تضليل الوعي أحد أهم أهداف الغزاة

 
 
شبكة المنصور
حديد العربي

يتفق أغلب العراقيين على أن تغييرا حقيقيا للواقع السياسي العراقي في ظل الاحتلال لن يحدث مطلقا، ويتفقون أيضا على أن الأساليب الماكرة التي يتبعها أذناب الاحتلال في إظهار الخلاف وتناحر الإرادات والتقاطع فيما بينهم على حزمة واسعة من الثوابت والمتغيرات مما أفرزته برامج الاحتلال وسياساته، ليست سوى عمليات تزييف لوعيهم وضحك على ذقونهم، وذلك كله لا غرابة فيه، لكن الغريب أن يقع هذا الشعب، رغم ما يختزن في أعماقه من وعي وإدراك وفهم لما يدور حوله، في دوامة الحيرة، التي لا يملك تحريك عجلتها وتحديد سرعتها سوى الاحتلال.


فالإعلام المأجور والمضلل، وكذلك الإعلام الفاقد لأهلية هذه المهنة الخطرة، التابع أو المملوك الذين استحوذوا من السحت الحرام ما أهلهم ولوج هذا المضمار الذي لا يفقهون شيئا من أبجدياته ومخاطره على المجتمعات، يعمل ليل نهار على تسويق بضاعة الاحتلال على أفواه أذنابه وأدواته من هذا المسمى أو ذاك، وما أكثرها. فتجده بين ساعة وأخرى يطرح مواقف وآراء وقناعات ومفاهيم متناقضة فيما بينها، ولا يكتفي بهذا بل يعود بعد ساعة لينسفها بغيرها مما ييسره له الاحتلال ومن سار في أذياله، فإذا قال أحدهم أن فلان وفلان من الأذناب قد توافقا واتفقا، فإن ساعة لا تمضي حتى بأتينا بخبر يستبعد حدوثه أو ينفيه أو يجعله من المستحيلات. أو تنقل لنا إحدى القنوات خبرا مفاده أن الذنب الفلاني قد حقق فوزا ساحقا على خصومه، فيما يزف بوق آخر البشرى باكتساح أحد الذين قيل أن أنهم سحقوا لمنافسيه، ولا تتوقف المهزلة عند ذلك الحد، كما شهدت مسرحيات الانتخاب.


هذا يظهر الإدارة الأمريكية وكأنها حانقة غاضبة على حليفتها بالمتعة السرية إيران نتيجة تدخلها السافر في شؤون العراق المحتل على غير إرادتها، وذاك يظهرها بموقف المتعاون الذي لا يستغنى عن خدمات خليفته، وأخر يصفهما بالعملاقين المتناطحين، أيهما سيطيح بقرون غريمه، ورابع يرى أنهما في سباق وصراع أيهما يستحوذ على العراق ويسحب البساط من تحت أقدام منافسه.


هذا يرسم أحلاما وردية على إحدى الأبواق بحكومة مرتقبة ستحل كل مشاكل العراق دفعة واحدة، ثم يعقبه آخر بعد لحظات ليقول أن مثل تلك الحكومة لن ترى الوجود، فغيرها قد حزم أمره على البقاء.


والذي يستقطع من وقته بضع ساعات يتجول فيها بين تلك الأبواق الكثيرة لابد أن يصاب بالغثيان والصداع والدوار وفقدان الثقة حتى بوعيه.


فذلك هو الهدف المنشود، الذي لا تدركه حتى بعض القنوات الإعلامية ممن توصف بأنها تغرد خارج سرب العمالة والجاسوسية والتبعية، لعدم تخصص أغلب العاملين فيها بأمر شائك وكثير التعقيد.


إن سياسة المحتل المبنية في جانب هام من جوانبها على التضليل الإعلامي تهدف إلى هزيمة الإنسان نفسيا قبل غزوه عسكريا، فالهزيمة العسكرية لا تفضي إلا إلى ردة فعل مقابلة، لكن الهزيمة النفسية لن تفضي إلى ردة فعل عكسية، بل ان الفعل سيكون حينها مستجيبا لكل متطلبات المهاجم، المتمثلة بالانصياع لإرادته أو الانزواء والتخلي عن مواجهته، وذلك كل ما يحتاجه الغزاة، فأيا كان اتجاهه يحقق للأعداء مطلبهم.


لذا فإن على الجماهير أن تدرك تماما حقيقة ما يدور حولها من سياسة تستهدف تيئيسها ومحق إرادتها من خلال طرح إدارات الاحتلال وأذنابهم لدوامات النتاقض عليها بتواصل تفاعلي، يجعل الشعب أسيرا للحيرة وعدم الفهم لطلاسم الواقع والعجز عن استيعاب مفرداتها العديدة.


وليس هناك من مبرر لأن ينشغل الشعب بهذه اللعبة، إذا استبعدنا الفضول، فهي لا تعود عليه إلا بالآثار السيئة، فأهداف الاحتلال واضحة، وغاياته مدركة، ووسائله مكشوفة، ودسائسه مفتضحة.


وإن على الإعلام الحر على ندرته يقع الثقل الأكبر في أن يستند إلى خلفية واعية ومبصرة تدرك الغايات من تلك الضغوط النفسية، فتعمل على فضحها بدلا من التريج لها دون قصد، حين تتخذ من مفرداتها الاخبارية كمادة إعلامية، وكجزء من متطلبات تغطية الأحداث، فهي في حقيقتها ليست كذلك، إنما هي سموم تساهم في تجريعها لمستمعيها دون وعي منها ومنهم.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت  / ٢٤ جمـادي الاولى ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٨ / أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور