفونين في العراق والصالحين من التابعين مثل أبو حنيفة النعمان وعبد القادر الكيلاني وحتى مراقد الإمامين العسكريين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، لم تكن جريمة سرقة فقط بل جريمة سطو مسلح لأنها تزامنت مع الاحتلال العسكري، وما إعلان أمريكا عن عدم إعادة الوثائق المتعلقة بالديانة اليهودية وادعائها بأنها ممتلكات تعود لمواطنين يهود هاجروا من العراق إلا أسلوب دنيء لتبرير سرقة تلك الوثائق وغيرها من التي بيعت وهربت للكيان الصهيوني،  فماذا يسمى هذه الجرائم وأين دور محكمة الجنايات الدولية من مرتكبي تلك الجرائم؟

 

3.  اتخذت القوات الغازية مقرات الجامعات العراقية في جميع المحافظات بعد الاحتلال مقرات لقياداتها، وأمر بديهي إن تلك المقرات والقيادات المتواجدة فيها مؤمنة لها حماية كاملة، لأنها أهداف حيوية بل واستراتيجية للمقاومة، ولكن بعد أن اختارت القوات الأمريكية مقرات جديدة لها وانسحبت من أبنية الجامعات وعودة الأساتذة والطلبة لتهيئة كلياتهم ومعاهدهم للمباشرة بالدوام الذي أعلن انه سيبدأ في 17/5/2003، لم يجدوا في المكتبات شيئا من الكتب والمصادر العلمية والتي كانت موفرة لجميع الطلبة بالاستعارة بعدد الطلبة والأساتذة زائدا كميات احتياطية، ووجدوا إن جميع موجودات الجامعات خاصة المختبرات والمعامل التدريبية وأرشيف الدراسات العليا والبحوث السنوية للطلبة خصوصا للكليات العلمية قد سرقت ونهبت وحرقت، كيف تم ذلك والأبنية كانت مشغولة من قبل قوات الاحتلال ؟ أليس ذلك جريمة ضد الإنسانية بحرمان شعب العراق من العلم والتعليم قامت به القوات الأمريكية بسبق تخطيط وإصرار إجرامي قذر؟ ومن الذي كان يستطيع الوصول لتلك ألاماكن التي كانت فيها قياداتهم؟ أليس هذا دليلا على إن قيادات القوات الأمريكية وحلفائها هم من ارتكبوا تلك الجرائم؟ فأين هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها منهم؟ وما دور محكمة الجنايات الدولية منهم؟

 

4.   إن احد أهم ركائز بناء الفرد والمجتمع والوطن هو العلم والتعليم، وقد أولت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي العملية التربوية والتعليمية جل اهتمامها بل اعتبرتها الاستثمار الراقي في العراق، وأعطتها أسبقية وأولوية على كل المعضلات في طريق الاستقلال والتنمية وبناء الفرد الفاعل القادر على تحمل مسؤوليته في بناء الوطن ووعي المخاطر المحدقة به وطبيعة التهديد الذي يتعرض له، ولذلك أصدرت قوانين وقرارات كبرى في هذا المجال منها:

 

  • قانون مجانية التعليم، وإلزام الدولة تحمل كافة كلف تعليم المواطن وتهيئة مستلزمات لجميع المراحل التعليمية بدءا من رياض الأطفال وللدكتوراه، كحق للمواطن وواجب وطني عليه وعلى مؤسسات الدولة أن يتعلم ليؤدي رسالته الوطنية القومية.

  • قانون محو الأمية بشكل كامل في العراق، والعالم كله والمنظمات الدولية على دراية وبتفاصيل التنفيذ وتقويمه واتي اعتبرته أفضل تجربة عالمية في تاريخ محو الأمية.

  • قانون التعليم المستمر، وهو استمرار الموظف بأي اختصاص بتلقي دورات وزمالات ومنح دراسية تتحملها دائرته بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والجامعات العراقية، لكي يواصل المواطن والموظف مواكبة التطورات العلمية في مجال اختصاصه ويقدم خدمة اكبر لوطنه ويكون حقا ثروته العليا، وقد وضعت محفزات ومكافئات للمتميزين والمتفوقين منهم، وجعل حصول الموظف على شهادة اعلي خلال فترة منحه إجازة دراسية براتب تام من قبل دائرته سببا لاحتساب فترة الدراسة خدمة مضاعفة للعلاوة والترقيع والترقية في السلم الوظيفي.

  • اعتبار مشاريع إكمال البنية التحية للمؤسسات العلمية ذات أسبقية عالية تتقدم على كل مجالات الخدمة الأخرى وعلى أي استثمار، فأولا وظفت كثير من إمكانات البلد خصوصا بعد تحرير ثرواتنا النفطية ونجاح ثورة التأميم، هيأت الكوادر القادرة على الارتقاء بالعملية التعليمية والعلمية بشكل جعل قوى الامبريالية تحسب ماذا يريد العراق بكل هذا الكادر العلمي الضخم، وتحسب حساباتها كيف توقف هذا العملاق الخطير، أما بناء المدرسة والجامعة فله الأسبقية على كل شيء، وتهيئة مستلزمات التعليم ووسائل المعرفة ودعمها كالمختبرات في المدارس والكليات والمعامل التدريبية ووسائل الإيضاح والمصادر العلمية تسبق أي شيء. لذلك كان واحد من أهداف العدوان تدمير العملية التعليمية والقضاء على المسيرة العلمية وتحطيمها وتخريب كل ما تحقق من تراكم نوعي وكمي في مسيرتها، والقضاء على كل مقوماتها كادرا وبنية وقوانين التي أوصلتها إلى هذا المستوى الرفيع الذي جعلها من بين أفضل المؤسسات العلمية نتيجة رصانة التعليم ونوعية الكادر حتى باتت الجامعات العراقية تتبوأ مراكز متقدمة جدا بين الجامعات العالمية الرصينة.

  • لكل ذلك كان أول استهداف أمريكا وشركاتها المرتزقة بلاك ووتر والدعوة والمجلس الأعلى وفيلق بدر وفيلق القدس والقاعدة والمتطرفين الكادر القائد المعلم والأستاذ ، فقد تم قتل المعلمين والمدرسين والأساتذة والعلماء بشكل بشع وواجهوا إرهابا فظيعا إلى حد جعل الكثير منهم يهاجر من بلده بعد أن واجهوا مجازر جماعية وطرد من الخدمة بشكل شبه جماعي أي الغالبية الطلقة مما أدى إلى تردي التعليم وأدى إلى انهيار وتقويض العملية التربوية والعلمية في العراق، بحجة اجتثاث البعث، كم البعث عظيما إن كل التربويين والعلماء والمثقفين اعضاءا فيه.

  • إلغاء وتدمير كل مجالس البحث العلمي ومراكز الدراسات الإستراتيجية البحثية والعلمية والتطويرية.

  • سرقة وتدمير كل موجودات المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والمراكز العلمية والمعامل والمستشفيات التعليمية والمختبرات في المدارس والكليات.

  • سرقة وتهريب موجودات المكتبات الخاصة بالكليات والجامعات أو المكتبات العامة التي أنشأت في كل محافظة وهناك خمسون مكتبة عامة في بغداد وحدتها تضم كل مكتبة في بغداد والمحافظات مصادر في كل مجالات العلوم الإنسانية والعلمية وبلغات متعددة، وما لم يسرق وينهب تم حرقه بغية عدم إمكانية الاستفادة منه!!.

  • التحاق أشخاص غير مؤهلين علميا وأكاديميا ومن مزوري الشهادات وحاملي شهادات وهمية وخريجو جامعات غير معترف بها في العراق لعدم رصانتها العلمية من كأساتذة بدلاء للعلماء اللذين تم قتلهم أو اجتثاثهم وتهجيرهم، أو خريجو جامعات تجارية لا تعتمد المعايير العلمية الدولية كالشهادة الأولية وشهادة الدراسة الثانوية، هؤلاء من المرتزقة اللذين دخلوا تحت بساطيل جنود الاحتلال.

  • إلغاء التدريب الصيفي للطلبة المعاهد والكليات والمدارس المهنية الذي كان إلزاميا وجزءا من متطلبات التخرج والإعداد للمرحلة اللاحقة وهي العمل والقيادة الميدانية واكتساب المهارات والخبرة وتواصل الأجيال.

 

فأين هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها منهم؟ وما هو موقف القانون الدولي ومحكمة الجنايات الدولية من مرتكبي هذه الجرائم وفي مقدمتهم المجرمين الدوليين بوش دبل يو وبلير؟

 

5.  تصوروا أيها القراء الكرام إن 80% من المقرات التي اختيرت بديلة للقوات الأمريكية والبريطانية كانت مواقع أثرية!!! البعض منها مشمولة بأنها من كنوز التراث العالمي، وما زال التنقيب والكشف عن أسرارها ومكامن كنوزها العلمية والتاريخية والتراثية جاري بل إن بعضها لم يكشف عنه لغاية الاحتلال، مثل مدينة بابل الأثرية التي اتخذتها القوات الأمريكية كأحد مقراتها، وقاعدة علي بن أبي طالب في ذي قار والتي تقع ضمن موقع مدينة أور وأكد التاريخيتين، ومرقد نبي الله العز ير في محافظة ميسان، وشقة طيران النعمانية الواقعة بالقرب من موقع تل ألنجمي الأثري في محافظة واسط ، وبحر النجف في محافظة النجف الاشرف، وموقع تل ألضباعي الأثري في شرقي بغداد وموقع عكركوف الأثري في غربي بغداد، وموقع مدينة المدائن الأثري جنوبي بغداد، ومواقع آثار الدولة العباسية (الملوية وقصر العاشق والمعشوق وغيرها) في سامراء وموقع كيش والكفل في محافظات الفرات الأوسط كربلاء والقادسية،وموقع قلعة تكريت في محافظة صلاح الدين، ومواقع الآثار الآشورية في محافظة نينوى (الموصل) ومواقع أثرية كثيرة، وما أغنى ارض الرافدين بالمواقع الأثرية التي تمثل كنوز التاريخ الحضاري الإنساني الذي كان العراقيون رواده، وأتضح لاحقا إن تلك المواقع قد تعرضت لنهب آثارها، حيث اتضح إن تلك القوات كانت تقوم بالحفر والتنقيب في المواقع التي كانت تتخذها مقرات، واستخراج كنوزها وتهريب تلك الكنوز التاريخية عبر التجارة السوداء إلى الأسواق السوداء في العالم، فأين منظمات التراث الإنساني من هذه الجرائم؟ وما هو موقف القانون الدولي ومحكمة الجنايات الدولية من مرتكبيها؟

 

هذا غيض من فيض من جرائم أمريكا وحلفائها ضد التراث الإنساني وآثاره في العراق، والله أعلم لصالح من سرقت تلك الثروات وكم من تاريخ الإنسانية اختفى؟ ومن هم شركاء المجرمين الدوليين في تلك الجريمة؟ اللهم إنهم طغوا وتجبروا وأنت القوي العزيز ونحن جندك فانصرنا على القوم الظالمين.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١٦ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٣٠أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور