منذ احتلال العراق ، والحكومات المتعاقبة تسعى للترسيخ لدولة الميليشيات ، وظهر ذلك
جليا في ترشيح زعيم ميليشيا بدر “هادي العامري” لمنصب رئيس الوزراء المقبل ، ففي
الانتخابات المرتقبة بنسختها الرابعة منذ عام 2003 ، تعكف كتل “التحالف الوطني”
الحاكم في العراق على طرح أسماء عديدة لمنصب رئيس الوزراء المقبل ، وفقا للنظام
الداخلي في التحالف الذي تأسس قبل نحو 10 سنوات، إلا أنه يبرز اسم “هادي العامري”
كمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء ، رغم تورطه في انتهاكات كبيرة.
و”هادي العامري” الملقب بـ”أبو الحسن العامري” ولد عام 1954 فــي
مــحــافــظــة ديالى شـــرق العراق ، وأصبح مــن أتباع المرجع الديني “محمد باقر
الصدر” ، ويملك العامري جنسية إيرانية ومتزوج مــن إيرانية أيضا، ويتمتع بعلاقة
وطيدة مـــع قـــائـد فيلق القدس فــي الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” كما
يدين بالولاء للمرشد الإيراني “علي خامنئي”.
وحصل العامري عــلـى بكالوريوس فــي الإحصاء مــن جامعة بغداد عام 1976، قبل
أن يبدأ مشواره مـــع قوى المعارضة لنظام الـــرئـيـس العراقي الراحل “صدام حسين”
فــي ثمانينيات القرن الماضي، حين غادر العراق إلــى سورية ثم إلــى إيران، بعد
ارتباطه بـ”المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فــي العراق”، وشارك فــي تأسيس “فيلق
بدر” هناك، الذي تحوّل لاحقا إلــى مــلــيــشــيـا “بدر” الحالية، والتي يتزعمها
العامري حتى الآن.
ونفّذ “فيلق بدر” عمليات اغتيال ضد مسؤولين وضباط وجنود عراقيين فــي بغداد
وجنوب العراق، فضلا عـــن استهداف “منظمة مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة التي كانت
تمارس أعمالها فــي العراق بدعم مــن نظام “صدام حسين” كما اتهم عناصر فــي بدر
بتنفيذ عمليات تعذيب وتنكيل بحق الأسرى العراقيين فــي إيران.
وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، عاد العامري إلــى العراق، وأصبح زعيما
لمليشيا “بدر” التي انشقت عـــن “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية”، قبل أن يتولى
منصب وزير النقل فــي حكومة “نوري المالكي” الثانية 2010-2014، وشابَ فترة وجوده
فــي الوزارة كثير مــن المشاكل المتعلقة بتعيين مقربين منه، وتحكّم أفراد مــن
أسرته فــي أمور الطيران فــي العراق. ومن أبرز حوادث تلك الفترة منع طائرة تابعة
لشركة “طـــيــران الشرق الأوسط” اللبنانية مــن الهبوط فــي مطار بغداد الدولي عام
2014، لعدم نقلها ابن العامري الذي كان موجودا فــي بيروت.
وتدخل كتل الــتــحــالــف الخمس الرئيسية “النصر” و”الفتح” و”دولة القانون”
و”سائرون” و”الحكمة”، متفرقة لأول مرة فــي الانتخابات، رغم ترجيحات بعودة توحّدها
داخل قبة البرلمان المقبل، وذلك للحصول عــلـى صفة الكتلة الأكبر التي يخولها
الدستور تشكيل الــحــكــومــة.
وتشير مــصـــادر مقربة داخل تحالف “الحكمة” بزعامة “عمار الحكيم”
للـــعــربـي الجديد، إلــى أن “كتل (الفتح) و(سائرون) و(الحكمة) تسعى إلــى كسر
احتكار حزب (الدعوة) لمنصب رئـيـس الـــوزراء، الذي يدخل عامه الثالث عشر فــي كنف
الحزب، وســـط إخفاق واضح له فــي تنفيذ برامجه الانتخابية، والفشل الذي ضرب مؤسسات
الدولة العراقية والفساد المستشري وثراء قياداته ومفكريه الفاحش”.
ووفقا للمصادر نفسها فإن كل كتلة باتت تقدم اسم مرشح عنها لشغل المنصب فــي
حال أخفق رئـيـس الـــوزراء الحالي “حيدر العبادي” فــي الانتخابات، أو رفعت إيران
فــي وجهه “الكارت الأحمر”.
وتحالف “الفتح” التابع لمليشيا “الحشد الشعبي”، والذي يشارك فــي الانتخابات
العراقية العامة، وســـط عاصفة مــن الجدل المحلي والدولي حيال ذلـك، يتخطى
التوقعات اليوم بتقديم زعيمه “هادي العامري” داخل دوائر ضيقة فــي الــتــحــالــف
الوطني الحاكم كمرشح لرئاسة الـــوزراء.
ورغم وجود تحفّظ كــــبـيـر مــن قبل أطراف عدة داخل “الــتــحــالــف
الوطني”، فضلا عـــن أطراف خارجه كالأكراد والعرب السنة بسبب تاريخ الرجل الحافل
واتهامه بجرائم قتل وتعذيب بحق عراقيين خلال تزعّمه الميداني لمليشيا “بدر”، فضلا
عـــن اعترافات سابقة له بدعم الـــجــيـش الإيراني خلال حربه ضد العراقيين فــي
ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الــتــحــالــف (الفتح) مـــا زال متمسكا بهذا
الترشيح، وفقا لمصادر مقربة مــن “الــتــحــالــف الوطني” الحاكم.
وقبيل الانتخابات البرلمانية التي أجريت فــي 30 إبريل/نيسان 2014 دخل
العامري ومنظمته “بدر” الانتخابات فــي تحالف مـــع رئـيـس ائتلاف دولة القانون
“نوري المالكي” فــي تحالف وصفه حينها العامري بـ”الكاثوليكي”، وحصل العامري
وأتباعه عــلـى 22 مقعدا برلمانيا ضمن ائتلاف المالكي.
وبعد سيطرة ( داعش ) عــلـى الموصل ومدن ومناطق عراقية أخرى منتصف عام 2014
غادر العامري قاعات مـــجـــلـــس النواب مرتديا الزي العسكري لقيادة
مــلــيــشــيـا “بدر” المنضوية ضمن فصائل “الحشد الشعبي”.
وقاد العامري معارك عدة ضد عناصر ( داعش ) فــي مــحــافــظــة ديالى،
ومحافظات صلاح الدين ونينوى (شـــمـــال العراق) والأنبار (غربا)، ووجهت اتهامات
للمليشيا التي يقودها بارتكاب قتل واختطاف وتغييب لمدنيين فــي المناطق المحررة.
ومع اقتراب المعركة مـــع ( داعش ) مــن نهايتها، العام الماضي، كشف العامري
عـــن طموحه بتولي منصب رئـيـس الـــوزراء فــي مقابلة متلفزة عــلـى محطة فضائية
عراقية، فــي يونيو/حزيران 2017، مؤكدا وجود جهات تضغط عليه لإقناعه بالقبول
بالمنصب.
وفـــي آخر تصريحاته، أكــــد العامري أن منصب رئاسة الـــوزراء لن يخرج مــن
يد التحالفات “الشيعية”.
وأكدت مــصـــادر فــي ائتلاف دولة القانون ، الذي يتزعمه المالكي
للـــعــربـي الجديد أن الأخير يتنافس مـــع العامري عــلـى كسب تأييد إيران
وانتزاع بطاقة مرشحها الوحيد للمنصب مثل الانتخابات السابقة.
وحظوظ العامري أو المالكي فــي الوصول إلــى المنصب تعترض برفض أميركي غربي،
وكذلك محيط عربي واسع، عدا عـــن التحفظ الداخلي للعرب السنة والأكراد، وهو مـــا
يجعل مــن أمر وصولهما للمنصب صعبا للغاية، لكن ليس مستحيلا مـــع النفوذ الإيراني
القوي فــي العراق الذي اتخذ، خلال سنوات الـــحــرب مـــع ( داعش ) شكلا مــن
أشكال الانتداب.
الاحد ٢٩ رجــب ١٤٣٩هـ - الموافق ١٥ / نيســان / ٢٠١٨ م