عــــــراق التــــزويـــر

 
 
شبكة المنصور
ابو احمد الشيباني

شهدت السنوات السبع الماضية العديد من الظواهر الخطيرة ومنها ظاهرة التزوير، والاحتيال التي أصبحت صفة ملازمة للعديد من كبار المسؤولين في الدوائر والمؤسسات الحكومية حتى وصلت الى الحصول على ما تسمى ( بشهادة دكتوراه الحواسم ).

 

فقد تم خلال الفترة الاخيرة اكتشاف مئات الشهادات الدراسية المزورة من بينها شهادات المرشحين الفائزين في انتخابات ما تسمى المجالس المحلية ، كما استبعد عدد من المرشحين في الانتخابات الأخيرة التي جرت في السابع من آذار الماضي لتزويرهم وثائقهم الرسمية ما يؤكد بشكل لا لبس فيه استفحال هذه الظاهرة التي لم يألفها العراقيون قبل الاحتلال الغاشم الذي مازال جاثما على صدور العراقيين الصابرين .

 

وتقف وراء ظاهرة التزوير العديد من العصابات الكبيرة والمتمرسة المدعومة من الجهات الحكومية ، فليس هناك صعوبة في الحصول على شهادة تخرج من أي كلية او جامعة او الحصول على شهادة الدكتورة بالطب لفتح عيادة او الحصول على تعيين في الدوائر الحكومية وبراتب مغر جدا يعوض المعني عما دفعه من مال لقاء الحصول على الوثيقة المزورة .

 

كما تضمن التزوير ايضا الحصول على وكالات لبيع وشراء المنازل والسيارات تخول من يحصل على ذلك بيع وشراء منازل المواطنين غير المتواجدين في البلد وحتى ان كانوا موجودين فالوثائق المزورة تمنح من يحصل عليها صلاحية طرد المواطنين من بيوتهم لأن هذه الوثائق تثبت زورا وبهتانا شراء تلك المنازل منهم وقبضهم ملايين الدنانير ثمنا لبيعهم لها وفي حالة عدم انصياع صاحب البيت المسكين لذلك فانه سيواجه ما لا يحمد عقباه !!!

 

وفي هذا الاطار نشرت احدى وكالات الانباء المقابلة التي اجرتها مع رئيس عصابة المزورين المدعو (ميعاد .ك) والذي كان يمارس عملية التزوير في مكتبه الخاص بمنطقة الكاظمية شمال بغداد حيث قال : " لقد بدأت بممارسة عملية التزوير عام 2006 ، وفي بادئ الأمر كنت أقوم بتزوير الوكالات الخاصة ببيع وشراء السيارات المسروقة، حيث يطلب سارقها استخراج وكالة خاصة لا تثير الشك وتسمح له بالبيع والشراء دون أن يكتشف أمرها وذلك من خلال استخدام ختم باسم مكتب السلام لتنظيم عقود بيع وشراء السيارات ،إضافة الى تزوير ختم كاتب العدل في المنطقة المذكورة، بطريقة منظمة ودقيقة وتخلو من الأخطاء التي يمكن ان تجذب الأنظار .. موضحا ان  الوكالات والمعاملات تتضمن ختم مديرية المرور العامة (قسم إجازات السوق العمومي)، إضافة إلى عدة أختام تابعة للمديرية مثل إعفاء السيارة المسروقة من الرسوم والضرائب .

 

واضاف ميعاد : لقد استطعت تكوين شبكة تزوير كاملة بعد ان انضم الى عملنا عدد من الاشخاص بينهم احد الصحفيين فضلا عن وجود مساعدين لنا يمدوننا بكل ما يصدر من أختام او تعليمات في بعض الدوائر ذات الصلة بعملنا مقابل حصولهم على مبالغ مالية .

 

واشار الى انه بدأ بعمله الفعلي بالتزوير بعد ازدياد التوترات الأمنية التي شهدها العراق في اعقاب الاحتلال السافر وازدياد الطلبات باستخراج شهادات وفاة لاشخاص ما زالوا على قيد الحياة بهدف الحصول على الإرث واستخراج شهادات ولادة لأطفال لم يروا النور لإدراجهم في السجل المدني ومن ثم إدراج اسمائهم في البطاقة التموينية للحصول على حصة غذائية إضافية .. مؤكدا ان هذه الوثائق كانت تختم بختم وزارة الصحة المزور ،وختم الولادات والوفيات الخاص بدائرة صحة الكرخ .

 

وأكد ميعاد انه لا توجد صعوبة في الحصول على نماذج وأختام الجامعات او الوزارات لان من يتعاون معه موجود داخل الدائرة او الوزارة المعنية ، حيث يتم أخذ الختم بطريقة (السكنر) ثم يتم استنساخه بمساعدة شخص يعمل في مكتبة بشارع المتنبي.. مشيرا الى ان استخراج شهادة الجنسية مثلا يكلف 30 ألف دينار وفي حالة استخراج هوية الاحوال المدنية ( جنسية ) يضاعف المبلغ حيث يتم الحصول على الكتب الأصلية من الدوائر عن طريق الأصدقاء العاملين فيها مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل أحيانا الى 100 ألف دينار .

 

وحول الاشخاص غير الكفوئين الذين يتطلب ايفادهم الى خارج العراق اوضح ميعاد انهم يحصلون على وثائق مختومة بختم وزارة الخارجية / الدائرة القنصلية والتصديقات ،وبشكل منظم ومرتب ويخلو من أي خطأ قد يثير الشك ، مقابل مبالغ مالية تصل الى 2000 دولار ، كما يتم استخراج الوثائق المزورة والمختومة والمصدقة من الخارجية لأقارب المقيمين في الخارج من اجل حصولهم على عمل اضافة الى اصدار الهويات والمستمسكات الرسمية لأشخاص يرومون الدخول الى العراق بصورة غير رسمية .

 

ولم يترك رئيس عصابة التزوير ( ميعاد ) وثيقة إلا وقام بتزويرها ومنها هويات نقابة الصحفيين بمساعدة احد الصحفيين الذي كان يجهزه بكل ما يحتاج من معلومات عن النقابة ، كما تم طبع إعداد كبيرة من هويات منظمات المجتمع المدني ،وبطاقات السكن سارية المفعول المطلوبة في المعاملات الحكومية الى جانب البطاقة التموينية.

 

واشار الى انه تمكن من اصدار أوامر إدارية تم ارسالها الى المكاتب الخاصة بوزارتي الداخلية والدفاع الحاليتين لتعيين أشخاص لم ينتسبوا اصلا الى هاتين الوزارتين، إضافة إلى إصدار كتب صحة صدور بكافة المعلومات المدرجة ومختومة بطرق قانونية لا يمكن اكتشافها ،مقابل الحصول على مبالغ تصل أحيانا الى 3000 دولار للمعاملة الواحدة .إضافة الى تزوير هويات الشرطة الحكومية عن طريق استخدام كارتات الموبايل نوع (اسيا سيل9 ) ،بعد أن يتم مسح كارت الشحن بمواد كيميائية وطبع الباج الخاص بمنتسبي وزارة الداخلية ،فضلا عن تزوير الكتب الصادرة من رئاسة الجمهورية والخاصة بإجازة حمل وحيازة السلاح.

 

وقالت الوكالة " لقد تفننت شبكة التزوير العنكبوتية ومارست شتى الطرق الملتوية في هذا المجال مقابل الحصول على الاف الدولارات من السحت الحرام ، ونتيجة لذلك اصبح طلاب بلا كفاءة، يمتلكون شهادات عالية مزورة ويدرسون في كليات الهندسة والطب والإدارة والاقتصاد والقانون ، حيث وصلت الشهادات المزورة اليوم الى أرقام تفوق الخيال ".

 

تعتبر ظاهرة انتشار طبع الأختام المزورة وحسب الأمزجة ظاهرة خطيرة جدا بعد فشل الحكومات التي نشأت وترعرعت في ظل الاحتلال البغيض في معالجتها ووضع الحلول الجذرية لها في الوقت الذي ما زالت فيه أرصفة شوارع العاصمة بغداد تشهد انتشار اللوحات التي تروج لعمل الأختام بكافة أنواعها فضلا عن انتشار مطابع عمل الأختام وحسب الطلب بالرغم من التصريحات الجوفاء التي يطلقها المسؤولون في الاجهزة الأمنية الحكومية بين الفينة والاخرى حول المداهمات التي تستهدف هذه المطابع .

 

وازاء ما تقدم فان هناك سؤال مهم يطرح نفسه وما زال ينتظر اجابة المسؤولين في الدوائر والمؤسسات الحكومية وهو : متى تنتهي ظاهرة التزوير التي من اولى ضحاياها هو المواطن العراقي الذي يعيش منذ عام 2003 بين مطرقة الاحتلال السافر وحكوماته الفاشلة وسندان الاوضاع المأساوية التي نجمت عنها العديد من الظواهر السلبية الشاذة التي لم يعهدها الشعب العراقي الصابر قبل ابتلائه بأسوا احتلال عرفه التاريخ الحديث ؟؟.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ١٣ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٧أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور