رسائل التبصير : كشف الغام التحرير - الرسالة السابعة لغم ( توحيد البعث )

﴿ ٢ - ٤

 
 
شبكة المنصور
صلاح المختار

أولى لك أن تتألم لأجل الصدق من أن تكافأ لأجل الكذب

مثل غربي

 

شعار وحدة الحزب مقدمة تعريفية

 

ولكي نسلط الضوء على الابعاد المختلفة للموضوع لابد من طرح ثلاثة أسئلة رئيسية والاجابة عليها لان الاجابة عليها هي التي تحدد ماهو الصح وماهو الخطأ في موضوع وحدة الحزب ، والاسئلة هي :

 

1 -  هل يوجد انشقاق او اجنحة في البعث ؟

2 - و اذا وجد انشقاق فما هو مبرره وكيف نعالجه وهل توجد اسس تحكم عملية التوحيد ؟ وماهي تحديدا ؟

3 – ما الهدف من أثارة موضوع ( توحيد الحزب ) الان ؟ هل هو لاجل توحيده فعلا ؟ ام انه خطوة من خطوات ( الاجتثاث الحريري ) للبعث ؟

 

من البدييهيات الاساسية في الحياة الحزبية منذ نشوء الحزب قضية وحدة الحزب لان هذه الوحدة هي الضمانة الاساسية لبقاء وتقدم وتنامي قوة الحزب ، فبدونها يتعرض للتأكل التدريجي ويفقد دوره النضالي ويزول ، وقد برزت هذه الدعوة بقوة في الستينيات مع بروز محاولات شق الحزب ووقوع انشقاقات حقيقية ، واقتران ذلك بقيام اكثر من جهة بالسطو على أسمه او تزوير هويته العقائدية ومنهجه الستراتيجي واستخدامهما في عملية تفيتيت الامة من خلال تقديم البعث بصورة منفّرة تعزله عن الحماهير  . بدء العمل لتفتيت الحزب منذ الستينيات من القرن الماضي بعد ان تحول الحزب الى القوة الاساسية في الوطن العربي خصوصا في العراق ، وشرع في عمل مبرمج لتنفيذ اهدافه وشعاراته والانتقال من مرحلة الدعوة الى مرحلة تطبيق الشعارات وتنفيذ الاهداف وبدء عملية البناء ، فكان من الطبيعي ان تبرز خلافات واختلافات ومشاكل داخل الحزب بالذات ، وبغض النظر عن محاولات الاعداء او المنافسين من الوطنيين اضعاف الحزب .

 

ان الانتقال من مرحلة الدعوة والتهيئة الى مرحلة تطبيق الاهداف والشعارات تطرح حتمية بروز خلافات حول كيفية التنفيذ والتطبيق واساليب العمل في دولة الحزب ، خصوصا وان الحزب كان يتقدم لاستلام الحكم لاول مرة وقادته شباب بلا خبرات دولة ، يحركهم الحماس والاستعداد للتضحية من اجل القومية العربية والاشتراكية والتحرر من الاستعمار والصهيونية . وهكذا توفرت البيئة المناسبة لشق الحزب وتغذية الانشقاقات نتيجة عاملين اساسيين ، عامل داخلي وهو قلة الخبرة داخل البعث ووجود مسائل موضوعية ، مثل كيف نطبق الاشتراكية او كيف نحقق الوحدة العربية ، تفرض الاختلاف حول كيفية التعامل معها وحلها ، وعامل خارجي وهو اما مخابراتي معاد للبعث والعروبة ، او فئات وطنية وقومية لكنها ، ونتيجة لتدني وعيها ، ارادت استغلال ذلك الوضع لتمزيق الحزب او اضعافه وجعله يتخبط ويعجز عن تنفيذ برامجه او اهدافه .

 

في يوم  8 شباط من عام 1963 – المصادف 14 رمضان - استلم الحزب السلطة في العراق عن طريق مزيج تاريخي نادر من الانتفاضة الشعبية المسلحة والانقلاب العسكري المتزامنين والمترابطين ، فالانتفاضة الشعبية المسلحة نفذتها قوات شعبية سيطرت على بغداد بدء من الساعة التاسعة صباحا وقبل نزول الجيش اليها واحتلت مراكز الشرطة والانضباط العسكري وامسكت بساحات بغداد وطرقها الرئيسية ، واعتقلت كبار ضباط قاسم في بيوتهم ، وهي قوات تشكلت من مناضلي البعث باسم ( الحرس القومي ) ، وكان لي شرف العضوية فيها ، وشرف القيام مع رفاقي في تنظيمات الكرخ للبعث ، بقيادة الرفيقين الشقيقين طارق وخليل – لا اذكر اسميهما الكاملين خوفا عليهما - حيث تجمعنا في بيتهما منذ الساعة الخامسة فجرا وانتظرنا أشارة بدء الثورة ، وهي قصف وزارة الدفاع والتي قام بها المقدم الطيار منذر الوندواي ، لننطلق لتنفيذ دورنا المباشر في الحدث وهو  السيطرة على ساحة  الشهداء في الكرخ ، ومنع مرور الدبابات او القوات المعادية وضمان مرور دباباتنا وقواتنا نحو وزارة الدفاع بعدتحييد اي قوة قد تحاول اعتراض تقدم الجيش ، وكانت ساحة الشهداء هي اقرب نقطة عبور الى وزارة الدفاع حيث كان يقيم الديكتاتور قاسم .

 

وحصلت اشتباكات مسلحة مع مدرعات ارسلها قاسم  لعبور الجسر الى الكرخ فتصدينا لها وهربت عائدة من حيث اتت بعد ان جرحت عدة رفاق منهم صديق الطفولة ابن الشيخ امين – لا اذكر اسمه الكامل لحمايته - الذي اصيب في ذراعيه وشلتا لزمن طويل  . وشارك معنا في تأمين السيطرة على ساحة الشهداء وادارتها بعض كوادر الحزب ومنهم المرحوم احمد طه العزوز الذي سجل مفخرة عظيمة قبل ذلك بمواجهة المهداوي بموقف بطولي اثناء محاكمة رفاقنا الذين ارادوا اغتيال قاسم ، والمرحوم محمد محجوب الذي كان يعيد بث بيانات الثورة من منارة الجامع الموجود في الساحة وحينما يتعب كنت اتولى اعدة بث البيانات ، واصبح عضوا في القيادة القطرية للحزب فيما بعد .

 

وبعد شهر  وفي 8 اذار  وحينما كنا نحتفل بمرور شهر على ( ثورة 14 رمضان ) ، وهي التسمية التي سادت لثورة 8 شباط عام 1963 ، وكانت مظاهرات ضخمة تجوب شوارع العراق ، اسقط الحزب النظام الانفصالي في سوريا ، فانفتحت كل الابواب امام تطورات خطيرة ومعقدة تتجاوز في تعقيدها وخطورتها مستوى تجربة القادة الجدد للعراق وسوريا ، لذلك كان طبيعيا ان تقع اخطاء وان تطرح حلول متناقضة لكيفية البناء واساليب التعامل مع التحديات الخطيرة ، خصوصا وان تلك التحديات لم تأتي فقط من القوى الاستعمارية التقليدية بل ان قوى وطنية ووحدوية عربية تشبه البعث من حيث الهوية كانت قد شرعت بمحاولة اسقاط  نظام البعث بالقوة .

 

بدأت رحلة الانشقاقات الحقيقية بعد عام 1963 في العراق ثم في سوريا ، وقبلها لم يحصل اي انشقاق حقيقي بل حصلت حالات فصل لبعض كوادر الحزب في حالتين معروفتين ، الحالة الاولى كانت فصل مجموعة صغيرة تبنت الماركسية ( اطلقت على نفسها تسمية الكادحين العرب ) وفصلت في عام 1962 وكنت اعرف اغلب عناصرها شخصيا ومن بين قادة هذه المجموعة المناضل عبدالاله البياتي اطال الله عمره والمرحوم المناضل محمد الزيدي وكانوا يعملون في مكتب العمال المركزي للحزب ، والحالة الثانية هي فصل عناصر تناقض موقفها مع موقف الحزب حينما برز خلاف بين البعث والمرحوم عبدالناصر ومن بينها المرحوم عبدالله الريماوي والمرحوم فؤاد الركابي ، وتم فصلهما قبل استلام الحزب للسلطة في العراق وسوريا دون ان يحصل اي انشقاق عمودي – اي يشمل القواعد والكثير من الكوادر في الحزب - لانهم كانوا افرادا وليس كتلا منشقة وهذه حقيقة تاريخية معروفة وبقي الحزب بكامل جسمه التنظيمي موحدا ومتماسكا .

 

واول واهم انشقاق حصل في العراق في عام 1963 ، كان المحور الظاهري له هو الاجابة على السؤال التالي : ماذا نعمل بعد ان استولينا على السلطة ؟ وللجواب على هذا السؤال تعددت الاجابات ، فتيار المرحوم علي صالح السعدي ، وكان امينا لسر القطر في العراق وقتها ، كان يقول يجب ان نبدأ بضرب القوى الرجعية وتصفيتها كمقدمة لبناء نظام اشتراكي قومي تقدمي ، ومقابل ذلك وقف تيار اخر يقوده السيد حازم جواد مدعوما من قبل ضباط رجعيين تسللوا الى السلطة من خلال معاداتهم لنظام قاسم  ، وفي مقدمتهم المرحوم عبدالسلام عارف الذي عينه البعث رئيسا للعراق رغم انه كان في بيته ولم يكن له اي دور عندما اسقط البعث الديكتاتور قاسم ، بالاضافة لضباط ومدنيين بعثيين كانت تحركهم نوازع فردية ومطامع شبابية ، وكان هدف الضباط الرجعيين والناصريين الاول هو اسقاط حكم البعث فتخفوا وراء تيار حازم جو اد ودعموه وشجعوه على اقصاء تيار السعدي بقوة العسكر  ، وهذا ما تم فعلا .

 

الان ، وبعد تجربة اكثر من اربعة عقود نضجنا فيها واصبح ممكنا فرز الخيط الابيض عن الخيط الاسود ، لابد من التاكيد على مسألة جوهرية وهي ان كلا التيارين كان يتميز بالطفولة  السياسية ، فلا تيار المرحوم السعدي كان يساريا حقا ولا تيار حازم جواد كان يمينيا ، كان الجميع ضحايا قلة الخبرة والاندفاع الحماسي لشباب اغلبهم  دون الثلاثين من العمر  ، بالاضافة للطموحات الفردية . نعم كان هناك تحريض مشبوه من خارج الحزب ، بل كانت هناك عناصر ضعيفة وطنيا داخل الحزب وتحولت الى ادوات تأمر مشبوه مثل المرحومين طالب شبيب وهاني الفكيكي ،  لكن الاطار العام لما حصل من اخطاء وانحرافات كانت ثمرة قلة الخبرة والاندفاع الشبابي والطموحات السياسية .

 

نتيجة هذا الخلاف ، وقبل تطوره الى حسم عسكري ، حصلت ازمة في المؤتمر القومي السادس للحزب الذي عقد في سوريا فجرها العراقيون وتحول الحزب كله الى مسرح لصراعات صريحة ، تداخلت فيها عوامل عديدة ومتناقضة ، وبعد هذا المؤتمر  عقد المؤتمر القطري العراقي وشهد اول عملية عسكرية غير نظامية وهي دخول ضباط بعثيين المؤتمر يوم 11/ 11 / 1963 واعتقال امين سر القطر المرحوم السعدي ورفاق اخرين ونفيهم الى اسبانيا ، وفي يوم 13 / 11 / 1963 قام الحرس القومي والجهاز الحزبي بانتفاضة مسلحة ضد ابعاد قيادة الحزب بالقوة ، وانتهت الاحداث بانقلاب 18/ 11 /  1963 في العراق واسقاط سلطة الحزب الذي قاده عبدالسلام عارف ومعه ضباط ناصريين وبعثيين . بعد انقلاب عارف ، الذي شن حملة فاشية دموية ضد الحزب ادت الى استشهاد عدد من مناضلي الحزب واعدام اخرين ، بادرت ( لجنة تنظيم القطر ) ، وهي لجنة تشكلت من بقايا قيادة فرع بغداد للحزب – وكان في بغداد فرع واحد للحزب - وكوادر اخرى ، لاعادة تنظيم الحزب الذي اخذ يتعرض لضربات فاشية متعاقبة من قبل نظام عارف ، ونجحت اللجنة في اعادة بناء الحزب ووقف بقوة على قدميه ليناضل ضد الردة وتلاشت مجموعة حازم جواد كليا ولذلك بقي الحزب موحدا ومتماسكا .

 

ولكن في اثر ذلك انشق الحزب في العراق مرة اخرى عام 1964 حينما عينت القيادة القومية قيادة قطرية مؤقتة وابلغت لجنة تنظيم القطر  - التي كانت تدعم السعدي - بتسليم الحزب لها وشكرتها على مبادرتها باعادة التنظيم ، ولكن اللجنة رفضت تسليم الحزب للقيادة المؤقتة ، فحصل الانشقاق الاول بعد الردة . لقد برز تنظيم تقوده القيادة القطرية المؤقتة وكان ابرز كوادرها الرفيق الشهيد صدام حسين ، مقابل ذلك استمر تنظيم يعمل باسم  ( لجنة تنظيم القطر )  رغم انه اخذ يتضائل تدريجيا . وبدأ الصراع بينهما على من يمثل الحزب ومن يمتلك الكوادر والقواعد الاكبر  ، وغيرت لجنة تنظيم القطر اسمها وتبنت تسمية هي ( حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري ) .

 

وفي عام 1965 قرر اجتماع للتنظيم في بيروت ، الذي تزعمه المرحوم علي صالح السعدي تغيير اسم الحزب  وتم اختيار اسم ( حزب العمال الثوري ) ، ولكن الاغلبية الساحقة من كوادر تنظيم ما سمي ب ( البعث اليساري ) في العراق رفضت تبديل اسم الحزب ، وكنت وقتها اعمل مع هذا التنظيم وكنت من بين من تمسكوا برفض تبديل اسم الحزب ، فحصل انشقاق في تنظيم ( البعث اليساري ) نتج عنه تنظيمان احدهما يحمل اسم ( البعث اليساري ) والاخر يحمل اسم ( حزب العمال الثوري ) وتلاشى حزب العمال بسرعة . وفي تلك الفترة بدأ التشرذم يقوى ، ففي 23 / 2 / 1966 وقعت حركة عسكرية في سوريا ضد القيادة القومية للحزب انتهت باعتقال اغلب اعضاءها ، وكانت الحركة ترفع شعارات ( يسارية ) وكان ابرز قادتها المرحومين حافظ اسد وصلاح جديد .

 

وبما ان التنظيم المسمى ب( البعث اليساري ) في العراق كان قريبا من طروحات الحركة التي حصلت في سوريا فقد ارسل وفدا الى سوريا للتباحث حول توحيد الحزب ، وبالفعل فقد تم اندماج ( البعث اليساري ) في العراق بالتنظيم الذي سيطر على سوريا وانتهى ( البعث اليساري ) كتنظيم مستقل .  في 17  تموز عام 1968  اسقطت سلطة عارف من قبل الحزب بثورة 17 – 30 تموز  ، وهكذا صار  هناك مركزان يحملان اسم الحزب ويتصارعان على الشرعية : مركز في سوريا ومركز ثان في العراق يتمسك كل منهما بفكرة انه الممثل الحقيقي للحزب . في عام 1970 قامت حركة عسكرية في سوريا بقيادة المرحوم حافظ اسد اقصت تيار المرحوم صلاح جديد وانفرد الاسد  بالسلطة  .  

 

هذه نبذة مختصرة عما حصل في الحزب من انشقاقات وهي تقدم لنا صورة دقيقة لما حصل ولما ادت اليه الانشقاقات المتعاقبة والتي لم تتوقف وتنحصر  في تنظيمين احدهما في سوريا والاخر في العراق الا بعد تمركز ثورة 17 تموز عام 1968 في العراق ، وبدء تنفيذ خطة الحزب في العراق والتي ادت الى تأسيس نظام وطني تقدمي واضح المعالم والهوية جسد فكر البعث ومبادئه ونجح في احداث تغيير جذري في اوضاع العراق نقله من قطر متخلف تسوده الامية والفقر وغياب الدور الى قطر متقدم علميا وتكنولوجيا تمكن من ازالة الامية والفقر والتخلف وسخر موارد العراق في تحقيق حلم البعث وهو اقامة انموذج ناجح وجذاب للنهضة القومية العربية .

 

ما معنى هذه النبذة حول تطورات الانشقاقات في  الحزب ؟ وكيف يجب ان نفهمها ونتعامل معها ؟

 

اولا : ان الانشقاقات كانت اما ثمرة قلة خبرة او مطامح ذاتية او  تدخل قوة وطنية منافسة ، ولم يكن للعامل الايديولوجي دور رئيسي فيها رغم ان البعض ادعى بانه صراع بين اليمين واليسار  ، وكنت من بين اعتقدوا بذلك وقتها نتيجة اختلاط الاوراق وعدم وضوح طبيعة الصراعات ، لكن وبعد اكثر من اربعين عاما من التجربة الواقعية ، خصوصا المواقف اللاحقة لاطراف الانشقاقات ، اكدت بان لا دور ايديولوجي في الانشقاقات . هل يوجد دليل على ذلك ؟ 

 

نعم اذ ان من ادعى اليسار  منذ عام 1963 اكدت ممارساته انه لم يكن يساريا باي شكل لان بعضهم تبنى مواقف يمينية واضحة ، ومن المدهش ان بعض من كان يعمل مع ( لجنة تنظيم القطر  ) اعطى براءة من الحزب بعد اعتقاله من قبل نظام عارف دون ضغط شديد عليهم ،       وانخرط في صفوف التيار المتطرف في الحزب الشيوعي العراقي ، وهو تيار القيادة المركزية بقيادة عزيز الحاج الذي اتهم خط اللجنة المركزية للحزب الشيوعي باليمينية ، ثم تحول هذا البعض من اليسار الشيوعي المتطرف الى اقصى اليمين الرجعي المتطرف ممثلا بالخمينية وصار من قادتها في العراق ، مثل عادل عبدالمهدي نائب رئيس الجمهورية في ظل الاحتلال ، فيما اصبح البعض الاخر مع اياد علاوي منذ هرب من العراق اثناء الحكم الوطني ! او ان البعض الاخر انتمى لحزب اخر غير البعث ، وهجر البعث تنظيما وفكرا ، الامر الذي يؤكد وجود تفسيرين رئيسيين لهذه الظاهرة ، التفسير الاول ان مسألة اليسار واليمين كانت موجة او موضة عبرت عن فقر ثقافي ونظري وقلة خبرة ، والتفسير الثاني يقول بان بعض من أثارها اراد تمزيق البعث لصالح تيار اخر  ، او لصا لح اجهزة مخابرات معادية . 

 

وفي مجرى صراع دام لعقود سقطت الشعارات وبانت الاصالة فقد وقف البعثي ، يخوض صراعا جبارا مع قوى الاستعمار والصهيونية        وحليفتهما الصفوية الايرانية ، بينما احتشد الاخرون في صف واحد ضد البعث في العراق ،  وكان من بينهم من كانوا ينتمون للبعث ، وتكفي قراءة اسماء مكونات ما كان يسمى ( المعارضة العراقية ) التي خدمت تحت امرة المخابرات الامريكية والبريطانية والايرانية من اجل غزو العراق ليجد  اسماء افراد كانوا بعثيين ، كما سيجد اسم تنظيم باسم البعث من بينها ، وهنا نجد انفسنا امام سؤال كبير : هل حمل اسم البعث كاف  لمنح الهوية الوطنية والصفة البعثية مع ان من حمله قاتل البعث وحرض على غزو العراق تحت امرة امريكا وبريطاني او ايران ومخابراتها ؟

 

اما من اتهم باليمين ، وهو الحزب الشرعي والاصيل في العراق ، فقد قدم الصورة المادية ليسار  وطني ثوري واشتراكي من خلال تنفيذ خطوات عملية وليس شعارات براقة ، مثل تاميم النفط وتسخيره لبناء مجتمع خال من الفقر والامية والاستغلال الطبقي ، ومقارعته لقوى الاستعمار والصهيونية والرجعية بصورة لم يسبق لها مثيل جعلته ، على المستويين الاقليمي والدولي ، القوة المضادة والمقابلة للامبريالية والصهيونية في الصراع الستراتيجي الجبار الذي اعقب انهيار الكتلة الشيوعية . واهمية هذه الحقيقة التاريخية تكمن في ان انشقاقا باسم اليسار واليمين كان عبارة خطأ تاريخي كبير  الحق ضررا بالغا بالحزب ، ومن بين اخطر الاضرار  فقدان الحزب لمئات الكوادر المخلصة والاف الاعضاء المخلصين نتيجة الفوضى والاضطراب الذي ساد الحزب منذ بدأت لعبة الانشقاقات ، ويكفي ان نقول بان هذه الاعداد الكبيرة من الكوادر المجربة والمثقفة والالاف من الاعضاء الاصلاء لو بقوا في الحزب فان من المؤكد ان الحزب كان سيكون اقوى واكثر  صوابا وتماسكا .

 

ثانيا – في السياسة ليس المهم ان تطرح شعارا صحيحا ومطلوبا بل الاهم هو ان تعرف كيف تنفذه وتحوله الى واقع مادي ، وبدون هذا الشرط يصبح طرح شعار صحيح والافتقار الى الوعي والادراك الضروريين لتطبيقه مرض قاتل يبدد القيمة الحقيقية للشعار ، بل يجعله احيانا مكروها ، وفي حالات اسوء يستخدم كأداة للتخريب . في العراق وغيره رأينا قوى وافراد كثر يرفعون شعارات صحيحة لكن الواقع العملي اثبت انهم كانوا يفتقرون الى القدرة والحكمة والواقعية التي تمكنهم من تحويل الشعارات الى وقائع ملموسة . لذلك فان من الضروري الانتباه الى ان مجرد طرح شعار صحيح لا يعني تزكية صاحبه واعطاءه تخويل بانه يملك نهجا صحيحا وافضل من غيره ، اذ لابد من تدقيق الشعار واثبات صحته وبحث امكانية تطبيقه  وتحديد ملائمة المرحلة له ، والاهم بحث قدرة رافعه العملية والفكرية على تطبيقه . وتجربة الانشقاقات اثبتت ان اغلب من انشقوا ، كافراد او كتل ، كانوا اما ضحايا موجات – واحيانا موضات - قوية ولكنها مملوءة بالالغام ، او انهم كانوا حزبيا غير مؤهلين عمليا وتنظيميا وفكريا لتقديم البديل العملي الافضل ، وفي كل الاحوال وقع هؤلاء في اخطاء كبيرة جدا اذت الحزب ، فهل يصلح مثل هؤلاء للعودة للحزب بلا قيد او شرط ؟ ام ان عودتهم للحزب مشروطة بوضوح تام لضمان عدم تسببهم بامراض جديدة ومشاكل حساسة ؟

 

ثالثا : من خلال استعراض تاريخ الانشقاقات تبين ان من انشقوا كانوا افرادا غالبا ( الريماوي والركابي وبضعة انفار معهم ) ، وفي احيان اخرى كتلة صغيرة ، مثل ( البعث اليساري ) الذي تقلص حتى زال ، وفي الحالتين تلاشت هذه الكتل وانزوى الافراد وطلق اغلبهم السياسة ولم يعد لهم صلة بالبعث وصاروا بعثيين سابقين ، وهي حقيقة تحرمهم من القدرة على الادعاء بالبعثية . وهنا يجب ان نشير الى ان الحالة الوحيدة التي حدث فيها انشقاق حقيقي , وبقي يحمل معنى الانشقاق هي الانشقاق الذي اعقب حركة 23 / شباط عام 1966 في سوريا ،  والذي ادى الى تكون مركزين يحكمان باسم البعث احدهما في سوريا والاخر في العراق ، وحصلت بينهما صراعات دموية وثأرية مدمرة وخطيرة قدمت صورا متناقضة جدا عن ( البعث ) في العمل السياسي والتنظيمي و الفهم والتفسير الايديولوجي .

 

رابعا : يجب التأكيد على حقيقة خطيرة الحقت ابلغ الاضرار بالحزب وهي ان الانشقاقات تلك قد اقترنت باستخدام القوة والانقلابات العسكرية وخرق النظام الداخلي ودوس الشرعية الحزبية ، الامر الذي الحق بالحزب ضعفا كبيرا وخطيرا  ، خصوصا نتيجة فصل او حرق او ترك عدد كبير من  الكوادر للعمل الحزبي ، لدرجة ان هناك مقولة شهيرة تؤكد بان اكثر من 90 % من الحركات السياسية في الوطن العربي اصلها بعثي .  من هنا فان ضعف الحزب النسبي وانقسامه هو نتاج عدم احترام الشرعية الحزبية وخرق النظام الداخلي للحزب .

 

ان الدرس الاكبر الذي بلورته تجربة الانشقاقات ، والذي يؤدي اهماله وعدم الاستفادة منه الى خراب الحزب ، يؤكد ان استخدام القوة وعدم التقيد بالنظام الداخلي والتجاوز على الشرعية الحزبية ، حتى لو قام بذلك ملائكة معصومين ، كان شرا مطلقا اوقف احتمال تعاقب خطوات نجاح الحزب في استلام السلطة في اقطار عربية اخرى ، وحاصر الحزب وخلق اعداء كثر له وهز ثقة بعض القواعد وبعض الكوادر فيه ، وقدم للناس صورة سلبية عن الحزب بعد ان كانت صورته مثالية . وهذه الحقيقة تجعل النوايا الطيبة لمن انشقوا لا قيمة لها لان المهم هو النتيجة المتحققة في الواقع .

 

ما الفكرة الاساسية بعد هذا الشرح ؟ ان الحقيقة الموضوعية تؤكد بان البعث في الواقع العملي لا يواجه انشقاقات بل حالات فصل لافراد او كتل صغيرة  تلاشت ولم تعد موجودة الا كافراد غير منظمين ، وهي حقيقة تفرض طرح السؤال التالي : مع من يتوحد البعث أذن ؟ وهل التعبير الصحيح هو التوحيد ام العودة للحزب ؟

و لكن لنفترض ، ولاغراض الجدل فقط ، ان ثمة انشقاقا موجودا في الحزب فان علينا ان نطرح الاسئلة التالية : هل يوجد مبرر للانشقاق ؟ وكيف نعالجه ؟ وما هي نتائجه الواقعية ؟ ومن يتحمل الاثار الخطيرة التي ترتبت على الانشقاق ؟ وهل يعفى من تسيب في الانشقاق ؟ وهل توجد اسس تحكم عملية التوحيد ؟ وماهي تحديدا ؟ للاجابة على هذه الاسئلة لابد من تثبيت بعضا من اهم قواعد العمل الحزبي وتقاليده الثابتة ومنها طبيعة الحزب وهويته الايديولوجية وضوابطه التنظيمية خصوصا ضوابط العضوية في الحزب .

 

يتبع

مايس – ما يو  ٢٠١٠

 

salahalmukhtar@gmail.com

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢١ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٤حزيران / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور